تسعى هذه المسرحية العراقية لبلورة دراما الوجع العراقي والجوع الدفين للانتقام فيه، وما ينطوي عليه من عنف جارح، وتحاول في الوقت نفسه اقتراح عرضية هذا الكابوس الثقيل وموقوتيته.

صيف قائظ! (مسرحية)

حازم كمال الدين

اعتمدت في كتابة هذا النص على تجربتي الشخصية في بغداد، وعلى مسرحية (الغزاة) للكاتب التشيلي آغون وولف وعلى بضع عشرات من المقالات الصحفية عن الحالة العراقية.

أي نوع من البشر هؤلاء داخل الاسوار الحصينة؟ من أي طينة مجبولين؟ من تراب، من بلاستيك، من حبر صيني، أم ربما من تمر؟!!

الشخصيات

شهريار واسمه أبو سليم
أسمهان زوجته واسمها أم سليم
سليمة مراد ابنتهما
سلام ابنهما واسمه ابن المعتز
أبو الحواسم الدخيل
شهرزاد عشيقة ابو الحواسم
أبو الجماجم من جماعة أبو الحواسم
السندباد من جماعة أبو الحواسم
علي بابا من جماعة أبو الحواسم
 
المكان ـ فضاء غائم الملامح
تفتتح المسرحية والجميع تماثيل أو صور مؤطرة أو دمى كبيرة. توجد شراشف كبيرة تغطي أجساد التماثيل والدمى واطارات الصور. تتخذ كل شخصية وضعية في مستويات متباينة. شهريار وأسمهان قادمان من حفلة

المشهد الأول
مسرح دمى
(تقفز أسمهان. تفتح ذراعيها. تدور حول نفسها)
أسمهان: رائع، شهريار... رائع! (تدور) لقد مرت الليلة بسلام... بسلام! (تنظر الى السقف) تعال! (يقترب شهريار منها. يحضنها. عيناها معلقتان) لماذا أشعر في هذه اللحظة وكأني في الجنة؟! (إيماءة من شهريار. أسمهان تقبله. تنفجر ضاحكة)
شهريار: هذه هي الجنة التي كنتم توعدون!
(يلتفت إليها فجأة)
أسمهان: ادري. أعرف. ألمس! رغم الهواجس التي تراودني بأن هذه الجنة تخفي علينا ما تخفي.
شهريار: (يتأمل شهريار نفسه) قضيت الليل وأنا أتمتع بالنظر إليك (تهجم عليه وتقبله. فجأة تظهر عليه علائم السكر) خصر جميل... (يلمسها يقبلها) أنت قحبة يا أسمهان... امرأة قحبة تنسينني انني أشيخ، هذا لا يجوز يا غانية!
أسمهان: (بشهوانية) تؤنبني؟
شهريار: لقد بلغت الخمسين
أسمهان: (تلمسه) ذلك في النهار! في المزارع والحقول! لكن في الليل.. أنت خالد! (تشده من شعره. فجأة) لماذا تنقبض نفسي؟ أشعر وكأنني سقطت في بحيرة رمال متحركة! آه. إنها بحيرة تشبه الجنة. لو لم أكن ولدت هنا لقلت أننا نعيش في بقعة خارج الكوكب! لماذا يراودني هذا الشعور؟
شهريار: (ضاحكا) الساعة تقترب لا ريب!... هل هذا هو ما تريدين قوله؟
أسمهان: لا تضحك.
شهريار: اليس هذا هو ما.....؟ هل اصابك انت أيضا داء الحر؟
أسمهان: لا...
شهريار: لماذا تتكلمين بهذه الطريقة اذن؟ لم يسبق لك أن تحدثت بهذ الطريقة.
أسمهان:... ربما بسبب أجواء السهرة. لقد كانت سهرة غير متوقعة. كان المدعوون مبتذلين (تلتفت اليه) من أين تواتيهم جرأة أن يتعروا ويقتربوا من بعض، أمام الملأ؟! وذلك اللعب بتلك السوائل اللزجة؟ هل لاحظت كيف يرش بعضهم بعضا. لقد شعرت في لحظة ما وكأنني أعوم على لا هدى في بحيرة تغلي... عجاج طحيني وعواء ذئاب لبنية وكواسج من زبد.
شهريار: (بحزم مفاجيء) هل تناولت شيئا غير الكحول؟
أسمهان: لا!
شهريار: عجاج طحيني وذئاب لبنية! كيف أفسر هذا؟
أسمهان: الم تشعر به؟ (تفاجئه. يجفل) لقد كنت مثلهم!
شهريار: (صمت. فجأة يزن كلماته) لاحظت أن سكان الضفة الأخرى يجوبون الشوارع فجر أمس..
اسمهان: سكان الضفة الأخرى؟
شهريار أسمهان: نعم. كانوا يقفزون كالاشباح بين الاشجار.
أسمهان شهريار: تقصد سكان ساحة الطيران؟ في الفجر؟
شهريار أسمهان: نعم!؟
أسمهان: الرحمة يارب العباد!!
شهريار: منذ قديم الزمان وقبل أن نأتي إلى هنا قيل أن سكان ساحة الطيران يحاولون عبور الجدران الاسمنتية. وقيل أيضا أن العسس لهم بالمرصاد. أسمهان.. رأيت اثنين منهم يقفان فوق الحاجز الاسمنتي المحاذي لبيت آل النجار.
أسمهان: ربما هما حمامتان من حمامات جدارية فائق حسن، تطير الحمامات في ساحة الطيران. وتطير...
شهريار: أسمهان! لديك الليلة تشبيهات عجيبة.
أسمهان: حبيبي. لا يوجد من يجرؤ على الوقوف فوق حاجز بارتفاع ثلاثة أمتار، فكيف بجدار اسمنتي مكهرب ارتفاعه خمسة أمتار؟ ثم لو حدث أن وقف شيء باعجوبة وأفلت من تيار الضغط العالي للكهرباء، لتلاقفه الحرّاس كما يتلاقفون كرة قدم.
شهريار: (صمت. فجأة يزن كلماته) لقد حدث لي شيء غريب. جاءني صباح اليوم إلى مزرعة الغنم جمع من رجال الدين. وقفوا أمامي بصمت. وبعد دقائق فتحت درج الخزانة وأعطيتهم كل ما في الخزانة من نقود.
أسمهان: ماذا؟؟
شهريار: لقد كان مبلغا خياليا. (يحتضنها بلوعة)
أسمهان: هل جننت؟؟
شهريار: لا أدري. ظلوا واقفين أمامي وطأطأوا برؤوسهم، وحل الصمت! ثم راحت يدي لوحدها الى الخزانة. فتحت الخزانة واعطتهم النقود.
أسمهان: ماذا؟؟
شهريار: نعم! لقد ظهروا وكأنهم نفذوا من الجدار واختفوا بمثل سحر ما ظهروا. في الخارج لم يكن لهم أي أثر!!
أسمهان: وهل ما شعرت به كان خوفا؟
شهريار: لا. شعرت أنني سأبكي لو لم أمنحهم النقود.
أسمهان: تبكي؟
شهريار: نعم!
(ممارسة حب. تختفي أسمهان. يتناول شهريار شيئا يشبه الطحين ويتنشقه. هيرويين. في العمق يسقط زجاج النافذة المطلة على الحديقة ويحدث دويا هائلا وتنفذ منها يد ترفع المزلاج)

المشهد الثاني
تماثيل متحركة
شهريار: من هناك؟ من هناك؟ (يهرع الى مكان يمسك سلاحا) من انت؟ ماذا تفعل هنا؟
أبو الحواسم: (متكلفا الاسف) أتنفس قليلا من هذا الهواء البارد! لقد قتلني الحر في الخارج! خمس دقائق فقط!
شهريار: ماذا؟!
أبو الحواسم: خمس دقائق، على حب الله! درجة الحرارة في الخارج أكثر من 50 مئوية! (يرتل)
شهريار: هل انت مجنون؟ اخرج فورا! (امام رباطة جأش الاخر) الا تسمع؟ أم تريد ان أنادي العسس؟ (موقف حرج)
أبو الحواسم: خمس دقائق فقط تحت هذا الايركوندشن العظيم على حب الله (يرتل)
شهريار: ساطلق عليك النار ان لم تخرج حالا (يسدد)
أبو الحواسم: توقعت هذا.. أن تطلق النار من أجل نسمة هواء عليل...
شهريار: ماذا تقول؟
أبو الحواسم: كنت اتوقع ان تقول (ساطلق عليك النار).. قلت ذلك للأمير!
شهريار: سأمهلك عشر ثوان! واحد... اثنان...
أبو الحواسم: أتقتلني لأني وقفت أمام الايركوندشن؟
شهريار: ثلاثة... اربعة...
أبو الحواسم: طلقة واحد من هذا تكلف أكثر من نسمة الهواء التي تأتي من هنا. دعني أتنفس لمدة خمس دقائق وبعدها فليهجم حر جهنم علي في الخارج فأنا قنوع.
شهريار: حسنا ساتركك هنا خمس دقائق، لكنك ستخرج من حيث دخلت! (ينتظر لمدة خمس دقائق وهو ينظر الى ساعته) الدقائق الخمس انتهت. هل انتهينا من قصتك؟!
أبو الحواسم: أخشى أني سأخيب ظنك! الحر في الخارج ما زال يشوي! (يقف أمام الايركوندشن) الحق كله على الكهرباء الوطنية، لو توقفت عن الانقطاع في بيوتنا لما استجديت نسمة هواء (يطلق جشأة قوية). علما أن هواء الايركوندشن يصيبني بالتهاب الرئة.
شهريار: خمسة... ستة..
أبو الحواسم: لقد سيطرت الدولة منذ زمن اكتشاف الكهرباء على المولدات العملاقة وعلى شلالات المياه والسدود وهي تسمح لمن هب ودب بتفجير المولدات العظيمة دون أن تحرك ساكنا. بل ربما هي التي تتواطأ مع الهب ودب لكي تبيع المولدات الصغيرة للمواطن فتربح منه مرتين، مرة حين يشتري منها الكهرباء ومرة حين يشتري منها المولدة الصغيرة.
شهريار: سبعة...
أبو الحواسم: أنت لديك حلول يا سيد، مولّد كهربائي عظيم في البيت! مولد عملاق يحرك كل شيء حتى الموتى في قبورهم، بينما المولدات التي تباع لنا لا تكفي لتشغيل المراوح، وبعكسه انتظر الكهرباء الوطنية بينما انت تتعرق وكانك تبول على نفسك!
شهريار: ثمانية....
أبو الحواسم: هذا غير مجد يا سيد، لا تجعل من نفسك اضحوكة.
شهريار: لماذا؟
أبو الحواسم: أنا أعرف جيدا أنك انك تتقن العد للعشرة!
شهريار: (مزمجرا) تسعة!
أبو الحواسم: لا تتابع!.. خير لك الا تتابع.
شهريار: عشرة! (يرتجف السلاح المسدد باتجاه أبو الحواسم ولا يطلق النار)
أبو الحواسم: ارايت؟ شيء مؤسف! اصبح التفاهم بيننا صعبا الآن. (بحزن مفتعل) كنت على ثقة من انك لن تطلق النار منذ قلت (اطلق عليك النار!) فالذي يتقن القتل لا يصيح سأقتل وانما يضغط على الزناد. (يدور حول نفسه أمام الايركوندشن)
شهريار: من انت؟
أبو الحواسم: هذا ما كان عليك ان تفعله منذ البداية. اسمي أبو الحواسم (يتخذ وضعية مريحة على الارض) تستطيع بعد هذا التعارف المبدئي ان تذهب الى النوم.. اعتقد ان في هذا الكفاية بالنسبة للقاء الأول.
شهريار: (وقد شعر بالاهانة) ماذا تتصور؟ اخرج من هنا فورا! هل تسمعني؟ (يستلقي أبو الحواسم غير مبال) الا تسمعني؟ اخرج من بيتي (بغضب عقيم) اخرج
أبو الحواسم: ألا ترى معي أننا بحاجة الى من يحمينا لكي نمنع المتطفلين من الدخول بدون اي رادع الى بيوتنا؟ تأمل الموقف: رجل يدخل عليك في عقر دارك، وأنت رغم كل الاحتياطات التي اتخذتها تجد نفسك وجها لوجه أمامه!! اذا تحدثت مع العسس تتبين أن أكثر من نصفهم مرتشون، أو مجرد أسماء وهمية. إنهم مسجلون في قوائم مؤسسات العسس تسجيلا شكليا. كل عنصر من عناصر العسس خائف على حياته خوف الجرذ من القط الجائع!! لا امكانية حقيقية للحماية يا سيد شهريار لا امكانية. أنت بحاجة الى حماية: لكنك لا تمتلك أي حل.
شهريار: (وقفة) حسنا، تستطيع ان تنام هنا الليلة، ولكن، عند الفجر، تخرج من حيث أتيت.. هل تفهم؟
أبو الحواسم: (دون ان يرفع راسه) قلت للأمير انك طيب... ان رجلا يمنح عملا لكل اولئك في مزارعه لا يمكن ان يكون الا طيبا... هل يعقل انك تترك رجلا يموت من الحر في الخارج حيث لا نسمة هواء ولا أي شيء!
(يطفيء شهريار الاضواء فتخيم الظلمة. تظهر يد اخرى في الظلام. نقرات على النافذة)

