الذئب في الشعر والتراث لـِ عايد عمرو
عبد السلام العطاري
عايد عمرو في كتابه الأخير- الصادر عن فضاءات للنشر والتوزيع ، والدائرة الثقافية بأمانة عمان - الذي قُدّر له أن يُبصر النور شرق النهر مخالفاً بذلك رواية أن الذئاب تتنادى بليلة مقمرة غرباً، ومُبعثراً أساطيرَ الهنود القديمة التي كانت تؤمن أن الليل للعواء، فكان وضح الشرق لشمس مولد الصوت الذي لّجت الحياة بتردده فكان عايد عمرو يرد دفق العواء ويطلقه في برِّ الثقافة، ولعل مفتتح كتابه الذئب في الشعر والتراث ببيت من القول الذي يتردد ويردده (الذيب) الكاتب: إن لم تكن ذئبا على الأرض أمردا كثير الأذى بالت عليك الثعالبُ ليُعبّرُ هذا القول عن سخطه وغضبه لتوصيف حالة لا تروق له، وربما لا تروق لنا، ولعل نظرات ذئب الغلاف: الصورة والعين الجميلة التي تحمل المكر والدهاء لها دلالات يريدها الكاتب أنه ليس كل ذي عين جميله تحملها وجوه جميله، وأن الوجوه الجميلة تحمل في أعينها قبحَ النظرات وخداعاً مضمراً، وكأنه بات على أن بعض الوجوه تخفي خلفها مالا يرضي ولا يُرتضى. ولعل هذا يعيدنا إلى ما يكتبه عايد عمرو في يومياته أو في مشروع كتابه الآتي بعنوان ما يرويه الذيب عن .... المريب والفراغ الذي تركت يحمل ويحتمل كل ما يريده القارئ وما يريده (الذيب) ذاته، وما يعنينا هنا أن الروايات التي يحملها ويشدّ من نسيجها عايد عمر؛ هي الرواية اليومية التي يظنها أو يراها حتى تلبّسه شكل الذئب روحاً ومضموناً، ونكاد حين نتحدث عن الذئب أن نظهر صورة عايد عمرو للدلالة على ما نريد أن نصل إليه من وصف وتوصيف لذئب الحكاية اليومية، فلسفة تختلفُ وجوهها وتتشابهُ أحياناً، حتى باتت الحكاية هي..هي. إذاً، هو الاختيار وهو المُنتهى الذي جاء عليه (الذيب) حين يجمع حكايات وروايات تاريخية تُحدثنا وتُعرّفنا أكثر عن الذئب، وهنا نجده بوصفه الأكاديمي للحكاية أكثر من مجرد سرد وقصص إذ يفتتح مُنجزه الجميل بتعريف الذئب في اللغة، ثم ذكر الذئب بالقران الكريم، والحديث النبوي الشرف، والعهد القديم والجديد، والأسطورة، إلى أن ينتهي بالذئب في قصص العرب كل ذلك ممثل بالشواهد والأدلة والنصوص، ولا ينسى الكاتب (الذيب) بالحديث عن أوصاف الذئب وطعامه وأسمائه ولا ينسى حتى طقوس العواء والزواج، وكذلك أهمية الذئب في الأمثال والأحلام والطب الشعبي، بالإضافة إلى حياة الذئب والمكان الذي يعيشه بعمومية شاملة ليختص عن الذئب في الوطن العربي ورمزيته، بالإضافة إلى قراءات فنية لقصائدٍ لبشر بن المعتمر والشنفرى ولاميته الشهيرة التي أطلق عليها المستشرق (جورج انطونيوس) نشيد الصحراء، وعدد من القصائد الجميلة تتناول الذئب في حياة العرب. ولئن تحدثنا عن فن الكتابة عند عايد عمرو، فلا يغيب عن فكرنا أن هناك اختلافاً واضحاً لدينا بين قوله الصغير اليومي، والكبير الذي لامسناه هنا في كتابه، فقد تناول وتداول عمرو في يومياته الصغيرة حالة الواقع الذي يعاني منه المثقفين أو الشاسع منهم، ولا عجب بذلك فقد اصطدم عايد عمرو بواقع مريع ما بين حالة الغربة في المنافي التي لامس فيها حميمية صادقة، وحالة الاغتراب التي عاشها وعايشها في بلده، مما يلاحظ ذلك في كتاباته اليومية، و الاختلاف الكلي الذي نجده في كتابه (الذئب في الشعر والتراث) فما نجده منه - هنا أنه لا يلهو بالصناعة اللفظية، والمحسنات البديعية، والوجوه البيانية، ولا يأخذ منها إلاّ بقدرٍ معلوم وعندما تدعو الضرورة، وذلك بنزعة خاصة به؛ أي أنه يكتب على (السليقة) كأنه لا يريد أن يرهق القارئ بالتحليل والتعليل، ولا يدخله إلى تأويلات وتقوّلات وتدويرات ورسومات بيانية مكتظة بالتعقيدات. لذلك أظن أن القارئ سيجد البساطة فيها التي تؤصل الحكاية المبدعة، وان الصعاليك بصراحتهم لا يمتّعون أصحاب الشرفات العالية، وإنما يُطربون سكان الأرض والقيعان والأزقة المتربة المتعبة. ورغم خشونة المواقف إلاّ أنك تجد ملمساً ناعماً بسيطاً رائقاً في حكايات (الذيب) اليومية، وكأنه صعلوك بألوانه الغريبة؛ يحاكي حالة الوضع الغريب المريب المختلط والمختلف، مثلما نلاحظ ذلك من خلال سياق جرأته وهجوه اليومي، حتى تكاد أن تشعر بأنه يفتح حرباً هنا كلما أُخمدت نيرانها أشعل أخرى، فالحروب الصغيرة عنده لا تنتهي ومشتعلة دائماً...انه الإصرار على التغيير الذي يريده الجميع.