يشكل هذا الحفر الأنطولوجي في ديوان الشاعرة السورية عتبة أساسية لقراءة قصائد تحتفي بالحواس، وبالوجود. قصيدة "الاختلاف" في صوت نسائي يحفر شعريته في "خماسية العناصر"، وفي حديقة الوجود الحسية.

سابعة الحدس.. خماسيّّة العناصر (ديوان)

غالية خوجة

 

سابعة الحدس .. خماسيّّة العناصر

(ديوان شعر)

غالية خوجة

قصيدة الهواء

السماء تتلصص على شرودي ..

الليل سفينة  ..

الموت شجرة زيزفون تائهة .. 

قبري الأجنحة،

و جثتي المهب الأخير للرؤيا ..

أغافل مخيلتي،

و أكتب ما لا يتخاطره الكشف ..

ستفشل الحجب في قراءة رموزي ..

ليس .. في آخر ليس

سوى ما ليس للسوى ..

أتوزع أزماناً ..

و بلا زمن،

أتحول ..

إلى متى يشي بي الذي لن يكونني؟

أبجديتي الأثير ..

صمتي،

أولُ عشبة .. 

و الشعر تكويناتي ..

أغيب عن رؤيا لا تغيب عني ..

بحضوري،

أشوّش المجهول،

و أترك على الذي لا يُـترك مني،

ما يتركني هواء ً في المعنى ..

موسيقاي،

ستار أزليّّ ..

و نبضي،

محيطات العدم ..

روحي تخطو إلى روحي ..

نتدانى لنبتعد ..

نبتعد لنتدانى ..

تنطفئ المسافات ..

و وراء الذي لن يكتبني،

أكتب على الريح أن تزدحم في الوردة ..

على الوردة أن تتعطـّـر بنصّّـي الغائب ..

و على الجرح،

أن .. يبدأ من حيث أنتهي ..

قصيدة النار

الخمرة خضراء في الجمر ..

و النشيد أزرقٌ في شطحتي ..

قبل الآن،

الدهر ظلٌّّ ..

بعد الآن،

الدهر نهار ..

أثناء الآن،

تفلت الكلمات الكون،

فيتبرعم الجليد،

تذوب الفصول،

و ينمو نبضي من كلّ نار ..

لن أحذف عن اللهب أسمائي ..

لن أمحو عن الرمل بلوراتي ..

وكلما قلتُ للبصيرة : اشتعلي،

سألتني المزيد ..

ألأني نفختُ على الوقت،

صار الرماد طيوراً؟

أم .. لأن سكوني السدائم،

صارت المزامير رمادي؟

أدور مدداً،

ملكوتاً،

مجاهيل َ ..

و كيفما تستبطن المولوية المعنى،

أنبت من خافية القصيدة :

رؤى نارية،

أسطورة مائية،

و خرافة ً تحسدها الخرافات ..

هل أنا،

لا ..،

سأتخلى عن الأنا،

أتجاهل ما انوجد،

و أتجلى في اللا أنا ..

فماذا نبصر ؟

آه،

لماذا ما زلت أكتب على الأبدية ما يمحونا،

و أمحو عنها ما يكتبنا ؟

من أين كل هذا الهسيس ؟

قصيدة الجليد

تذوب العلائق في الصورة ..

الهالات مطر ..

و النباتات على وشك ..

خنفساء تتسلق أغصان الريح،

و اللحظة اللا موجودة تبسط الأجنحة ..

إعصار يفاجئ جبالاً تقفز إلى المحيط ..

تتفتـّـت الأبعاد ..

و سكون تلو السكون يرقص الضباب ..

رائحة الرطوبة الأولى تتمدد ..

تختلط الغابات بالهواجس،

فيبدو الموج برعماً على بقايا مركب ..

ويظهر الرعد أنثى ساجدة في معبد ..

الفصول تحبو لتلتقط التوت البري .. 

