رسالة المغرب

أسئلة الرواية المغربية اليوم

عبدالحق ميفراني

ندوة الرواية المغربية اليوم: أسئلة الذات والمجتمع، الكاتب يساءل عصره، تجارب روائية جديدة

نظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب بتعاون وشراكة مع وزارة الثقافة، ندوة في موضوع ّالرواية المغربية اليوم: أسئلة الذات والمجتمع"، بمشاركة روائيين وروائيات وباحثين قاربوا الموضوع من ثلاث زوايا، عروض نقدية في محور الندوة المقترح "أسئلة الذات والمجتمع"، وشهادات لروائيين في موضوع "الكاتب يساءل عصره" ومائدة مستديرة بعنوان "تجارب روائية جديدة". وذلك بقاعة المحاضرات المكتبة الوطنية بالرباط، يومي 25 26 يوليوز 2008.

أكد الناقد عبدالفتاح الحجمري في بداية الجلسة الأولى، التي شارك فيها النقاد سعيد يقطين، عبدالعالي بوطيب، رشيدة بنمسعود، بشير القمري، على أن محور الندوة يدفعنا للتفكير في العديد من الإشكالات التي تهم الخطاب الروائي في المغرب. فإذا كانت كل رواية خطاب يحاول أن يدعم الإيهام بالواقع، في إدعاء مجازي لإصلاح الحياة. فأن نبحث في الذات والمجتمع، معناه في جزء من هذا الإشكال المطروح، أن نبحث عن الحقيقة الأدبية؟ وهو ما يفضي أيضا للسؤال عن وظيفة الأدب؟ لتتناسل العديد من الأسئلة، كجدوى القراءة؟ ويستدعي الناقد عبدالفتاح الحجمري مقولة كريستيفا "ما الحاجة الى الأدب الروائي في عالم اليوم؟".

الناقد سعيد يقطين كان أول المتدخلين في الندوة الصباحية الأولى في موضوع "الرواية المغربية اليوم، وجمالية النوع السردي" وكعادة مداخلات سعيد يقطين بلور واقع الرواية المغربية اليوم، في استقراء العديد من الأسئلة الجديدة ومن خلال الكثير من القضايا. أكد المداخل في البداية، أن الألفية الجديدة عرفت عدة تحولات كبيرة، فهل الأدب ينبغي أن يظل كما عرفناه في السبعينات؟ ما حاجتنا للأدب اليوم؟ الرواية المغربية هي وليدة صيرورة الأمس، وهي في نفس الوقت تتطور على أصعد شتى. فهناك تزايد كمي، وتنوع في التجارب. فهل خلقت الرواية المغربية جمهورها؟ هل تخطت علاقة البحث عن ذاتها؟.. ثمة حاجة ماسة اليوم الى مأسسة الرواية، في إطار مواكبة نقدية واعية. تحول الوضع من المستوى الهلامي التي هي عليه الى المستوى المسطر.

يعمق الناقد سعيد يقطين أسئلة جديدة، تبدو مستفزة أحيانا وتدعو الى التفكير، فهو يؤكد أن الروائي المغربي يكتب نصا مفتوحا "بلا هوية"، وهو يتنقل من موضوع الى آخر، تنقل الناقد من منهج الى آخر. ويبدو جليا الحاجة الى ضبط سؤال النوع السردي، فالكتابة في إطار نوع سردي محدد تكشف خصوصية الصنعة الروائية؟..لكننا مع ذلك نكشف راهن الرواية المغربية من خلال ما يقترحه الناقد سعيد يقطين بـ"الوضع الهلامي"، إذ لا زلنا أمام مشروع بحث، الرواية المغربية لازالت تبحث عن "هويتها..". يحدد الناقد يقطين، ثلاثة أنماط سردية كبرى:"السرد الأدبي(الرواية جزء منه، وقد استعمل كوسيط الكتابة)، السرد الجماهيري (يتحقق عبر وسائط جماهرية كبرى)، السرد الشعبي (الشفوي). وتكمن خصوصية الرواية المغربية في أنها تأسست كنوع سردي على صلة بالسرد الأدبي، فهوية الرواية المغربية ظلت كتابية، أي أنها ظلت مرتبطة بالرواية العربية..ومشدودة الى البعد الكتابي.

