الاتجاه القومى فى الأغنية الوطنية العربية

الاتجاه القومى فى الأغنية الوطنية العربية
الاتجاه القومى فى الأغنية الوطنية العربية... عنوان أحدث كتاب فى المشروع الثقافي للناقد والمؤرخ المصري د. مصطفي عبد الغنى، وهو المشروع الذى يعنى فيه ببحث الاتجاه القومى فى الثقافة العربية بشكل عام، حيث بحث من قبل الاتجاه القومى فى أكثر وجه ثقافي فى مقدمتها النقد الأدبي العربي والرواية العربية، وأخيرا يأتى دور الأغنية الوطنية العربية.

والمعروف أن معظم دول الوطن العربي وفى مقدمتها مصر عاشت خلال القرن الميلادى الماضي حالة مد قومى كبير، إذ تسبب الاستعمار الغربي الغاشم فى تنبيه الحس القومى لدى الشعوب العربية، فسعت سعيها إلى التخلص من نير الاحتلال وتأسيس دول ذات سيادة، وبرغم أن الطريق أمامها كان غير مُعَبّد وميسور، فأنه انتهى علي أية حال بالاستقلال العربي الشامل باستثناء جزء فى فلسطين لا يزال ينز بالدماء الحارة حتى وقتنا هذا.

والمعروف انه كان لرواد الفن والأدب والصحافة أدوارهم الخطيرة فى دعم القومية العربية والنظم السياسية المتحررة، ولا سيما بعد قيام ثورة يوليو عام 1952، فكانت قلوب الجماهير العربية من الخليج إلي المحيط متعلقة بما كان يتغنى به الفنانان الكبيران محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ علي وجه خاص، فقد عُنى كل منهما بدعم ثورة يوليو والنُّظُم العربية العربية المتحررة من خلال الأغنية، اذ كانت لأغانيهما أدوار مهمة فى جذب تأييد الشعوب العربية إلي الحركة القومية النابضة فى العالم العربي.

وفى هذا الكتاب ـ الصادر عن دار العالم العربي للنشر بالقاهرة ـ رصد لما كان لهذين الفنانين من جهود فنية محورية خلال ما أسماه المؤلف زمن الحلم القومى، فقد كان هذا الزمان يؤذن بمرحلة جديدة من الغناء، فبعد أن شهدت الحالة الفنية العربية هبوطا سياسيا حادا مع هزيمة يونيو عام 1967 حيث كان الشعب العربي علي وشك أن يغرق فى غمامة سوداء، إذ لم يكن أحد ليصدة أن أغانى ما بعد النكسة من أمثال السح الدح امبو و الطشت قال لي و العتبة جزاز يمكن أن تليها أغان أخري تساعد علي نهضة المارد العربي وخروجه من قمقمه.

وعلى هذا النحو يعيد مؤلف الكتاب التأكيد علي ما عرف عن عبد الحليم حافظ من أنه مطرب الثورة المصرية حيث تحول من مجرد مطرب عاطفي إلي رمز تعلق الناس به حينما غنى فدائي.. فدائى.. أهدى للعروبة دمائي، ونفس الأمر بالنسبة لعبد الوهاب الذى قام بأكبر ثورة للتلحين فى عصره، كما قدم بصوته أغنيات أصبحت علامة فى تاريخ الأغنية الوطنية العربية، أبرزها رائعة علي محمود طه أخى جاوز الظالمون المدى التى تغنى بها بعد نكبة عام 1948، علي الرغم من أن تاريخه مع الأغنية الوطنية يرجع إلي أبعد من ذلك حيث قدم فى أربعينات القرن العشرين سبع أغنيات وطنية لاقت استجابة جارفة فى وقتها وفيما بعد، حيث وجد عبد الوهاب أن مناخ الأربعينات يمكن أن يتفهم هذه الأغنيات، خاصة أن الأحداث كانت تتتابع فى أكثر من قطر عربي، حيث كانت الشعوب تثور علي مستعمريها، فقد كان هذا العقد أكثر العقود فى تاريخنا العربي ثورة علي المستعمر، ورغم ذلك فقد منعت الإذاعة المصرية بعض أغانيه القوية ويقال إن المنع تم بإيعاز من السفارات الأجنبية، فى حين يقول البعض إن المنع تم بناء علي تعليمات من القصر الملكى.

أما عبد الحليم حافظ فقد ظهر فى فترة خمسينات وستينات القرن العشرين، حيث كانت الدول العربية، معظم الدول العربية، تخرج من عصر الاحتلال الغربي والتبعية إلي عصر جديد شهدت فيه البلاد العربية عدة تغيرات إيجابية وجدت معبرا لها لدى عبد الحليم، حتى أن الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين قال عنه كانت آمالنا فيه كبيرة فقد كان عبد الحليم قريبا جدا من جمال عبد الناصر حتى أن الزعيم أمر فى إحدى المرات بتأجيل سفره إرضاء للفنان الذى غنى أغنية المسؤولية، أما الفنان اذ كان مدركا إلي حد بعيد مكانة هذا الزعيم وثورته التى كانت ثورة للشعب العربي كله، حتى سمى عبد الحليم بابن الثورة.

وعبد الحليم هو صاحب التراث الأكبر فى الأغنيات الوطنية بين الفنانين العرب، ولا زالت أغنياته تتردد فى كل المناسبات الوطنية العربية، خاصة أيام مؤتمرات القمم العربية التى يعلو فيها صوته برائعة وطنى الأكبر و صورة وغيرهما من الأغنيات الرائعة.

كما يعرض الكتاب لنصوص العديد من تلك الأغنيات مثل ثورتنا المصرية وذكريات وحبيب الملايين ويا حبايب بالسلامة وصورة والنهر الخالد وناصر... ناصر وأنشودة الجلاء...

ويقول د. مصطفي عبد الغنى شاهدا علي هذه الفترة: لقد عاش المؤلف زمن الفن الجميل فى الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كما عرف نقيضه بأسي بعد ذلك، لكنه لم يتراجع عن الشهادة التى عرفها، وأصبح رمزا لها منذ منتصف القرن الماضى حتى اليوم.