المشهد الثالث
صوت شهرزاد: أبو الحواسم! افتح! حسام! (يشخر) حسام! الدنيا تفور من الحر. (تتابع النقر على الزجاج بشكل خفيف ومتقطع) آخ.. آخ.. أبو الحواسم.
أبو الحواسم: (ينهض اخيرا ويفتح النافذة. يدمدم) قلت لك لا تدخلي حتى الغد...
شهرزاد: (لا يظهر منها الا وجهها في الخارج) أبو الحواسم. الحر في الخارج...
أبو الحواسم: اثنان دفعة واحدة، سيخاف...
شهرزاد: (وهي تنتفض من العرق) أخ! أخ!.. بحق الله!
أبو الحواسم: حسنا، ادخلي.. دون ضوضاء!
شهرزاد: (تدخل متعثرة) لقد كانت كابينة الحراسة مبردة لكنها لا تتسع لاثنين. هذا وقد بدأ السندباد يحتك بي بعد أن حشر نفسه في الكابينة... حاولت ان أمنعه فخدشني في وجهي. انظر!
أبو الحواسم: اس! اسكتي! سيسمعنا، يا بلهاء؟ لا اريده ان يخاف منا... كان يكفي شخص واحد في الليلة الأولى! (تتكوم شهرزاد. انها شابة سمراء جميلة ترتدي ثيابا بالية يغطي راسها يشماغ رجالي كبير ومهترئ. جيوبها منتفخة. تتنفس بصوت مسموع، وكأنها تنتظر شيئا)
شهرزاد: كيف كان استقباله لك.
أبو الحواسم: نامي...
شهرزاد: (بعد لحظة) هل اشهر سلاحا وهددك؟ أم... انه رجل عملي؟
أبو الحواسم: اغلقي فمك ونامي!
شهرزاد: والبيت؟ هل هو جميل؟ الظلام دامس ولا ارى شيئا. (عندما لا تلقى جوابا) معي سندويج فلافل... هل تريد؟ (تخرج سندويجا من جيبها وقرص حديدي مربوط بسلك الى ساقين معدنيين ايضا، وبعض ادوات النجارة: مبرد، مطرق خشبي وثوب طوي اربع طيات. تسطرها باناة الى جانبها ثم تتفحص كل شيء باهتمام وفضول) سنحتاج اليها غدا أليس كذلك؟ (تخرج اجراسا خشبية) وهذه أجراس للاطفال الذين تريدني ان انجبهم لك. (تهز الاجراس فتحدث ضجة قوية)
أبو الحواسم: (يقفز وينتزعها منها) ما هذا، الم أقل لك أن لا تحدثي ضجة؟ سيخاف الرجل منا! (ينظر الى الاجراس الخشبية) من اين اتيت بهذه الأجراس؟
شهرزاد: (مذعورة) من الأسواق العامة. لقد كانت الأسواق مفتوحة على مصراعيها.
أبو الحواسم: هذا نهب.. ألم أحذرك من السرقة؟
شهرزاد: كانت مفتوحة... الابواب مخلعة، وقد دخل الجميع، السندباد وعلي بابا وأبو الجماجم...
أبو الحواسم: هذه حقارة. هذه لصوصية!
شهرزاد: لقد رفضت، لكنهم جرفوني، وعندما وجدت نفسي وجها لوجه أمام تلك البضائع: العاب أطفال. ايركوندشنات خرساء... أيركوندشنات تشتغل على البطارية وصغيرة الالوان والانواع... دمى بهذا الحجم! لقد كبحت نفسي لكن يدي لم تلتزم بتعاليمي، فاخذت. لقد كانوا جميعا سعداء. الناس في كل مكان... جالسون في فنادق الدرجة الأولى... ينزلقون على السلالم... يضحكون. هل تدري ماذا فعل علي بابا؟ خرج الى الشارع وبين يديه دمية خلع عنها ملابسها وراح يراقصها. كان يرقص ويعضها من ثدييها. وأبو الجماجم، أخذ دمية بهيئة كلب كبير جدا وصار يبصق عليه ويضربه بحذائه المهتريء. (تضحك)
أبو الحواسم: (يلين ويبتسم) السيء في الامر انهم سيقولون بأننا لصوص. (كأنه يحدث نفسه، وهو عالم بأنها لا تفهم منه شيئا) في النهاية اتمنى ان يتكفن كل شيء بشراشف بيضاء، طاهرة كقلوب موتانا...

المشهد الرابع
خليط بين الدمى والتماثيل
(وقع خطوات على الدرج. شهريار يشعل النور)
شهريار: ماذا يعني هذا؟ (بصوت منخفض) من تكون هذه المرأة؟
أبو الحواسم: (يتكلم بصوت منخفض ايضا) انها شهرزاد.. (الى شهرزاد) سلمي على السيد.. (تنهض شهرزاد وتحييه خائفة مثل طفلة مؤدبة)
شهريار: هل تظن ان علي ان أقبل هذا ايضا؟ (تتجول شهرزاد في الصالة، مأخوذة بالنظر الى الأشياء. تطلق آهات اندهاش)
أبو الحواسم: (بصوت منخفض) طبعا لا. لماذا ستقبله وفيه تجاوز؟
شهريار: اذن؟
أبو الحواسم: لقد حذرتها، لكنها قالت انها اختنقت من شدة الحر في الخارج. ورغم ذلك فان باستطاعتنا طردها، سواء اختنقت أم لا. ما رأيك؟
شهريار: حسنا.. يعني..
أبو الحواسم: (هامسا بتودد) أؤكد لك ان هذه الفاجرة لا تحمل تحت ثيابها الا نصف سوتيان، حصلت عليه من السوق المركزي المنهوب (هامسا بتودد أكثر) وهذا السوتيان الجديد يجعل لحمها أسودا ووسخا. أنها غير مثيرة، لكن ماذا أفعل؟ على المرء ان يقبل بنصيبه!
شهريار: (لا يدري ماذا يقول) صحيح...
أبو الحواسم: كلما أقتربت منها أتصور أنني أقترب من جثة. (يضحك) هل نطردها؟
شهريار: تعرف انني لا استطيع..
أبو الحواسم: ولم لا؟ البيت بيتك، ايها السيد..
شهريار: لا! دعها تبقى هنا الليلة على أن تخرجا مع الفجر مفهوم؟
أبو الحواسم: لقد عرفت انك نشمي! لكن كان عليك الا تفكر بهذه الطريقة.
شهريار: لماذا؟
أبو الحواسم: أنا أعرف كم يكلف الحصول على كل هذا! وأعرف أي مسؤولية على عاتقك!
شهريار: (مذهولا) هل تفكر حقا هكذا؟
أبو الحواسم: (يضرب على صدره) كلمة شرف... اذا كانت تعني لك شيئا.
شهريار: هس ٍ س س! (يكاد يبتسم بمثابة اعتذار) زوجتي نائمة! (ترمي شهرزاد الى الخارج بقطعة خزف. صوت ترحيب من الخارج)
أبو الحواسم: كيف تفعلين هذا ايتها الحمقاء! كيف سنعوضها. لقد سرقها الان ابو الجماجم!
شهريار: هس س س.. (يكاد يتمزق من احتمال صحوة زوجته) لا اهمية لها... انها واحدة من كثير.. دع أبو الجماجم هذا يأخذها ويذهب!
أبو الحواسم: حقيرة! كلبة ابنة كلب!!
شهرزاد: أبو الحواسم لماذا تثور؟ عندنا منها الكثير هنا بينما أبو الجماجم لا يمتلك أي شيء. (ينظر شهريار الى أبو الحواسم بذهول) الم تقل لي أن هذا كله سيصبح لي؟
شهريار: عم تتحدث هذه الفتاة؟
أبو الحواسم: احكي لنا قصة يا شهرزاد بدلا من هذا الهراء.. قصة مثيرة تعوض الرجل حسن ضيافته! (موسيقى راقصة. شهرزاد تقص بينما عيناها عالقتان في نقطة بعيدة)
شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن فتاة اسمها بللور الطبر قد تزوجت من ملاح في النجف اسمه السندباد. وبما أن النجف لا تمتلك سوى بحر من الرمال (بحر النجف) فقد أصر السندباد على أن يصنع له سفينة من الخشب لكي يبحر في بحر النجف. وراح السندباد يبحث عن صناع مهرة يساعدوه في هذه الصناعة الثقيلة، بيد أن الناس الذين أخذوا كلامه في البدء على محمل المزاح سرعان ما أطلقوا عليه اسم سندباد البوار. وقد راح سندباد البوار يجوب الصحارى كل يوم ليصطاد ذات يوم ضبّا كبيرا بطول متر فعاد الى زوجته ببشرى أنه اصطاد تمساحا في بحر النجف!! وعندما أدرك السندباد في لحظة ما أن أحدا لا يصدقه صاح: (هؤلاء الناس يكرهوني ولا يريدون مساعدتي. اجلبي لي ابنا لكي يساعدني) فنفخ في بطن زوجته التي سرعان ما انتفخت كالبالون وراح السندباد يستعجل زوجته كل يوم لكي تضع الطفل. وصار يطلب منها أن تعوم في البحر، بحر النجف! وصار يعلمها السباحة فيأخذها الى مسافات نائية في الصحراء لكي لا يراهما أحد. بيد أن الطفل الذي كان يسمع كل يوم حكاية صحراء النجف منع امه وهو في الرحم من الانجرار وراء أوهام السندباد لأن صحراء صحراء من رمال وليست نهرا ومياه. وبعد محاولات اقناع حثيثة بين الأب خارج الرحم والجنين داخل الرحم وبعد نقاشات مستفيضة وحادة بين السندباد والجنين قرر السندباد أن يطرد الطفل المتسلّط من رحم أمه فشق بطن الأم ورمى الجنين في غياهب الرمال المتحركة.
أبو الحواسم: (بطريقة عرضية) جميلة أليس كذلك؟ (بطريقة عرضية) هل لديك بعض الأشياء؟!! يقال أن بحوزتكم كميات هائلة من أنواع عجيبة من الحبوب والكبسول والطحين الأبيض! أشياء للابتلاع أو للتنشق. لا توجد؟
شهريار: نحن عائلة مستورة ولا نتناول مثل هذه الأشياء!
أبو الحواسم: حسنا! لديك مشروبات؟
شهريار: مشروبات نعم! توجد في خزانة المطبخ.
أبو الحواسم: هذا جيد! ولكن ألا تعتقد أن الأشياء الأخرى أجود من المشروبات يا سيد! خذ مثلا: إن الحقن الرخيصة الثمن هي أعلى قيمة من الكحول، وكل ما تحتاجه هو أن تصيح لثانية آخ قبل أن تدخل الابرة في ساعدك وينتهي كل شيء. وأما الطحين الأبيض فلا يكلف سوى أن تستنشقه من أحد مناخير أنفك! وأما الحبوب فجرعة ماء بعدها هي رب الاستسقاء العظيم! هذه الأشياء لا تحتاج أن تتحمل خطاياها في العالم الآخر، ولا أن تتحمل مذاق كؤوسها الأولى السيء. الكبسول بريء من المعاصي وحريق البلعوم! خذ مثلا الفاليوم: إنه يجعلك تنام بينما انت يقضان! اين هو الشراب؟ (يشير شهريار الى المطبخ) عن اذنك.. (شهريار ينظر إلى شهرزاد التي تتابع القص حتى أثناء حوار أبو الحواسم. بعد فترة يفقد السيطرة على نفسه وتتوتر اعصابه)
شهريار: كفى! كفى!! توقفي عن هذا الهذيان!!
(تتوقف شهرزاد. تبكي. يعود أبو الحواسم مع صحن مازة، جوز ولوز وفستق، وصحن فيه لحوم وبزجاجتين واحدة ويسكي والأخرى بيرة).