والنهارات،

أشباح تزخرف الكهوف ..

النخل و الصفصاف و السنديان،

ذاكرة ٌ أخرى للمشهد ..

فيضانات للهيولى،

والفراغ قائد أوركسترا الوجود ..

لا البحار تخالط الأنهار،

و لا المياه الجوفية تبوح بأسرار الموسيقى ..

رائحة بدئية،

و يتعتق الرنين ..

تذوب المحتملات في اللا محتملات ..

لا أحد يلتفت لأسئلة الحصى ..

وحدها العصافير تنقر الاختلاف ..

و وحدي،

أستبيح ما يجول في خواطر الجليد ..

ومضت أزمنة من السحاب،

وجاءت أطياف الموتى ..

مقابر جماعية للنجوم،

واستيقاظ مبكـّـر لروحي ..

هكذا ..،

مثل كون يتعرف إلى نفسه للمرة الأولى،

يمتصني بخور اللا وجود ..

فأتكاثف في كل شيء لطائف ..

أتشافف،

في كل لا شيء وقتاً من مطر ..

منذ متى الجليد يسرق مراياي،

ينحت الكواكب،

و يختلس لونه من الكلمات ؟

قصيدة الصلصال

رطوبة قديمة على الشمس ..

رعشة أزلية للندى ..

رموز تطأ العشب ..

و فخار الغيب يتشكل ..

أراه،

يبسط قلباً من نبيذ، 

ذراعاً من فضة،

و دوخة من ترانيم ..

يجدل العواصف أرجوحة ..

الجبالَ،

أغنية ..

و النبض َ،

أشجاراً ..

إلى ..  شبحي يمضي ..

هل سمع قصائدي المسحورة،

أم،

أنـّـات ِ قلقي ؟

يا التراب،

خذ لحني،

اغمره بالبنفسج و العنبر،

جففه من الفناء،

و بلطف ٍ،

على رأسه،

ضعه إكليلا ً ..

لا تبح ْ بما روته المكنونات،

و لا تستعجل بقائي ..

كأنك ستلمح فانوساً في جوف الموج،

لا تلمسه ..

ولا تحدق في ظله الهارب إلى الزعتر ..

أسرع ْ يا التراب،

ولا تلتفت لصوت يكرر صمتي ..

تتشاكل الأصداء :

خذ لحني ..

جففه من الفناء ..

أنبئني بمكنوناتي ..

يسرع التراب،

فتخطفه الشعلة،

يطفو اللحن بعد غمر ٍ،

يهرب الظل إلى الزعتر ..

ترانيم الإكليل تقترب ..

يتعمـّـد الماء بالتراب ..

فتعلو التراتيل ..

و ترقص الطقوس ..

كم،

إلى .. شبحي ستمضي ؟

متى،

من .. شبحي .. أمضي ؟

بعد سبعة أقمار،

بعد تسعة أجراس،

تصل الدلالات إلى الجذوع ..

تـُـبعد النمل برفق،

و تستحضر الفراشات ..

تحتطب الوقت،

ثم تشعل معه الريح،

فيندلع طيفي ..

يتبركن الفضاء ..

و آن َ،

انفجار الآبار،

أبرزخ ما يبرزخني،

و أدير السفينة ..

لن يعتصم بالجمر ..

سيحوّله الإكليل إلى حمامة ..

و بعدما يذوب اللحن الأشد ّّ زلزلة ً،

سيعانق شبحي،

و نضيء مثل صلصال ليس من صلصال ..

شمس قديمة تنفض الرطوبة ..

رعشة فضيـّـة تطأ العشب و القبر ..

مقامات ذهبية ..

و طقوس تشير إلى فخار ليس في الغيب،

و لا في الحاضر،

كأنه .. سيتشكل ..

قصيدة الموت

تزدحم السكونات ..

صفير مفاجئ ..

أحراج تفتح نعاسها ..

