رسالة المغرب الثقافية

الأدب الإماراتي الحديث

عبدالحق ميفراني

الرحلة العربية الى المغرب الثقافي:
عرف المغرب خلال الشهر الماضي حضورا لنخبة من المثقفين العرب للمشاركة في بعض الأنشطة الثقافية المنظمة من طرف بعض الإطارات الثقافية المغربية. وسواء تعلق الأمر بالنقد أو بالأجناس الإبداعية، فقد أمسى المغرب الثقافي في حراكه وديناميته موقعا متميزا لافتا للانتباه. لم يصبح المغرب الثقافي فقط، مغربا للتفكير الفلسفي وللترجمة، بل تحول الى فضاء مفتوح للاستقراء ولتوليد وتخصيب الأسئلة التي لا تهم فقط ديدن الممارسة الثقافية المغربية، بل والعربية إن لم نقل الإنسانية ككل. ويتجه هذا التفكير لدى جيل جديد من الكتاب، بموازاة حضور الأسماء التي تعودها المشهد الثقافي المغربي أو العربي، الى تغيير تلك المركزية "الأبيسية" التي تعودتها بعض "الكتابات"، في أفق إعطاء زخما فاعلا واستنباط فعلي جديد لفاعلية التفكير، والتأويل الممنهج والذي يجعل من المغرب الثقافي، الآن وغدا... مغربا ثقافيا عربيا مستمرا ومتجددا. 

(1) الأدب الإماراتي بقراءات نقاد مغاربة:
اختتمت يوم الأحد 12 أكتوبر الشهر الماضي في الرباط، فعاليات ملتقى «الأيام الثقافية الإماراتية»، التي نظمها المكتب المركزي لاتحاد كتّاب المغرب بتنسيق وتعاون مع دائرة الثقافة والإعلام في عجمان، بتكريم الأديب المغربي عبد الكريم غلاب، وبأمسية شعرية أحياها الشاعران الإماراتيان: صالحة غابش وابراهيم محمد ابراهيم. الحفل الختامي عرف حضور وجوه سياسية وثقافية. وقد نظمت هذه الأيام "الثقافة الإماراتية في الرباط" يومي 11 و12 أكتوبر الماضي. ويندرج هذا اللقاء الثقافي في إطار تفعيل لعلاقة الشراكة الموقعة بين الطرفين، والتي أبرمت في فبراير الماضي بين دائرة الثقافة والإعلام بعجمان واتحاد كتاب المغرب والتي تضمنت "العمل على انجاز برامج ثقافية مشتركة بالمغرب وإمارة عجمان، تشمل تنظيم ندوات ثقافية وفكرية وأدبية، وأمسيات للشعر والقصة، وعروض مسرحية وسينمائية، وترجمة كتب، والقيام بزيارات متبادلة لوفود من المثقفين والمبدعين في البلدين".

وأكدت ورقة دائرة الثقافة والإعلام في عجمان في اليوم الأول من افتتاح هذه الأيام على "الاعتراف بالثقافة المغربية والتي هي جزء أصيل ومهم وحيوي من الثقافة العربية، الاعتزاز بالمشهد الثقافي المغربي بما لديه من إسهام أدبي مشهود وأسماء ورموز فكرية رفدت الثقافة العربية بإبداع متميز كما وكيفا في كافة مجالات الأدب والثقافة. ولقد ظلت دائرة الثقافة والإعلام بعجمان تواقة إلى تعاون بناء مع اتحاد كتاب المغرب، بحسبان ما يجمع المؤسستين من توجهات مشتركة، وغايات نبيلة،..."، وأكد الأستاذ إبراهيم سعيد الظاهري مدير عام دائرة الثقافة والإعلام في عجمان في كلمته الافتتاحية "أن هذا اللقاء يجمع أدباء ومبدعين إماراتيين مع نخبة من الأدباء المغاربة الذين رفدوا الثقافة العربية بعطاء متميز في كافة مجالات الإبداع الفني والفكري والثقافي، وأضاف الظاهري أن المثقف العربي من محيطه إلى خليجه يعترف على جهد ونضال الحركة الثقافية في هذا البلد الشقيق ومن حقه أن يعتز بهذا المشهد السباق دوما في هذا المجال وبما قدمه ويقدمه من إسهام أدبي وفكري رفيع... مشيرا الى أن المثقف ساهم في مجد الحضارة العربية وكتابة تاريخها. وأوضح أن الحركة الثقافية في المغرب هي نموذج كونها السباقة في تقديم مفهوم حضاري للثقافة العربية يقوم على مبدأ الانفتاح على الآخر وهو مبدأ أساسي في الثقافة العربية وبذات الوقت كان منسجما مع الموروث الحضاري العربي...".