المشهد الخامس
أبو الحواسم:
ممكن تساعدني؟ (يشير الى الزجاجتين. يتناول شهريار الزجاجتين) سمعت ان القصة لم تعجب السيد (يهاجمها) ايتها الحشرة أهكذا تردين للسيد جميل الضيافة! (الى شهريار) اغفر لها لأنها فقدت موهبتها في القص اثر عملية اجهاض قامت بها أم سلمان المطيري في الصريفة في الصيف الماضي. وما هو سبب الاجهاض؟ لقد امضت ساعتين في المياه تحت الجسر، ليس من أجل الحر، بل من اجل عذق من الموز كان طافيا في الضفة الأخرى ومتجها صوب ضفتنا. وقد قفزت بعد أن يئست من وصوله إلى منتصف النهر فكادت تغرق. (الى شهرزاد) تعالي، صبي لنفسك. (الى شهريار) أتمنى أن تشاركنا.
شهريار: شكرا! أشارككم من هنا
(يجلس على أريكة ويشعل سيجارة)
أبو الحواسم: طبعا... (يداعب شعر شهرزاد التي تلتهم اللوز) كان جميلا. اللعنة على عذق الموز!! (مشيرا الى الطعام) ستعذرنا على أننا تصرفنا بهذه الطريقة، اليس كذلك؟ لم أكن أري ـ... لكن.
شهريار: لقد تصرفت بهذه الطريقة وكفى!
أبو الحواسم: صحيح! لم يكن علي ان افعل هذا! لكنني غير حضاري وغير ديمقراطي... الديمقراطية عادة تناقض الاسمال (وفمه ملآن) تماما كما يناقض البصر الصبر. (وقفة) هل تزعجك رائحتها؟ (حركة احتجاج من شهريار) لا، لا. أنا أفهم ان رائحتها قاتلة. هل تعلم ما ينقصني الآن؟ (طافح الوجه) سيجار!! (مشيرا الى سيجار شهريار) اعتقد انك تشعر بذلك. يقول الأمير أن الرجل بدون سيجار ليس رجلا! تماما مثل امرأة بدون رحم!
شهريار: وهل هذا الأمير قائدكم؟
أبو الحواسم: إنه واحد من أمراء الضفة! رجل غريب الأطوار، لو ترك الامر له لقطع رؤوسكم جميعا.
شهرزاد: اللعنة عليه. لا تذكر اسمه امامي. انه رجل سيء! رجل سيء!
أبو الحواسم: لا تقاطعي الرجال حينما يتحدثون. كلي واشربي واسكتي. (الى شهريار) تقول ذلك لأنها تخاف شراسته. الأمير يعتبر النساء عارا، وكذلك يكرهكم! عندما يتحدث عنكم يصبح لونه... هل رأيت لون الشوندر؟
شهريار: الشمندر؟
أبو الحواسم: بلونها! انه عدمي، يقول ان لا فائدة ترجى منكم لأنكم نوع من أنواع المرض المعدي... أما عن ذبحكم فيقول أنه يجب أن يتم على الطريقة الاسلامية. غريب الأطوار... لا يعرف ان الثروة نوع من العذاب.
شهريار: كيف عرفت؟
أبو الحواسم: أعرف! أعرف! قل لي كم بذلت من الجهد حتى بنيت هذا. (بعد حركة مراوغة من شهريار) هيا لا تنحرج مني.
شهريار: حسنا... اشتغلت...
أبو الحواسم: (الى شهرزاد) هل سمعت؟ يقول انه اشتغل! هل ترين؟ ماذا ايضا؟
شهريار: وتجنبت الاسراف.
أبو الحواسم: (يكسر جوزة بأسنانه) وتجنّب الاسراف! تضحية! حرمان! هذا ما لا يريد الأمير أن يفهمه. هل رأيت؟ (يرفع نخبا من الويسكي ويأخذه الحماس) و...
شهريار: ووفّرت...
أبو الحواسم: (يصرخ) ارايت.. لقد وفر! هل سمعت؟ (بشراسة واهتياج) كل دينار. كل دينار ملعون وفّره بصبر المؤمنين. انقذ كل دينار وقع في ايدي العمال في مزارع الغنم، في مزارع الدجاج، في مزارع النفط، في مزارع الطحين وفي مزارع الخزف والخرفان. وما من دينار وقع في ايدي جيرانه صدفة الا وأنقذه من الضياع... بينما نحن نبدد الأموال ونبدد وانت خاصة!
شهريار: حسنا! للثروة ايضا جانبها المزعج.
أبو الحواسم: (وهو يشرب) كيف؟
شهريار: يبقى المرء يصارع بعض الأفكارالمنكدة..
أبو الحواسم: مثلا؟
شهريار: بعض الناس يتهمونني زورا باغتصاب حقوقهم.
أبو الحواسم: فهمت...
شهريار: في حين أنا مشغول بالحفاظ على مستوى الدخل. هذه العملية تشبه الى حد كبير الجلوس في منخل!
أبو الحواسم: أفهم! حين يسقط الخفيف من الثقوب يبقى الثقيل فوق الشباك!
شهريار: أنا أقصد المال..
أبو الحواسم: ها، ها، المال؟ أليس المال شيء ثقيل؟
شهريار: لا. إنه شيء يتسرب كالرمال.
أبو الحواسم: هل لاحظت كم هو صعب يا شهرزاد الحافظ على المال؟ ومع ذلك ثمة أناس يحلمون بالثروة!
شهريار: تعرفت قبل عام على شريك، كلفني الكثير لأجل أن أوازن خساراته. أسست معه مزرعة للأبقار، منه رأس المال ومني التخطيط والادارة. في نهاية الموسم كان عدد الأبقار قد بلغ أكثر من 1000 رأس. بيد أن الحظائر احترقت قبل البيع بيوم واحد.
أبو الحواسم: (بشكل طبيعي تماما) فشنق الشريك نفسه على جسر الترعة وسط الأبقار والحظائر المحروقة.
شهريار: كيف عرفت ذلك؟
أبو الحواسم: من الطبيعي أن ينتحر الشخص الذي يرى أبقاره تموت في يوم البيع.
شهريار: نعم!!... وبعد ذلك ترك على كاهلي ديون ضخمة بالاضافة إلى ذلك الاحساس العقيم بالذنب. وكأنني ارتكبت جريمة بحقه.
أبو الحواسم: هل هو احساس من دفع شخص للانتحار كي ينفرد بخيرات الأرض للمواسم القادمة؟
شهريار: لا! لا!
أبو الحواسم: هل صحيح أن رجال المطافيء تمكنوا من ايقاف الحريق بعد انتحار الشريك بنصف ساعة؟
شهريار: ماذا تعني؟!
أبو الحواسم: هل صحيح أن زوجته وطفليه حرموا من الميراث بدعوى أن القيد هو الذي تسبب في الحريق؟ وهم يعيشون منذ تلك اللحظة في جحيم من العوز والبؤس.
شهريار: (يبدأ بالتراجع) من انت؟ من انت؟
أبو الحواسم: أبو الحواسم (ياخذ بالغناء والرقص حتى بعد حوار شهريار)
شهريار: (مذعورا) أنت كاظم الشَهَد! أخوه! أنت الذي اقسم ان يأخذ بالثار!
أبو الحواسم: (بصوت بارد لأول مرة) انت تتصور أشياء ليس لها وجود... أنا اسمي حسام! (الرقص مستمر والغناء وشهرزاد تدندن).

المشهد السادس
التماثيل والدمى تتحول إلى صور مؤطرة.. الاطارات في حالة حركة
شهريار:
لقد ظهرت اذن يا كاظم!
أبو الحواسم: (يعود الى صوته المتسوّل فجأة) اهدأ، يا سيد شهريار، اهدأ...
شهريار: اخرج من هنا! اخرج! والا قتلك!
(يشهر شهريار سلاحه مرة أخرى وقبل أن يطلق النار يفتح الباب محدثا دويا وتدخل سليمة مراد، ابنة شهريار. فتاة جميلة، في العشرينات من عمرها)
سليمة مراد: (تسحب عباءتها التي شدها شخص ما) بابا! الحديقة تعج بالحواسم! في رواق البيت اثنان يستلقيان! والثالث طفل ضخم يحاول أن ينتزع عباءتي!
أبو الحواسم: انه السندباد!
سليمة مراد: وعلى الأسوار علقوا الحرّاس. بابا!
شهريار: (وهو ينظر الى أبو الحواسم) هدوء يا سليمة! هذه زيارة كنت اتوقعها منذ زمن...
سليمة مراد: الحرّاس ما زالوا ينزفون ويحشرجون فوق الأسلاك! بعضهم ترتجف جثته من شدة الصعقات الكهربائية! (وقفة تنطوي على التهديد) اتصل بالعسس يا بابا، ماذا بك؟ (تترك عباءتها وتتجه الى التلفون) ألو، مدير العسس؟ بيت شهريار. لقد داهم الحواسم بيتنا!... ألو؟ ماذا؟ من يتكلم؟
أبو الحواسم: حبيب الأسود! إنه يصفر، لا يتكلمّ! لقد خرج حبيب الاسود من احد المشاجرات بنصف لسان، وهو لا يعرف الآن غير الصفير...
(تترك سليمة مرادالتلفون وتنظر بذهول. من السماعة نسمع صفير متواصل)
شهريار: اذهبي الى غرفتك.
سليمة مراد: هل ستطردهم لوحدك؟ دعني أساعدك!
شهريار: اذهبي الى غرفتك.

