تكشف الباحثة السودانية المرموقة عن آليات تخليق صيغ عولمية من العبودية العصرية المهلهلة، وتقدم عبرها من خلال تقصيها لأوضاع العمالة ورأس المال المهاجر في الخليج صرخة تحذير رصينة من تفاقم الوضع العربي كله.

العبودية العولمية بالألوان الطبيعية وبأسمال بالية

تعالق هجرة العمل الحى وتسييد اقليات عولمية مشبوهة والخصخصة والاستلاب

خديجة صفوت

يتصل الحديث بصورة مكثفة احيانا وخافتة أخرى حول أثر العمالة الوافدة وبخاصة الآسيوية على التركيبة الاجتماعية فى كل مكان، وبخاصة فى المدن الدول مثل سانغافورة ومدن الخليج الخ(1). هذا وينبغى تذكر أن ليس كل المدن الدول تساوى غيرها، فثمة لوكسمبيرج ولينكينشتان. وكنت قد كتبت عن ذلك في الصحف واشتركت فى مناقشة المشكلة فى الندواة التفيزيونية(2). هذا وقد كتب طلاب الدرجات العلمية فى الجامعات البريطانية على الاقل الرسائل والأطروحات حول اثر تلك الهجرة فى الخليح مثلا جراء العمالة الهندية المنظمة مثلا، كما كتب بعضهم حول اثر الهجرة من جراء المربيات ـ وقد بتن يحتللن مكان الأم فى تربية الاطفال ـ حيث بات بعض الاطفال ـ وقد حرص معظم آبائهم على إرسالهم إلى المدارس الاجنبية ـ يتكلم العربية بلهجة فلبينية أو حتى لا يتكلم العربية على نحو يذكر أو ينسى. وتطول قائمة المشاكل الاجتماعية مما يتعرف على اطراف منه بيسر ويتعاطف معه كل من اشرف على الرسائل العلمية العديدة على مر السنين.
ويلاحظ كيف يلوذ بعض الكتاب غالبا بما يشبه المرثيات المسبقة أسفا على ما آل اليه الوضع فى الامارات الخليجية مثلا، من التضخم السكانى على سبيل "لقد بلغت اللهم فاشهد". ويستنجد الكتاب بمسئولين يصمون اذانهم عما يوجه اليهم من تحذير بمغبة الحاصل، وما هو آت، "وكأني بهم كالمستجير من الرمضاء بالنار"(3). ورغم أن احصاءات مهولة تطرح حول موضوع الهجرة واثرها على المجتمعات العربية وغير العربية وتداعايت تلك الهجرة والمناداة بعمل ما من شأنه تفادى تلك المغبة الا أن الامر يبدو فى حالة تفاقم متصل. فتقوم السعودية بالتخطيط لانشاء 6 مدن فى الصحراء شرق المدينة. إلا أن العمل السعودى الحى لا يتحمس للتجنيد فى انشاءها، رغم نسبة العطالة المرتفعة، ورغبة المشروع في خلق مليون فرصة عمل. ذلك أن سعودى لن يوجد بين الفعلة أو حتى بين الاسطوات والمشرفين على العمال.

سيناريوهات الليبراليين الجدد وما بعد القوميين والعمالة الوافدة:
وقياسا رأيت فى التعليق على بعض ما كتب محاولة للتعيين إضافة بعض الابعاد فى موضوع الهجرة والعمالة الوافدة بوصف انهما مسأله مركبة. وقد آليت على نفسى أستعراض الظاهرة فى سياقات متعددة مرة، وعبر خطاب الليبرالية الجديدة أو العقلانية الجديدة المعاصرة وغيرها من السيناريوهات العولمية ما بعد القومية الخ مرة اخرى. ويعود ذلك فيما يعود إلى الفزع الذى ينتاب أمثالى من كل من الميل السائد نحو تبسيطية تصدر عن استسهال أو/ وعن تبرئة الذمة تجاه قضايا الوطن العربى والاسلامى. وأزعم أن بعض السرديات التبسيطية لمشاكلنا قد يكون ورائها احيانا اما استرضاء جهات بعينها، لا يهمها سوى العصف بنا أو الاستهوان بهمومنا، وخاصة اذا ما كانت الاخيرة تستدعى هموم الشعوب العربية والاسلامية. وحيث أربأ ببعض من كتب فى الموضوع أن يكون من جوقة المتربصين بنا، وغيرهم مما لا يهمه سوى مستقبله المهنى فى غفلة تشارف الخديعة، فاننى أثمن ما يكتبه البعض بصدق وحرقة بينة(4).

وأبدأ باستعراض ظاهرة الهجرة وتعالقها مع تداعيات العولمة، وقد خصخصت الاخيرة كل شئ وادعت فتح الحدود أمام كل شئ، وبخاصة الرساميل ما بعد الصناعية عابرة الحدود القومية. وفى سياق فتح حدود كافة الدول بهذا الوصف فربما كان من المفيد ـ تبسيطا ـ تذكر أن حرية حركة الرساميل المذكورة، وحركة السلع والخدمات، لم تعنِ وما كانت لتعني حركة الافراد بنفس الحرية، الا بقدر ما يعين رأس المال على تجنيد العمل الحى فى أسواق اعيد تشكيلها وبشروط رأس المال، وإجبار الدولة ـ ولم تعد قومية بصورة تذكر أو تنسى ـ على سن التشريعات العمالية، وبخاصة تشريعات العمالة المهاجرة ـ بعنف احياننا وجراء عوامل طرد عنيفة أحيانا اخرى الخ. وفيما تجبر الدولة المذكورة على رفع التعريفات الجمركية والضرائب على ارباح رأس المال بانواعه مما نراه مثلا فى جبل على وغيره فان الربح واقسى الربح خصم على قمية العمل. وبمعنى آخر فإن باتت حركة المال ظاهرة عولمية، فقد منى العمل الحى بمواجهة عوامل طرد وعوامل جذب نسبية، ترتبت عليها حركة الافراد من كل مكان إلى كل مكان، بقدر ما تخدم تلك الحركة تخفيض سعر تكلفة السلعة أو الخدمة لحساب أصحاب الراساميل والمستثمرين الاجانب، وصولا إلى كسر ظهر العضلة المطلبية للعمال المحليين. بالمقابل تخصم مصالح المستثمرين المذكورين التى تبلغ مليارات الدولارات على العمل. بالمقابل ترتفع نسبة العطالة فى مجتمعات مصابة بالعطالة المزمنة بين العمال المهرة ونصف المهرة وغيرهم.

أثر الهجرة على المجتمع المضيف ليس ظاهرة خليجية:
يؤلف العمال المهاجرون حوالى 12% من العمالة فى بريطانيا، ويقدر إسهام العمالة المهاجرة سنويا باكثر من 10 مليارات استرلينى، وقد بلغ اسهام العمالة المهاجرة 12 مليار استرلينى اى 24 مليار دولار فى خريف 2007. وتستورد بريطانيا عمالا مهرة ونصف مهرة وغير مهرة بصورة رسمية منظمة للقيام بالاعمال الخطرة والقذرة، مما لا يقوم به البريطانيون، رغم نسبة العطالة بين الاخيرين. ويؤلف المهاجرون من جنوب شرقى آسيا، ومن شبه القارة الهندية 80% من سكان السبع جزر التى تؤلف الامارات الخليجية. وقياسا بدأت الهجرات من جنوب شرقي آسيا إلى العالم الجديد سواء أمريكا الشمالية أو الجنوبية. كما هاجر سكان امريكا الجنوبية فى الاتحاه المعاكس وهكذا، فقد هاجر اليابانيون إلى البرازيل فى 1908 وقد تتابعت الهجرات اليابانية اذ كانت الحياة قاسية فى اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لوقت طويل. ويبلغ عدد اليابانيين 1.5 مليون يابانى فى البرازيل مثلا. وفى 1980 تحسنت الاحوال فى اليابان فعاد بعض اليابانيين البرازيليين إلى اليابان. وكانت العلاقات اليابانية البرازيلية الاقتصادية قد شجعت بالمقابل هجرة برازلييين إلى اليابان. سوى أن هجرة معاكسة مالبثت أن اخذت يابانيين عائدين إلى البرازيل مرة اخرى. ويقدر خالص التحويلات البرازيلية من اليابان إلى البرازيل مليار دولار مما يصل إلى 6 مليار اذ قورن بالمعونات الاجنبية للدول النامية، حيث تخصم جملة استحقاقات وخدمة الديون وأجور الخبراء من المعونة قبل أن تصل إلى الدولة النامية المعينة.

