يتتبع الباحث العراقي المرموق في هذه الدراسة التي يخص بها (الكلمة) العلاقة الباكرة بين السرد والإسلام. ويكشف عن موقف الإسلام من فعل القص، وعملية السرد وتقديره لدورها المهم في صياغة الوعي، وبلورة اليقين. وعن سعيه الباكر للهيمنة على فعل القص واستخدامه ووضع ضوابطه، من خلال التناظر بين موقف الرسول من قاصين متغايرين: النضر بن حارث وتميم الداري.

الإسلام والسرد

عبدالله إبراهيم

1. مدخل

أدّى الانعطاف التاريخيّ، الذي مثله ظهور الإسلام، إلى إقصاء الجانب الأساس من المرويّات السرديّة الجاهليّة؛ لأنها استثمرت وقامت بتمثيل العقائد القديمة، وعبّرت عن البطانة الدينيّة للمجتمع الجاهليّ. أمّا الأجزاء المتبقية منها، التي وصلت إلينا، فتمثلُ الجانب الذي أذعن لضغوط الدين الجديد، وتكيّف معه بأن انطوى على مواقف تنبئية، فاندرج في خدمة الرسالة الدينيّة. وهذه العمليّة المزدوجة من الاستبعاد والاستحواذ عطّلت أمر البحث الموضوعيّ في أصول المرويّات الجاهليّة، وطبيعتها، بوصفها مرويّات كاملة الصياغة، فذاك من المحال، ليس فيما يخصّ العصر الجاهليّ، بل في الثقافات الشفويّة كافّة، ولعل أكثر المداخل عمليّة وفائدة في فحص طبيعة المرويّات السرديّة الجاهليّة، أن يتّجه البحث إلى السمات الأسلوبيّة، والتركيبيّة، والدلاليّة، للنثر القرآنيّ والنبويّ باعتبارهما صورة ممّا كان شائعًا من تعبير نثريّ آنذاك. 

تواجه هذا الاختيار عقبات كبيرة، في طليعتها الحرج الذي يسبّبه البحث في النصوص الدينيّة بعيدًا عن هيمنة المقدّس. وتبقى كشوفات البحث هامشية إن لم يقع استيعاب النظرة التبجيليّة للنصوص الدينيّة، وبدون تخطّي ذلك يستحيل إضاءة المناطق المعتمة في تاريخ السرد العربيّ القديم؛ ذلك أن تقلّبات البنية الثقافيّة أفضت إلى تعارضات حاسمة بين العصرين الجاهليّ والإسلاميّ، كان من نتيجتها أمّا إقصاء معظم مظاهر التعبير السرديّ الذي سبق الإسلام، أو الاستئثار به من طرف نصوص تحصّنت وراء قوة لاهوتيّة. وجرى فيما بعد، إعادة اعتبار لمأثورات الماضي بما يوافق الرؤية الدينيّة، وبما يقوّي أسسها، وركائزها، ويجعل منها رؤية متفردة على الصعيد الثقافيّ العامّ. وقد أدّت تلك التحوّلات إلى انكسار شديد في زاوية الرؤية، إذ انتقل الموروث الثقافيّ من "وسط جاهليّ كثيف" إلى "وسط إسلاميّ شفاف". وكانت "درجة الانكسار" كبيرة بين الوسطين، الأمر الذي أدّى إلى إعادة إنتاج المأثورات القديمة أو إقصائها بما يوافق الوسط الجديد الذي اقتضت رؤيته للعالم بأن ينتخب ما يمتثل لتلك الرؤية، ويستبعد ما يؤثر سلبًا فيها. طبعت التناقضات التاريخيّة-الدينيّة  مظاهر التعبير السرديّ بطابعها المتحول؛ لأنه كان حاملاً لمنظومة قيميّة مغايرة، فجاءت الرسالة الإسلاميّة لاستبعادها، أو امتصاصها، فأقصي الحامل كما أقصي المحمول، أو جرى دمجه، وتكييفه مع الدين الجديد. ولكن هل رسم الإسلام حدودًا للقصّ توافق الرؤية الدينيّة الجديدة؟

2. رسم حدود جديدة:

من أجل الاقتراب إلى الجواب المناسب لا بدّ من التريث قليلاً، والبحث في موقف القرآن والرسول من القصص الذي قرّر الإسلام إشاعته. كان القصّ ممارسة جاهليّة معروفة يراد بها رواية الأخبار القديمة، وإشاعتها، والاعتبار بها، أو التسلية. وكان القصّاص يشغلون كثيرًا بـ"أوابد العرب"، وهي مرويّات سرديّة حاملة لعقائد الجاهليّين، ولا يُعرف عنها الآن شيء مؤكد؛ لأنها حُرّمت، واستُبعدت، أو اندرجت في سياق النصوص الدينيّة بعد تغيير حمولاتها الجاهليّة بما يوافق الإسلام، وبذلك يكون الإسلام قد رسم حدودًا جديدة للقصّ لم تكن معروفة من قبل، وأصبح الخروج عليها خروجًا على الإسلام، كما سنرى ذلك في موقف الرسول من بعض القصّاص في زمنه.