وهي متمحورة على الذات في نظرتها الى المجتمع عكس الرواية الغربية التي تجعل الذات هي التي تصنع واقعها. الواقع كغنى و"مركب" لا يحضر في الرواية المغربية. ولتجاوز هذا البعد يستلزم العودة الى السرد الشعبي الشفوي وهو الأقرب الى الواقع..لقد ظلت الرواية المغربية تجريبية ليست على مستوى الشكل بل حتى في العلاقة بالواقع مزيج من البحوث: رؤية ذاتية الى العالم، وليس العالم كما يحضر وكما يقدم. يدعو الناقد سعيد يقطين الى ضرورة إقامة مسافة بين الذات والواقع، فآنذاك يمكن أن نجدد ذواتنا. مع الانفتاح على الأنواع والوسائط الجديدة.

الناقد عبدالعالي بوطيب، تناول تجربة روائية متميزة في الجسد الروائي المغربي: والممثلة في تجربة عبدالكريم غلاب الروائية الرائدة. وضرورة حضور النقد النصي المحايث، لا تلزم تجربة الروائي غلاب بحكم انها علامة فارقة في تشكل هذا المشهد وتأصيله، فحضور غلاب يتأسس على رؤية شمولية، تنطلق من نصوص لكنها تصل في النهاية الى الكشف عن سمات عامة وأفكار كبرى في تجربة هذا الروائي. فلا يمكن قراءة نص بمعزل عن نصوص سابقة، لذلك يشير الناقد عبدالعالي بوطيب، الى أن كل عمل روائي جديد هو صيرورة في إطار نسق تجربة الروائي ككل. وفي تأطيره لتجربة غلاب الروائية يثير مستويين أساسين: مستوى ظاهري والمتعلق بمكانة تجربة غلاب في الحقل الروائي المغربي كتجربة رائدة ومستمرة عمرت نصف قرن. ومستوى تخييلي، يثير استغلال مجموعة من الآليات الروائية تتلخص في الرواية الواقعية النقدية.

الناقد بشير القمري اشتغل على تجربة الروائي يوسف فاضل وقد وسم مداخلته بشعرية يوسف فاضل. وقد اعتبرها محطة نقدية لاستعادة إشكالات تهم النقد الروائي في المغرب. تجربة يوسف فاضل الممتدة من نص الخنازير 82، الى 2008 تاريخ صدور نصه حديقة الحيوان، مرورا بنصوص حشيش، أغمات، مترو محال..فهو ينتمي الى الرواية المغربية الجديدة ويحافظ على هذا الانتماء. الرواية المغربية الجديدة من منظور سوسيولوجي دينامي، في اقتحامها لاشكال روائية جديدة كظهور الرواية البوليسية..

فعلى مدى 26 سنة انخرط يوسف فاضل في نصوص روائية مكنته من إحلال الصدارة، وجعل الكتابة معيارا لقراءة تطور الرواية المغربية. وفي هذا يدرج الناقد بشير القمري تلك النصوص التي عمدت الى خلخلة نمط السرد الروائي وهو هنا يؤكد على دينامية النصوص الثمانينية، المسبار لقياس التجريب في الرواية. شعرية يوسف فاضل تطرح شعريات متعددة، فنصوصه شكلت انزياحات كبرى لعل أبرز مكون هو النزوع الى المقطعية واستدعاء الكتابة السينارستية، ولعل هذا الشكل الروائي يترجم رؤية الى العالم، ونوع من التعالق الأنطولوجي.

الناقد محمد الداهي عاد الى مفهوم التخييل الذاتي وتجلياته ومفارقاته. إذ حدد وساءل مفهوم "التخييل الذاتي"، كما حلل نموذجا له للروائي عمرو القاضي، ليتناول في الأخير بين ما يجمع هذا النص ونصوص أخرى لروائيين مغاربية. في تحديد لمرجعيات المفهوم يعود الباحث محمد الداهي الى أعمال توماس كليرك وسيرج ديبروفسكي، وماك ميوزمان... كل هؤلاء يشتغلون بمفهوم طروا بصيغهم الخاصة مما أدى أحيانا الى التباسه، فاعتبار التخييل الذاتي مزاوجة بين السيرة الذاتية والتخييل والسيرة الذاتية التخييلية والتخييل الذاتي الذي ينزح عن الواقع مع إضفاء التخييل على التجربة الذاتية. في عمل عمرو القاضين نزوع الى صياغة البورتريهات إذ كل فصل يؤكد استقلاليته عن الآخر، ليتحول الى محكيات صغرى. هذا الابتعاد عن الذات، ساهمت شخوصه في بلورت رؤيتها للوجود. يتحدث الناقد الداهي عن خصائص المحكي الشعري ويعدد سماته الخطابية، فالرواية تستغني عن الشخصية الرئيسية وتتخذ قناعا للتعبير على ارائها، السارد في النهاية، يعمق تلك المقولة بأن السارد غير جدير بالثقة. وفي هذا الإطار يعود الناقد محمد الداهي الى أعمال عبدالقادر الشاوي في نزوعها الى هذا التشظي الأجناسي مما يجعل من مفهوم "التخييل الذاتيّ يحتمل تلك الأحقية المنهجية في التحليل، وفي تناول بعض الأعمال الروائية المغربية.