من جانبه رحب رئيس اتحاد كتاب المغرب الناقد عبد الحميد عقار في كلمته بالمبدعين والمبدعات الإماراتيين... منوها بالتواجد المتواصل للإبداع الثقافي الإماراتي بالمغرب من خلال المجلات والقنوات التلفزيونية والكتب والروايات والمواقع الالكترونية. وأكد إن هذه الملتقيات تسهم في تعزيز أواصر التبادل الثقافي والإرتقاء به... مشيرا الى أن تنظيم هذه التظاهرة يأتي تفعيلا لمقتضيات إتفاقية التعاون والتبادل الثقافي الموقعة بين دائرة الثقافة والإعلام بإمارة عجمان وبين اتحاد كتاب المغرب في يناير الماضي. وأشار إلى أن الإتفاقية تنص على تعزيز التواصل الثقافي بين الكتاب والمبدعين والمثقفين في البلدين وتوسيع دائرة الاشعاع الثقافي والإبداعي وتجديد الوعي وتطويره والاستمتاع بالآداب والفنون والإفادة منها في توسيع المدارك والآداب وتقوية التواصل الثقافي والابداعي بين المشرق والمغرب... مؤكدا التزام كتاب المغرب بتنفيذ مضامين اتفاقية التعاون مع دائرة الثقافة بإمارة عجمان باعتبارها خطوة هامة في إنجاز برامج مشتركة في المجال الثقافي.

وقد عرف فعاليات هذه الأيام الإماراتية المغربية افتتاح معرض "حروف" للتصوير الفوتوغرافي بالإمارات شارك فيه 14 مصورا من جمعية الإمارات للتصوير الضوئي، كما وزع كتيب شعري بعنوان "القصيدة الحديثة في الإمارات" لعبد الفتاح صبري، وآخر بعنوان "أنطولوجيا الشعر الإماراتي" لشاكر نوري ورجاء ملاح. تلاه فعاليات الندوة الثقافية ومحورها "المشهد الثقافي والأدبي في الإمارات" بمشاركة الشاعرة صالحة غابش التي قدمت ورقة بعنوان "الراهن الشعري في الإمارات وتطوره"، ثم ورقة عمل قدمها الناقد الدكتور سعيد علوش حول "المنجز السردي في الإمارات"، فيما قدم الناقد نجيب العوفي ورقة عمل حول "المشهد القصصي في الإمارات" أما ورقة الشاعر والناقد عبدالحق ميفراني فقد تناولت "التجربة الشعرية الجديدة في الإمارات" من خلال مقاربة لديواني الشاعرين سعد جمعة "سراط نقي...قربك"، وديوان "لآ أحد" للشاعر عبدالله عبدالوهاب.

فعاليات اليوم الأول من «الأيام» عرفت وقائع ندوة «المشهد الأدبي في الإمارات»، شارك فيها الدكتور سعيد علوش، أستاذ الأدب المقارن كلية آداب الرباط، والناقد نجيب العوفي، الكاتب المغربي والباحث الجامعي، والشاعر والناقد والإعلامي عبدالحق ميفراني. 

المشهد الأدبي في الإمارات:
الناقد نجيب العوفي ركز مداخلته على المشهد القصصي الإماراتي، من خلال رصد أصوات نسوية رائدة في مجال القصة القصيرة... ومعتمدا في قرائته على ثلاث أنطولوجيات قصصية صدرت حديثا لامست جميعها المثن القصصي في الإمارات. وأثار الناقد نجيب العوفي أن القصة القصيرة تظل الجنس الإبداعي المتميز الذي يقبل عليه المبدع الإماراتي لاستجابتها لإيقاع العصر المتسارع، وهكذا لامس الناقد العوفي الأنطلولوجيات التالية: "كلنا كلنا نحب البحر" وقد احتوت على 26 قصة ل26 قاص وقاصة. الأنطلولوجيا الثانية بعنوان "12 قصة قصيرة" وهي كما يبين عنوانها تحوي 12 قصة ل12 قاص وقاصة. أما الأنطولوجيا الثالثة فموسومة ب "النشيد" وهي مختارات لثلاث قاصات من الإمارات. اللافت في هذه الأنطولوجيات، هو الحضور المميز للقاصة الإماراتية وانخراطها في صميم سؤال الحداثة والتحديث، أما بنية النصوص فتخضع لشعرية "خليجية خاصة ودافئة". ثمة حضور لأعماق الخليج واستغوار لأعماق النفوس والدواخل وحنين الى الطفولة، وجنوح الى شعرية اللغة القصصية.