المشهد السابع
(صباح اليوم التالي. الصالة ذاتها. إلى جانب السجادة صحون فضلات طعام. قناني فارغة. يقترب شهريار في لباس النوم بحذر من النافذة. ينظر. أصوات ضحك، صياح، استغاثة، عزف ايقاع. تدخل أسمهان).
أسمهان: شهريار! انظر ماذا يفعل هؤلاء في الحديقة!!
شهريار: (يمسكها من يدها) هدئي من روعك! الهدوء! الهدوء! احتفظي بهدوئك.
أسمهان: هدوئي!؟ (تنظر من النافذة الى الحديقة) انظر كيف يحطمون الأشجار. انهم يتمرغون في الترعات (تلتفت مذعورة) يا إلهي! إنهم من طينة الحارس الذي احرق البارحة حقيبة ابن المعتز في باحة الجامعة
شهريار: حقيبة ابن المعتز؟
أسمهان: نعم.
شهريار: نعم؟!
أسمهان: ألم أخبرك؟
شهريار: لا!
أسمهان: حين خرج الطلاب من قاعة المحاضرات لم يجدوا حقائبهم تبين أن بواب الكلية، قد جمع حقائب الطلاب واشعلها لأجل أن يشغل محولة الكهرباء! لقد قال لهم أنه بهذه الطريقة يعوض طاقة الكهرباء بالنار!
شهريار: حسنا!!!!! دعيني اوضح لك أمرا ولكن عليك أن تتحلي بالشجاعة! هؤلاء (وقفة) هؤلاء هم.. نعم! إنهم ذات الرجال الذين ألقوا بالحقائب الى النار، وأرسلوا رجال الدين الذين اخترقوا الجدران...
أسمهان: أبو سليم؟ هل جننت؟
شهريار: إنهم هم يا أسمهان! (يرتفع الغناء والعزف على الدف في الخارج) لم يغمض لي جفن طوال الليل! وكنت آمل أن يأتي الصباح فأكتشف أن هذا ليس سوى وهم. (ينظر الى أسمهان) لقد عبروا الأسوار.
أسمهان: والحرس؟
شهريار: لقد علقوهم على الأسوار ومن لم يمت فما زال يحتضر!
أسمهان: والعسس؟
شهريار: لقد سيطروا على دائرة العسس.
أسمهان: وما العمل؟ نستسلم؟
شهريار: لا اعرف. ليس لدي قدرة على التفكير. لقد باغتوني! (فجأة) لحظة! مزرعة الغنم! ارجو الا يكونوا قد وصلوا إلى مزرعة الغنم، فلكي يصلوا اليها عليهم ان يعبروا المدينة كلها. (يهرع الى الهاتف ويدير القرص) ألو، عبودي؟ انا أبو سليم كيف الوضع عندكم؟ لم يحدث شيء؟ (يتنفس الصعداء) لا شيء... لا شيء... اسمع عبودي، ضع أقفال الفولاذ. على كل باب قفلين! هل فهمت؟ شغّل المولدات وكهرب الأسلاك الشائكة في كل محيط المزرعة! لا تفتح الباب أبدا حتى اصل، هل تفهم؟ ماذا تقول؟ الرعاة؟ افتح لهم يا غبي! (يغلق التلفون) لم ير عبودي شيئا وهذا يعني انها مجرد عملية محدودة... علينا الا نبدي اية مقاومة. هل تفهمين؟ ولا أي نوع من انواع المقاومة. مهما كان السبب! سأبحث عن طريقة لأجلب السيارة فنهرب جميعا.
أسمهان: ولكن... اشيائي؟
شهريار: ليس مهما... فلنقدم لهم الآن ما يريدون قبل أن يفكروا بأشياء أكبر.
سليمة مراد: ما هذا الهراء. نحن لسنا في زمن علي بابا والاربعين حرامي! (الى شهريار) ماذا بك يا أبي؟ هل انت خائف؟ حسنا، انهم لصوص وقد كان متوقعا ان يأتوا ذات يوم! (تعود الى الباب المؤدي الى الحديقة)
شهريار: ماذا تفعلين؟
سليمة مراد: سأسوي الامر معهم... (تتناول سوطا علق على احدى زوايا الصالة)
شهريار: اتركي هذا الشيء!
سليمة مراد: لا تخف يا أبي! عمليات الاختطاف لا تتم في هذه المنطقة أبدا! (تخرج. صوتها في الخارج) هيه، انتم ايها الحواسم! اخرجوا من هنا! (يتوقف صوت الطبل ويسود صمت مشحون بالتهديد) هيا اجمعوا هذه الأوساخ.. والى الخارج!
صوت أبو الحواسم: اهدأ، يا أبو الجماجم!
سليمة مراد: الا تسمعون؟ هل تريدون أن أضربكم بالسوط!
صوت أبو الحواسم: دعك من هذا، يا آنسة.. اهدأ، أبو الجماجم!

المشهد الثامن
تماثيل ودمى وصور مؤطرة.. الاطارات والتماثيل والدمى في حالة حركة (يسمع صوت سوط. أنين. صرخة ذعر تطلقها سليمة مراد) صوت أبو الحواسم:
ابتعدوا! ابتعدوا! اتركها، يا أبو الجماجم! اتركها!
(يهرع شهريار، الى الخارج. يتوقف الصراخ في الخارج ويخيم الصمت من جديد. يرجع شهريار لوحده. يدخل أبو الحواسم وخلفه السندباد. السندباد طفل يدخن، يشرب الكحول القوي ويتناول المخدرات)
شهريار: (وهو يرتجف، شاحب اللون) حسنا!... كاظم الشَهَد! أعد إلي ابنتي ولك ما تريد!
أبو الحواسم: (ناظرا الى السوط بين يديه) جلود هؤلاء تتحسس كثيرا من هذه الالعاب (يكسر السوط) كان عليها أن لا تستخدمه...
شهريار: حسنا! ما هي طلباتك؟
أبو الحواسم: أن تتعلم ابنتك التهذيب، ايها السيد الشهم! (يرمي بقايا السوط) لا عمل لهذا الا لعرقلة التفاهم...
(يتجول السندباد في الصالة ويقلب اشيائها. يقترب من الدرج ويحاول ان يصعد) سندباد.. ليس مسموحا لاحد ان يصعد الى هناك. انه جناح خاص! (يخرج السندباد سيجارا طويلا، يشعله ويتجه الى الحديقة) عليك أن تتجنب السندباد فهذا طفل في رداء فتى!!
شهريار: بهيمة!
أبو الحواسم: لو كنت مكانك لما استخدمت هذه الكلمة. أتعرف أن هذا الطفل السندباد لم يعرف سقفا غير جسد الاطفال ولا دفئا غير أنفاس الحمير في الحضائر ولا حبوب غير خلطات من النوع الرخيص ولا مخدرات غير استنشاق رائحة البنزين الذي يبيعه على الطرقات. هل تريده أن يبيع ابنتك إلى أبو الجماجم لكي يأخذها بدوره الى الكباسلة!! هل عرفت ما فعله هذا السندباد قبل أسبوعين؟ احكي له الحكاية يا سندباد!
السندباد: (يلقي حواره بشرود) كان السندباد قبل أسبوعين قد تناول أرخص توليفة من الحبوب تعلمها من ابناء الطرف ففقد امكانية تحديد المعاني. ذهب إلى الحلاق حيث كان والده ينتظر دوره في الحلاقة. دخل السندباد الى محل الحلاقة وهو يحمل سيفا طويلا. طلب من أبيه أن يخرج معه. نظر الأب في عيني ولده المراهق فلاحظ أن السندباد قد تناول حبوبا عجيبة وأن الفيلم، فيلم الوعي، مقطوع لديه. أثناء خروج الوالد حذره أحد الجالسين في المحل بأن ينتبه من سلوك الطفل غير المترابط. عند باب المحل تقاذف السندباد الحديث مع أبيه. أبو الحواسم أنت الان حضرة الوالد!
ابو الحواسم: (يلعب دور الوالد)
السندباد: أبي! أريد أن تعود امي الليلة الى البيت. لقد طال انتظاري لها. وقد بحثت عنها في كل مكان حتى فقدت الأمل بالعثور عليها.
أبو الحواسم: سندباد. أعرف كم أنت متعلق بأمك. وأعرف أنها فطمتك وأنت في عمر التسعة أشهر وأعرف أنك تفتقدها كل يوم. لكنك تعرف أن الوالدة قد حان أجلها قبل تسعة أشهر ودفناها في مقبرة الكيلاوي الشرقي.
السندباد: لا داعي لتسطير هذه القصة من جديد. لقد سمعتها وسمعتها حتى ملّت أذناي. تسعة أشهر وأنت تكرر كل يوم ان الوالدة قد توفيت وانكما أنت وأخي قد دفنتماها. لقد كنت في البيت حين خرجت الوالدة ولم تعد. كل ما أتذكره هو أنك أرسلتها إلى الخباز وعندما تأخرت صرخت سأقتل تلك العاهرة التي تتأخر كلما ذهبت الى الخباز. وأرسلت أخي خلفها ومعه هذا السيف. وعندما عاد أخي لم تعد الوالدة معه وكان السيف ينز دما.
أبو الحواسم: هذه القصة من بنات افكارك ومن تأثير الحبوب اللعينة التي تتناول. أنت تخلط في التواريخ. كان اليوم ليلة العاشر من محرّم حين خرج أخوك الكبير للتطبير وعاد بسيفه حيث الدم الطاهر متخثر مع الطحين والحلقوم والساهون.
السندباد: أنت قتلت أمي لانني أحبها أكثر مما أحبك. أنت تغار منها.
أبو الحواسم: (يقود ابنه من ساعده) دعنا نبتعد عن المارة قليلا يا بني! انعل الشيطان يا ابني ودعنا نذهب الى الشريعة. بعض الماء العذب يروّح عن نفسك الأمارة بالسوء وسأشرح لك القصة من جديد. لقد أصاب والدتك مرض عضال، قيل أنه من تأثير اليورانيوم المدفون تحت نهر دجلة وقد توفيت رحمها الله منذ أكثر من تسعة أشهر أثناء ذهابك في الرحلة المعروفة الى الهند.
السندباد: لكن السندباد فقد صوابه وصاح: (اخلق لي أمّا لكي أتغلب على أحزاني وإلا سأحطم أبواب رأسك وأجعل عيناك في قدميك وأنادي عصابة الحبوب لكي يهلكوا الجميع فيصبح الاموات أكثر عددا من الاحياء. أنت تريد أن تستغفلني بحكايات الرحلات! أنا لم أذهب يوما الى الهند ولا الى الواقواق لأنك كنت تمنعني من مغادرة البيت بحجة أني ما زلت صغيرا. ولا يوجد أي كتاب في الرحلات يستطيع أن يثبت أنني ذهبت في رحلة الى الهند!) وحين وجد أن والده يريد أن يهدأه صاح به: (اسمع يا والد الكلاب! سأعد من الواحد حتى المائة بايقاع متوسط. وفي هذه الاثناء يجب أن تظهر الوالدة. المكان الذي أخفيتها فيه ليس بعيدا. هناك عند الشريعة تحت القنطرة. ولا أحد يستطيع أن يعيدها الى الحياة سوى تعويذة الجلجلوتية التي تعرفها أنت) وقد حاول الوالد أن يقنع أبنه بالذهاب الى الشريعة لكي يرمي عليه بعض الماء من أجل أن يستفيق لكن السندباد ظل يعد: (35، 36، 37،) والاب يحاول أن يثني ابنه عن العد حتى المائة. لكن السندباد: (77، 78، 79، 80!) وعندما وصل العد الى الرقم 95 ورأى الوالد شررا يتطاير من عيني المراهق العملاق هرب مستجيرا بزبائن الحلاق، فدخل السندباد وأشهر الى جانب السيف بندقية اوتوماتيكية. وأعطى مهلة جديدة تتناسب مع تغير ظروف المكان والزمان فكل مكان له زمانه الخاص وكل زمان له مكانه الخاص وبما أن المكان الاول قد تغير فالمكان الجديد له زمان جديد او بالعكس او هكذا.. حاول زبائن الحلاق أن يتدخلوا في الامر لكن السندباد هدد الزبائن بانهم اذا لم يسلموا الوالد فأنه سيقتلهم أيضا على الطريقة الاسلامية. وبدأ السندباد العد من جديد وفي هذه المرة شمل العد الزبائن والوالد والمكان. أشهر قنبلة يدوية فهرب الزبائن الى الخارج. عندها قطع الطفل المراهق رأس والده بعد أن قرأ بسرعة وبصورة متعثرة سورة الفاتحة. في اليوم التالي عاد السندباد إلى محل الحلاق للبحث عن ابيه وصار يتهم الحلاق بانه اختطف ابوه الذي احبه اكثر مما أحب امه وعندما صرخ الحلاق بوجهه أنه هو الذي قتل والده أشرع السيف وذبح الحلاق. ومنذ ذلك الوقت يبحث السندباد عن ملامح والده في أي رجل يراه وحالما يتعرف على الملامح يبادر بقتل الأب الجديد.
شهريار: (يضحك بينما يجلس منهكا) كاظم الشَهَد... ماذا تريد مني ان اعطيك؟ (صمت) هذه مسألة حلها يخصنا نحن الاثنين، وليس لهذا المراهق المعجزة دخل ولا لابنتي أبدا! اليس كذلك؟

