رسالة المغرب

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش وسؤال القراءة في المغرب

عبدالحق ميفراني

منحت النجمة الذهبية للمهرجان الدولى الثامن للأفلام في مراكش لفيلم "حقل مقفر" للمخرج الجورجي ميخائيل كالاتوزيشفيلي. "ويروى الفيلم الذى يمثل روسيا فى المهرجان، قصة طبيب شاب يختار العمل فى منطقة مقفرة. إلا أن سكان القرى يلتفتون إليه ليطلبوا نصائح مهنية وكذلك ليقاسمونه مشاكلهم اليومية..." وفاز الممثل الفنلندي ايرو آهو بجائزة أفضل ممثل لدوره فى فيلم "دموع أبريل" الذى يمثل فنلندا. كما فازت الممثلة الأميركية ميليسا ليو بجائزة أفضل ممثلة لدورها فى فيلم "نهر متجمد" الذي شاركت به الولايات المتحدة. ومنحت جائزة لجنة التحكيم الى الفيلم الصيني "الرمح" للمخرج تشانغ شي. وقد تنافس على الجائزة الذهبية هذه الدورة 15 فيلما تمثل الفيليبين وايسلندا والأرجنتين وايطاليا وبولندا والولايات المتحدة والهند وألمانيا وايرلندا والدنمارك والمغرب وفنلندا والصين وروسيا. وكرم مهرجان مراكش الدولي الممثلتين سيغورنى ويفر وميشال يو.

وقد احتضنت مراكش الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للفيلم في الفترة الممتدة ما بين 14 إلى 22 نونبر الماضي. هذه الدورة من المهرجان، التي عرفت تنظيم احتفالية خاصة بمرور «40 سنة من السينما البريطانية»، «وروسيا أندري كونشالوفسكي»، و«50 سنة من السينما المغربية»، كما تم تكريم السينمائي العربي الراحل يوسف شاهين من خلال فقرة «أفضل عمل ليوسف شاهين».

وقد تبارى في هذه الدورة 16 فيلما سينمائيا، اختيرت من بين 500 فليم شاهدتها لجنة اختيار برئاسة نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، وتهم هذه الأفلام أفضل الانتاجات السينمائية من الجهات الأربع من العالم. وبعد المغرب، الذي كرم في دورة 2004، وإسبانيا سنة2005، وإيطاليا سنة2006، ثم مصر سنة2007، كرم المهرجان في نسخته الثامنة السينما البريطانية والتي تعد من أهم السينماءات العالمية اليوم، والتي أثرت المشهد السينمائي العالمي، ورفدت هوليود بالعديد من الأسماء الكبيرة التي غيرت وجه السينما الأمريكية والعالمية من أمثال ألفريد هشتكوك، وستانلي كوبريك الذي عرض له المهرجان «البرتقالة الميكانيكية»، كما تم عرض أفلام جوزيف لوزي، وأفلام جيمس بوند، وتم برمجة حوالي40 فيلما منذ «إي إف» لـ«لاندساي اندرسون»، الحائز على السعفة الذهبية سنة1968، إلى غاية فيلم «نهوض الريح» لكين لوتش، الحائز على جائزة السعفة الذهبية سنة 2006.

وتشكل «روسيا اندريه كونشالوفسكي»، التي ستتم إعادة صياغتها في يناير2009 بباريس، مناسبة لإظهار، من خلال الموهبة الدولية المتميزة لأندريه كونشالوفسكي، خصوصية نظرته الهادئة والساخرة إلى روسيا. وتم تقديم سبعة أفلام، منها آخر فيلم له بعنوان «غلوس».

وبخصوص «50عاما من السينما المغربية»، احتفلت هذه الدورة بتجربة المخرج المغربي الرائد محمد عصفور. ويعتبر فيلم «الإبن الملعون» أول تجربة لأفلامه الطويلة يخوضها بعد بضعة أفلام قصيرة. واحتفى المهرجان هذه السنة، كنقطة انطلاقة، بالفيلموغرافية المغربية منذ خمسين سنة(1958 ـ 2008). جديد هذه الدورة، إطلاق عروض سينما المكفوفين لأول مرة في المهرجان، حيث خصصت لهم 10 أفلام، وذلك بالتنسيق بين إدارة المهرجان وقناة «آرتي» الألمانية المتخصصة في مثل هذا النوع من الأفلام، عبر استعمال تقنيات خاصة.

الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش كرست حضور المهرجان وسط خريطة المهرجانات السينمائية الدولية. تأكيدا لمسار وإرادة "العالمية" التي رغب من خلالها المهرجان أن يؤكد حضوره. الدورة عرفت تكريما باهثا و"باردا" للسينما المغربية، واستعادة إنسانية لافتة لتجربة يوسف شاهين، وفي نفس الوقت احتفاء بتجربة أندري كونشالوفسكي السينمائية كإحدى السينماءات اللافتة اليوم. إضافة لاختيار السينما البريطانية كضيفة شرف. في المقابل تواصل الجذب والشد بين مؤسسة المهرجان والإعلام المغربي الذي اشتكى من غياب التواصل ومن "الانتقائية" في التعامل، ويبدو أن هذا النقاش أعاد المهرجان لنقطة البداية، أي الدورة الأولى والتي ظل الإعلام يركز على جانب ما يمكن أن نسمه بـ"المهنية الصحفية بدون نياشين".

الجانب الثاني يهم انتقاء الأفلام التي تبرمج في المسابقة الرسمية. اللائحة التي خلقت جدلا في طبيعة الاختيار. وقد أكد الناقد نورالدين الصايل مدير المركز السينمائي، على التوجه العام الذي تحكم في اختيارات اللجنة المشرفة. ويتعمق هذا المنحى حين يتم الإشارة الى رغبة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، أن يرسخ هويته الخاصة وسط جغرافيات المهرجانات العربية والدولية. لكن، اللائحة الفيلمية المختارة للمسابقة الرسمية يجب أن تعكس فعلا روح "هذه الهوية" التي يسعى المهرجان لترسيخها لا العكس.

وإذا كان الاحتفاء بالسينما المغربية وبخمسينيتها، قد مر باهثا. فلأن الاحتفاء الفعلي أجل الى المهرجان الوطني بطنجة. لكن، محطة المهرجان الدولي كانت أساسية لأنها تهم أساسا هذه "الهوية" التي يرغب المهرجان في الدفاع عنها وتسويقها. ألم يكن التفكير في تنظيم المهرجان الدولي للفيلم نتيجة طبيعية للاستجابة لدينامية المشهد السينمائي في المغرب؟ ألم تكن وفرة وتناسل المهرجانات السينمائية على خريطة المغرب، صورا من صور هذا الحراك؟؟ لقد أضاعت الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للفيلم، فرصة حقيقية كي تنشد "الكاميرات" الى تجربة سينمائية رائدة اليوم، غنية على مستوى ما تطرحه من قوالب جمالية، ومن كتابة سينمائية تدعو لأكثر من قراءة.

تبقى إشارة تهم المهرجانات السينمائية العربية التي تنظم في فترة متقاربة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش. فقد عرفت الدورة الثامنة حضور مدير مهرجان دبي السينمائي، وهي إشارة لانتهاء "الحرب الإعلامية الباردة" بين هذه المهرجانات، إذا ما أضفنا مهرجان القاهرة الدولي. لكن، في النهاية، نحو أي رهان تسعى هذه المهرجانات العربية السينمائية تحقيقه وسط "رزمة" من المهرجانات السينمائية الدولية؟ ألم يكن أجدر بها أن التفكير في "هويتها" الخاصة، إذ في النهاية السينما قبل أن تكون صناعة هي كتابة بالصور، وقبل أن تكون صورا تعرض على الشاشة، فهي تفكير في الحياة وفي العالم...  

راهن وآفاق الكتاب والقراءة في المغرب
عقدت مجموعة العمل حول الخطة الوطنية للكتاب والقراءة. لقاء تهييئيا تحت إشراف وزارة الثقافة المغربية. وقد وقف اللقاء على قطاع الكتاب والقراءة بالمغرب والذي "يواجه عددا من الإكراهات والمصاعب الحقيقية، يلمسها مختلف المتدخلين في هذا القطاع، والمعنيين بشأن القراءة وتداول الكتاب، بدءا من المؤلف والناشر والمطبعي والكتبي، وصولا إلى القارئ..." وقد حددت مهمة اللجنة وفريق العمل في تشخيص وضعية القطاع وبلورة الحلول الكفيلة بتجاوزها. مع ضرورة إشراك جميع الفاعلين في بلورة الخطة.

تتكون مجموعة العمل من الأساتذة: عبد الجليل ناظم، قاسم باصفاو، أحمد الرضاوني، يحيى اليحياوي، أحمد شراك، نزهة بلخياط، عبد النبي الفرح، محمد سديد، إلى جانب أطر مديرية الكتاب والخزانات والمخطوطات بوزارة الثقافة. وقد نظم يوم دراسي حول راهن وآفاق الكتاب والقراءة العمومية بالمغرب، يوم 27 نونبر 2008. تطرق في محورين رئيسين الى:

المحور الأول: "الكتاب المغربي اليوم: تشخيص الوضعية والتجاوز"، شارك فيه كل من الأستاذ عبد الجليل ناظم، المنسق العام لمجموعة العمل الخاصة بالخطة الوطنية للكتاب والقراءة. وأحمد الرضاوني، باحث في مجال القراءة العمومية. والذي قدم قراءة في حصيلة اللقاءات الوطنية الرسمية السابقة حول الكتاب والنشر والقراءة العمومية. الشاعر والباحث حسن الوزاني، رئيس قسم تعميم الكتاب، وزارة الثقافة. والذي تناول وضعية قطاع الكتاب بالمغرب: عرض نتائج دراسة ميدانية.