الناقد الدكتور سعيد علوش وطأ المشهد الروائي في الإمارات والخليج، كي يتحدث عن مفارقات الخطاب النقدي في تناوله للإبداع الخليجي عموما. لكن، من وجهة نظر الأدب المقارن، عبر الحديث عن أقانيم مفاهيمية أساسية، كالهامش الأدبي، وفكرة القراءة "الأدب الخليجي"، ظاهرة مؤرخي "الأدب الخليجي". في مقابل توسيم الباحث علوش للحراك الثقافي في الإماراتي اللافت من خلال الحضور القوي للمؤسسات الثقافية، والملاحق الأدبية، والانفتاح على الثقافة الإنسانية. وإذا كان الشعر النبطي "الشعبي" يمثل خصوصية المشهد الوحيدة خليجيا، فإن القراءة التفكيكية، تفترض قراءة مغايرة لهذا الأدب. وهو ما جعل الناقد سعيد علوش يرصد الكتابات الأجنبية على الإمارات، كتب الرحلات، وكتب وقراءات لقت استهجانا ونقدا، أولا لأن كتابها نقاد ومبدعون عرب، ثانيا لأنها دراسات يعتبرها بعض الكتاب من الإمارات "انفلونزا" لما "تشي به من مجاملة، وكتابات تحت الطلب وبالفائدة".

أما الشاعر والناقد عبدالحق ميفراني فركز مداخلته على التجربة الشعرية الجديدة في إلإمارات من خلال مقاربته لديوان الشاعر سعد جمعة والشاعر عبدالله عبدالوهاب واللذان صدرا عن منشورات مشروع قلم "كتابات من الإمارات"، عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث هذه السنة. وقدم لمداخلته بجرد إحصائي وبيبلوغرافي كمي ونوعي للأدب الإماراتي الحديث... وركز في القسم الثاني من بحثه على القصيدة الإمارتية الحديثة، وعبرهما أمكنه ملامسة سمات الخطاب الشعري الجديد في الامارات. والذي يتميز بحضور لافت لتجربة قصيدة النثر وبهيمنة "شعرية التشظي".

أما الكاتبة الاماراتية والشاعرة صالحة عبيد غابش فقد قدمت ورقة عامة ذكرت فيها بالتجربة الإبداعية الإماراتية سواء في السرد أو في الشعر. من خلال التوقف عند بعض التجارب الأدبية. معتبرة أن الشعر الإماراتي لا يختلف عن التاريخ العربي في هذا المجال باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأدب العربي بكافة مذاهبه ومراحله الزمنية. كما أوضحت أن الشعر واكب الحركة الاجتماعية والاقتصادية في الإمارات مستعرضة تاريخ الشعر منذ القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وأضافت الشاعرة أن المدارس النظامية ساهمت في مستهل القرن الماضي في بلورة الإنتاج الابداعي بواسطة نشرها للتعليم الحديث ثم جاء بعد ذلك دور الصحافة والمنتديات الثقافية في تنوير المجتمع بأهمية هذا الابداع الثقافي... مشيرة الى أنه تعاقب على الساحة الأدبية الإماراتية شعراء كان الشعر بمثابة الأم الحاضنة لمشاعرهم تجاه الوطن ومتغيرات الحياة الاجتماعية. كما تناولت غابش العامية والشعر الشعبي كمظهر من مظاهر التجربة الشعرية معتبرة أن هذا النمط من الشعر له حضور قوي في التجربة الشعرية في الدولة ومنطقة الخليج. 

المشهد التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي الإماراتي:
وقد تلا الجلسة الأولى جلسة ثانية حول المشهد التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي شارك فيها سعيد الشامسي بورقة حول "تجربة التصوير الفوتوغرافي في الإمارات" حيث قدم لها بمراحل تطور التصوير في الإمارات العربية المتحدة، من بدايات التصوير الى الرحلة وصولا الى العصر الحديث، وتناول حكيم عنكر "المراحل الأسلوبية والفنية التي مرت فيها الحركة التشكيلية في الإمارات". وانطلقت فعاليات اليوم الثاني بعرض سينمائي لفيلم "الرمرام"، تلته ندوة سينمائية سلطت الضوء على واقع السينما الإماراتية الخليجية بعنوان "السينما الإماراتية من خلال تجربة الأفلام القصيرة... الرمرام نموذجا" للباحث العماني عبدالله حبيب (ألقاها بالنيابة وحاورها الناقد بشير القمري) وأخرى حول "راهن السينما في الإمارات والخليج العربي" لمصطفى المسناوي.

