رسالة السعودية
كتابة الشكل وادّعاء المضمون في الرواية السعودية
التجربة لابد أن تنبثق من القراءة والمتابعة للإنتاج المطروح في الساحة الأدبية، ونحن لو لم نقرأ كثيراً لما وجدنا هذا الدافع يحدونا إلى تكريس تأثرنا وامتداد آفاقنا "بهذه الإجابة الجوهرية حول تجدد الرواية على مراحلها يضعنا إبراهيم الناصر الحميدان على حافةِ الرؤية، وكيلا نسقط في هوةِ التداعي نتصفح شيئا من اختلاف النقاد حول وعي المكتوب الروائي المتجسد على ذاكرةِ الورق، فبالرغم من مساحة البياض إلا أن البياض لا يُضيء أحيانا بحسب رؤية جبران، وهذا ما تناولته الناقدة نورة القحطاني" إذا تتبعنا الإنتاج الروائي السعودي خاصة في الفترة التالية لحرب الخليج لوجدنا أن ظهور مفردة الخوف يختلف من رواية لأخرى، كما أن ملابسات الخوف تكمن في أكثر من بعد منها: ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي، ولعل مظاهر الخوف الاجتماعي أكثرها بروزًا، فثقافة المجتمع المحكوم بالعادات والتقاليد تحد الكاتب والكاتبة من الانطلاق في التعبير عن رغباتهم، ورؤاهم، وأفكارهم، ويظل هذا الخوف مضمرًا وكامنًا في اللاوعي تدفعه لحظة البوح إلى السطح، من خلال إشارات تتولد عنها دلالات تحرّك كثيرًا من القضايا المسكوت عنها، يعالجها الكاتب بالتخفي وراء الكلمات للحديث على لسان شخصيات ورقية، تمنحه القدرة على التصريح إنما بمفردات تشي بشعور الخوف الكامن في أعماق الكاتب، بسبب ما يعانيه في الواقع من مخاوف وهواجس "تقيد حرية فكره". وبذاتِ المبضعِ الحاد ينبشُ الناقد محمد العباس جماليات الفحش اللغوي في أبعادٍ جدليةٍ لا تمرُّ بهدوءٍ كعادتِهِ في الطرح واتساع مضامينه الصاعقة إذ يقول "ولا شك أن أي موضوع سردي، مهما بدا على درجة من الشذوذ، إنما يقصد بتشكيله موازاة الواقع، أو الفعل الإجتماعي بما يقابله جمالياً، والتعبير عنه بشحنة من المضامين ليست كلها من داخله، بل قد يكون هذا الموضوع مدفوعاً بسلطة التاريخ والمجتمع، وحاملاً لخصائصهما، الأمر الذي يعني أن "ساق الغراب" رواية أريد لها الاحتفاء بزمن وموروث وبشر، ذوي خصوصية ثقافية، بتحريك ما تيبّس من لغتهم، واستدعاء ألفاظ فارطة في الفحش والعامية، للتأكيد على صلتها الوثيقة بكل مناشط الحياة، على اعتبار أن المنطوق المحلي، هو الخزان اللغوي المعادل للتجربة الاجتماعية المعاشة، والحامل لكل دلالاتها المحسوسة". كما تتعبأ في أشكال تواصلية مختلفة، وهو الأمر الذي أراد يحيى اَمقاسم إثبات إمكانية تحقيقه سردياً بإيراد حكاية الخادم بِخيت بَخَيْة، الذي تندرت به (زهرة) من خلال أهزوجة قالتها للتذكير بحادثة كي الأم لمؤخرته، عارضة توقعها المتهكم بأن إحدى ردفيه طابت من الجرح والأخرى باقية نيئة لم تطب بعد، فدندن بها حمود مثيراً ضحك الحاضرين "بخيت بخية. على استُه كَيّةْ.. وحدة خَمِيدةْ.. ووِحْدةْ نَيّةْ" بالتأكيد سيتحول الوعي الروائي بعد هذا النبش إلى شيء آخر، الروائيون سوف يتنبهون للتداعي، والمتلقي لن يحتشم من تناول الفحش اللفظي عندما يدور الحديث حول أبعاد الجنس وشهوات الكلام في صميم السرد بل سوف يتجاوز ذلك المعنى والنبش أيضا في إيحاءاته وندخل بعدها في دوامة التأويل وفطنة التلقي، كما جاءت باقي أوراق العمل منسابة ضمن ظاهرة الشكل والمضمون مثل ورقة الدكتور حسن النعمي "بنية العنوان في الرواية السعودية" و "القراءة الحوارية لعلاقات السير الذاتية في الرواية" للدكتور معجب الزهراني، وأوراق أخرى تقاسمتْ المفاهيم المتعددة للرواية. والجدير بذكره أن الملتقى كانَ خارجا عن النطاق الرسمي والحاد، فقد شمل لقاءاتٍ جانبية، كما أن لقاءات المقهى المتكررة نشطت أواصر الدفء بين الضيوف وكانتْ بهجة عامرة، وفناجين البوح لم تنطفئ قيامتها بعد، أيضا نشطتْ الإعلامية ميسون أبو بكر وميادة زعزوع من التلفزيون السعودي في برنامجها ستون دقيقة في تسليط الضوء على الملتقى، وتفعيل ذاكرة السرد في لقاءات حوارية ذاتَ عطشٍ معرفي محشورٍ بالأسئلة والقولِ الكثير، وأكبر مائدةٍ كانتْ لحظة تواقيع الكتب وإهداءات الكُتّاب فيما بينهم، إلا أنَّ قلة التواجد الصحفي والإعلامي كانتْ ظاهرة سوءٍ مخجلةٍ فلم يحظ هذا الملتقى الكبير بمتابعةٍ جادة. الباحة
