عزيزي القارئ، أتشاركني بعض جنوني؟ يحس فراغا وجدانيا موحشا.. يفكر بشكل أعمق في معنى الفراق.. الوحدة.. الألم.. الخداع... ـ في المدينة نساء كثيرات وحلوات وروائحهن تخدر كل الحواس. ـ حريرتك بردت... ألم يعجبك طبخي؟ تشير المرأة الى فتاتين تبرز سروايلهن الضيقة تفاصيلهن السفلى قائلة: ـ ولم لا؟ أريد بنتا ترعاني في شيخوختي، تصبن ثيابي، وترتب فراشي. ـ خذ يا وليدي! قالها صديقي متحسرا، فأحسست أن شيئا ما ينقص رحلتنا. ـ حين يدفنونك، يقف على رأسك ويقول لك: "السلام عليكم. ماذا كنت تفعل في دار الدنيا؟". اقترب صبي على مشارف المراهقة فاغرا فاه مستندا بيديه إلى ركبتيه فرماه حسن بفردة حذاء: "آه، لو كتبت هذه الاعترافات يا حسونة في نص وقرأته ناقدتي.. ستحقد علي إلى الأبد..!". أكتم ضحكي وفي صدري أينع ربيع قبل أوانه. ـ في الصيف كانت عجيزة البنت أكبر من أمها. في سري: "حتى هذه انتبهت لها يا ابن الذين... كيف يمكن أن تتخيل أن تفكر فيك هذه المهرة؟"!. ـ هذا الأحد، لمحتهما في السوق الأسبوعي.. لكن الزحام لم يطاوعني لكي أحتك بجسدها. وبيده جسد حركته المجهضة بزهو وهو يسحبها من الخلف.. من بين فخذيها حتى... وسأله صديقي، بطريقته التي تجعله يبوح بما يخالجه: ـ من؟ الأم. ـ أنت، احرس تلك الجهة، وأنت لا تغادر مكانك.. سنرى من سيضحك في الآخر يا ولدي، يا عامر. قفز وأقبل ناحيتنا.. دعاه الكهل لاحتساء كأس شاي مداعبا: ـ ألم تعثروا عليه بعد؟ ربما يكون قد مات. ـ دع الرجل في سلام. قل: "الله يستر". ـ هذا ابن المرحومة الزوجة الأولى، وقد طرده عامر بعد أن تزوج واحدة من المدينة. وكأنما يخاطب أحدا وهو يبتعد عن بائعة الحريرة، في اتجاه الحافلة القادمة: أطفأ هاتفه، دسه في جيبه في حنق، وأشار بيده إلى سائق سيارة الأجرة تتأهب للانطلاق وهو يسرع في خطواته.
صاح الخال مبتهجا...
(3)
توقف عن القراءة، رفع رأسه الأصلع، رمقه من وراء نظارتيه وهو يرمي بالورقة على سطح مكتبه الفخم.
(6)
استأنسنا جلسة بائعة (الحريرة)، لكزني صديقي والمرأة تصب بعض الحريرة في إنائي:
ـ آه، لو كان معنا حسن!!
ـ هل جننت؟ تلك عجوز شمطاء.
(11)
طال الانتظار، ركب رقم صديقه وهمس لنفسه:"هذا المعتوه، يبدو أنه اندس في أحد بيوت اللذة هنا!".
يقدم الكاتب المغربي هنا تجرية سردية تعتمد على الكتابة المشهدية وجدل المتجاورات في اقتناص زخم العالم الخارجي الذي تعيش فيه شخصياته، والداخلي الذي يتناول أحلام الشخصيات المجهضة وطبيعة الكتابة معا.
لاَ تصَدّقُوا الكُتّاب