الضوء يغرس بذور موتي،

فأتصاعد بياضاً لا يدركه أي بياض ..

و خلف النهايات العملاقة،

يشع النداء الآخر للكون ..

تتلألأ المناسك ..

تلمع العناصر،

ويتلاحم رميم القدماء .. 

الظاهر يتسطـّـح حتى الاختفاء ..

الباطن يتعمـّـق حتى الانكشاف ..

و ما بين الخفيّ و الخفيّ،

أغترب لآتلف ..

تقدّسَ الله ..

و ليبارك ما يبذره الضوء ..

أزدحم في الأبجدية أبجدية مجهولة ..

و حيث الظهور الأزلي للشروق،

ينمو الصمت عناقيد َ،

تتكور الرموز أجنـّـة ..

صاعقة ٌ،

و الأسطورة الحبلى بي،

تلد هذياني ..

تتهاطل احتمالاتي ..

غزيرة،

غزيرة ..،

غزيرة تتهاطل ..

ذراتي تشاكس جاذبية المخيلة ..

 آلامي المتراكمة في السنابل و المرجان،

تعزف على الموج ..

فتتبيدر جراحات الأطفال، 

يشرد شجن النساء ..

هل أحرق القش،

أم المعزوفة،

أم الحزن و هو يتقمص شكل الملاك ؟

سأشعل الرموز في الطاقة المعتمة،

أركض خارج ما نعرف .. 

و كلما رأيت َ سماء حائرة،

اعلم ْ  أنها أثر بلا أثر لآثاري ..

ستصل إلى غابة تدير الحدوس ..

لا تشربْ قبل أن تخلع جسدك ..

اختر ْ كأس النقاء،

و امض ِ من جهة الغيب ..

لا تلمس الألواح َ المرتعشة ..

لا تفتح النوافذ المتهامسة ..

لا تصغ ِ لجحيم يزحف خلفك ..

اصعد ْ ..

سيتسرب الضوء إليك،

يترسب مثل حلم ينسرد الآن،

ينسل منك بذوراً ألماسية،

و يغرسها ..

لا تسلْ أين ؟

اصعد ْ ..

ستخطفك روحك إلى الانتشاء ..

تقدّسَ الله ..

و ليبارك من يصل ..

سهوة ٌ،

و المد ُّ يوقن بما يظنه القمر ..

بينما الجزْر ُ فيعود إلى القاع مدّاً ..

ليس في الذاكرة سوى :

رياح ٍ رملية،

جماجم تراقصها الأشنيات،

أحياء كانوا موتى،

جذوع تتسربل بين الأودية،

هضاب مبتلــّـة بالمجهول،

سرطانات تتسامر على الموج،

و شيء ذائب مني ..

ليس في الآتي،

سوى شاعرة تؤمّ قصائدَها،

فترتعش المعابد،

و يجهش الحصى ...

تقدّس َ الله ..،

و ليبارك ما يكتمه النور ..

قصيدة السرائر

له الحمد ..

طفيفة ً،

أصير الميتاء ..

تنثر السماوات حولي تعددها ..

لم يزل الوجود، هنا، بريئاً ..

و الكائنات،

لم يمسسها إنس ٌ و لا جان ّ ..

يتقلـّـب الغناء فوق الماء ..

خفقات المقابر تنضج بين الكروم و الصنوبر ..

تنقسم الموسيقى اثنين،

ثم ..،

تتضاعف الأعداد ..

الصفر ينبثق جليّـاً مثل شفق يتهيّـأ للقصيدة ..

سبحانه ..

شفيفة ً،

أعبر كثافتي ..

كثيفة ً،

تعبرني شفافتي ..

و خلف اللمعان،

يطلع من كل هدوء طير ..

أسراب من اللا مرئيات،

تحط ..

تطير ..

الضوء من كل لفظة،

ينثرني ..

سأكون ما يـُعلـّـمه اللا وعيُ  للمزامير،

المزامير،

للآبار ..