أثر الهجرة على المهاجرين:
لا يتوقف الحديث فى كل مكان عن الهجرة واثرها على المجتمعات قاطبة، حتى راح البعض يجأر بان بعض الاخيرة قد تحور Mutated إلى تركيبة لا تشبه المجتمع المضيف، مما راح يدعو إما للقلق أو/ وإلى التأمل. ورغم أن متوسط مرتب العاملات الفليبينيات 5 آلاف درهم، فان الحكومة الفليبينية تثمن هجرة ابنائها إلى الخليج وغيره بوصف أنها مصدر عملات اجنبية معتبرة. إلا أنه غالبا ما يحدث ألا يسمح للمهاجر باصطحاب أسرته الا اذا كان يتقاضى مرتبا معينا لا يقل عن 800 استرلينى. وقياسا تعمل نسبة عالية من العزاب فى الامارات، ويعيش كل 6 منهم فى غرفة لتوفير المال حتى يحولوه لأسرهم. وليس ثمة نقابات لحماية حقوق هؤلاء العمال. وحيث قد يترتب الا يتعلم الاطفال الخليجيين والعرب العربية بل يتحدثون لغة الدادات فان العمال المهاجرين يشكون من المثل. ذلك أن اطفالهم قد لايتحدثون لغتهم الأم، اذا ما احضروهم معهم لعدم وجود مدارس خاصة. وقد تعرضت الاسرة الحجرالاساسى للحضارة الإنسانية إلى ضربات قاسية إبان العولمة جراء الهجرة من كل مكان إلى كل مكان. ويهاجر الناس وراء الرزق إذ انخفضت الاجور وارتفعت تكلفة المعيشة ومصروفات المدارس والصحة الخ، بينما رفعت الدولة يدها عن دعم السلع والخدمات العامة. وقد تمنى العائلة بهجرة أحد الابوين أو كلاهما، أو الاسرة بكاملها فتتعرض العائلة لمؤثرات ثقافية لا قبل لها بها.

التضخم السكانى وتضاؤل أعداد السكان الأصليين:
زاد عدد السكان فى الامارات الخليجية حسب آخر دراسة للدكتور على خليفة الكوارى عن الضعف في غضون 5 سنوات، حيث بلغت نسبة المهاجرين ثمانية ملاين نسمة. فقد انخفضت المواطنين في إجمالي السكان إلى 10% فقط، وفي إجمالي قوة العمل إلى اقل من 5%. هذا وأصبح عدد المواطنين البالغين 800 إلف نسمه فى احدى الامارات أي حوالي نصف عدد الجالية الهندية البالغة 1.5 مليون، حسب نشرة The Economist Intelligence Unit في عدد نوفمبر 2007 الذى خصصته للامارات. وقياسا اصبح المواطنون بذلك أقلية في وطنهم، اذ لا يتجاوز عددهم نصف عدد الجالية الهندية المطالبة بالتجنيس.

دبى وابو ظبى
يذكر المحللون الخليجيون بأسف حالة كل امارة حيث اصبحت أبو ظبي وبقية الإمارات تنافس دبي في نموذجها العقاري. ذلك أن ابوظبي تخطط لزيادة سكانها من 1.6 مليون إلي 3.1 مليون وفقا ل "رؤية أبو ظبي 2030". وبالمقابل فان تصريحات أحد المسئولين الامارتيين الرسمية، تشير إلى استجلاب مليون صيني للعمل فى القطاع العقارى لمواجهة اضطرابات وشغب العمالة الهندية، مما كانت الجالية الهندية قد نجحت فى ايصاله إلى اسماع وابصارـ كاميرات ـ الاعلام الغربى وغيره. ترى تلك الحهات الرسمية استجلاب عمال مهاجرين مكان اخرين، لحل مشكلة العمالة الوافدة فى "ابو ظبى". أي باستبدال العمالة الهندية بالصينية(5).

هذا ويدرك المسئولون القطرون مغبة نموذج دبي ويصرحون بانهم "ينأون بأنفسهم عن تقليده" إلا أن "المعلومات المخيفة والتصريحات الرسمية" تقول بان الوضع فى قطر خلال الثلاث سنوات الماضية يشارف "وربما يسير بوتيرة أسرع ينافس بها نموذج دبي". ذلك أن "الزيادة المذهلة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين فى قطر لا تبدو وكأنها تزعج المسئولين بالقدر الكافى(6). ورغم أن السبب الرئيسي وراء ما يفاقم الخلل وأبعاد تداعياته "غير المحمودة العاقبة" ما برح ماثلا، الا أن السلطات "وافقت على منح إقامات مفتوحة لكل من يملك شقة في المناطق المخصصة لشراء غير القطريين". ومن هذه المناطق مدينه الوسيل التي صممت لإسكان 200 إلف نسمه، معظمهم أن لم يكن كلهم من غير القطرين. وقياسا تتصل سياسة التخطط لبناء 800 برج تم إكمال 50 برجا منها و150 تحت الإنشاء، وهناك 600 برج ينتظر بناؤها في السنوات القليلة القادمة.

وقياسا فان البحرين تسجل بدورها "إحصاءات مخيفة" تشير إلى "السبب الرئيسي في تضخم حجم سكان" البحرين. فقد انخفضت نسبة "المواطنين في إجمالي السكان وفى قوة العمل" بدورها. وتتكرر تلك الحالة جراء "خيارات التوسع المفاجئ في النشاطات العقارية" فى البحرين مثلما الحال فى دبي رغم أن البحرين "لا تملك صادرات معتبرة من النفط الخام أو الغاز المسال مثل قطر وأبو ظبي". وكان عدد سكان قطر قد أستقر في تسعينيات القرن العشرين، وقد ارتفعت نسبة المواطنين من 28% عام 1993 إلى 31.50% عام 2001، والى ذلك كان عدد سكان قطر ارتفع من "حوالي 700 إلف عام 2004 إلى 1.5 مليون في مطلع عام2008". الا أن حجم السكان الاجمالى ـ أي بما فى ذلك المهاجرين ـ يشير إلى زيادة تصل في 2012 إلى 2.3 مليون نسمه حسب التصريحات الرسمية". وبمعنى آخر فان نسبة المواطنين ـ وكانت حوالي 29 % عام 2004 ـ إلا انها انخفضت إلى 16% فقط في مطلع عام 2008. هذا وقد تدنت "مساهمة القطرين في قوة العمل إلى 7% بداية 2008 وكانت حوالي 15%. ومن المفيد حسب قول البعص تذكر أن عدد سكان قطر كان قد قدر فى 1993 بحوالي 560 إلف نسمة وب 600 إلف فى 2001 الا أن عدد القطرين بات 240 إلف نسمه بداية 2008(7).