الناقدة رشيدة بنمسعود خلقت الاسثتناء في الجلسة الأولى بتناولها لعمل روائي ينتمي الى الحساسية الجديدة في الرواية المغربية، إذ في بحثها عن صوت الآخر في الرواية النسائية. قدمت قارءة لنص الكاتبة وفاء مليح "عندما يبكي الرجال" نص ينكتب من خلال الفقد. فالى جانب النص الإطار، تضم رواية الكاتبة محكيات صغرى. وقضايا مجتمعية تشكل موضوعة هذه المحكيات لتعضد في النهاية من الحكاية الإطار. ثمة ملاحظة أساسية تثيرها الناقدة رشيدة بنمسعود في أن الروايات النسائية العربية كانت تهتم بمعالجة ثيمة الحرية مدخلا أساسيا لأنسنة العلاقة بين الجنسين. نصوص تتميز بالإنصات للذات ولصوت المرأة.

فالعديد من الشخوص الروائية تجسد الأمثلة الكبرى لسيطرة التقليدانية وإبادة المرأة في خنقة "الحريم". ويطرح المغرب الحديث، تموقعات جديدة تهم البنية المجتمعية والسياسية التي تولدت. فمغرب المصالحة والإنصاف، وميلاد أدب السجون، حيث لا حدود للبوح، هذا الأدب الذي تسمه الباحث بأدب "الاقدام العارية" يتم توظيف لمدونة المذكرات. وبالعودة لنص "عندما يبكي الرجال" تشير الناقدة رشيدة بنمسعود الى تداخل صوت السارد والمسرود عنه، علاقة حوارية ما تلبث أن تتحول الى علاقة مرآوية. ثمة وعي حاد بالمكان، وبسوداوية الواقع، مع توظيف للغة غنائية شفافة.

الجلسة الثانية التي أطرها الناقد والباحث عبدالرحيم العلام، عرفت مداخلات النقاد حميد لحمداني، عبداللطيف محفوظ، أحمد عصيد، ورشيد بنحدو، افتتح الناقد عبدالرحيم العلام، بميلاد النص الروائي الستمائة (600)، مع تحذير منهجي في تباين مستويات هذه النصوص. وفي استقرائه لردود النقاد عن سؤاله لماذا اختيار مداخلة بعينها عند التفكير في ندوة الرواية المغربية اليوم: أسئلة الذات والمجتمع، تبين أن النقد الروائي في المغربي، هو أيضا لا زال يفكر ذاته وفي آليات اشتغاله، وفي كل مرة يثار السؤال من جديد حول الرواية المغربية يستحدث هذا الخطاب أواليات جديدة للتفكير في خطابه هو أيضا.

الناقد رشيد بنحدو قدم خلاصات لعملية استبصار واستقراء قام به، بمعية 63 طالبا، حول الرواية المغربية اليوم، وبالذات الرواية الجديدة. لذلك لخص مداخلته حول الاسئلة التي أثارها لديه نتائج هذا الاستقراء. مع تمييزه لصنف القراء فهناك قراء وهناك قارئ نموذجي. يتحدث الناقد رشيد بنحدو عن العزوف والإحجام عن قراءة ومتابعة الرواية الجديدة، ويحدده في إطار تواطؤ معلن. فالبعض يرى أن الحساسية الجديدة أفضت بالرواية المغربية الى أزمة تدفق ولغة هذيان تكثير فيها البياضات. فالرواية الجديدة ضد الرواية لأنها تنزاح عن معيار محدد. وهي قبل الرواية لأنها ترغب أن تكون أول رواية لأنها تنزاح عن الاستمرار.

