مهداة إلى أبو ليلى ـ جاسم شبلي ـ ستبكي مع كل خطوة تخطوها إذن!. كنت أقف جوار الباب الحديدي العريض وتحت شجرة النارنج. قلت مع نفسي: ـ أبو ليلى ـ جاسم شبلي ـ ناظر تعاوني التفت نحوي بهدوء وببطء وقال بصوت خافت: ـ أنت نبيل ليش ما تترك الشيوعية وترد للإسلام.. أصلك وفصلك!. ـ وهل تعتقد يا أبا ليلى أن في ذلك جدوى يصّلح الوضع؟!. أربكه السؤال وجعله يقترب مني حد المزج حتى أنه قال بعد صمت طويل: وقتها لم أستطع شرح رؤيتي للدنيا لكنني قلت له همساً: ـ لا تظن يا أبا ليلى أن كل من لا يصلي ملحد.. وغير المسلم سيئ!. ردّ لاهثاً وكأنه أبي في لحظة خوف غريزي: ـ أخاف عليك من عذاب الآخرة والنار وأنت الطيب الشريف!. ـ لا تخف عليّ فأن ربك إن كان عادلا فستجدني جوارك في جنة الخلد!. فأنفجر بضحكة عاصفة أول مرة أسمعها وعلق: ـ ما تلي وين تلي هاي الأشعار!. أراد الكلام. أقفلت الحوار قائلا بحزم: ـ بار انتخابات النقابة!. ـ أعرف ما تريد توله، لكنهم هذوله سفلة.. لا بل أسفل ما في الوجود، فكيف أرفع ورقتهم الخضراء؟!. ـ الحمد لله.. الحمد لله.. شميت الهواء.. الحمد لله!. قلت مع نفسي وأنا أمعن فيه تأملاً: ـ الكلاب.. أخذوا شيئا من بهائه!. ـ هل سأعثر عليه في المقهى مثلا، كما وجدته لما أطلقوه قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً؟!. فقد كان هاجس قتلنا حقيقيا يزحم كل لحظة تمرّ بنا!. بعد التحية أطلق ضحكة بهيجة وشتْ بها النبرة وقال: ـ أش حت يمعود تره أنا إنسان بسيط لا تكبرني ويكتلوني بعدين!. ـ لدي مشاكل بالكِليةِ من يوم أخذوني!. ـ أدر أشوف "جاسم شبلي" أبو ليلى؟!. ـ أستشهد منذ منتصف الثمانينات في المعتقل، وما عثروا أهله على جثته بالمقابر الجماعية!.
ـ أدري!.
ـ أعرفك تدري.. لكن منو راح تنتخب؟!.
بلغة سردية صافية تشارف الشعر يكتب القاص العراقي مأساة عودة العراقي المنفي إلى أطلال بلد يعمره الخراب ويرزج تحت الاحتلال، بعدما عانى طويلا من نير القهر والاستبداد، ويبلور عبرها تراجيديا البهاء والصلابة والمقاومة.
القديس