وتفتح تلك الدول باب التوسع العقاري على غرار مثيلاتها فى الامارات. فتبيع الحكومة الأراضي وتسهل إقامة المدن والمناطق الجديدة وتيسر شروط الإقامة الدائمة مما يعنى استيراد العمل الحى Living labour الوافد على نحو غير مسبوق. فى حين تعاني البحرين من بطالة مزمنة وأزمة إسكان بالنسبة للمواطنين".

ويقول الدكتور على خليفة الكوارى إن صحف البحرين يوم 28/2/2008 تؤكد زيادة نسبة سكان البحرين إلى 42% فى عام واحد من 742 إلف نسمه فى 2006 إلى 1.05 مليون عام 2007، ويشير إلى تضاعف عدد الوافدين إلى 517 الف. وقد "تدنت نسبة المواطنين في إجمالي السكان من الثلثين إلى النصف وفي قوة العمل من حوالي 35% فى 2006 إلى 15% فى 2007. هذا وكان عدد المواطنين البحرينين قد زاد في عام واحد بنسبة 15% من 459 إلف عام 2006 إلى 529 إلف عام 2007 ممثلا فى نسبة زيادة سنوية بين المواطنين من 2.3% إلى 15%.

واجادل أن ليس ذلك وحسب وانما تقصر خطط الائتمان العقارى عن استشراف حالة السوق العالمية جراء ازمة اسواق العقار والازمة الاقتصادية الماثلة. والى ذلك لا ينتصح الخليجيون لا من تجربة سوق المناخ ولا من تجربة الكويت مثلا، وكانت الكويت قد انشأت عمارات سكنية فى الثمانينات بقيت خالية على أعراشها لوقت طويل. ولا تجمد الرساميل فى المشاريع العقارية وحسب وانما يفقد العقار قميتة المعمارية بقدر ما يبقى خاليا. المهم هل تشكل زيادة العمالة المهاجرة فى الخليج تنويعا على ما يسمى القنبلة الديمغرافية؟

القنابل الديمغرافية وسفر تكوين التطير من اعداد البشر:
تتطير اسرائيل مما تسميه القنبلة الديمغرافية. وتعنى اسرائيل بالقنبلة الديمغرفية تكاثر الفلسطيين داخل وحول اسرائيل وحدها، وانما تقلق اسرائيل إلى ذلك من مغبة استيراد عمالة من جنوب شرقى آسيا. وكان العمال الجنوب شرق آسيويين قد راحوا يتزاوجون مع الاسرائيليات مما دعى اسرائيل إلى سن قوانين مقيدة لذلك التزاوج خاصة. ويحرم اليهود الاورثوكس ـ وقد تفاقمت سلطتهم على الجيش والخدمة المدنية وغيرها ـ زواج اليهوديات من غير اليهود، ويصمون العلمانيين بالكفر وبالعداء لدولة اسرائيل. وإلى ذلك لا تفرق اسرائيل بين اليهود وحسب، بل تختلق يهودا فى كل مكان، من اليابان إلى دارفور لتستوردهم بغية خلق توازن سكانى داخل الدولة العبرية.

وقياسا لا تمنع الدول النفطية زواج العرب والمواطنين ولاتفرق بينهم وبين المواطنين الخ. ومع ذلك ففى محاولة بعض تلك الدول منع حصول العرب على الجنسية تختلق تلك الدول سببا فى طرد موظف بعد أن قضى 18 عام من الخدمة، وهى الفترة التى يملك بعدها طلب الجنسية، حتى يعود ذلك الموظف فيقدم لنفس الوظيفة مجددا. وقد يحصل على الوظيفة دون أن يحصل بالطبع على الجنسية. وتفرض بعض الدول الخليجية على العمال اليمنيين شرط الحضور بلا أسر، وتضع بعضهم فيما يشارف معسكرات العمل وعلى مشارف المدن. فما هى غاية تلك الحكومات من وراء تلك السياسات؟. ولماذا لا نواجه المشكلة رأسا face the problem head long؟

تنويعات عربية على نفس اللحن فى كل مكان:
من المفيد ملاحظة أن مجتمعات عربية لا تتصف بالثروة النفطية المعتبرة تستورد عمالة المربيات كما فى مصر ولبنان وحتى فلسطين ـ التى زرتها وعملت بها مرارا متبرعة من بداية إلى منتصف تسعينات القرن العشرين. ففى حين ترتفع نسبة العطالة فى غزة مثلا فى منتصف التسعينات، يستورد بعض أعضاء الطبقات التى تشارف الطبقات الوسيطة خادمات البيوت ومربيات الاطفال. بل لا تستورد مربية واحدة فى البيت الواحد وانما اثنين أحيانا، ذلك أن تلك الظاهرة قد باتت رمز وجاهة المرأة المتمكنةEmpowered Woman من استغلال النساء والرجال والاطفال جميعا. ولا تصف سردية استيراد العمال بانواعهم حالة دول الخليج وحدها وانما حالة كثير غيرها من الدول العربية كالسودان بعد ظهور النفط مثلا. فالمستثمرين الاجانب والمقاولين السودانيين يثابرون على استيراد عمالة أجنبية بذريعة أن العامل السودانى غير منتج. ولاتراعى الجهات المختصة كيف أن أجر ما يشارف اقل من الكفاف، وصعوبة المواصلات وضعف أو/ وانعدام الخدمات والسلع العامة من شانها أن تنحت فى جدران مهارة وقدرة العامل على تحقيق اقصى قدراته ومهاراته الحرفية والمهنية. والحقيقة هى أن العمالة الأجنبية تخدم اقتصاد أو لا اقتصاد "التنمية" المشبوهة من حيث:

1 ـ كسر ظهر العضلة التنظيمية للعمال المحليين
2 ـ خلق شرط تخفيض اجور الاخيرين
3 ـ مساومة من يجد سبيلا إلى سوق العمل على القوة الفكرية والتنظيمية للفئات العاملة.

وكانت شرطيات البنك الدولى قد فرضت باكرا اخضاع العمالة المحلية لمطالب المستثمرين الاجانب وفرضت اجورا ادنى للعامل المحلى لدى المستثمر الاجنبى من الاجور التى يجبر المستثمر المحلى على دفعها لنفس العامل.

فائض ريع أو إيجار راس المال النفطى وشرط نشوء مجتمع مدنى افتراضى موازى:
ما هو السبب الموضوعى الحقيقى وراء التسامح مع زيادة عدد الاجانب فى المجتمعات المذكورة؟ ولماذا لا يعمل السكان الاصليون بصورة مؤثرة فى القطاعات الاقتصادية؟ كيف يتأتى ألا ينشغل معظم السكان الاصليبن باكثر من المساهمة فى تكريس اقتصاد الاستثمار المالى والمضاربة إما فى العقار أو فى الاسهم أو فى شراء الذهب كما يقول إعلان على قناة ابو ظبى؟ ولماذا ترشو الحكومات جميعا اغلبيات الشعب بتوفير برامج كفالة تستقطب الطبقات الاجتماعية فى مشروع رعاية اجتماعية باذخة، يجعلهم عالة على الدولة من ناحية؟ وهل خطط ذلك المشروع بغاية إضعاف أو/ والقضاء على قدرة المواطنين على التنظيم فى مواجهة السلطة القائمة؟

كنت قد تعرضت لمغبة الطبيعة المركبة وفوق العادية والمغرضة لبرامج الكفالة فى المجتمعات النفطية وتداعيات ذلك على ظواهر بعينها كمفهوم وممارسة المجتمع المدنى. وكتبت بعضا فى ذلك فى الصحف كما سجلت بعضه فى دراسة بعنوان "الاسلام السياسى ورأس المال الهارب" الصادر عن دار سينا منتصف التسعينات(8). ويوضح الرسم البيانى التالى ـ الذى أرجو من القارئ التريث قليلا حتى يظهر على شاشة الحاسوب ـ بعض ملامح تلك المغبة على المجتمع المدنى فى دول بعينها فى أن وجد.