المشهد التاسع
شهريار:
(يسمع دوي في الخارج فيهرع الى النافذة. يرتفع حريق هائل) إنهم يشعلون نارا!!
أبو الحواسم: أنت تعرف أن أيام تموز مليئة بالحشرات الضارة، وهم يشعلون بعض الأشجار لكي يطرد الدخان البعوض ويبعثون بباقي الأشجار الى الضفة الاخرى لكي يستخدموها في تشغيل المولدات بدلا من البترول المفقود..
شهريار: هل أنت متأكد أنهم لا يصنعون نارا يحرقوا بها ابنتي؟
أبو الحواسم: متأكد! انظر بنفسك!
شهريار:
(ينظر شهريار إلى الخارج ويختفي بسرعة ثم يظهر بسرعة وبيده حقيبة سامسونيات) هذا كل ما املكه هنا في البيت: 10 ملايين دينار... خذها ودعهم يكفون عن هذه الألعاب الخطيرة مع الفتاة! (تسقط في الخارج شجرة اخرى)
أبو الحواسم: (يتناول الأوراق النقدية) قلت: 10 ملايين دينار؟
شهريار: بلى... ولكن عد بالفتاة الى هنا أولا..
أبو الحواسم: (بمكر مباغت) وهل تعتقد ان جيرانك سيدفعون لنا مثلها؟
شهريار: اذا ما وضعت أحد أبناءهم وسط كوم الاشجار وبدأت تصب النفط على الاشجار فانهم سيدفعون أكثر. أنا أيضا أود أن أدفع أكثر لكن النقود كما تعرف موجودة في البنك (تسقط شجرة اخرى) هل أنت متأكد أنهم لا يريدون أن يحرقوا الفتاة؟! ولماذا يصبون كل تلك الاشياء فوق الاشجار؟
أبو الحواسم: انه مبلغ جيد، 10 ملايين دينار، اليس كذلك؟ (يروزها) لم أر في حياتي مبلغ كهذا.. كم مقداره؟ أعني، ما معنى 10 ملايين دينار؟.. مثلا، هل استطيع ان اشتري بها شاحنة محملة بالموز؟
شهريار: طبعا... بل 35 شاحنة ونصف!
أبو الحواسم: (مبتسما) رائع! في راسك الة حاسبة! كيف تستطيع ان تحسب بهذه السرعة؟
شهريار: بالممارسة يا عزيزي كاظم بالممارسة!
أبو الحواسم: 35 شاحنة ونصف، هه؟ (يصرخ) شهرزاد! (تدخل شهرزاد) هل تعرفين ماذا يوجد في رأس هذا السيد؟
شهرزاد: ماذا؟
أبو الحواسم: آلة حاسبة! آلة تقذف الارقام... (الى شهريار) ايها السيد الشهم هل لك ان تبرهن لها على ذلك؟
شهريار: كاظم الشَهَد... أريد ابنتي.. الآن!!
أبو الحواسم: (يقدم المبلغ الى شهرزاد) قدمه لنا السيد الشهم... اساليه كم بمقدورك ان تشتري به... انه 10 ملايين دينار... سيقول لك.. اساليه كم عذوق الموز تستطيعين ان تشتري به. هيا! اساليه!
شهريار: تريد أكثر؟ اجلب لي السيارة إلى هنا وسنذهب معا الى البنك في الحال لكي أعطيك ما تريد
شهرزاد: (مذهولة) عذوق من الموز؟
أبو الحواسم: نعم... عذوق من الموز... (تشير شهرزاد الى شهريار بحزن) حمولة 35 شاحنة ونصف!
شهرزاد: (تكاد لا تصدق) 35 ونصف...
أبو الحواسم: 35 ونصف لا أكثر ولا اقل... هو قال ذلك ويبدو صحيحا، لانه لا يخطيء.. (يقفز نحو التافذة) هيه، انتم، اقتربوا! اتركوا الفتاة بعيدا عن كومة الاخشاب! ان السيد شهريار كريم، لقد منحنا 10 ملايين دينار! (يهزها) هل من احد منكم يريد ان يساله ماذا يستطيع ان يشتري بها؟ (همهمة في الخارج) لنر، انت، يا أجدع الخره، ماذا تريد ان تشتري بها؟
صوت علي بابا: أنف حقيقي!
أبو الحواسم: سأسأل السيد اذا كان باستطاعتك ان تشتري أنف حقيقي ب10 ملايين دينار! (يلتفت الى شهريار) هل يستطيع؟ (يصرخ باتجاه الخارج) السيد شهريار يقول: لا (خيبة امل في الخارج) لقد فقد المسكين فرحه. وهو الذي جدعوا أنفه حين رفض أن يشارك في حرب البسوس ولم يقبله أحد في أي عمل لأنهم وضعوا شارة على جبهته تقول أنه جبان! كنت غير لبق في سؤالي لك، هذا صحيح... أولا عودة الفتاة ثم الأسئلة! هيه، سعدية! ماذا تريدين أن تفعلي بالملايين؟
صوت سعدية: (اجش غليظ) مبردات تعمل على البطارية! في كل غرفة مبردة! (ضحك)
أبو الحواسم: (الى شهريار) كم نستطيع ان نشتري بهذا المبلغ؟ (يريه الأوراق النقدية)
شهريار: سأعطيك ضعفه اذا ما أرجعت ابنتي!
أبو الحواسم: هيا، روّح عن هذه الفقيرة... فهي لم تمتلك في العمر كله مروحة واحدة في صريفتها.. هل تتصور فرحتها بالمبردة؟ هيا (يصرخ) انظري، يا سعدية، لقد بدا دماغة يشتغل... فيما بعد يخبرك!
شهريار: (مكرها) بشرط أن تعيد الفتاة! اتفقنا؟
أبو الحواسم: نعم!
شهريار: اين الفتاة؟
أبو الحواسم: بصحبة أبو الجماجم. إنها معه! صدقني! لقد خرج معها ليشم بعض الهواء.
شهريار: هل تستطيع اعادتها
أبو الحواسم: بالطبع... أقصد. نعم، أستطيع!
شهريار: ماذا تنتظر اذن؟
أبو الحواسم: بالطبع أيها السيد الشهم. مقايضة! بضعة أسئلة وبضعة أجوبة ثمنها عودة الفتاة.
شهريار: اذا كان ثمن المبردة خمسة عشرة ألف دينار، فان عددها ستمائة وستة وستين وسدس مبردة...
أبو الحواسم: سدس المبردة؟ احسنت! (يصرخ) تصفيق لسدس المبردة! هل سمعت يا سعدية؟ ستمائة وستة وستين وسدس مبردة! أما السدس فسأحتفظ به لكي يداعب الهواء مؤخرتي. خصياني! (صيحات فرح في الخارج) هيا، خذيها (يرمي اليها ببعض الأوراق) اشتري بها! (صيحات موافقة من الخارج) وانت، يا أبا ذر الغفاري! انه ماخوذ بفكرة انه يشبه أبا ذر الغفاري (يصرخ) ماهي امنيتك؟
صوت أبا ذر الغفاري: العدل! (صيحات استنكار وتأييد في الخارج ثم صمت)
أبو الحواسم: (يلقي ببعض الأوراق النقدية) خذ واشتر.
اصوات اخرى: (وقد تشجعوا) انا اريد شاحنة من الغواني لي وحدي! (صيحات) شاحنة من المولدات! شاحنة من الستالايتات. شاحنة تهريب بنزين! انا اريد قفصا من عصافير كناري! أنا أريد محطة وقود! (صيحات استنكار. يتابع رمي الأوراق النقدية ويضحك بفرح واحتفاء فكاهي) انا اريد شيش كباب بطول عشرة أمتار وعرض متر واحد! شيش كباب بحجم تل من اللحم!... جبل من اللحم! (ترافق كل خاطرة ضحكات جديدة لينتهي كل شيء بدوي جهنمي)
أبو الحواسم: (الى شهريار الذي يبدو وكأنه اصيب بعدوى الفرح) هل عندك كمية اخرى من هذه الأوراق؟ (يريه الأوراق الاخيرة) هذه تكاد تنتهي!
شهريار: عندي شريطة أن تعيد الفتاة من ذلك الذي اختطفها...
أبو الحواسم: هذا يتوقف هذا على مدى قدرتنا على بث الحماس فيه، الا تفهمني؟
شهريار: حسنا اطلب من هؤلاء أن يجلبوا السيارة الى هنا. سنذهب انت وانا الى البنك لنسحب نقودا.
أبو الحواسم: اسمعوا! احملوا سيارة السيد حتى مدخل الصالون. السيد الشهم يريد أن يذهب معي في نزهة خاصة! (هرج وناس تحمل سيارة تسقط السيارة ونكاد نسمع صوت تحطم السيارة)
شهريار:
هذا لا شيء. السيارة تعمل وهي قوية جدا. انتظر! (يهرع نحو الدرج ويهمس) أم سليم! اجمعي، يا امرأة ما في الخزانة المكشوفة من نقود واعطني إياه متى ما طلبته!