المشهد التشكيلي والتصوير الفوتغرافي/ تلك كانت هي أولى مشاركات اليوم الثاني، والتي قدم فيها المحكم والمصور الفوتوغرافي الإماراتي سعيد الشامسي. في مداخلته تأريخا لأقدم الصور التي التقطها فوتغرافيون إماراتيون ترجع لسنة 1901 وهي لحصن مدينة أبوظبي وللمبشر الأوروبي سامويل الذي عرج على مدينة ابوظبي ذلك الوقت قبل ان يرحل الى البحرين. ووقف الشامسي عند الرحالة ويلفرد ثيسجر الذي كانت القبائل العربية تطلق عليه اسم "مبارك بن لندن" معتبرا أن رونالد كودراى من أهم المصورين الاجانب الذين عاشوا في منطقة الخليج العربي وخاصة الامارات في منتصف القرن الماضي حيث التقط العديد من الصور النادرة/ التي تشكل توثيقا مهما. كما تطرق لتجربة المصور الفوتوغرافي نور علي راشد، أشهر المصورين الاماراتيين الذين عرفتهم الإمارات، حيث بدا عمله في مهنة التصوير الاحترافي في عام 1947 لمجلة أسبوعية تدعى " الرؤية " وظل يعمل كمصور صحفي لمدة 57عاما وعرضت العديد من الصور النادرة والقديمة التي التقطها المصورون الرحالة الاجانب والاماراتيون وتناول تطور التصوير ومراحله... أما حكيم عنكر فقدم ورقة تعريفية بأهم أسماء الحركة التشكيلية في الامارات منذ اوائل الثمانينات وحتى الآن... 

المشهد السينمائي الإماراتي:
في اليوم الثاني، تحدث الناقد السينمائي مصطفى المسناوي عن التجربة السينمائية في الإمارات، واعتبرها من التجارب الخليجية الرائدة، الخليج السينمائي الذي يؤكد الناقد مصطفى المسناوي، كل تجربة داخله لها خصوصيتها، لكنها تجارب حديثة العهد بالسينما، فالكويت كانت رائدة بفيلم "بس يا بحر" لخالد الصديق/1972. أما البحرين فيشكل فيلم بسام الدوالي "الحاجز"/1990، أولى أفلامها الروائية الطويلة. سلطنة عمان انتظرت الى سنة 2005 كي يقدم حاتم الطائي فيلم "البوم"، أما "يوم جديد في صنعاء" فيمثل أول فيلم روائي طويل لليمن رأى النور سنة 2005. قطر أخرج لها المصري محمد نبيل أولى أفلامها الطويلة سنة 1976، في حين لم تعرف السعودية حراكا سينمائيا في إلا السنوات الأخيرة بفيلمين. لقد عرفت الإمارات محاولة دؤوبة للتعاطي مع الصورة. وهكذا توقف الناقد مصطفى المسناوي عند الفيلموغرافيا التي أنتجتها خلال تاريخها القصير. وأشار إلى التجربة المميزة التي قادها المجمع الثقافي لأبو ظبي من خلال تنظيمه لمهرجان «أفلام من الإمارات»/ من خلال دوراته الست، والذي اعتبره نقطة تحول كبيرة في السينما الإماراتية التي حققت تراكما كميا ونوعيا على الصعيد الخليجي، وتجربة رائدة على الصعيد العربي بانفتاحها على تجارب الطلبة وطلبة المعاهد والجامعات.

وتوقف الناقد بشير القمري في تحليله للفيلم الإماراتي «الرمرام» لمخرجه مسعود أمر الله عند مستويات هذا العمل، ورصد التقاطعات التي تسمه مع أعمال سينمائية مغربية وعربية وعالمية، كما أبرز المشترك التخييلي لهذا العمل في إطار عمل الذاكرة الجماعية العربية، لكنه توقف على الخصوص، عند سؤال القراءة الفيلمية؟؟ وعند الميتاخطاب، متسائلا عن مرجعيات المفاهيم التي توظف للقراءة الفيلمية، وعن الخطاب السينمائي، وعلاقة السرد بالسينما؟؟. مركزا في الأخير سؤاله العميق، هل يمكن للسينمائي أن يؤسس مفاهيم لوحده؟؟؟

كما نظمت أمسية شعرية أحيتها كل من الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم والمبدعة صالحة غابش، وحفل تقديم الإصدارات الأدبية الجديدة في مجال الشعر والقصة القصيرة التي أشرف عليها اتحاد كتاب المغرب ورعتها دائرة الثقافة والإعلام بعجمان، وهي: "صمت الحواس" لعبد الحق ميفراني، "رغبات مجنونة" لمحمد الدغمومي، "ميرنيدا" لفاطمة بوزيان، "شبهة الطين" لمشروحي الذهبي، "آت شظايا من رسائلهم" لعبد الغني فوزي، "خصبة مسافة الألم" لعبد الرزاق الصمدي، "قميص الأشلاء" لإدريس علوش. وقد قدم كل من الشاعر جمال الموساوي والناقد محمد أقضاض ورقة نقدية تحاول تلمس السمات الخطابية العامة لهذه المجاميع.