ويلاحظ ايضا أن مثل ذلك السيناريو يعبر عن نفسه فيتنوع على ما اسميه بالمجتمع المدنى الافتراضى المواز Parallel Virtual civil society فى مجتمعات إيجار رأس مال النفظ، وذلك الذى تخلقه المعونات الدولية وعمال الاغاثة فى المجتمع المضيف. ويستبق ذلك المجتمع الافتراضى الموازى المجتمع المدنى المحلى ويقضى عليه كمثل ما يفعل الطحلب والعوسج بالشجرة الباسقة، فيقضى على شرط نموها. وثمة تنويع لذلك السيناريو فيما تقوم به بعض حركات الاسلام السياسى من خلق مجتمع مدنى الا أن الاخير يجد شرط نضوجه ماثلا فى تضعضع المجتمع المدنى القائم جراء عدوان الدولة وتعقبها لاعضاءه كما نرى فى كل مكان فى العالم العربى عموما.

واذكر أن الصديق الدكتور على الكوارى كان ـ وقد راقته فرضية أن مثل تلك البرامج حرية بان تنفى شرط نضوج المجتمع المدنى بهذا الوصف ـ ان الدكتور الصديق صدر عن تلك الفرضية فى محاضرة القاها فى النادى العربى فى نفس العام. وقد احتفل الناس المستمعين بتلك المحاضرة وناقشها بعضهم على انها سبق ولم ينتبه معظمهم بصورة عميقة إلى مغبة تمثلها وتداعيات ذلك التمثل فى الواقع والمستقبل، وهو ما يلامسه على الكوارى فى ورقة ارسلت على البريد الاليكترنى لاعضاء مركز دراسات الديمقراطية باكسفورد. الا انه لم يتعمق فى سبره ذلك المجتمع الافتراضى. طبعا ناهيك عن أن احدا لم يذكر مصدر تلك الفرضية ولا بأس.

المهم أزعم أن التعمق فى تلك الفرضية حرى بان يشير إلى أن الدول القادرة نفطيا وغير ذلك قد جعلت من معظم المجتمعات المذكورة ملكية خاصة، وقد راحت تلك الدول تعيد انتاج الدولة الخراجية بالتعين على على رشوة السكان الاصليين. وتدخل مثل تلك الدولة فى روع الاخيرين أنهم ممتازين فوق من عداهم من بقية العرب، ناهيك عن البدون والعمال المستجلبين من جنوب شرقى اسيا، من الفليبين وسريلانكا والهند إلى الصين الخ.

وبالمقابل يمارس القانون فى بعض المجتمعات النفطية مثل السعودية سلطة تكرس تراتبات شبه منتهية بين السكان، تقف على رأسها الاسر الحاكمة والمالكة وانسباؤها وحلفاؤها وخدامها الخلص إلخ. ويلى الآخرين عامة السكان الاصليين كل تراتب فى علياء نسبية تخصه فوق من عداه من الخدام. وغالبا ما لا ينتبه معظم السكان الاصليين فى كل مكان إلى مغبة ذلك التراتب ناهيك عن مجادلته. فقد باتت للمواطن مصلحة فى استمرار الوضع على ما هو عليه ـ وقد رفهته رساميل ايجار النفط بصورة غير مسبوقة فى فترة قياسية. ذلك أن صائد اللؤلو والراعى باتا صاحبى ثروة معتبرة، يملكان عقارات ويسافر الواحد منهم عبر القارات، ويدرس أبناؤه فى أي جامعة فى العالم يرغب إرسال أبنائه اليها.

وقياسا تحولت المرأة النفطية من منتجة إلى مستهلكة لاخر ما تنتجه دور الازياء والمجوهرات وغيرها ويخصص المصممون العالميون لذوقها الخاص ـ تحت العباءة التقليدية للطريق بالطبع ـ إلا ما خلا المسلسلات ـ تصاميم على ذلك الذوق، وتقام المعارض الخ وتستأجر تلك المرأة اماءا مذعنات جراء الافقار الذى يحيق بالاخيرات. فماذا يريد ذلك المواطن رجلا كان أم امرأة؟ ولماذا ينظم نفسه فى مواجهة الدولة؟ وكيف لا يستمرئ ذلك المواطن النظام العبودي، وهو سيد العبيد بدرجات المقياس؟ وأكثر فان غير أصحاب تلك الثروت النفطية لا يتجاسر على قول ما من شأنه أن يعطل فرصته فى حضور مؤتمر، أو الاشتراك فى ندوة على واحدة من عشرات، وربما مئات القنوات. ناهيك فرصة العمل بتلك المجتمعات فى زمان تضور الكفاءات العربية والاسلامية للعمل على نحو مذل.

إن ما يحدث فى المجتمعات المذكورة محصلة تواطؤ كل من المواطن والحكومة على الابقاء على الوضع على ماهو عليه. فمرة لا أحلى، ومرة ينبغى تذكر أن عمر بعض المجتمعات النفطية بهذا الوصف لا يزيد على نصف قرن وليس ثمة تقاليد للنضال أو للفكر المتصل بالنضال فى مواجهة الدولة. ناهيك عن التنظيم فى مواجتهها الا بقدر ما تنظمت جماعات من أقليات المواطنين مثل الشيعة فى السعودية والبحرين. إلا أنه من المفيد تذكر أن المواطنين كانوا قد نظموا أنفسهم فى المجتمعات الخليجية الاقدم مثل البحرين وعمان فى حركة ثورية فى مواجة السلطة القائمة بغاية إحداث تغييرات جذرية فى تلك المنطقة. إلا أن ثورة ظفار مثلا سحقت بصورة تعلمت منها معظم الجماعات الأخرى درسا قاسيا. وقياسا ليس غريبا أن يتسائل المواطن فيما يدفعه للتنظيم ازاء الدولة وقد باتت الاخيرة أبوية والمواطن طفل فى رعايتها؟ اليجد المواطن نفسه فى عراء المعارضة مثلما يحدث فى السعودية وفى البحرينو غيرها من المجتمعات العربية قاطبة؟

وأجادل أن هذا الوضع من اللامبالاة التى فرضت نفسها على المواطن وغايتها الابقاء على الوضع على ما كان، وما هو عليه، حري بان يتفجر فى نفسه أو/ وينقلب على أصحابه. وهذا هو الخطر الذى يتحدث عنه على الكوارى وكأنه السبب، فى حين انه بالتأمل الموضوعى للمسألة ليس سوى نتيجة تتمثل وحسب فى ملامحها المظهرية وكأنها السبب.