يعتبر الناقد رشيد بنحدو الى أن قوة الروائي وأصالته تكمن في خصوبة الذات، فالقارئ النموذجي، يجب أن تمنحه الرواية الإحساس باختراق عوالمها، بعنف الواقع.."أن تكذب بصدق.."

الناقد حميد لحمداني تناول دينامية تفاعل الذات مع الآخر من خلال نماذج روائية مغاربية. مقدما في بداية مداخلته تصوره المنهجي ذو المحتوى الثقافي في التناول والذي يميل الى التحليل الثقافي التحليلي من خلال توزع القيم، وخلفية تشكل الأنا. ويثير في منطلق مداخلته الى القيم الأربعة الاساسية التي توزعت المغرب العربي، القيم المحلية، الشرق العربي، الإسلامية، والغربية. التباين في أنماط الهويات وتأرجح صورة الذات بأشكال متباينة من الأنا (المحلي ـ القومي ـ الإسلامي ـ الآخر)، تفاعل الذات مع الآخر، وتفاعل الذوات المغاربية مع الآخر من خلال الصدام، ومن خلال أنماط من الحضور تتوزع حضور الذات والآخر في نصوص روائية مغاربية تناولها الناقد في مداخلته. هذه الأنماط الخمسة، تقدم سمات دينامية التفاعل بين الأنا والآخر، وتنتهي بتوصيف لتلك الهوية المنبجسة من داخل ثنايا هذا الوعي.

عبداللطيف محفوظ قارب رواية "جارات ابي موسى" لأحمد توفيق، هذه الرواية التاريخية التي احتفى بها الإعلام والنقد المغربي لحظة صدورها. وقد قدم الناقد في مقاربته لها، سماتها الأدبية من خلال التساؤل حول المرجعية التاريخية، عبر التمييز من خصوصية الخطاب. وسؤال التاريخ، وعلاقة الروائي به. وهنا يحدد الناقد عبداللطيف محفوظ أنواع الكتابة في التاريخ في اشتغالات هيجل، لينتقل لتناول بناءات المعنى في جارات أبي موسى. فالنص الروائي يخلق إيهام بالواقعية التاريخية. إذ أنه نص روائي عن انهيار القيم والأخلاق.

الناقد والباحث الأمازيغي أحمد عصيد قدم صورة عن الأدب الأمازيغي من خلال صورة الذات التي تشعر بالغربة، غربة ما، تتحول الى بحث دائم مزدوج عن الذات. الرواية الأمازيغية، رواية حديثة العهد (9 روايات صدرت الى حدود اليوم). هذا العدد لا يسمح عند الباحث بتأمل خصوصياتها وتحديدها. فالكاتب الأمازيغي لم يستطع أن يطور لغته نظرا لأنها لم تحضر إلا حديثا في المقرر التربوي. لذلك يكتب الروائي الأمازيغي من خلال خلفية استحضاره للحاجة التعليمية للنصوص، فهي كتابة متحررة من نمطية القول الشفوي عكس القصيدة. إذ ليس هناك نص شفوي سردي عكس الشعر. لذلك ستثبت الحاجة الى النص النثري، خاصة في مجتمع في حاجة الى التحول من قيم وبنية التقليد الى الحداثة. وهو ما مكن من ظهور المثقف الأمازيغي الحداثي.

وقد قدم الناقد أحمد عصيد عمل الروائي محمد أكوناط "الحلم وبعض الحلم" الذي يشتغل على بكثافة على اللغة، وعلى المعجم، رغم طبيعته الكلاسيكية، لقد حصل تقاطع بين المبدع واللساني من خلال تبادل وتواطؤ أدبي. يؤكد الباحث أحمد عصيد أن المبدع الأمازيغي يكتب وهو يشعر أنه يؤدي وظيفة تعليمية.