أجيء من روح ٍ ستنفخها الكلمة ..

أو أكون ما تجهله الأكوان ..،

لكن ْ،

ما تعلمه القصيدة الأكثر شطحاً،

المتعذرة على كل استبار ..

الحرف،

من كل ضوء،

ينثرني ..

و مثلما اللحظة لا تثبت في اللحظة،

أتحرك ..

لست ُ الزمان،

و لستُ المكان ..

و قليل مني يكفي ما لا تلمحونه أبداً ..

له الحمد ..

عميقاً،

أتهاطل ..

تخطف لوني الأسئلة ..

تستعير تصوّفي المنحجـِـبات ..

و الأحلام،

مثل المنكشـِـفات،

تلقـّـن الأشجار رهافتي ..

تتوارى الإشارات باللا متناهي ..

اللا متناهي،

يتوارى بإشارتي ..

و عميقاً،

أكثر من كل أعمق،

أتجذر في غائب اللغات ..

تحصدني شرارات مباغتة ..

و تبذرني رؤى مباغتة ..

تهبط الطبيعة إلى مستقرها ..

هو الفجر يطغى،

و العصافير تتأمـّـل ما تهمسه النباتات ..

أتلـفـّــتُ صوبي ..

اللهجة السرية للا معنى تتـّـبعني ..

الوديان،

تعود لمرتها الأخيرة ..

الطميُ مرايا مسكونة ..

المرتفعات،

على حافة حضور يتدفق ..

المناسك تلطـّـخ المجرات .. 

و على امتداد الرعد،

ملائكة ٌ تنادي : اقرئي..،

ملائكة ٌ في شغـُـل ٍ ..،

ملائكة ٌ تسبـّـح ...

له الحمد ..

لمـّـا يزل كل شيء إلى زوال ..

قصيدة السلام

لأنها ...،

لأنني ...،

سألت ْ :

 كم على الحمامة أن تحترق،

كي لا ترسمها الحرب بدم الأطفال ؟

كي لا تتفحـّّـم الريح ؟

كي لا يجنّ الماء ؟

لأن مجرّتنا تحلم بموت مبتسم،

و لأنني . .،

قالت :

انظري ..

توّاً،

من بصيرتي،

تراذذ العطر في الجرار ..

تصيـّـرتْ ذاكرة الموتى حنـّـاء ً ..

ماج َ عطارد ..

و انقلبَ " جوبيتير " عرائش ياسمين ..

لن تلتفت المياه لثرثرة الضفادع ..

لن يدير عبّـاد الشمس وجهه للـّـيل ..

و لن،

 أقصص رؤياي على أمي، 

أوصاني نهار ٌ يغيب في الثلج ..

فصرتُ الشعلة َ المذابة َ بين الكلام، 

صار السلامَ المتجمد في الأرواح ..

و رأينا :

زيزفوناً مستشهداً،

جمجمة َ رضيع ٍ،

قبل قنبلة،

كان يناغي .. 

يد َ لعبة ٍ مشوّهة،

عليها ما لم يلتهب من ذكريات ..

و جثة أم ّ لم تتخلّ عن جنين التعاويذ !

رأينا :

تراباً كان بيوتاً،

تراباً كان أناساً،

و رماداً كان كتباً مقدسة ..

و على العشب الملسوع بجهنم،

جلست الملائكة تنتحب .. !

هل أترك ظلي على المشهد المحترق ؟

أم ْ ..،

ألمُّ عظام َ الظلّّ عن الصورة السابقة ؟

لن يدير " حقل فان غوغ " وجهه للـّـيل،

لن تنسى " حوريات هوميروس " أغنيتي،

و لن يسبق الغسق الشفق ..

فما ذنبُ النار و هي تلدغ الأرواح ؟

و ما ذنب الحمامة و هي تصير ظلالنا ؟

كم، علينا، أن نحترق،

كي يترمـّـد القلق ..