هل يقتصر تهديد ظاهرة الهجرة على دولنا وحدنا؟
لا يقتصر تهديد تلك الظاهرة على الدول الخليجية، اذ تستورد بريطانيا من شبه القارة الهندية ومن افريقيا عمالا مهرة ونصف مهرة، وتستورد امريكا من حوشها الخلفى شمال ووسط امريكا اللاتينية المتاخم جنوبا. وكانت المانيا تستورد شعوب السلاف وتضعهم فى مصاف العبيد حتى قبل حلول النازية، وصولا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما برحت المانيا تسوترد الاتراك واليونان وغيرهم تباعا. وقد استوردت فرنسا على مر السنين عبيدا من شمال افريقيا وبخاصة من الجزائر ومن امتدادها ما ورا ء البحار. وتستورد اليابان من امتداداتها الامبراطورية السابقة ككوريا قبل وبعد التقسيم، وتستورد ماليزيا عمالا من أندونيسيا والهند والصين. ومن الملاحظ أن الهجرة تقدم مؤثرات ايجابية بالتعرف على ثقافات جديدة. وتهاجر ثقافات مع المهاجرين مما يغنى الثقافات المضيفة مثلما يتضح فى امريكا وبريطانيا على الخصوس. فالثقافات المهاجرة تأتى معها بايجابيات ثقافية وخبرات ومهارات من العمل فى المصانع اليابانية المتقدمة مثلا، أو من ثقافات الشرق الاوسط وشبه القارة الهندية وغيرها الخ.

فقد الفت هجرة الاقليات الصينية والهندية إلى ماليزيا جزءا عضويا من نسيح المجتمع الماليزى. قد احتكرت كل من الاثنيتين الهندية والصينية قطاعا اقتصاديا بعينه واحدة قطاع الخدمة المدنية والمحاسبة الخ والاخرى التجارة على التوالى من ناحية. ومن ناحية اخرى كان السكان الاصليون لماليزيا ممن يسمى شعب المالييMalay قد استثمر فى الوافدين من الاثنيتين المذكورتين. ومن ناحية ثالثة يبدو احيانا وفى اوقات الشدة وندرة الموارد وكأن الاثنيتين الهندية والصينية اللتان كانتا قد هاجرتا باكرا إلى ماليزيا وكانهما تهددان الاقلية الماليزية مما قد يكون مدعاة للتأمل عميقا لكل من يهمه الامر.

الاستثمار فى الرساميل البشرية:
خلقت النظريات الغربية من تكاثر السكان مشكلة. بل كرست فكرة أنه يمثل نوعا من التخلف، وأنه عبء على البشرية. وكانت تلك النظريات قد تصاحبت وفلسفات بعينها، تصدر عن كراهية صفوات اوليجاركية معنية للاخر والمرأة والطفل والشعوب بكاملها، مما عبر عن نفسه فى فلسفلة السكان من آدم سميث 1723 ـ90 وتوماس روبرت مالتوس (1766 ـ 1834) والاخير من أهم اتباع اورتيس، فاخذ نظرية السكان عن جياماريا اورتيس Giammaria Ortes البندقى. وكان جياماريا اورليس المولود فى 1713 أول من روج أسطورة "حمولة الارض"(9) Earth Carrying capacity فيما يتصل باعداد البشر ومحدودية تلك الحمولة. وكذا تعود نظرية السكان الانتقائية عرقيا إلى قيصر لامبروزو (1836 ـ 1909) عالم الاجرام الايطالى التونسى الاصل ـ ويتصل اسمه بعائلات حاخامية تنتشر بين تونس ومارسيل وايطاليا، وينحدر لومبورز من عائلة حاخامت أثرياء وعلماء فى العبرية ـ أشهر علماء سمات الانحطاط. وقد تحدرت تلك الفلسفات من اوربا الغربية إلى امريكا الشمالية. وقد راحت الاخيرة تنشر الفزع من الاعداد الزائدة ممن لا وجوه لهم. وقد راحت تثقل كاهل الكرة الارضية، اذ تتكاثر الاخيرة بجنون. فالغرب بتنويعاته الرأسمالية لا يكترث للعنصر البشري الا بقدر ما تراكم الرأسمالية المذكورة خصما على فائض عمل العنصر البشرى وحسب. على انه وبالمقابل من المفيد تذكر أن كلا من الهند والصين جعلتا من رأس المال البشرى آلية محورية فى تفوقهما المتسارع على الغرب الرأسمالي ما بعد الصناعى. وقد تجاوزت كل من الهند والصين التراتبات الطائفية والتفرقة العرقية والاثنية بين السكان بصورة واسعة وتتجاوزها تباعا. فرئيس الجمهورية الهندية براثيبا باتيل Prathiba Patel الذى تولى السلطة فى يوليو 2007 من طائفة المنبوذين. فما هو الدرس الذى تستخلصه المدن الدول من تاريخ تلك الكيانات الشائعة على مر السنين؟

تراتبية البشرية عرقيا والمدن الدول:
 أزعم أن سياسات استيراد العمل الحى نساءا ورجالا وممارساتها فى تصنيف الناس سكان اصليين ووافدين وغيرهم كانت قد خلقت تنويعة على المدن الدول فى العصور الكلاسيكية ـ أي الاوربية أكثر من غيرها. فقد بات السكان الاصليون من طينة غير طينة من عداهم. ولم يلبثوا أن استمرأوا فكرة أن كل من عداهم فى خدمتهم. وقد نشأت ـ فى مجتمعات النمط الشرقى المعاصرة، ولم تكن تلك المجتمعات تتعاطى العبودية المنقولة سابقا ـ تنويعات من العبودية المنقولة المقننة خاصة فى بعض المجتمعات النفطية. وقد عبرت تلك العبودية عن نفسها فى درجات المقياس المدرج فيمن يسمى بالبدون والشيعة والوافدين العرب، إلى من عداهم من العمالة الآسيوية. كما عبرت تلك التراتبات عن نفسها بتكريس البعد الحضري للتراتب السكاني فيما يشارف المدن الدول على مر التاريخ. وكان أرسطو من أهم من تعين على تعريف المدينة الدولة والمواطنة والدستور. كما كان أرسطو أكثر من أثر فى الفكر والتنظيم الغربيين، عبورا بحمولات الفكر العربى الاسلامى العباسى والاندلسى. وكانت المدينة الدولة فى خاطر مفكرى الخلافات الاسلامية مثلما فعلت فى خاطر من عداهم هى المدينة الفاضلة. ولعل المدينة الفاضلة تزويق للبوتوبيا. والبتوبيا بطبعها اانتقائية بمعنى انها لجماعات بعنيها خصما على من عدى تلك الجماعات. وقياس ففكرة المجتمع اليوتوبى فكرة هنصرية ومتمركزة عرقيا ونوعيا مما ادعى انه الف سفر تكوين مفهوم الاعراق الممتازة Superior races.

قياسات عولمية معاصرة على الدولة المدينة الارسطية:
تعود مفردة المدينة الدولة إلى أثنيا وإسبارطة وكانتا كيانات صغيرة وكانتا تصدران عن تعالق الدين والسياسة والثقافة بصورة لصيقة. ويعتقد ارسطو (384 ـ 322 قبل الميلاد) أن المشرع يبقى مشغولا بتنظيم أحوال المقيمين فى الدولة المدينة وينتج ذلك الانشغال ما يسمى بالدستور الذى يحدد حقوق وواجبات مواطني تلك المدينة الدولة. ويبدأ ارسطو بتعريف المواطن Polite حيث الدولة المدينة هى حاصل جمع المواطنين فى جماعية متشاركة فى المدينة تعريفا. ويفرق أرسطو بين المواطنين ـ أحرار بالضرورة ـ وغيرهم من سكان المدينة مثل الغرباء وحتى اطفال ومعظم العمال العاديين والعبيد. ويؤلف الاخيرون بل نتيجة تنويعات من العبودية المنقولة أو غير المنقولة حسب مرحلة تطور المدينة فى الزمكان. ولكون المواطن أي الفرد الحر غالبا رجلا ـ الا ما خلا الخليليات أو المومسات المثقفات اللواتى يرفهن عن الرجال الاحرار والزوجات اللواتى ينجبن ذرية الرجال الاحرار لاستمرار واعادة انتاج طبقة الاخيرين. وكان المواطنون فى أثينا مثلا يتعينون على الاشتغال بسياسة السلطة وعلى الحكم ويقومون بادوار مباشرة في الحكومة. وبذلك يملك ذلك المواطن بهذا الوصف صلاحية احتلال منصبا سياسيا ويقوم بدور ويشارك فى الحياة العامة وفى المجالس والجمعيات وغيرها مما يقيض للمواطن احتكار التحكم والتحكيم فى شأن حياته هو وفى حياة غيره من الناس بما فى ذلك اصدار الحكم باعدام الفلاسفة ممن لا تروقه فلسفلتهم وبخاصة اذا كان الاخيرون غرباء كما حدث لكل من سقراط (الخزرى) الغريب وأرسطو البيزنطى.