الجلسة الثالثة، والتي أطرها الباحث والمترجم مصطفى النحال، افتتحت بداخلة الناقد سعيد علوش حول النص الرقمي، من خلال استدعاء نص "قنديل سلامة" مع تحديده في البداية الى ملابسات صدور هذا العمل الذي لم يكن ممكنا أن يصدر ورقيا رغم أن مجموعة من الالتباسات لا زالت تحضر عندما يتم الحديث عن الكتابة الرقمية. أو بلاد النت كما يسمها الناقد سعيد علوش، الحاجة الى توقيف التاريخ، وتهريب نص من عالمه الورقي الى الرقمي. هو ما جعل الناقد يؤكد أن رواية قنديل سلامة رغم لعبة الإيهام التي تمارسها إلا أنها توهم بالولوج الى الرقمية فهي أساسا رواية ورقية. الناقد حسن المودن قدم ورقة وسمها بـ "ماذا عن أعمال حديثة لكتاب من أجيال سابقة، في الرواية المغربية الآن"، إذا كان الإنتاج الروائي في المغرب اليوم يشي بحيوية ملحوظة، فإن التدفق الكمي يدفع بالنقاش الى الانتقال الى المستوى النوعي. فالساحة الروائية تعرف تنوعا وتعددا. وعودة للحكاية. هذا الافتراض الذي نجده في الكثير من القراءات، لكن يتساءل الناقد كيف عدنا الى الحكاية؟؟

يقدم الناقد حسن المودن مقاربته لعملين روائيين لكل من مبارك ربيع ومحمد عبدالرحمان التازي. وهما معا يؤسسا معرفة بما يجري في المغرب الروائي اليوم، مبارك ربيع يعطي الأولوية للكتابة الروائية ينتج الحكاية بمضامين جديدة، يشتغل على النظام السردي، مع اللعب على مستوى الشكل. أعمال التازي الروائية نوعية، فبناء النص السردي لا تقوم على الوحدة والتماسك، بل روايات فرعية. الروائيان معا، بالرغم الفروق الظاهراتية بينهما، إلا أنهما، يشتغلان على البناء الفني. يؤكد الناقد حسن المودن في نهاية مداخلته، على هذا المغرب المتحول، واللامنمط. المفتوح على الكثير من الأسئلة، وما يجوش فيه من مفارقات تحتمل "مرجعيات" نصية غنية. إذا ما التقط الروائي والكاتب عموما أسئلة اليوم، أن يلتقط أسئلة الراهن، بما يخوله القدرة على استنباط آليات جديدة، إن على مستوى الوعي بالنص، أو على مستويات الاشتغال الفني ككل. وهي الصرخة التي لم يلتقطعا البعض..

الناقد عبدالله مدغري علوي، عوض مداخلته حول راهن الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية الى الخوض في تجربة الراحل الروائي والكاتب المغربي محمد مفتاح الذي غادرنا مؤخرا، أحد الذين تخصصوا في تتبع ورصد أسئلة الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية. رغم أن الناقد مدغري علوي قد قدم سمات للمظاهر الفنية في هذا المتن، كما تناول خصوصية النص الأدبي الذي تقترحه هذه التجارب ومنها تجربة محمد مفتاح الروائية. والتي تحور ذريعة المتخيل قصد إنتاج مقولات جديدة تخص نمط الكتابة الروائية. هو العارف بوظيفة الكتابة، ولطالما جعلها فرصة لتأمل عناصر التفكير في النص الروائي. لذلك نجده يمزج في نصوصه بين الشعري والتأملي والفلسفي..الواقع عنده يحضر بشكل مختلف، وحتى فعلي القراءة والكتابة، كفعل غير مكتمل. تجربة محمد مفتاح تؤكد على التفكير في الكتابة من داخل آليات فعل الكتابة ذاتها.

الناقد أحمد فرشوخ طرح سؤالا إشكاليا، هو كيف تقاوم الرواية المغربية المركزية الغربية من خلال استثمار التراث الشعبي. بحكم أن الإنتاج الأدبي يقترن بالسياق الثقافي. كما أن النصوص باختلاف أنواعها مرتبطة بسياقها السياسي. العودة الى التراث الشعبي قصد مواجهة الآخر. واستثمار التراث الشعبي في شكل حواري هو بمثابة إعادة قراءة للرواية المغربية عبر طريق ثالث. لكنها مدعوة الى تشييد هويتها من خلال السرد.

قدم الباحث الطائع الحداوي الجلسة الرابعة، والتي عرفت مداخلات النقاد نورالدين صدوق، شرف الدين مجدولين، هشام العلوين ومحمد الدوهو. الناقد نورالدين صدوق تناول مستقبل الرواية المغربية. ارتبط الحديث النقدي حول الرواية المغربية بضرورة توفر الكم، وكان هذا السؤال مطروحا من أجل بناء تصور جامع حول المثن الروائي المغربي. اليوم مع توفر هذا الكم، والذي يشكل تفاصيله الناقد نورالدين صدوق في جيل مؤسس، مؤصل. وجيل العبور حيث ينتهي عنده. وهما جيلين يشتركا في العديد من نقط التقاطعز فهما كتبا معا القصة القصيرة والرواية، وهما معا نظرا لسؤال الكتابة. وهما جيل متعدد وأثره واضح في مسارات تشكل الرواية المغربية. لكن من يطرح سؤال الامتداد وعلى من (الروائي، الناقد، القارئ). ينتهي الناقد صدوق الى أنه ليس ثمة قراء فعليون للرواية، وجيل الأول والثاني لا زالا حاضرين في لحظة الامتداد.