في المحور الثاني: "القراءة العمومية: نحو تصور جديد لفضاء وخدمات القراءة" والتي أدارها الأستاذ عبد النبي الفرح، أستاذ باحث بمدرسة علوم الإعلام. وشارك فيها كل من عبد الله صديق، مساعد رئيس مشروع شبكة القراءة العمومية، وزارة الثقافة. بورقة تخص مشاريع وزارة الثقافة في تحديث المكتبات: مشروع شبكة القراءة العمومية نموذجا.

وإذا كان الغرض من تنظيم اللقاء "بلورة تصور شامل ومندمج لإمكانيات تجاوز الاختلالات، في أفق تكريس وضع اعتباري حقيقي للكاتب المغربي وخلق كتاب يستجيب لمعايير الجودة والتنافسية سواء على مستوى صناعته أو توزيعه" فإن الوضع الإشكالي والمركب الذي يطرحه الواقع المغربي يجعلنا نتساءل أكثر من مرة على مدى نجاعة هذه التصورات الـ"تليدة" من رفوف المناظرات. إذ ظل سؤال القراءة وواقع الكتاب في المغرب محينا بفعل الإشكالات المركبة التي يطرحها هذا الموضوع. سواء على مستوى التشخيص، أو على مستوى تجاوز "هذه الأزمة المركبة". فقد عرفت السنوات الأخيرة، صدور أكثر من تقرير يعري هذا الواقع بمنظوماته المختلفة. سواء وضعية الكتاب المغربي وتداوله، واقع الأمية في المغرب والأرقام الغير المسبوقة في هذا الباب. انحسار واقع المقروئية كنتيجة طبيعية لهذا الوضع.

لقد سجل يوما القاص المغربي أحمد بوزفور في بيانه الذي قدمه على هامش رفضه جائزة المغرب للكتاب، جزءا من هذا الإشكال العميق. لم يكن الاحتجاج المعبر عنه يرتبط فقط بالوضع الاعتباري للكاتب ولا بالموقف من المؤسسة الرسمية الراعية. كان البيان يشير في جزء من قراءته الى الاستراتيجية السياسية المتبعة في هذا الباب. والتي تجعل المغرب يفقد الكثير من هويته وصورته بفعل تنامي هذا الوضع المتردي والغير مسبوق لواقع القراءة اليوم. بل إن الدراسات والبحوث ذات الطبيعة السوسيولوجية، والبحث العلمي قدمت الكثير من خلاصاتها ومراجعاتها النقدية في هذا الباب، بالشكل الذي يجعلنا نتساءل فعلا ماذا يقع اليوم في المغرب الثقافي؟

فمن جهة يعرف المشهد الثقافي في المغرب حراكا على مستوى الإنتاج الفكري والمعرفي والأدبي. نموا ملحوظا على مستوى الإنتاج النصي والعناوين الصادرة والتي تهم مختلف أشكال التعبير والتفكير. ولا يقتصر هذا الحراك على الكتب بل امتد الى العناوين التي لها صلة مباشرة بـ"صاحبة الجلالة" الصحافة. في مقابل هذا الحضور اللافت والتنامي الغير مسبوق أيضا في تاريخ المغرب الثقافي. يسجل المتتبع للواقع الثقافي اليوم، هذا التراجع على مستويات أخرى تهم تداول هذه المعرفة. سواء وضعية الكتاب المغربي، أو مستويات المقروئية في المغرب. ولن ينفع هنا، أن نسرد لائحة الأرقام المهولة. كما لا يمكننا التأكيد أن جزء من هذه الإشكال يهم فقط الفرقاء (الكاتب، الناشر، الكتبي...) بل على المغرب السياسي اليوم، أن يقدم الجواب (التشريعي، والسياسي) على أزمة تهم المواطن في تفكيره، وفي هويته وفي مستقبله في الوجود ككينونة. آنذاك يمكننا الحديث على "إعداد مشاريع تحديث فضاءات القراءة العمومية، الرفع من مستويات القرائية،..." أن نصل الى جعل القراءة "سلوكا متجذرا في المواطن"، هو جزء من اعتراف الدولة اليوم بحذف الثقافة من لائحة "الغير مرغوب فيه".  

Alkalimah_maroc@yahoo.com