المشهد العاشر
دمى وصور مؤطرة.. (هذا المشهد تجري أحداثه وهم في السيارة)
شهريار: (بارتياح)
كنت واثقا اننا سنتفاهم اخيرا... أنت تقوم بذلك كله كي تبث الرعب داخلي. اليس كذلك؟
أبو الحواسم: تقريبا، صحيح...
شهريار: بعد ايام قليلة... من الترويح عن النفس والانبساط، سيذهب جماعتك، اليس كذلك؟ إذا كان هذا مخططك، فأنا لا مانع عندي أن يبقى الجماعة هنا لمدة أسبوعين وسأشغل لهم تبريد اضافي يعمل بمولدات خرساء.. هل هذا هو مخططك؟
أبو الحواسم: بلى، مخطط بعض منا...
شهريار: (بود) كنت اعرف ذلك. هل تعلم؟ انا لا القي باللوم عليك، لو سالتني عن رايي لقلت لك انني ارى ان معك بعض الحق. لان الحياة على الضفة الأخرى ليست حياة... هذا ما اقوله لاصدقائي باستمرار... (علينا ان نفعل شيئا لاجل هؤلاء الناس.. يوافقه أبو الحواسم) لكنك تعرف... الأنانية...
أبو الحواسم: طبعا...
شهريار: (بود اكبر) (من اصحاب الكروش)، كما يسمونني جماعتك. (يضحك)
أبو الحواسم: لك عندنا اسماء اخرى...
شهريار: نعم، نعم، اعرف...
أبو الحواسم: العميل.. ابن العاهرة.. المنيوك.. العلج.. واسماء اخرى...
شهريار: بلى، ولو سالتني عن رأيي لقلت لك ان بعض أصحاب الكروش حفنة من الدخلاء... يريدون أن يربحوا بأسرع وقت ممكن ويهربوا.
أبو الحواسم: صحيح، ولكن من المؤسف.. من المؤسف انك تتعامل معهم، طالما انك تفكر بهذا الشكل. انها تضحية كبيرة. انا دائما اقول لشهرزاد: (ان بعض العملاء يحملون أكفانهم على اكتافهم)
شهريار: اتقول هذا لي انا! على الاقل، انا رجل مرتاح الضمير... لم اسمح لنفسي ولو مرة واحدة بالانجراف مع اية صفقة من صفقاتهم القذرة. (تهوى شجرة اخرى في الخارج) لكن قل لهؤلاء ان يتوقفوا عن قطع الاشجار! إن هذا يحطم اعصابي!
أبو الحواسم: (ينظر الى رفاقه عبر نافذة السيارة) توقفوا! سيقدم السيد لنا ما في حساباته من اموال كي نتركه بسلام... كفى يعني كفى!
شهريار: هذا دليل نفوذك! صرخة منك و... (يصفر) القادة... يحكمون العالم! أما علم السياسة والمنطق اللذان يحركان التاريخ فكلاهما على خطأ...
أبو الحواسم: اذا نظرنا الى الخلف، فهذا صحيح، لكن التاريخ مستقبل ايضا...
شهريار: قل لي يا عزيزي كاظم: أين الفتاة الان؟ هل ما زالت هنا أم أخفاها أبو الجماجم في أحد المخابيء؟ أنت تعلم أنني لا أستطيع أن أمنحك النقود قبل أن تعود الفتاة
أبو الحواسم: بالطبع أيها السيد. نحن أناس مؤتمنون. وحالما نعود من البنك سنطلق سراحها.
شهريار: أريد أن أراها قبل ذلك!
أبو الحواسم: حسنا، إن عدم تصديقك لا يساعد الا في تعقيد الامور. (ينادي) لقد قلت لك أننا مؤتمنين.
شهريار: الشروط شروط. أرى الفتاة حية بأم عيني ونذهب الى البنك.

المشهد الحادي عشر
صور مؤطرة في حالة حركة
أبو الحواسم: حسنا. سندباد!! سندباد. اتصل بأبي الجماجم!
صوت السندباد: (يتصل بالموبايل ثم يغلق الخط) لقد ذهب ابو الجماجم الى مربض السلمان قبل ساعتين.
أبو الحواسم: اتصل بمسئول مربض السلمان...
السندباد: (يتصل بالموبايل. يرطن بلغة غير مفهومة ثم يغلق الخط) لا يوجد هناك أحد سوى جثة معلقة على حبل الغسيل وبعض الكناسين.
أبو الحواسم: هل قتلتها يا سندباد؟ هذه ليست أمك كي تقتلها!
السندباد: أنا لم أقتل أحدا. ثم الزم حدودك. كلما وقعت في ورطة رحت تصدرها للاخرين وتنكبّت لبوس المدرسين ثم صرت تتلو: لقد قتلتم وهذا لا يجوز، لقد ذبحتم وهذا لا يجوز، لقد سرقتم وهذا لا يجوز. وعندما ترتكب أخطاء قاتلة تتهم الآخرين بأنهم قتلوا أمهاتهم؟
ابوالحواسم: عزيزي سندباد الهوى والفتوة، لقد حكينا قصة مقتل الوالدة أمام الرجل قبل فترة وجيزة.
السندباد: نعم. وقد ذكرت في مطلع مرافعتك الدستورية أن والدي هو الذي قتل أمي وأنني قتلت السيد الوالد لانه قتل امي، علما أني لم أفعل هذا أبدا.
ابو الحواسم: عزيزي زين الشباب، ليس هذا وقت المشادات الممتعة بيني وبينك. تنشّق هذا الرماد الأبيض العظيم ثم ابلع هذه التوليفة الكبسولية. لقد حصلت عليها من السيد وهي خلطة فريدة من نوعها، ولك مني جرعة ماء مقدس غير ممسوس بالكحول.
السندباد: تريد أن تتجنب لساني؟ (يأخذ الكبسول)
ابو الحواسم: قل ما شئت يا عزيزي. فصداقتنا أكبر من أن تعكرها هذه الصغائر. بالهناء والسعادة يا سندباد!
السندباد: (يبتلع مجموعة من الحبوب. ثم بعد لحظات يبدأ بتناول الطعام بشراهة)
أبو الحواسم: وأنا سأشرب من بعدك بقايا عصير العنب دم المسيح الطاهر.
السندباد: لا. لا. لا داعي لذلك سأعطيك تفاحة بدلا من الكأس!
أبو الحواسم: أنا أعرفك منذ أكثر من قرن من الزمان يا سندباد وأعرف أنك ما أن تشعر بأن الحمل ثقيل حتى تبادر باسقاطه عن كتفك
السندباد: وما علاقتي بتلك الفتاة؟ أنا لم أحملها على ظهري ولا في أحشاء بطني. لقد سلّمتها الى ابو الجماجم كما أردت وانتهى الامر.
أبو الحواسم: أعدها يا عزيزي! اعدها! أبو الجماجم هذا لا يمكن أن نأمن شره في مثل هذه المواقف!
(فجأة يصبح السندباد بتأثير الحبوب مطيعا للاوامر).
السندباد: انتظر لحظة! (يتلفن) أقسم لك يا أبو الحواسم بأني لم أقتلها. (يغلق التلفون) لقد قالوا لي توجد جثة معلقة على حبل الغسيل! هكذا قال لي أبو الجماجم، وحين أراد أبو الجماجم أن يأخذها أوقفه الكناسون وقالوا أن عليه أن يدفع لهم مقابل تلك الخدمة.
أبو الحواسم: وهل دفع لهم؟
السندباد: لا!
أبو الحواسم: خذ وادفع لهم!
السندباد: (يتصل بالموبايل. يرطن ثم يغلق الخط) جيد! جيد! في تمام الساعة الثانية عشرة دفعت. فقالوا لي أنهم نقلوها إلى مستودع الأدوية. عند البوابة رأيت أحذية أبو الجماجم فدخلت. توجهت إلى المستودع فلم أتمكن من معرفة الطريق. كانت مستودعات كبيرة ومتنوعة. مستودعات ذخائر، مستودعات أدوية، مستودعات بنزين، مستودعات ملابس، مستودعات أقراص مهدئة وأخرى مخدرة وأخرى منشطة، شرائط أدوية، سيوف، ضمادات بيضاء طويلة كأنها أكفان.
أبو الحواسم: اختصر. لا داعي للتفاصيل. هل ابتكرت توليفة حبوب جديدة وضاعت عليك الفتاة؟
السندباد: نعم! كيف عرفت؟
أبو الحواسم: هذا ليس صعبا! أنا الذي أعطيتك التوليفة!
السندباد: أحسنت! بعد التوليفة زادت صعوبة العثور على مستودع السوائل. فجأة ظهر شخص اسمه حمود الجرابي فظننت أنه واحد من الأحياء، لكن الجرابي قال لي أن الجثة المعلقة على حبل الغسيل موجودة في قسم النشوق في بنزين خانه قعقاع الرسن. هناك وجدت بشر ترطن بلغات عجيبة. صفير، تزمير، وتتنشق البنزين وكأنها تدخن.
أبو الحواسم: سندباد!!
السنداباد: في الساعة الثانية سألت فيما لوكانت الفتاة المعلقة على حبل الغسيل موجودة فأرسلوني الى مأمور مستودع التمور دكتور مرهون. وقد قال المرهون أنه حصل على معلومات من مساعده شلاّع التتن عن مكان الفتاة. وأشار لأحد الموظفين الصحيين أن يذهب إلى الدكتور الهمام لكي يسلمني الفتاة. لكننا لم نجد الدكتور الهمام فعدنا إلى المخزن حيث كان الدكتور المرهون قد اختفى أيضا. تملّصت من الموظف الصحي ودلفت مستودع المساحيق البيضاء. من بين المساحيق ظهر أحد الدكاترة وأرسلني الى وكيل الدكتور المرهون. وعند مقابلتي للوكيل قال: ( لقد دفعنا إلى أبو الجماجم خمسمائة ألف دينار مقابل الفتاة المعلقة على حبل الغسيل. وعندما حققت معها اكتشفت أنها تصلح أن تباع إلى البرقعاوي!) وبدأ يتكلم عن تفاصيل في جسدها فتأكدت بأنها عنده لأنني كنت قد شاهدت تلك التفاصيل في كابينة الحرس. وعندها توسلت اليه وقلت: (أنها فتاة مغلوبة على أمرها وأني أنوي الزواج منها والله!) وعدني أنه سيسلمني أياها بدون علم الدكتور على أن أدفع مبلغ مليون ونصف دينار. دفعت المليون ونصف! في الساعة الثالثة توجهت إلى مستودع أدوية السلمان فلم أره هناك. في الساعة الرابعة رجعت الى مستودع التمور فوجدت الموظفين الصحيين وهم يوزعون أموالا على بعض! وقابلت الدكتور المرهون فقال: (سأسلمك إياها!) وضرب لي موعدا في بنزين خانة قعقاع الرسن. توجهت الى قعقاع الرسن وبدلا من أن يأتي الدكتور المرهون وجدت الدكتور علاء والدكتور كرار والدكتور درع فقال الدكتور علاء: (أنا قمت بالتحقيق معها وإعترفت لي ببرائتها وقالت لي أنها تريد أن تبقى معي) وقال الدكتور كرار: (أنا قمت بالتحقيق معها وإعترفت لي ببرائتها وقالت لي أنها تريد أن تبقى معي) أما الدكتور درع فقال بعد أن انفرد بي: (تعال معي! إن هؤلاء لا يتفاهمون أبداً. لقد هددوني بالقتل لأني أحلق لحيتي). في الساعة الخامسة ذهبت مع الدكتور درع ألى مستوصف مستودع التمور فتحرك طاقم التمريض. طلب منهم الدكتور درع التعاون معي. في الساعة السادسة ذهبت الى الدكتور المرهون ولكني لم أجده فعكفت على قسم البنزين. في الساعة السابعة كانت الساعة الحاسمة. إلتقيت الدكتور درع فقال: (لدي عمليات كبرى. سأقابلك بعد العملية) بعد العملية سألني: (من يحتجز الفتاة المعلقة على حبل الغسيل بالضبط؟!) فقلت له: (الدكتور المرهون) اتصل هاتفيا بالمرهون فلم يكن موجودا. إتصل بالمرهون على الموبايل وبعد قليل أغلق التلفون وقال: (الفتاة ليست لديه!) فقال أحد الموظفين الصحيين الذي كان يشاركنا الحديث: (رأيت فتاة معلقة على حبل غسيل عند مستودع الغاز قبل أربع ساعات) إتجهت الى مستودع الغاز فوجدت كناسين يستخرجون أسلحة من تحت الكراسي. بعدها بقليل ظهر الدكتور المرهون فسألته فقال: (لم يعد لدينا أي محجوز. لقد كانت لدينا فتاة واطلقنا سراحها) لكنني إستطعت أن أشتري أحد الكناسين الذي قضى أكثر من شهر في مستودع الحبوب البيضاء فقال لي: (سوف أتيك بأخبار الفتاة ولكن أريد مبلغ مليونين.) فقلت له (إجلبها وستحصل على ما تريد) فقال: (الفتاة المعلقة على حبل الغسيل موجودة) فقلت له: (أين؟) فقال (في الطب العدلي في مشفى الرمل الأزرق) ومد يده في جيبي وأخذ المليونين! ذهبت الى الطب العدلي فقادني موظف الى باحة المستشفى حيث رأيت سيارة، برّاد، عاطلة. فتح الموظف باب السيارة فواجهتني روائح جثث متفسخة. استجمعت قواي ودخلت. كان ثمة عدد كبير من جثث شوهت ملامحها وعريّت عن ملابسها. حاولت التعرف على الفتاة دون جدوى. وعندما كدت أختنق أردت أن أخرج فقال لي موظف الطب العدلي: (لا أستطيع أن أتركك تخرج من البراد إلا بعد أن تدفع 3 ملايين دينار وتتسلم الجثة) وصار يقنعني بأن الجثة موجودة وقد جاءت في نفس الساعة وكانت موثوقة إلى جثة أخرى. وحين قلت له أنني لم أجد الفتاة التي أبحث عنها، صاح: (ثم ماذا؟ بامكانك أن تأخذ أي جثة وتحورها لكي تصبح شبيهة بجثة الفتاة)
شهريار:...
أبو الحواسم: حسنا.. كم ستسحب من البنك؟
شهريار: كم تريد؟
أبو الحواسم: مائة مليون
شهريار: دعني أفكر للحظة... نعم. حسنا. اتفقنا.
أبو الحواسم: هذه لهم. ولي 50 مليون!
شهريار: أنت داهية!! أنت تعرف أنني سأوافق. أنت ترى ذلك في عيني! دعني أرى الفتاة يا كاظم
أبو الحواسم: أبو الجماجم! اجلب الفتاة الى هنا.
شهريار:....
أبو الحواسم:
هل تأكدت؟
شهريار:...
أبو الحواسم:
هل سطرك العباس؟
شهريار: عد بي الى البيت
أبو الحواسم: هل تعتقد أنك تستطيع أن تخدعني؟ ألا تخجل من نفسك؟
شهريار: المبلغ الذي تريد محفوظ في البيت. لكني أردت أن أتأكد من أن ابنتي ما تزال على قيد الحياة. عليك أن تقدر الموقف! أب تختطف ابنته أمام عينيه! كن في مكاني!