الناقد شرف الدين مجدولين قد ورقة أكاديمية بصدد الرواية المغربية،/ من مدخل الصورة والأمل والآخر. محاولا إيجاد مفهوم الألم الروائي. إن المنجز الروائي هو ذاكرة للألم المغربي، تصوير للألم، وتشذير للرؤية، لقد عكست الرواية المغربية تحولا في نهج تدبر الألم في صراعه مع المحيط والجغرافيا والذاكرة. لقد تسجد هذا الحضور في انهيار الأحلام الفردية، وفي أوجاع الجسد المغربي. تناول الناقد شرف الدين مجدولين صور الألم في الرواية المغربية من خلال استحضار تجربة الاعتقال السياسي وما خلفته من نصوص تحتفي بالألم وتعريه.(تجربة اللعبي، الشاوي، ازريقة). فالألم نواة مركزية، وترقى المعاناة الشخصية لتتحول الى بعد إنساني. وفي هذا يستحضر الناقد كتابات الآسر.

الناقد محمد الدوهو قدم مداخلة وسمها بـ"مدخل الى خطاب الكتابة والذات في الرواية المغربية/ قراءة سيميائية"، وقد حدد في بدايتها أهمية التحليل الثقافي لإشكالية الكتابة والمرجع، وتحديدا عند جدل الكتابة والواقع، من يكتب يكون محكوما بنسق ثقافي يحاوره ويدخل معه في جدل ثقافي النسق كمواضعة اجتماعية دينية أخلاقية استيتيقية. الكتابة مواجهة بين نسقين، نسق الذات والنسق المتعالي. تتحكم في إنتاج الخطاب الروائي في المغرب ثلاث سلط: سلطة النموذج، وسلطة الدولة، وسلطة المثاقفة. خطاب الكتابة يشير الناقد الدوهو، في الرواية المغربية خطاب ذات تكتب اختلافها في صيرورة المتغير المغربي، أهي أزمة ممكن في تاريخ الشخصية في تاريخ الرواية المغربية.

الناقد هشام العلوي عاد الى "الإغواء الأخير" لابن خلدون في رواية العلامة لبنسالم حميش. محطة اعتبرها لشحذ الوعي النقدي وتجديد الإدراك. في "العلامة" مفهوم الشخصية التاريخية، تنويعا لها. وقد حظي النص الروائي باحتفاء مغربي وعربي، بل توج في أكثر من جائزة. النص يتحقق فيه التعالق بين التخييلي والتاريخي. إذ تتلبس الرواية بنص حاضر/ غائب. يحكي محكي الرواية على هذا المثن الحاضر والغائب. وعكس التاريخ فالتخييل لايقدس الوثيقة، لكن، أهم ما يؤطر به الناقد هشام العلوي ورقته في بحثه واستقصائه في ثنايا. هو تلك الدعوة المضمرة لقراءة نص "العلامةط خارج سحر التاريخ، والوثيقة.

في جلسة شهادات: الكاتب يساءل عصره، والتي ترأسها الناقد محمد أقضاض. افتتحت بورقة الناقد حسن بحراوي الذي عاد الى محطات من تاريخ الرواية المغربية، فلكي نعرف الرواية المغربية اليوم، علينا أن نعود لما كانت عليه البارحة. فعكس ما يذهب إليه الكثيرون، قدمت الرواية الى المغرب، من خلال ترجمات الرواية الجاسوسية، والتي كانت تنشر في الجرائد حينها (السعادة..)، هي إذن لم تأت لا من الشرق ولا من الغرب. يتحدث الناقد حسن بحراوي على ثلاثة أجيال من الروائيين، جيل التجربة الأولى والذي أعاد إنتاج أشكال روائية جاءت عبر الترجمة، وجيل ثاني تجاوز الوعي بالذات الى وعي بالواقع. فخاض مشروع المغامرة السردية. أما الجيل الثالث فاضاف وعيا جديدا للكتابة. ثمة جذور للرواية المغربية وللروائيين المغاربة. هي الجذور القصصية. فالقصة هي "معسكر تدريب" للرواية عند الجيلين الأول والثاني. ورغم أن الرواية فن مديني وحضري بامتياز، إلا أن كل الروائيين بدويون.