كي لا يضطرب الكون،

كي،

لا

يظل الخلق في " لو " و أخواتها ... !

لن أقصص رؤيايَ على أمي،

أخشى أن تجالس الملائكة َ على العشب،

أن تصير القصيدة عظاماً مشتعلة،

أن ينمو رمادي غابات ٍ واشية،

أخشى ..،

أن ..،

يأتي المستقبل و يرى النهار َ تابوتاً في النهر،

نرى النهر َ مرجوماً بالسعير،

السعير َ،

ملتحماً بفناء أزليّ ..

كم،

على الوردة أن تغربل الرماد،

كي تستعيد المعابد ُ ما يكتمه النور .. ؟

طوبى ..،

لقلوب لم تمسسها الأسافل ..

طوبى ..،

لبصائر تضيء الأعالي ..

طوبى ..،

لرموز ستنبئ القصيدة :

منذ متى أنا السلام المذاب بين الكلام،

و الشعلة المتجمدة وراء المعاني ..

قصيدة الألواح

شرق َ البياض،

أو .. غرب َ الحنين،

تقريباً،

أبعد من آت ٍ بعيد،

شقائق النعمان تقرع نجمات البحر .. 

 صدفات ياقوتيّـات الصوت،

لازورديّـات الصمت،

تتعرى من الظلمات ..

و أجداد الحلم،

بلهفة أصيلة،

يرتكبون الرؤيا ..

نطفتي التي سأكونها،

مضطجعة في أغنية تدهش الموتى ..

نحلٌ يتمطى في مستحاثاته الكلسية،

ثم يطير ..

أزهار تتدلـّـى من الألفاظ ..

براعم الارتعاش تئز ّّّ ..

هو الفضول يترك ملامحه على الفجأة ..

الحقول تبزغ من نواة الصوّّان ..

و شمال البراءة،

جنوبَ الأعماق،

يتحول قزح ٌ إلى أسماك و خزامى،

و خصلات ٍ لا مفهومة ..

ثمة عذوبة ٌ صافية،

همسٌ كهنوتيّّ يناولني شتلة فضيّـة ..

هل أغرسها على عجل ٍ،

أم أخفيها في الموسيقى ؟

أعبر تضاريسَ الإيقاع،

و في المغارات المسترطبة بروحي،

تفح ّّ التراتيل ..

صواعد ٌ من ألماس،

نوازلٌ من قزح ..

همسٌ كهنوتيّ تستعيره الخلاءات،

يتصادى :

فلتزرعي الشتلة َ الفضيـّـة  ..

هنا،

و أشار النداء إلى نقطة ٍ في أبجدية أثرية ..

كأنني غرستها في أحد الألواح ..

ألواح ٍ لا طينية،

و لا نارية ..

و قد تحسبها الشكوك : ماءً،

أو خمرة ً ..

و لا تجزم الطبيعة ُ أنها هلام ..

جذور الشتلة الناعمة،

تمتص نسوغي ..

و حالما يكتمل قرْع ُ الموجة الثانية عشرة،

تصير الشتلة سماء بنفسجيّـة ..

و تظهر المقامات ..

رعشة ٌ بحْـريّّـة تصادفني ..

لا أدري قبل الآن من أنا ؟

بعد الآن من أنا ؟

كلنا،

لا ندري من نكون ؟

لكنّ القصيدة،

ستظل معتـّـقة ً بحدوسنا ..

 و يظلّ الريحان علامة ً للغيم الأكثر ابتهالا ً ..

هلـّـلويا ..،

لـِـما كانني ..

هلـّـلويا ..،

لـِـما يكونني ..

هلـّـلويا ..،

لـِمـا سأكون ..