لكن، أهم جلسة عرفتها الأيام الثقافية الإمارتية المغربية، هي حفل تكريم الأديب والمفكر المغربي عبد الكريم غلاب تقديرا لإسهاماته النقدية في الفكر العربي المعاصر حيث استعرض كل من الناقد والباحث حسن بحراوي والناقد عبدالعالي بوطيب تجربته الأدبية والفكرية، فيما قدم الإعلامي ووزير الاتصال السابق، الأستاذ محمد العربي المساري تجربة غلاب الصحافية والإعلامية. اللقاء الاحتفائي بتجربة عبدالكريم غلاب الثقافية والأدبية والصحفية نسق فقراته الباحثة رشيدة بنمسعود. 

تكريم الأديب والمفكر عبدالكريم غلاب:
"غلاب لم نحرث في البحر..." محمد العربي المساري
تحدث وزير الإعلام السابق محمد العربي المساري عن المسار الشخصي الذي جمعه بغلاب لما كان مديرا لجريدة العلم. وقال المساري، في شهادة بالغة الإشارة إن تطور الحقل الإعلامي في المغرب يرجع، في جزء منه، إلى التضحيات التي بذلها الجيل المؤسس لمهنة الصحافة في الوقت كان المغرب يعيش حالة الاستثناء، وحكى المساري تفاصيل محاكمة غلاب ومن خلاله العلم في الستينيات من القرن الماضي، وكيف أن عمودا في ذلك الوقت كان يقود صاحبه إلى السجن. واختتم مداخلته التي سلطت الضوء على مرحلة من تاريخ المغرب السياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي وتحدث في نفس الجلسة الناقدُ المغربي حسن بحراوي، وأبرز المكانة الخاصة التي يحتلها غلاب في مشهد الكتابة في المغرب، وتحدث عن تجربته المشرقية وعن زهده السياسي، والتراكم الإبداعي الذي حققه خلال خمسين سنة من تاريخ الكتابة، ترسخ فيها في أذهان الأجيال التي قرأت رواياتها وتفاعلت معها وناقشتها، لأنها كانت تطرح الكثير من الإشكالات المتصلة بالهوية السياسية والثقافية للمغاربة. لكنه قدم مداخلته مركزا على التجربة الروائية لغلاب وعرج على تجربة كتابة السيرة والتي لم يتوقف عندها الكثيرون.

أما الباحث عبد العالي بوطيب فتناول تقاطع الثقافي والأدبي عند غلاب، مبرزا أنه لم يكن يكتب من أجل الكتابة، بل كانت الكتابة لديه عملا مفكرا فيه بعناية وموجها ووظيفيا. لكنه بميسم نضالي قل نظيره، وقد ركز المداخل على سمة المثقف الاسثتنائي التي تسم تجربة غلاب الفكرية والنضالية والإعلامية.

أما الباحث الأستاذ حسن بحراوي فقدم في بداية مداخلته موجزا من حياة المحتفى به، وقد ركز على بعض المحطات التي أسهمت في تشكل تجربته. منها على الخصوص مواكبة الكاتب عبدالكريم غلاب لنشوء أدب عربي جديد يقطع مع الثقافة التقليدية، ودوره التأسيسي الفاعل في تطوير جنس القصة القصيرة، التي تحولت على يده الى نص أدبي يمتلك خصوصيته الفنية. في المجال الروائي يعتبر مؤسسا فعليا لتشكل هذا الجنس من خلال إصداره لرواية "ّدفنا الماضي". لكن أهم ما أثار الباحث حسن بحراوي هو تجربة غلاب في كتابة السيرة الذاتية والتي اعتبرها محطة فارقة لم يلتفت إليها الكثير من النقاد، كون هذه السير تتجاوز الذاتي الى الجمعي ولها مسحة أدبية وقيمة تاريخية وتوثيقية. لكن أهم ما يميز تجربة الأستاذ غلاب هي الانتظام الدؤوب في المجال الأدبي، والالتزام بقضايا مجتمعه، والتأكيد على الوظيفة التعبوية للإبداع والانفتاح على الأفق العربي

بعد ذلك تم تسليم محمد العربي المساري درعاً تكريمية، بالنيابة عن عبدالكريم غلاب الذي تعذر عليه الحضور بسبب عارض صحي، وقد سلم الدرع ابراهيم سعيد الظاهري مدير عام دائرة الثقافة والإعلام في عجمان. وقدم رئيس اتحاد كتاب المغرب درعاً تكريمية للشيخ عبدالعزيز بن حميد النعيمي رئيس دائرة الثقافة والإعلام في عجمان ودرعاً أخرى لإبراهيم سعيد الظاهري، واختتم الملتقى الثقافي باقسام معرض التصوير الاماراتي "الكلمة والصورة"، والذي شارك فيه 14 مصوراً فوتوغرافياً. 