المشهد الثاني عشر
شهريار: (تهبط أسمهان يتلقف منها الأوراق النقدية) هاهي (يعطيها الى أبو الحواسم) لكن عليك الا توزعها جميعا هذه المرة، مارايك؟ (يخرج قطعة ذهب) هذه لك وحدك كما اتفقنا! واذا احتجت أكثر فلا تتردد! ليس من الضروري ان تخبرهم بهذا الاتفاق الجديد. مارأيك؟
أبو الحواسم: شكرا لك. خذيها لهم (شهرزاد تخرج مع النقود)
شهريار: دعك من هذا، لا اريد عواطف. اولا اجلب الفتاة الى هنا. واذهب وقل لهؤلاء الطيبين أن يكفوا عن قطع الأشجار... وليصلحوا بعض ما افسدوه، هه؟
(يكاد يدفعه نحو باب الحديقة. ترمى الفتاة على الارض من الأعلى وهي فاقدة الوعي. يهجم شهريار على ابنته ويحاول أن يوقظها من غيبوبتها) قل لهم انني سأهتم بامورهم من الآن فصاعدا بنفسي...
أبو الحواسم: كريم! والله كريم! عرفت ذلك منذ رايت أنواع المازة التي تستخدم مع الويسكي. (يخرج وتدخل الزوجة. جلبة عند الباب الخارجي. يدخل ابن المعتز حاملا كرة قدم. انه فتى معافى)
أسمهان: (تنهار فوقه وتعانقه) سلام! سلومي! (تتلمس وجهه) لا شيء ابدا؟ الم يفعلوا بك شيئا؟
ابن المعتز: (بتراخ) ماما.. ماذا بك؟
أسمهان: هل انت بخير؟
ابن المعتز: طبعا!... لماذا؟ (ينظر الى شهريار) ماذا بها؟
أسمهان: حدثت أشياء مريعة، يا بني. شيء مرعب! لقد هبطت الليلة الفائته فوق بيتنا شرذمة من المتوحشين! حواسم تطاولوا على اختك. قطيع من القتلة. مجموعة من الحيوانات.
ابن المعتز: عمن تتكلم؟ (بشكل طبيعي) عن سكان الضفة الأخرى؟
أسمهان: نعم.
ابن المعتز: لكنهم ليسوا حيوانات. انهم فقراء المدينة.
أسمهان: ابن المعتز، ليس هذا وقت افكارك المجنونة!
ابن المعتز: (صارخا) اذن، لا تسميهم حيوانات! (تسكت أسمهان وقد اخذها الذهول) رايتهم ليلة البارحة يسيرون، وكأنهم يطيرون. كانوا يعبرون النهر ويقفزون فوق الحواجز الاسمنتية. بالمئات، بالآلاف، (الى شهريار) وكانوا يغنون اثناء العبور!
أسمهان: (وهي ترتجف) لا تتصور انك كنت تعيش على خارج الحلقة...
ابن المعتز: (ناظرا الى كرة القدم) هذه الكرة هي من بقايا الحضارة البائدة! لقد جعلتني اشعر بالعار حين دخل الناس ساحة كرة القدم في بيت آل النجار...
أسمهان: (أسمهان، مذعورة) يعني انهم دخلوا بيت آل النجار!!!
ابن المعتز: خلال دقائق! احاطوا بالملعب وراحوا يتابعون الكرة ويطلقون الهتافات ويركضون خلف الكرة خارج الملعب، متعثرين باسمالهم، مثل الأطفال تماما. البعض الآخر راح يتشمم ما حول مستودع الأدوية بأنف مدرب لا يجاريه حتى انف الكلاب البوليسية وهو يغني: أين تربضين يا تفاحة يا محطمة قلب الحر اللاهب. أريد الحصول على ما يساعد على احتمال الحر الرهيب، حر جهنم. يا حبوب الثرى والثريا فاليومات العقود العجيبة. أنت أحب لي من الايركوندشن. أحب من الكهرباء. الكهرباء يأتي ساعة ويغيب ساعات أما انت فتحضرين من الابد والى الابد!... مثل الأطفال تماما. مثل الأطفال تماما
(دوي انهيار. صراخ استغاثة. الجميع يتوجهون الى النافذة)
أسمهان: (شاحبة اللون تنظر) لقد انهدم بهم الجسر وهم يتدافعون للعبور.
ابن المعتز: اطمئني! انهم يتنادون لانقاذ بعضهم من الغرق!
شهريار: انهم لا يتنادون لانقاذ بعضهم. انهم يسرقون جيوب الغرقى قبل أن يأخذهم النهر الى الاعماق.
أسمهان: لقد هدموا الحاجز! انظر كيف يدخلون من الثغرات! (تلتفت الى شهريار) أبو سليم! أبو سليم! يا الهي! (اصوات ضحك وصرخات استغاثة للبعض ممن يغرق)
شهريار: (شاحب اللون) انهم بالمئات... بل بالالاف... (يتحرك ابن المعتز باتجاه باب الحديقة، كما لو بايحاء خارجي)
أسمهان: (توقفه) الى اين انت ذاهب، يا ابن المعتز؟
ابن المعتز: (ناظرا اليها دون ان يراها) لأنقل اليهم مشاعري...
أسمهان: لن تخرج!
شهريار: (يتقدم بقلق) اتركيه! اذهب يا سلام! اذهب! فانت تعرف لغة هؤلاء الناس. قل لهم ان شهريار صديق لهم ولا يضمر لهم أي سوء.. ابلغهم ذلك بطريقتك الخاصة. قل لهم ايضا ان يحترموا والدتك. (يخرج ابن المعتز) نحن شيخان، وفي مثل هذا الوقت علينا أن نتعلم من أطفالنا.
أسمهان: (بثقة الآن) انت خائف!
شهريار: حدثني قلبي ان موضوع رجال الدين لم يكن من نسج الخيال. الارض تتزلزل تحت اقدامنا يا أسمهان. (يظهر أبو الحواسم)
أبو الحواسم: كم حبلا غليظا نستطيع ان نشتري ب100 مليون دينار، يا سيد شهريار؟ (يخرج بعض الحبال. صمت مطبق)
شهريار: الشراكة التي قمت بها مع أخيك كانت نظيفة يا كاظم! اخوك لم يكن بريئا! وأنت لا تستطيع ان تقتص من عائلتي لهذا السبب! (يمضي اليه ويمسكه من صدره) اعطيك أي شيء. هل تفهم؟ أي شيء شرط أن تنهي هذا الوضع.
أبو الحواسم: لم يبق عندك ما تعطيه.
شهريار: المزارع! عشرات المزارع التي لا يعرف أحد بوجودها!
أبو الحواسم: اتصل تلفونيا بالمزارع!
شهريار: حسنا! سأعطيهم التعليمات كي يسلموك كل ما يحلو لك! كل شيء. (يدير قرص الهاتف) آلو، عبودي، الو! ماذا؟ تكلم بصوت اعلى. اعلى، اقول لك.. من يتكلم؟ الو من يتكلم؟ ارفع صوتك!
أبو الحواسم: انه صفير حبيب الأسود... جرب المزرعة الأخرى! (يدير قرص الهاتف) أبو الجماجم. جرب مجمع الدجاج الكبير! (يدير قرص الهاتف) علي بابا. جرب حقول الماعز! (يدير قرص الهاتف) أبو ذر الغفاري. جرّب! جرّب! جرّب! جرّب!
(يترك شهريار السماعة مذعورا ويعود الى أبو الحواسم. أبو الحواسم يتحدث بطريقة خالية من التنميق) حبيب الأسود لا يخاف الثيران السماوية ولهذا قطع لسانه في احدى المشاجرات. انه أسمر كالح طويل كالطنطل، اجعد الشعر، له روح طفل وعضلات مارد. يستطيع ان يخنق حمارا باصبعين وان يحطم العمود الفقري لثور بذراع واحدة. معروف بيننا برعايته للاطفال، وعندما تضطر الامهات الى الخروج للتسول، أو العمل فان الأطفال يغفون بين ذراعيه وكانهم في مهد. كان يغني لهم قبل ان يقطع لسانه. كان يبدا اغانيه بترنيمات ناعمة عذبة. اغان تجعل الميت يقشعّر. لا احد يغني بمثل رقته! (يغني).