قصيدة الخفاء

ها هو اللا مرئي،

انظروا :

كيف يلف ُّّ خصلات الشتاء على نواة الصيف،

ثم يرمي مطر الخريف على شجر الربيع،

فتصطك ّ الفصول الخفية بأسمائها الجليّـة،

و لا يظلّ على الليل الذي سيأتي،

سوى ..،

دعسات ِ نهار ٍ مااااااا مضى ..

ها هو يجرد نقطة البداية،

و نقطة النهاية،

و لا يتوهم بأن التوقيت

/ مثل العواصف،

انكسر عندما لامسته روحي ..

لن أشير إلى ملامحي المنبسطة فوق جليد المحيطات الأولى،

و لن أعلن عن ملامحه المخبوءة في الصنوبر،

و الزيتون،

و البنفسجة ِ التي، يوماً، ارتجّـت ْ مع قديم ِ الينابيع ..

و لكيما،

تصغوا لهدوء قزحيّّ،

ينبض الآن بين أوائل التكوينات،

قال :

اخلعوا ما يرتدي الظهور،

و ارتدوا ما يخلع الألفة ..

ثم .. أضاف :

إلى متى اختلافك ِ يحيـّـرني ؟

في سؤاله،

غبت ُ أنا المسكينة،

في سؤاله ِ ..

و لكيما أجرب الانكشاف َ،

كتبتُ على الشعر،

أن يستديم َ طفلا ً،

يلهو بين الأحراش و النجوم،

يشاكس اللمح َ و المحو َ،

و لا يخرج من مغارة أو كهف أو روح،

إلا ّ ..،

و بَصَمـَـها برموز فوسفورية ..

الأشعة تصعد بالفراغات،

و العالم كاد يهبط ..

خيوط من نار لا مرئية،

تسنده،

فتستعيد الصحراء بحارها،

و البخور يعود عيداناً ..

العيدان،

تستذكر أشجارها .. 

و الأشجار،

تستفسر عن حضورها ..

منذ متى الوجود خارج كلمة الوجود ؟

فأشرت ُ إلى قصيدتي،

فقالت :

منذ أصبح اللا وجود مهجوراً إلا ّ .. مني ..

ثم ..، أشارت إليّ ..

و لكيما ..،

نضيء َ أكثر،

خطفـَـنا اللا مرئيّ ُ،

و صدح بكشوفات حادة ..

بعدها،

مطـّـت الأنشودة رأسها،

اهتزت الكواكب،

و استدار المشهد الكلـّـي ّّ ..

نحوي،

أو ..، نحوه استدار ..

نفحات سحرية تهشّ بأشعتي على الموسيقى ..

خلـْـفنا السنابل نصْـفُ يقـِـظة،

و الشمس نصْـفُ ناعسة ..

عشق غامض،

يجذبني إلى الرحم الكونيّ،

فأنصهر غائبات ٍ، حاضرات ..

و التسبيحة تتفـّـح، تتفتـّـح ..

تصطكّ الفواصل،

تختلط اللا متناهيات،

و أثناء ما تتجمهر ُ الشموس،

أعبر إلى مقام ٍ أعلى ..

كم على الأزمنة أن تتطهر بقلقي،

كيما،

تطلقها نيراني ..

و كم على الأرض أن تدور حولي،

كيما،

يصير لها أجنحة ..

عالياً ..،

تتشرع وحدتي ..

و الفضاء يُـشرع بالطيران إليها ..

سنتصادم،

أو ..، نتنازع،

لكننا،

في سؤاله،

نحن المساكين،

نغيب في سؤاله ..

سأترك اختلافي يحيّـره و أسأله :

لماذا لا تتعدد، أو .. تتبدد، أو .. تحيّـرني .. ؟

في سؤالي،

سيغيب المسكين،

في سؤالي ..

لن أغمره بالتآويل،

و لن أشرح للغابات من أين جاءت بذورها المرنانة ..

ليس لأن الكون سيعرف أن البرْكنـَـة َ، مني، تأتي ..

و الجمالَ،

برقصاته الأنصع توتـّـراً،

مني،

يتنابع ..