(2) رواية "العائلة" في ضيافة المكتبة الوطنية:
نظمت المكتبة الوطنية في الرباط ندوة أدبية نقدية حول رواية "العائلة" للكاتب محمد الشارخ. الندوة التي عرفت حضورا لافتا لنخبة من المثقفين والنقاد المغاربة والعرب، كما عرفت مشاركة كل من: صبري حافظ، فيصل دراج، شيرين أبو النجا والعنود الشارخ، ومن المغرب محمد برادة، مبارك ربيع، حسن بحراوي، عبدالرحيم العلام، شرف الدين مجدولين. اللقاء الأدبي الذي احتضنته قاعة المكتبة الوطنية، شكل اعترافا آخر للأدب والنقد المغربي، فرواية "العائلة" صدرت في طبعة ثالثة أنيقة عن منشورات الموجة في المغرب، بعدما صدرت طبعتها الأولى عن دار ميريت في مصر، والثانية عن دار قدمس بسوريا. رواية العائلة كما وسمها الناقد عبدالرحيم العلام استطاعت أن تلملم سيرة قراءتها وتلقيها، وهي تشي بولادة روائي عربي جديد بما تناولته من أسئلة.

الناقد فيصل دراج كان أول المتدخلين في الجلسة الأولى بورقة تناولت دلالات الالتباس في رواية العائلة. وقد أكد في بداية ورقته أن الرواية تعيدنا من جديد الى العلاقة الملتبسة بين الرواية والسياسة، وبما أن الفضاء السياسي والاجتماعي شرط من شروط انوجاد النص الروائي فإن العائلة نص روائي ينتقد السلطة بتوظيف مجازي، وهي هنا نموذج لحوار بين السلطة والحياة. الجديد فيها أنها عائلة متعولمة عكس عائلة العديد من النصوص الروائية العربية التي ألفنا قراءتها كعائلة نجيب محفوظ. وهو نص محكوم بموضوعة تتناول الإرهاب والهوية والدين... وسط نظام أبوي قرسطوي. لكن هذا لا ينفي إثارة مجموعة من الالتباسات والتي يجملها الباحث فيصل دراج في أن العائلة جاءت كصدفة تاريخية، أنتجها التاريخ صدفة. النظام الأبوي يقدس التراتبية، وهو نموذج لنظام اجتماعي متخلف تأتي إليه العولمة، الالتباس الثالث، وهو الأبرع، يتمثل في علاقة الغنى بالدين (ماهو دين الأغنياء؟)... ينتهي الناقد فيصل دراج الى تأويل لحظات الالتباس داخل رواية العائلة بالوقوف عند توظيف الشخصيات، وينتهي الى حضور الدين المترهل/ لعب الفراغ معتبرا أن البطل السفيه لا يمكنه أن ينتج دينا قابلا للإصلاح...

الكاتبة والناقدة شيرين أبو النجا تأملت في مداخلتها علاقة العائلة بالسلطة، على اعتبار أن رواية العائلة قد أعادت كتابة العائلة كسلطة تتأمل ذاتها، وبحكم أن الطبعة الثانية قد صدرت عن دار ميريت التي تعودت أن تقدم أعمال تخرج عن النمط السائد...فإن رواية الكاتب محمد الشارخ تعيدنا الى هذا السؤال المترابط لكن بدلالات جديدة يولدها النص الروائي للعلاقة بين العائلة/السلطة، والسلطة/ العائلة. تشير المداخلة أن الرواية ترصد ثنائية القهر والولاء، والعائلة سلطة كاملة في وطننا العربي وهي سلطة مستمرة تتصاعد قوتها مع العولمة عوض ان تنمحي، هي عائلة لا تسمح لذات الآخر أن تكون بل أفقها يكمن في وأد الآخر. ويتم الإعلاء بالعائلة كأنها سلطة مقدسة في الخطاب الديني بإضفاء ثوبا دينيا عليها. عائلة رواية العائلة هي صورة مصغرة للغيتو المنغلق على نفسه، العائلة التي تعذب أفرادها وتقدس السلطة.