المشهد الثالث عشر
شهريار: حسنا، يا كاظم الشَهَد! ماذا تريد بعد؟!
أبو الحواسم: أريد أن انتظر...
شهريار: ماذا تنتظر؟
أبو الحواسم: ان تحين الفرصة...
شهريار: الفرصة؟!! آها! فرصة أن تركّعني؟ انس هذا الموضوع! استطيع ان اتحمل أكثر مما تتصور! تستطيعون ان تسحقوا المدينة بيد أنني سأبقى مثل سنديانة! (أبو الحواسم يشغل نفسه بشء ما غير آبه به) لقد تدبرت هذا كله مع هذه الزمرة المقملة كي تدخل بيتي، وتجعلني اركع عند قدميك! أهذه هي اللحظة التي تنتظر؟ (يقترب منه أكثر) أم ربما تريدهم ان يقتلوني وتخرج جنابك بأيدي نظيفة من العملية القذرة؟ اهذا ماكان يجول في راسك القذر؟ (يلتمس صدغيه بسبابتيه. أبو الحواسم غير آبه يبتعد عنه متمشيا) لقد شاهدت ما فعلتم. لم يبق بيت واحد على قيد الحياة، والجميع أما هربوا وأما قتلوا وأما اختطفوا. لكنني سابقى هنا! ولن تتمكنوا مني. (يدور باتجاه أبو الحواسم) انا شهريار، هل تعلم ماذا يعني هذا؟ (يقترب منه من جديد) كم تريد؟ اجبني! كلمني! كلمني! هل شبعت من النقود؟! (وقفة ثم يذهب ليجلس مقابله. بصوت خافت مكروب) ماذا تريد يا كاظم الشَهَد؟ قل لي ماذا تريد؟
أبو الحواسم: نحن ننتظر....
شهريار: ماذا تنتظر؟
أبو الحواسم: ان تحين اللحظة.
شهريار: (مذعورا) كلامك مبهم! انت تتكلم لمجرد الكلام، حتى انك لا تسمعني.
أبو الحواسم: حقا انني لا اسمعك.
شهريار: ماذا تريد اذن؟ أنت في حضرة شهريار، أكبر مزارع في البلد! انا استحق، على الاقل ان تشرح لي الامر. (بهستيريا) تكلم!
أبو الحواسم: تكلم انت، يا سيد شهريار... انا أصغ اليك.
شهريار: (وقد تراجع دون أن يرفع نظره عن أبو الحواسم) ماذا لو منحتك أسماء الذين اشتركوا في عملية مقتل أخيك؟ الاسماء التي تبحث عنها! نعم! أنا اعرفها جميعا. لقد اجتمع الجميع في هذا البيت، هل تريد؟
أبو الحواسم: ماذا تجني من ذلك؟
شهريار: أن تترك عائلتي بسلام! كاظم! (قلقا) اعطيك اسماء الذين اشتركوا في الجريمة، والتسويات التي حصلت.
أبو الحواسم: هل ستفعل ذلك حقا؟
شهريار: اسال، يا ابن الشَهَد وسترى...

المشهد الرابع عشر
تماثيل ودمى وصور في حالة حركة احتفالية
أبو الحواسم: (بسرعة) من صاحب فكرة دفن الطحين في العام الفائت؟
شهريار: مشعان، صاحب مركز تصدير الطحين بالاشتراك مع الدباغ سالم الاعور. خبؤوه في حظائر الجواميس التي يملكها جبوري العبودي.
أبو الحواسم: عندك ذاكرة غريبة. أنا لم أسألك عن ما حدث في مزارعك (فجاة) من الذي اختلق أزمة البنزين الكبرى هذا العام؟
شهريار: عبد الأمير آل ياسين، مدير تكرير النفط، بالتواطؤ مع مجموعة من المهندسين.
أبو الحواسم: انتظر! احتاج شهودا على هذه الاعترافات. (يقترب من النافذة ويصرخ) الاسئلة! (هتافات فرح) واحدا واحدا. لا تتكلموا دفعة واحدة... أم عبد الحسين... ابدئي انت!
صوت: (صوت اجش) من الذي وضع قوانين لا تسمح لنا بأن نتعلم؟
شهريار: (ينظر الى أبو الحواسم خجلا) لا افهم...
أبو الحواسم: يقول انه لا يفهم... يريد اسئلة محددة...
صوت امرأة: من استورد الأدوية المنتهية التواريخ وجعل طفلي يتيبس فوق ثديي؟
شهريار: (فورا) وزير الحليب، بمناصرة الحزب الديمقراطي.
أبو الحواسم: اسئلة واضحة!
صوت عجوز: من الذي حوّل مدينة الثورة إلى مجمع للقمامة؟
شهريار: (يفكر) لا اتذكر اسمه...
أبو الحواسم: الا ترون انه يشعر بالضياع امام هذا النوع من الاسئلة؟ انه رجل صريح. اسألوا بصراحة!
صوت رجل: من الذي يتهمنا بالارهاب؟
أبو الحواسم: نريد اسئلة يستطيع الاجابة عليها... مثلا: من الذي يسرق اسنان الفقراء؟
صوت: (صياح بلا اسنان) صحيح، اسناني! من الذي سرقني اسناني؟
شهريار: (متذمرا) حدد...
صوت امرأة: من الذي يتهمنا بالقذارة؟
صوت عجوز: من الذي يتهمنا بالكبسلة؟
شهريار: لا استطيع الاجابة على هذه الاسئلة... اريد ان اقدم لكم اسماء! انا اعرف اسماء.
صوت طفل: من الذي يتهمنا باللصوصية؟
شهريار: (يخرجه الصياح الذي يرتفع عن طوره) الجميع! ألستم لصوصا؟
أبو الحواسم: حذار، يا سيد شهريار، قد لا يفهمون هذا...
شهريار: لكنني لا افهم هذه الاسئلة...
(يتوقف عن الكلام بجفاء. ضجة كبيرة في الخارج. يسود الصمت العميق فجأة).

المشهد الخامس عشر
ايقونات ودمى.
 (يظهر رجلان يفتحان ملابسهما امام الجمهور ليظهرا بشخصية امرأة تتمشى. ذراعاها شبه مفتوحتين امام أبو الحواسم، الذي ما يزال في الظل. تدخل موسيقى راقصة كأنها خطوات متسارعة، بينما يظهر يسير الرجلان جنبا الى جنب ليقفا امام شهريار)

شهريار: من انتما؟ وماذا تريدان؟
رجل اول: انا حليمة، عاملة مزرعة الغنم القبيحة.
رجل ثاني: انا فطومة، أم الروبة.
شهريار: (يصرخ) ساهون؟ ساهون الخرّاط العجوز! أنت لست امرأة. أنت ساهون! ألم تمت عند عبور الأسوار؟
رجل ثاني: (يعرج فجأة ويدمدم) لم يكن هناك من يصلح القوارب مثلي. وكان ذلك هو سبب ضياعي وموتي... اللعنة على القوارب...
رجل اول: انا صاحب المزرعة الذي طار من مزرعتك في الحريق. لقد صفعتك على وجهك قبل ذلك بلحظات ولم يكن في المزرعة من تجرأ على رفع يده عليك قبلي. اسمي عباس الشَهَد.
شهريار: عباس الشَهَد؟!! (يتجه إلى أبو الحواسم) تريد ان تخدعني ايها الكلب؟ تريد ان تجنني؟ عباس الشَهَد مات معلقا الى احدى الدعامات. اعرف هذا لانني انا الذي اشعلت النار في المزرعة وتركته معلقا حتى انقطع كل اثر للتنفس في جسده.
أبو الحواسم: غريب!! تحرق مزرعة؟ تشنق رجلا؟ ما هذا الخيال؟ ليس من المعقول ان يتوصل بك الامر الى فعل هذا يا سيد شهريار. شيء مؤسف... شيء مؤسف حقا.
شهريار: قل انني انا الذي قتل أخوك عباس الشَهَد وانه سبب وجودك هنا!
أبو الحواسم: عندك خيال مرعب، يا سيد شهريار. أنا لست كاظم الشَهَد، أنا أبو الحواسم!
شهريار: قل أنك جئت إلى هنا مع عصابتك السافلة لكي أعترف بأني انا الذي قتلت عباس الشَهَد! لقد اعترفت! أنا قتلته!...
(يخرج أبو الحواسم. تطفأ الآنوار جميعا فجأة).

المشهد السادس عشر
مسرح دمى.
شهريار:
انا قتلته! انا قتلته!... نعم أنا قتلته! هل تريدني أن أخبرك كيف؟ لقد وضعته في آلة الطحن الكبيرة فصار طحينا وتلك الجثة المعلقة كانت مصارين أبقار.
أسمهان: شهريار، ماذا بك، شهريار؟
شهريار: انا قتلته، يا امراة. لقد خرب بيتي، كل بيتي!..
أسمهان: من هو، يا أبو سليم... أبو سليم... شهريار...
(يصحو من الكابوس)
شهريار: (تسمع حركة في الأعلى)
كابوس؟ آه! والولدان اين هما؟
أسمهان: نائمان في غرفهم... الى اين انت ذاهب يا رجل؟
شهريار: آه! يا الهي.
أسمهان: إنه كابوس مزعج! أبو سليم! ارجع الى فراشك... الى اين انت ذاهب؟ أبو سليم؟
(يهبط شهريار الدرج. يشعل النور وينقل نظره في كل الاتجاهات. يذهب باتجاه النافذة، فيفتحها وينظر الى الخارج)
شهريار: كانوا يملؤون البيت.. كانوا في كل مكان، يكسرون وياخذون الأشياء... آه، يا الهي! لقد أرادوا أن يذبحوك بسكاكين خرافية.
أسمهان: (ضاحكة) لماذا؟!
شهريار: طلبوا مني فدية قيمتها مليارات الدنانير وإلا سيذبحونك ثم يستدعون روحك لكي تحكي لهم حكايات عن تجربة ما بعد الموت...
أسمهان: أحكي لهم عن تجربة ما بعد موتي؟ (تضحك) ما هذه الأفكار!
شهريار: (ضاحكا) نعم أسمهان.
أسمهان: ومن هؤلاء الذين اخذوا كل شيء؟
شهريار: سكان ساحة الطيران!! أوه! لا احد... لا احد. كان حلما، ليس الا حلما...
أسمهان: دعنا نعود إلى السرير. لقد قلت لي أنك ستدخن سيجارا وليس طنا من الهيرويين!!!
شهريار: (يلحق بها باتجاه الدرج) ومع ذلك... فكل شيء كان يسير بمنطق دقيق وكانه امر وقع فعلا...
أسمهان: ما الذي وقع أكثر من حكايات تجربة ما بعد الموت؟
شهريار: لقد ظهر شريكي في مزرعة الغنم المرحوم عباس الشَهَد!. نعم، عباس الشَهَد... عباس الشَهَد... وقد كان يتهمني بأنني أنا الذي أشعلت الحريق في حظائر البقر ودفعته للانتحار.
أسمهان: ومن كان عباس الشَهَد في حلمك المزعج؟
شهريار: آه، لقد كان قرصانا هنديا يطوف البحار وكانت له ساق خشبية وعلى كتفه تقف النسور. (يعانقها) المهم ان شيئا من هذا لم يحدث، تصوري. لقد حرق بواب الجامعة في الحلم حقائب الطلاب في باحة الجامعة والجميع كانوا ينظرون اليه دون ان يحركوا ساكنا.
أسمهان: (تتوقف) شهريار!...
شهريار: ماذا؟
أسمهان: هذا ليس حلما. لقد حدث هذا صباحا بالفعل! لكنني لم ارد أن أخبرك!
شهريار: ماذا؟
أسمهان: نعم! عندما خرج الطلاب صباح اليوم من قاعة المحاضرات كان البواب قد أشعل نارا اوقدها من حقائب الطلاب. وقد قال لهم أنه يفعل ذلك لأجل أن يشغل محولة الكهرباء. لقد قال لهم أنه بهذه الطريقة يعوض طاقة الكهرباء بالنار! هذا وقد كان يقف في الباحة وينظر الى الأعلى دون ان يجرؤ احد على تحريك ساكن... لا رئيس الجامعة ولا الأساتذة، ففي نظرته كان يوجد ما سمّر الجميع في المكان.
(في العمق يسقط فجأة زجاج النافذة المطلة على الحديقة ويحدث دويا هائلا! تنفذ يد من النافذة لترفع المزلاج!).