بل،

لأنني اللا مرئي، انظروا :

كيف أمنح العشب لازورد َ الحياء،

القصائد َ،

ياقوت َ الانبهار ..

و كيف،

أجلب الأخفى إلى ما يتفاخر به الخفيّ ..

الله ..، تقدّست َ يا الله ..

و لتبارك ْ ما ترومه صوفيتي ..

قصيدة الأعالي

جراحي نسور الحمـّـى ..

آلامي،

بكاء الخشب حين شـُـبّّـه َ لهم ..

لا تشبهني " عشتار " و لا " هيلين "،

لا " أريشكيجال "،

و لا " الرابعة " الأخرى ..

قد أكون نسيتُ ظلا ّّّ عند " مريم "،

و نوراً في أول الانفجار العظيم ..

قد أعود بزوغات ٍ مصلصـِـلات،

و دماء أضاح ٍ متوهجة ...

جراحي نسور الشاهقات ...

و قلبي،

كون ٌ صاف ٍ مثل " فصوص ابن عربي " ..

فكيف لا أكفـّـنـُـنِـي باخضرار البصائر ؟

و أبعثـُـني وحدة ً أخرى للوجود ؟

حدوسي الأجراس،

و نبضي المآذن ..

و كلما تستفتيني الأبدية،

أرشدها إلى الأبدية،

فيتكوّر المقام على المقام،

ينولج المعنى الأبيض في المعنى الأسود،

و تشتعل القصيدة بالشهود ..  

لا تهذي اللحظة المارة من هنا ..،

و أبجديتي ليست بساحر أو بمجنون ..

تبارك الذي وهب فطرتي كل هذا السطوع ..

ما من شمس جديدة إلا ّ و فيها من هبوبي ..

ما من قمر يتوارث أهلـّـتـَـه،

إلا ّ .. و فيه من محبتي ما يكفي العاشقين ..

فاسحبوا السماء عن الضباب،

و اكتشفوا أن اللحن الغامق،

حتى ... أقاصي النور،

ليس إلا ّ شفافيتي ..

هل أتيت لأكفـّـر بهديلي عن ذرية " قابيل " ؟

موتي يعاكس موتي ..

و عكـْــسَ كلّ موت ٍ،

أمضي ..

تشي بي الريح لأختها،

فتلتفت ُ المقابر، 

و يهدهد الموتى عظامهم ..

بينما الرؤيا فتصير أغزر ..

يتبلـّّـل الفجر برائحتي ..

يتعلـّـق النرجس ببرج السرطان ..

و الزمن المراوغ،

يغووووووووور أكثر في طين الخرافة ..

لا سواحل لحواس الزنبق ..

لا رغائب لدهشة تنفطر ..

و دوماً،

أغافل سراً يقشر سراً ..

يااااااااااا ...  إلهي،

بوركت َ،

يا مَـن ْ باركتَ  فطرتي بعظيم السطوع .. 

قصيدة الابتهال

المدائن مخدرة بما يتجسد، 

و أنا المخدرة بالمجرد أخدر المجرد ..

الغابات في غيبوبتها المحتمَـلة، 

و أنا في صحوتي الشاطحة أبداً ...

تتبعني الفراشات، الأناشيد، الأمطار، المناسك، الطيور، الذرات، النجوم ..

للسديم،

أخلع ظلي حدائق ذهبية ..

للأثير،

حواسي،

أقراطاً فضية ..

للغياب،

جنوني،

مذاهبَ ماسيّـة ..

أخلعني،

سلالة َ ألغاز،

شتائلَ مهْـليـّـة،

و غباراً غرائبياً للأكوان ..

يا .. قدوس ُ ..،

لا تـُـعدني إليّ ..

دعني بين الملكوت و الملكوت ..

و اشهد ْ،

أني أفوضك َ،

أسبـّـحك ..

و أتخلـّـى عن خلوتي لخلوتك ..