الباحث المغربي حسن بحراوي أعاد التركيز على مفهوم ملحمة الزمن الخليجي في توصيفه لرواية العائلة، مقاربا الموضوع من زاوية تنظيرية تخص علاقة النص الروائي بالملحمة. في ظل مجتمع خليجي ماضوي يعيش ذهنية الحاضر بذهنية الماضي، وبانعدام للتطابق والتجانس مما ينتج وضعا شاذا حيث التشثت الاجتماعي والتخلف الثقافي. ورواية العائلة (العائلة المخملية) هي نموذج لمجتمع مخملي يصل الى انفجاره وتفتته النهائي. مجتمع يحمل منذ البداية علامات انشطاره. في أطروحة الرواية يسرد الباحث حسن بحراوي برنامج العائلة السردي من خلال صيغ محددة، حيث الاستبداد السياسي الذي يولد التطرف الديني، وهيمنة الشخوص النسائية فحصة نموذج للجيل القديم امرأة مهادنة نمطية وسلبية، بينما هنوف تمثل الوجه الآخر برفضها للسلطة الأبوية لذلك اختارت الصدام مع المجتمع الآبيسي الرجعي. رواية العائلة تتميز بنقدها لطبائع الاستبداد بدون هيمنة لخطاب ايديولوجي، حيث الشخصيات تبني لكي تنفجر، وهي تعيش في انعدام اليقين. مجتمع العائلة مجتمع قبلي، حيث لا حياة لأحد خارج إطاره، وسلطتها تأخد القوة من وأد الآخرين.

الباحثة العنود الشارخ قدمت ورقت تتناول من خلالها المرأة بين المجتمع القبلي ورؤية التمرد. وعبرها أمكننا أن نتعرف على العائلة داخل مركز أساسي موسوم بنظام أبوي صارم، ولهذا الغرض رصدت الباحث في استقصاء مركب دلالات حضور المرأة في النص الروائي، داخل نظام رجعي النظرة. ألوان من شخصيات نمطية، تعيد إنتاج تشخيصات حضور المرأة في النظام العربي الإسلامي التقليدي. ثمة ملاحظة مركزية أثارتها مداخلة العنود تتمثل في أن الأدب الخليجي محكوم أحيانا برؤية حنين الى عصر ما قبل النفط. ورواية العائلة تثير هذه العلاقة بمعالجتها لموضوعة فقدان الهوية، وتمجيد المجتمع الخليجي. في تفكك النظام العائلي تبرز لنا الحلقة الأضعف في المرأة/ مشجب يقعد لجميع الويلات، ومن ثمة نقد هذا الخطاب التبريري. بل حتى في تمرد الشخصيات تبرز الشخصيات الذكورية أكثر لتظل الشخصية النسائية محدودة الفعل. لكن هذا التمرد وجهته الفناء حتى لا يعود الى العائلة.

في الجلسة الثانية التي ترأسها الروائي مبارك ربيع، تناول الناقد والكاتب محمد برادة تعدد الأصوات واللغة في العائلة. ويؤكد الناقد محمد برادة أن الرواية تعرف تعدد الأصوات مع حضور الخطاب الموروث الذي يتصل بالذاكرة، هذه العائلة بخطاباتها وموروثها تصطدم بالعالم الخارجي مما يحدث أثرا عميقا في الشخصيات. في تحليله للكتابة وطريقة السرد، يتناول الناقد برادة الفصول خمسة التي تتفاوت من حيث الحجم، فالفصل الخامس يبلغ حجمه مجموع الفصول الأربعة. أما الفصل الأول فهو بمثابة لقطة سينمائية مكبرة. السرد يتناوب عليه أبناء وبنات العائلة، وكل أحداث وحقائق الرواية تحضر في الفصل الأولوالباقي لقطات تفصيلية. تتعدد الضمائر في النص الروائي مما يجعلها غير مميزي الهوية، وأحيانا يتم الانتقال من سارد الى آخر من دون الفصل بينهما. بناء نص العائلة يتميز بشخوصه التي تتولى السرد هي أصوات تؤطر الكلام، وبزخم في المحكيات والأحداث وبروز تعددا في الأصوات واللغة. ثمة 4 أصوات تتناوب على الحكي (أحمد، ناصر، هنوف، فيصل) الى جانبهم وزير التقوى وصوت محمود. يضاف إليها أصوات مكملة. مضمون الخطابات المهيمنة على النص ذو طابع ديني، العائلة تقوم على أركان الدين والتراث. يقوم الناقد برادة بتصنيف الأصوات حيث نجد صوتا يستوحي خطابا دينيا، وآخر ينادي بالجهاد، وصوت يستقي حججه من خطاب ديني نهاية بصوت هنوف. ثمة غلبة للمعجم المرتبط بالموروث مع حضور أصناف أخرى. العائلة رواية تتعدى الرواية العائلة لتشتمل على منظورات أخرى، لا يوج بها صوت حداثي، بل لم يفسح الروائي مجالا لهذا الصوت غير أنه برع في صياغة تمثيل فني للمجتمع الخليجي.