التجربة لابد أن تنبثق من القراءة والمتابعة للإنتاج المطروح في الساحة الأدبية، ونحن لو لم نقرأ كثيراً لما وجدنا هذا الدافع يحدونا إلى تكريس تأثرنا وامتداد آفاقنا "بهذه الإجابة الجوهرية حول تجدد الرواية على مراحلها يضعنا إبراهيم الناصر الحميدان على حافةِ الرؤية، وكيلا نسقط في هوةِ التداعي نتصفح شيئا من اختلاف النقاد حول وعي المكتوب الروائي المتجسد على ذاكرةِ الورق، فبالرغم من مساحة البياض إلا أن البياض لا يُضيء أحيانا بحسب رؤية جبران، وهذا ما تناولته الناقدة نورة القحطاني" إذا تتبعنا الإنتاج الروائي السعودي خاصة في الفترة التالية لحرب الخليج لوجدنا أن ظهور مفردة الخوف يختلف من رواية لأخرى، كما أن ملابسات الخوف تكمن في أكثر من بعد منها: ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي، ولعل مظاهر الخوف الاجتماعي أكثرها بروزًا، فثقافة المجتمع المحكوم بالعادات والتقاليد تحد الكاتب والكاتبة من الانطلاق في التعبير عن رغباتهم، ورؤاهم، وأفكارهم، ويظل هذا الخوف مضمرًا وكامنًا في اللاوعي تدفعه لحظة البوح إلى السطح، من خلال إشارات تتولد عنها دلالات تحرّك كثيرًا من القضايا المسكوت عنها، يعالجها الكاتب بالتخفي وراء الكلمات للحديث على لسان شخصيات ورقية، تمنحه القدرة على التصريح إنما بمفردات تشي بشعور الخوف الكامن في أعماق الكاتب، بسبب ما يعانيه في الواقع من مخاوف وهواجس "تقيد حرية فكره".
وبذاتِ المبضعِ الحاد ينبشُ الناقد محمد العباس جماليات الفحش اللغوي في أبعادٍ جدليةٍ لا تمرُّ بهدوءٍ كعادتِهِ في الطرح واتساع مضامينه الصاعقة إذ يقول "ولا شك أن أي موضوع سردي، مهما بدا على درجة من الشذوذ، إنما يقصد بتشكيله موازاة الواقع، أو الفعل الإجتماعي بما يقابله جمالياً، والتعبير عنه بشحنة من المضامين ليست كلها من داخله، بل قد يكون هذا الموضوع مدفوعاً بسلطة التاريخ والمجتمع، وحاملاً لخصائصهما، الأمر الذي يعني أن "ساق الغراب" رواية أريد لها الاحتفاء بزمن وموروث وبشر، ذوي خصوصية ثقافية، بتحريك ما تيبّس من لغتهم، واستدعاء ألفاظ فارطة في الفحش والعامية، للتأكيد على صلتها الوثيقة بكل مناشط الحياة، على اعتبار أن المنطوق المحلي، هو الخزان اللغوي المعادل للتجربة الاجتماعية المعاشة، والحامل لكل دلالاتها المحسوسة".
كما تتعبأ في أشكال تواصلية مختلفة، وهو الأمر الذي أراد يحيى اَمقاسم إثبات إمكانية تحقيقه سردياً بإيراد حكاية الخادم بِخيت بَخَيْة، الذي تندرت به (زهرة) من خلال أهزوجة قالتها للتذكير بحادثة كي الأم لمؤخرته، عارضة توقعها المتهكم بأن إحدى ردفيه طابت من الجرح والأخرى باقية نيئة لم تطب بعد، فدندن بها حمود مثيراً ضحك الحاضرين "بخيت بخية. على استُه كَيّةْ.. وحدة خَمِيدةْ.. ووِحْدةْ نَيّةْ" بالتأكيد سيتحول الوعي الروائي بعد هذا النبش إلى شيء آخر، الروائيون سوف يتنبهون للتداعي، والمتلقي لن يحتشم من تناول الفحش اللفظي عندما يدور الحديث حول أبعاد الجنس وشهوات الكلام في صميم السرد بل سوف يتجاوز ذلك المعنى والنبش أيضا في إيحاءاته وندخل بعدها في دوامة التأويل وفطنة التلقي، كما جاءت باقي أوراق العمل منسابة ضمن ظاهرة الشكل والمضمون مثل ورقة الدكتور حسن النعمي "بنية العنوان في الرواية السعودية" و "القراءة الحوارية لعلاقات السير الذاتية في الرواية" للدكتور معجب الزهراني، وأوراق أخرى تقاسمتْ المفاهيم المتعددة للرواية.
والجدير بذكره أن الملتقى كانَ خارجا عن النطاق الرسمي والحاد، فقد شمل لقاءاتٍ جانبية، كما أن لقاءات المقهى المتكررة نشطت أواصر الدفء بين الضيوف وكانتْ بهجة عامرة، وفناجين البوح لم تنطفئ قيامتها بعد، أيضا نشطتْ الإعلامية ميسون أبو بكر وميادة زعزوع من التلفزيون السعودي في برنامجها ستون دقيقة في تسليط الضوء على الملتقى، وتفعيل ذاكرة السرد في لقاءات حوارية ذاتَ عطشٍ معرفي محشورٍ بالأسئلة والقولِ الكثير، وأكبر مائدةٍ كانتْ لحظة تواقيع الكتب وإهداءات الكُتّاب فيما بينهم، إلا أنَّ قلة التواجد الصحفي والإعلامي كانتْ ظاهرة سوءٍ مخجلةٍ فلم يحظ هذا الملتقى الكبير بمتابعةٍ جادة.
الباحة