قد أكون شذرات ٍ في الأرواح .. 

نقطة ً،

في الألواح ...

في أية صورة تشاء ..

يا ربي،

انتزعني مني إليك،

منك إليك ...

العالم،

تلهيه العناصر .. 

و العناصر تلهو بالعالم ...

و أنا ..،

ثملة ٌ بثمالة ٍ ثملة ٍ بما فاض منك ..

كلما .. تهت ُ إليك،

صار التوهان بوصلتي،

و صرت ُ بوصلة ً للصيرورة ...

يا اااااااا قدوس ُ ..،

يا من باسمك يترنـّـم الظاهر و الباطن،

باسمك الذي أنت به أعلم ..،

انتزعني ..،

منكَ إليك ..

و اغفر ْ،

لعالم ٍ مخدر ٍ بالمجسد ..

اغفرْ،

لمن تجرد و لم يتجرد ..

اغفر ْ،

لمن يتبرزخ في قصيدة ٍ تتبرزخ بين الملكوت و الملكوت ... 

قصيدة الانطواء

ساهية ً عن السهو،

تنطوي الطاقة العذراء ..

لا تشرد في ذواتها إلا ّ ليغرّد الشرود،

إلا ّ ..،

لأنوجد،

مثل الغيب،

بغتة ً ...

فأطوي ما كان منذ أربعين الرؤيا،

أحرق النسيان و الذاكرة،

أتعرى من آلام الرماد،

و أطفو لوتساً على لغة الهيولى ..

تستحضر عزلتي حشودها : 

صلوات البحر الأولى تضيء الأزهار ..

الوعيُ الأكثف ُ لاوعياً يُـسبـّـح ..

المعاني تبذر الفجر لتحصدني ..

و الحدس المستتر لا ينجو من شفافيتي ..

ملفوحة ً،

بأعماقي التي لا تهدأ،

أضج ّ فيّ،

في العناصر و اللا عناصر،

في الدلالات المشاغبة،

و براءة النخيل،

و مخيلة الرضيع .. 

في عشبة قرب التعاويذ تتسابق إليها الغزلان،

في كسْـرة ٍ للوقت لم يعثر عليها الوقت،

في المجرات الطائشة،

و في جرار ٍ تـُـعتـّّـق المستقبل ..

ملفوحة ً،

بأعماقي،

أستجير بأعماقي :

زمّـليني،

دثــّـريني ..

بعدها،

لا أعرف :

هل انصهرتُ، ذبتُ، تلاشيت ُ، تشكـّــلت ُ، أم اختفيت ؟

و حين أشرتُ إلى القصيدة،

حين أشرت ُ إليها،

أبصرتها تشير إليّ ..

فـَـغـبـْـنا مثل كشف ٍ،

ينوجد بغتة ً ...

و غبْـنا ...  

حولنا الغامضات تطوف ..

المفقودات ُ ترتعش في شروقها العميق ..

و على خط مخيلتي الاستوائي،

في الربع الخالي من الأبدية،

يعبر التجلـّـي منتصفَ التخلـّـي،

فلا الظلمة جحيم كامل،

و لا الضوء أليف الظلمات ..

و قبل أن تشي بسدائمي السدائم،

قبل أن أشي بكل ما يحضر ليغيييييييييب،

تندغم ذات الصدع بذات الرجع،

يتملص الهيدروجين من العدم،

تتناثر المجرات في الأرواح الحلزونية،

و مثلي،

اللا مرئيّ،

يموج بدعائه العتيق :

" لبـّـيك اللهم لبـّـيك " ...

حين أشرت ُ إليها،

لماذا .. أشارت إلي ّ ؟

و إلى متى .. نغيب،

مثل ملكوتات  ٍ،

تحضر بغتة ً،

بغتة ً،

و بغتة ..... ؟

شاعرة وناقدة سورية

ghaliauae@yahoo.com