الناقد الدكتور صبري حافظ تحدث عن بنية مركزية لمقاربته رواية العائلة تتمثل في الجدل بين المعلن والمضمر. مقدما لإشكاله النظري بملاحظات عامة تهم سمات عامة لرواية العائلة، خصوصا أن الناقد صبري حافظ عايش مراحل تكون هذا "الجنين" الروائي. العائلة تبلور جنسيتها العربية الإسلامية بوضوح لا تخطئه العين، وهي تلخيص لكيان العائلة العربية بالتالي غياب التحديد المكاني في النص الروائي. هي عائلة تتجاوز الجغرافيا لا التاريخ. وحرصها على عدم تحديد مكاني لانوجادها جعلها نصا روائيا منفتحا على الوضع العربي. لذلك ينتقل الناقد صبري حافظ الى تمثل العلاقة بين الواقع والاستعارة في العائلة، الثنائية المحكومة بمواصفات محددة، فالرواية مغرقة بالواقعية، العالم بالنسبة لها ممركز في أمريكا. من ثمة تتموضع العلاقة بين بنية مجتمع عربي إسلامي وبين الآخر ممثلا في أمريكا. ينتقل الناقد صبر ي حافظ الى استقراء دلالات العنوان، كعتبة مركزية ومدخل أساسي لعوالم النص الروائي، وعبره أمكن لمقاربته أن تمتد للغلاف والأرقام (طبعة ميريت وسوريا). العائلة نص أدبي لعائلة بدئية، ببنية بطريكية مهيمنة، هي رواية تسعى لتفكيك بنية التسلط والاستبداد. يشير الدكتور صبري الى فرادة بنية الشكل الروائي حيث تتحول الكتابة السردية من بنيتها الواقعية الى بنية مشهدية الى بنية التجاور، لذلك أهمية المحذوف والمضمر أمام تقنية التوليف. فإذا كان الفصل الأول يخضع لبنية التتابع والتسلسل المنطقي فإن الفصل الثاني موسوم ب تغير أصوات السرد، أما الفصل الثالث فيشكل "وسط العقد" إذ فيه تنكشف بنية التمرد (هنوف). هذه الشخصية التي ساهم تثقيفها الذاتي في بلورت سلوكها للتمرد وفي فرض قوانينها الخاصة. في الفصل الرابع تبرز كثلة قدرية حيث الموت كقدر ميتافيزيقي وفيه جزء من قدر اجتماعي، لكن ثمة لمسة يسمها الناقد صبري حافظ باللمسة الشكسبيرية. الفصل الخامس هو أكبر الفصول، وخلاله يصل تدرج البنية العامة للسرد من بنية متماسكة (ف1 و2) الى بنية أخرى يحضر فيها التماثل والاختلاف الى التناظر وصولا الى التناظرات المتعددة. رواية العائلة تعلن عن بنية تقليدية وتضمر داخل ثناياها بنية أعمق تتمثل في القلق والتمرد حيث المؤسسة بايديلوجية الهيمنة والاستبداد في مواجهة الكلمة المتمردة.

الناقد شرف الدين مجدولين تحدث في بداية مداخلته العميقة، حول الفطرة والتحول ولغز الانتماء، عن سيرة العائلة الطباعية المحكومة بالعديد من المتغيرات. والتي ليست بالمرة أهوائية وعابرة، بل صاغة السيرة الطباعية خطابها العالم والذي يمكن من استشراف دلالات التحول والتغيير ويساهم في بلورت فرادة النص الروائي. العائلة تختصر الطوق الاجتماعي وتحدد كونا مغلقا بعمق درامي. إنها لا تخرق أفق انتظار القارئ بسرعة تخصيب برنامجها السردي. يؤكد الناقد شرف الدين مجدولين أن رواية العائلة محكومة بالوحدة الفطرية والتي تتغير بالسفر والتنقل الى عوالم أخرى. هذا التغير ساهم في تكسير لبنية مغلقة تتمثل في الحفاظ على العائلة كبنية نسقية. لكن في النهاية لم تستطع هذه العائلة، لا الى الانتماء الى العالم الذي توجد فيه ولا استطاع الفرد أن يتصالح مع محيطه العائلي. من ثمة فشل بنية التحول في ميلاد نسق جديد. وقد برزت ملامح التمرد في تحول الرواية الى العالم الخارجي. يشير المداخل الى هيمنة تفاصيل الذاكرة على الحكي، مع ندرة لافتة للحوار وجو بيتي مهيمن. العائلة رواية للأرواح النافرة، كتبت بإحساس طاغي بالتاريخ، فتحولت الى محكي تكهني.  

Alkalimah_maroc@yahoo.com