ويملك المواطن الحر الحق فى حرمان من عداه نعمة المواطنة مثلا فعل اليونانيون مع الصوفيين الكلاسيكيين. فقد طرد بعض الصويفيين لما لم تعجب تعاليمهم الاثينيون إبان ازمة حروب أثينا واسبارطة. وكان معظمهم الصويفيين غريب أو كان قد عاش طويلا خارج اثنيا بحثا عن المعرفة. فقد كان معظهم واسع الاسفار يترحل كعهد الصوفيين. وكان بعضهم متأثر بما يحوط بأثينا اكثر مما كان معنيّ بأثينا بهذا الوصف.
وقياسا فلعل ميثلولجيا الحلم الامريكى تعود إلى مفهوم المواطنة الارسطى من حيث أن لكل مواطن اثينيى ـ حر بالضرورة ـ الحق فى تشارك السلطة صعودا إلى أعلى مراتبها السياسية والدستورية، خصما على كل من عدى الاثينى الحر. ويعرف أرسطو الدستور بما معناه أن الدستور تنظيم حاكم متحكم فى حياة الافراد يتخذ اشكالا متعددة. وقد ظهرت تنويعات ذلك التحكم تحت ظل دساتير تشير فى الديمقراطيات إلى سلطة الشعب، وفى الاوليجاركية إلى سلطة أقلية منتقاة من الاثرياء وذوى الاصل والمحتد العريق(10). وقياسا يغدو من عدى اعضاء الصفوة الاوليجاركية اقل اصلا ومحتدا، ويعتبرالاخيرون احيانا اطفال فى عهدة كبارهم وحكامهم كما فى حالة الشعوب المستعمرة ـ بفتح الميم الثانية. ويعرف ارسطو السلطة بثلاث وهى:

ـ الديكتاتورية وتتصل بالقرابة وسلطة الطاغية
ـ الاوليجاركية وتتصل بالارستقراطية وسلطة الصفوة
ـ الديمقراطية وتتصل بالمواطنة وحكم الاغلبية.

وأجادل انه طالما أن تلك التنويعات حرية بان تكون محض نماذج مجردة فان معظم اشكال السلطة قد تجمع بين اثنين أو اكثر من تلك النماذج فى الزمان وفى المكان معا(11).

المدن الدول والهوية خصما على مفهوم القومية:
تعرف المدينة ضمنا واصلا بانها مكان آخر غير الريف فالمدينة ليست قرية ولا هى اقليم متاخم لصحراء. وانما المدينة كيان يتميز بالبعد الحضرى فى المحل الاول وياتى من المدينة مفهوم الحضر وان تمأسس الحضر فوق كل من الريف والعمل المستلب لجماعات تسكن خارج المدينة بالضرورة. ولا يقيض للاحيرة دخول المدينة أو/ واحياء سكان المدينة بهذا الوصف الا لاسباب بعينها مثلما كان الاستعمار الفرنسى والبرتغالى يفعل مع السكان الاصليين فى المستوطنات والتوسعات المعلومة. ومن طبيعة المدن الدول تكريس كل من الهوية والبعد الحضرى للتراتب السكانى حتى ولو كان ملفقا أو قد لا يستند إلى الشروط الموضوعية للتحضير أو الحضرنة Urbanisation. وتكرس سياسات بعض المجتمعات النفطية الميول والممارسات الحضرية تلك فتدفع للبدو بما يغويهم بسكنى المدن. الا أن البدو يستعصون على تلك الغواية رغم أن لبعضهم اعمال فى المدن حتى ولو بوصف الواحد منهم كفيل لاعمال غير الخليجيين من العرب مثلا سواء كان ذلك اعمال تجارية أو عيادات الخ.

ومن المفيد تذكر أن اكثر من قاوم ويقاوم الحضرنة المرأة البدوية فى كل مكان. ويقول بيرك وسينكلير L.S. Birks and C.A. Sinclair "انه ورغم أن اغلبيات النساء فى المجتمعات العربية بدويات وريفيات ويعشن فى الريف والبادية وتفرض عليهن تلك الحياة ألوانا من القسوة والضنك النسبيين أحيانا، الا أن البدويات والريفيات يتمتعن بحرية أوسع تقيض لهن نشاطا لا يتوفر فى المناطق الحضرية". ويستطرد بيرك وسينكلير "أن المرأة السعودية تعانى الاختناق فى الحضر فتفضل الحياة فى البادية وداخل المجتمعات الريفية التقليدية التى تقيض لها فضاءا اوسع للنشاط والحركة(12). وقد استدعت الحضرنة Urbanization والغربنة Westernisation ما يسمى بالنيتجة الافتراضية Virtual Outcome التحديث Modernization "مفهومات مشبوهة" اثارت ريبة وظنون الناس العاديين بسبب تنويعات التشوه والامراض الاجتماعية التى تصيب فى رأيهم أو فى الحقيقة الموضوعية سكان المدن جراء الحياة الحضرية". وحيث ترى المرأة البدوية والريفية حياتها فى الحضر مقيدة بطواقم قيم متعددة فانه من المثير للاعجاب أن المرأة البدوية وقفت لوقت طويل فى مقدمة الاستعصاء على النزوح إلى المدن كون المرأة البدوية كانت على مر التاريخ تجد فى كافة البوادى العربية حرية اوسع مما تجد فى المدن الملفقة غالبا بقيم الطبقات الوسيطة. قياسا لا تعبر بعض تلك المدن عن عراقة ثقافية أو اصالة معمارية تذكر أو تنسى الا بقدر ما توصف بارشلونة أو نيويورك واحياء شانغهاى الجديدة وغيرها من مدن الاستهلاك العولمى بشئ من ذلك. وقياسا فقد احتفظ الخليجيون نساءا ورجالا فى نفس الوقت بازيائهم الوطنية التقليدية البديعة وقد اجبروا من عداهم على احترام ذلك الجزء الثقافى مما يبعث على الاعجاب ويثير العزة فى نفس كل عربى.

ما هو مآل المدن الدول على مر التاريخ؟
المهم فورا وقياسا كانت المدن الدول الاوربية الغربية على الخصوص قد اخذت الميل الحضرى عن اليونان واورثت الاخيرة روما نفس الميل حتى هزيمة روما لقرطاج فى الفرن الرابع قبل الميلاد وصولا إلى نشوء الامبراطورية الرومانية وامتداداتها الاستعمارية بحقوق المواطنة المشروطة باجادة اللغة الخ. الا أن المدن الدول الايطالية مثل البندقية ونابولى وفلورنسا بقيت ماثلة حتى اجتاح نابيلون جمهورية البندقية فى1797. فلم تكن ايطاليا موحدة حتى القرن التاسع عشر أكثر من فكرة. فلم تزد ايطاليا حتئذ على مدن دول وكان معظمها محتل من قبل الدول المحيطة بها. وكان القمع قد ادى فى 1821 إلى انتفاضة شعبية ـ فى نابولى وفى بولونيا فى1831 ـ فيما اطلق عليه "البعث الايطالى". وقد طالبت تلك الحركة بالاستقلال الوطنى والوحدة الايطالية فى القرن التاسع عشر مطالبة وبتوحيد المانيا وايطاليا فى جمهورية ديمقراطية متعددة القومية.