شهادات الروائي مبارك ربيع، وأحمد المديني، والميلودي شغموم، وعبدالكريم اجويطي. كانت بمثابة غرف سرية مفتوحة على الكتابة، والبوح الروائي. فالروائي مبارك ربيع الذي اعترف أنه لم يكتب يوما ليغير العالم. عاد لبعض المحطات التاريخية، ولماقبل كتابة النص، كي يكشف بعض التفاصيل الخاصة والحميمية، لولادة بعض النصوص الروائية في بيبلوغرافيته التي جسدت إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الرواية المغربية. الروائي أحمد المديني فاجأ الحضور بنص/ شهادة، نص سردي مفتوح يحتفي بالكاتب وبقلمه. في مجتمع مليء بالمفارقات، وبالتحول الذي عرفه. نص يحتمل الكثير من القراءات، وقد شكل جينالوجيا في جسد التجربة الروائية والحياتية للكاتب والناقد أحمد المديني. الروائي الميلودي شغموم تناول علاقة الشاشة بالرواية، ما الذي يجمع السينما بالرواية؟ حاول من خلالها الإجابة على سؤال كيف تجرح السينما نرجسية الكاتب وخاصة الروائي. كيف تجرح كبرياؤه؟ أما الروائي عبدالكريم اجويطي فقدم شهادة عن عصره، من خلال شهادة تتمحور حول الذات، حكي حول بداية الحكي. وحكي حول الروائي الذي "خرج من الحقل، ليقيم في الأدب"، الروائي الذي يجد في الرواية الامتداد، ويكتب ببطء، ويستدعي مقولة كافكا: "وحده الخراب، يخلف أثرا".

الجلسة الأخيرة في ندوة الرواية المغربية، "تجارب روائية جديدة" والتي أطرها الروائي والناقد شعيب حليفي، عرفت مداخلات كل من المبدع والناقد محمد غرناط، الروائي أحمد الكبيري، المبدع خالد أقلعي، الكاتب أحمد اللويزي. الناقد محمد غرناط تناول تجديد الكتابة الروائية في علاقة بعنصرين هامين الذات والمجتمع. وعبر تأطير منهجي يقارب مقولة اليقين، وغيابه. ففي نص تبرز الذات موجها وموضوعا للكتابة، وفي نص آخر انطلاق من مقولات التاريخ، الأدب والمجتمع. الروائي أحمد الكبيري أبرز في شهادته كيفية مجيئه للكتابة؟ ولماذا الرواية أساسا؟. يؤكد الروائي الكبيري أن الكتابة عبور من اليأس الى الحياة. وهي استشفاء بالوهم.. المبدع خالد أقلعي عبر عن استغرابه من غياب المثن الروائي الحديث، خصوصا التجارب الجديدة، من موضوعات المداخلات اللنقدية، ليتساءل منذ البداية عن هذا الفعل "الغبن" المزدوج الذي يمارسه الدرس النقدي عن راهن الرواية المغربية وعن أفقها. لينتقل الى قراءة نصوص روائية صدرت في تطوان، مركزا على خصوصيات المكان، وعن الثيمات المحورية المهيمنة على تلك النصوص. أما الكاتب أحمد اللويزي، فقدم مقاربة جامعة لتجارب روائية، محاولا استقصاءا ميسم الجدة داخلها، وأسئلتها وتمفصلات تتقطع مع سؤال جدوى الأدب.

لقد عبرت ندوة اتحاد كتاب المغرب حول الرواية المغربية اليوم: أسئلة الذات والمجتمع، عن وعي جمالي متجدد، يستقصي بطرقه الأصيلة الجسد الروائي المغربي في تحولاته الكبرى. ويساءل الهوية وسلطة الكتابة. لكن، أهم ما أفرزته الندوة مجددا، هو النقاش الجدي، عن أسئلة النقد الروائي، وعن أفق وراهن الرواية المغربية. لكنها أسئلة يجب أن تمتد في المغرب الثقافي، لا أن تظل رهينة بلحظة اللقاء، وفي ذلك خصوبة الأفق التي تدعيه. 


Alkalimah_maroc@yahoo.com