وقياسا فمن المفيد تذكر أن الكيانات الكبرى المؤثرة فى التاريخ الانسانى مثل الامبراطوريات الوادى نيلية والبابلية والخلافات الاسلامية وغيرها كانت وظيفة اختلاط الاجناس والاعراق والتعدد الاثنى والثقافى. فلم تكن الامبراطوريات الوادى نيلية مثلا مدنا دول. وحتى الامارات المحلية المؤلفة لتلك الكيانات الكبرى لم تكن مدن دول رغم انه كان لكل منها الهتها. وقياسا كانت تلك الامارات تحتفظ بالاحقية فى وتتنافس على وراثة السلطة بصورة دورية فيعتلى حكامها مراكز السلطة المركزية والهتها بدورهم مكان الالهة المركزية وقد اتصل ذلك المنوال حتى تداعى تلك الممالك العظيمة على اواخر العهد الاسراتى بوصول البطالمة واختراق جيوش المرتزقة وادى النيل الاسراتى الشمالى. واجادل أن المهم فورا هو أن الدولة المركزية بقيت بهذا الوصف تؤلف اتصالا وانقطاعا فى مناويل دورية وصولا إلى الدولة القومية.
الا أن الليبراليين والعقلانيين الجدد ونظائرهم وتنويعاتهم يناصبون المشروع القومى العداء ويذرون بمشروع ببعث العرب والمسلمين ـ ولا اقول النهضة تلك المفردة المشبوهة ـ باسم وتحت راية مشروع يدعى ما بعد القومية تخاتلا. ويتعين ذلك المشروع على استقطاب العالم بجيوش قومية. ورغم أن اؤلئك الليبراليين والعقلانيين الجدد يثابرون على ابلسة المشروع القومى الا أن الشعوب العربية والمسلمة تدرك بحس سليم أن الاوطان القومية تبقى نشوءا صاعدا وتطويرا على المدن الدول وعلى أوطان الاثنيات الاوحادية التى يسهل كضمها فابتلاعها لقمة واحدة كانت حرية بان تسوغ مسبقا.

قياسات على التاريخ المزوق تكاذبا:
هل يمكن عقد قياس بين الامارات بوصفها مدن دول وبين نظيرات تاريخية؟ قد تشارف بعض الدول الخليجية اثينا ـ الدولة المدينة City state ـ مثلا من حيث أن كافة الاثنيين احرار وكل من عداهم عبيدا لهم والمفهوم يصدر عن خلفيات توراتية ومسيجية افانجلية انجلو أمريكية أيضا. وكان ذلك الصلف قد اوصل اثنيا إلى حرب مع اسبارطا ثم إلى التداعى امام روما البربرية فبات اليونانيون عبيدا لدى الرومان البرابرة. وكان اليونان ـ البطالمة ـ البرابرة اجتاحوا وادى النيل الشمالى على نفس الشاكلة. فقد كانت جيوش المرتزقة اليونان فى وادى النيل الاسراتى الشمالى قد قيضت فتح البطالمة لوادى النيل الاسراتى الشمالى واقامة الاسرة 31. ذلك أن الجنود اليونان المرتزفة كانوا يصطفون على نواصى الطرق يهتفون للاسكندر الاكبر وهو يدخل المدن الوادى نيلية الشمالية ويسمى بعضها باسمه كالاسكندرية.

ولم يعرف ذلك "الفتح" بانه كان دمويا. ولم تلبث الاسرات الوادى نيلية الشمالية أن اضافت اسرة افتراضية جديدة امتدادا متسلسلا على نحو عقلان أو معقلن وكانها الاخيرة ليست انقطاع على الاسرات الجنوبية والشمالية منذ وصول مينا وتوحيد الوجهين القبلى والبحرى. هذا وازعم أن العمالة الوافدة إلى المدينة أو المدنية لم تكن وحدها للتى اوقعت بتلك الكيانات المشاكل المتسارعة ودفعها إلى السقوط. وانما كان تجنيد المرتزقة بعبنه نذيرا ببداية العد التنازلى. ذلك انه ما أن تخصص الجيوش ـ بالمرتزقة ـ كما تفعل كل من امريكا وكما فعلت العراق وايران ابان حربى الخليج الاولتين وغيرها حتى يبدأ العد التنازلى لمثول المشاكل المتسارعة وصولا إلى الاستحواذ ما بعد الصناعى غير المنظم على ما قبل الرأسمليين. وتتربص الرأسمالية ما بعد الصناعية بما عداها كون المسألة مسألة وقت وحسب.

فلم تكن العبودية وحدها وانما كانت اعداد المرتزقة فى جيوش اثيناو اسبارتا وفى روما. ففيا باتت العبودية مكلفة اكثر منها اقتصادية فقد تمزقت كل من تلك الكيانات تباعا بين كل من يملك من القواد والقياصرة والاباطرة تجنيد قوات مرتزقة. وكان تجنيد الحيوش الخاصة تنويع باكر على تجنيد الماليشيات بين الخصوم الطائفيين اليوم. وأزعم أن ذلك التنويع يعبر عن نفسه ايضا فى امتلاك القنواة الفضائية بوصفها قوات افتراضية يتبارزالخصوم فوق شاشاتها عبر الفضاء الخارجى او ـ ورقميا على صفحات المدونات فيكسبون ارضا أو يخسرون معركة وكذا الصحف والاذاعات الخ...

هل بيع الأرض المشاع تزويق لخصخصة الأوطان العربية قضاءا على مفهوم القومية العربية؟
بشير الدكتور على خليفة الكوارى الذى كما ذكرت اخذت عنه معظم احصاءات السكان فى الامارات الخليجية إلى ظاهرة باتت شبه عالمية وتعبر عن نفسها فى بيع الحكومات فى كل مكان أراض عامة لاجانب. والظاهرة منتشرة فى المجتمعات الغنية على نحو واسع وبلا انتقاء. ذلك أن المجتمعات المفقرة لا تجتذب انواع المستثمرين سواء فى العقار أو فى الاقتصاد الخ. ولعل الكوارى يدرك بامعان النظر أن سياسة خصخصة الاراضى على هذا النحو تؤلف وكانت قد الفت طويلا بعدا هاما من ابعاد العولمة. ذلك أن من شرطيات السوق الحر خصخصة كل شئ بما فى ذلك الانسان. ويخصخص السوق الحر اول ما يخصصخ الارض فى مجتمعات الارض المشاع تعيينا. فالغرب ـ الرأسمالية المسيحية الغربية لا تؤمن الا بالملكية الخاصة وتعتبر الارض المشاع ارض بلا صاحب.

ويلمح ويلح جوزيف برينس Joseph Princeعلى شاشة قناة يوروسبيريت المسيحية اليهودية Judio-Christian Eurospirit channel وهو مبشر شاب يشبه النجوم وكأنه احد اعضاء فرقة الاخوة اوزماند the Osmonds ـ وكانوا قد اشتهروا فى ستينات القرن العشرين ـ يلمح جوزيف برينس إلى كيف انهم رفعوا سعر النفط والذهب وخفضوا سعر الدولار والعقار، وفرضوا محورية المحاصيل والبذور المعدلة جينيا فى مناخ المجاعات الاتية لا محالة، وقد احكم ما يسمى التغيير المناخى شروط مثول سبعين عام عجاف. ويجأر يوسف برينس "نبتاع اليوم عقار فى كل مكان وسيكون لنا فى كل مكان اهم واجمل واغلى الشواهد الحجرية(13). وكأن مشروع شراء العقار فى كل مكان بمثابة "كل ما وطأته بطون اقدامهم" الذى يحلل ويسوغ ويقنن لهم وجودا فى اى مكان، خصما على من عداهم بمالهم الذى يتحكم فى العالم اجمع. فرغم اموال تتدفع على نحو غير مسبوق من بعض دول الخليج مثل دبى على بريطانيا مثلا وتذهب الاخيرة إلى السعودية تستجدى الاستثمار فى مشاريع الطاقة البديلة فى الجزر البريطانية ـ مما يتكتم عليه البعض هنا ـ الا أن ليس كل مال يساوى أي مال، فثمة مالهم الذى يبتلع كل مال آخر كما حية موسى. ومن المفيد تذكر أن رأسمالية ايجار النفط الريعية ليست كمثل الرأسمالية ما بعد الصناعية الربوية رغم أن كلاهما يراكم ماليا بمعنى انه لا يراكم بالانتاج السلعى. ويسوس مالهم ويسوق ويسخر كل مال عداه فى خدمته بما فى ذلك إرغام الساسة فى كل مكان على الانصياع لشروط اقتصادهم أو لااقتصادهم بالاحرى.

المهم ينبغى تأمل مفهوم الارض التى بلا صاحب مما يتشدق البعض به دون ادراك بعده الميثولوجى والموضوعى جيدا. ويسمح ذلك المفهوم المتكاذب ـ مما كتبت وأكتب فيه قدر الممكن ـ لكل من كان من الاجانب الاستثمار فى العقار وفى المصارف التجارية والتحكم فى البنوك الوطنية وفى اسواق المال الوطنية ـ إن بقى ثمة شئ بهذا الاسم. فإن قضي على مفهوم الارض المشاع فقد بات مفهوم "الوطنية" بدوره مفهوما فارغا مشوها مفرغا من المحتوى، بل مشبوها من قبل أسياد العولمة وخدامهم فى كل مكان. هذا وكان حاصل جمع تداعيات العولمة بهذا الوصف والظواهر أو السياسات بل الشرطيات التى تعبر عنها فى مفهوم الارض المشاع والارض التى بلا صاحب قد ادى وما برح يؤدى إلى ما يمكن تعريفه بـ "الاستملاكات" فيما أراه تنويعا على "الاكتشافات". فكل ما يكتشفه الغرب يملكه. والعكس صحيح. فكل ما يملكه الغرب تنويع على الاكتشاف، فان لا يملك الغرب شيئا أو انسانا فهو فى حكم غير المكتشف فغير موجود، وقد صدر بشأنه ما يشارف حكم بالاعدام المدنى.

المهم لا يقل الاكتشاف ما بعد الرأسمالي ـ العولمي ـ أو يزيد على توسع كاسح في النشاط العقاري والاستثمارات الاجنبية وبيع القطاع العام بالمزاد العلني وهكذا، وصولا إلى خصخصة الاوطان بكاملها بآلية استجلاب جماعات جديدة. وتعبر سلطة تلك الجماعات عن نفسها فى الاقليات العولمية أو الاوليجاركية من اصحاب الرساميل تمأسس نفسها فوق أغلبيات عددية من العمالة الوافدة، مما يضع المواطنين الاصليين داخل محارة أو بين فكى جماعات من شذاذ آفاق العولمة. وقياسا فلا غرابة بل الاحرى أن "تزال مناطق سكنية جديدة فى كل مكان ومن ابرز امثلتها ما يحدث فى الصين والهند والسودان فى درجات المقياس، غيرها مما لا تربك "إزالته الفجائية حياة المواطنين" وحسب. وانما يخلق ذلك شرط الانتفاضات الشعبية فى كل مكان. وقد اطلقت إذاعة لندن ـ على حد قول الكوارى فى المقال المذكور ـ على الوضع فى قطر "تسنامي". ذلك أن سياسة بيع لاراضى بالوصف اعلاه ادت إلى استقدام عمالة كثيفة بصورة غير مسبوقة. أي: استثمارات اجنبية/ استجلاب عمالة اجنبية ـ فى حلقة مفرغة.

وأخيرا هل الخلل السكانى قمين بان يفرز تداعيات من شأنها خلق ظرف يتحين به ما يسمى المجتمع الدولى التدخل لحماية حقوق الانسان الاسيوي فى الخليج؟ ورغم تدفق رساميل ايجار النفط على العالم الاول فهل يزوق تفاقم الهجرة استدعاء شرط الاستيلاء على ثروات الخليج التى يطمع فيها الغرب، ويستخسرها فينا؟ وكيف لا يرى المسئولون فى كل مكان الزحف الجهنمى المشبوه للجماعات العولمية من الاقليات التى تملك خاصة وتدير شئون العالم فى كل مكان؟

باحثة وأكاديمية سودانية تقيم في اكسفورد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ معظم الاحصاءات الورادة حول العمالة الوافدة الى دول الخليج تصدر عن ورقة للدكتور على خليفة الكوارى وبعض الكتاب الخليجيين الاخرين. فلهم منى جزيل الامتنان. على انه رغم ان معظم ما اقول يشارف الرد على طروحات بعض الكتاب العرب الا اننى لم اخذ شيئا يذكر فى الطرح التالي عن تحليلات الاخيرين.
(2) ـ يقول بعضهم مثل الدكتور على الكوارى انهم كتبوا مرارا "نحو فهم أفضل لأسباب الخلل السكاني" وممن بحث فى هذه المسألة الاستاذة الصديقة مهرة القاسمى فى دراسة نالت بجزء منها درجة الماجستير فى جامعة سوانزى بويلز. وواصلت للتحضير لرسالة الدكتوراه فى نفس الموضوع وغيرهما كثر.
(4) ـ مثل الدكتور الكوارى وقد عرفته منذ سنوات عديدة. فقد عملنا معا قبل ومنذ تأسيس مشروع الدارسات الديمقراطية الذى يتولى ود. رغيد الصلح تنظيمه منذ سنوات وعقد ندواته السنوية بانتظام بكلية القديسة كاثرين بجامعة اكسفورد كل صيف.
(5) ـ على الكوارى شرحه
(6) ـ شرحه
(7) ـ على الكوارى شرحه
(8) ـ انظر(ى) خديحة صفوت::1994: "الاسلام السياسى ورأس المال الهارب": دار سينا: الفاهرة.
(9) ـ انظر(ى) Webster Tarpley in the American Almanac, June 20th. 1994.
(10) ـ أنظر(ى) Benjamin Jowett, rev. Jonathan Barnes (in the Complete Works of Aristotle, vol. 2, Princeton, 1996). . The Clarendon Aristotle Series (Oxford University Press
(11) ـ Jonathan Barnes (in the Complete Works of Aristotle, vol. 2, Princeton, 1984). Carnes Lord
(12) ـ Birks, L.S. and C.A. Sinclair: 1980: state, Economy and Power in Saudi Arabia: Paper presented to Symposium on July, 1980 in The Centre for Arab Gulf Studies, Exeter University.
(13) ـ انظر(ى)
www.josephprince.org