حدّد القرآن فضاء دلاليًّا للفعل"قصّ"، وضمن هذا الفضاء الذي تحوّل إلى معيار قيمة، نُظّمت شؤون القصص بوصفه فعالية إخبارية ـ وعظيّة في الثقافة العربيّة. يحيل الفعل"قصّ" في القرآن على معنى الخبر، ووصول النبأ، والإبلاغ عن واقعة إخباريّة، قال تعالى: "تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها" (الأعراف 101)، وقال: "وكلاًّ نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك"–هود-120، وقال: "نحن نقصّ عليك نبأهم بالحقّ" (الكهف 13). وقيدت هذه الدلالة المحوريّة للفعل "قصّ" بدلالات مجاورة، فقد الحقّ القرآن الدقّةَ، والصواب، والتقصّي بالفعالية الإخباريّة للقصص، كقوله: "وقالت لأخته قصّيه فبصُرتْ به عن جُنب وهم لا يشعرون" (القصص 11)، فالقصّ هنا، هو تقصّي الأثر بدقّة. ثم الحقّ بها الحقّ الذي هو ضدّ الباطل، وما يرتبط به من صدق ويقين، في قوله: "إن هذا لهو القصص الحقّ" (آل عمران 62)، وقوله "إن الحكم إلاّ لله يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين" (الأنعام 57). وقيّدها أيضًا بالاعتبار، والتدبّر، والموعظة في قوله: "فاقصص القصص لعلهم يتفكّرون" (الأعراف 176)، وقوله: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" (يوسف 111). وأخيرًا قيدها بالحسن، وكلّ ما هو مضادّ للقبح في قوله: "نحن نقصّ عليك أحسن القصص" (يوسف 3). 

الخبر المقيدّ بالدقّة، والصواب، والحقّ، واليقين، والاعتبار، والتدبّر، والحسن، هو القصص الذي أعلى القرآن من شأنه، وأصرّ على ترسيخه، ومثاله الأعلى القصص الذي ورد في تضاعيفه مؤديًا وظيفة تقوّي أمر الرسالة الدينيّة، وأصبح هذا الفضاء الدلاليّ هو الذي يحدّد القيمة الاعتباريّة للقصص؛ ذلك أن من دلالات "الآية" أنها تحيل على معنى القصة، وما الآيات القرآنيّة، كما يؤكد الطبري (310=922) إلاّ قصص متتالية(1). أصبح القاصّ، في اللغة العربيّة وآدابها القديمة، هو الذي يتتبعّ الأخبار، ويتقصّاها. وقد وجّه الفضاء الدلاليّ الجديد للمصطلح الممارسات السرديّة بشتّى أشكالها، فما وافق الفضاء الدينيّ فهو مقبول، وما عارضه مرفوض، لا يسمح بروايته وإشاعته بين الناس. القاصّ هو المتتبّع للأخبار، والمتقصّي لها بدقة، ولا بدّ أن تتوافر فيما يقصّ شروط: الصواب، والتثبّيت، والتدبر، والموعظة، والاعتبار، وسيقود ذلك إلى نتيجة  مهمة، وهي أن القصّ أصبح أقرب إلى التاريخ منه إلى الإبداع المتخيل الذي لا يقوم على مثال.

القاصّ، في ضوء هذه الشروط، إخباريّ، والشروط الواجب توافرها فيه ليقصّ الخبر كما سمعه، تماثل الشروط الواجب توافرها فيمن يحدّث، إنها: الدقة، والتقصّي، والإسناد الصحيح، والمتن الصائب. وينبغي على القاصّ إلاّ يورد خبرًا لم يتثبّت منه، وإلاّ عُدّ مخلطاً، وذلك يخرجه عمّا حدّده القرآن من شروط فيمن يقصّ. اختلط القاصّ بالإخباريّ ثم بالواعظ. أصبح القصّ ممارسة إخبارية وعظيّة تهدف إلى غاية دينيّة، ولم يعرف القصّ والقاصّ إلاّ كذلك في الثقافة العربيّة والإسلاميّة(2). صار القاصّ هو الذي يأتي بالقصة على وجهها، كأنه يتتبّع معانيها، وألفاظها، من قصّ أثره أي اتبعه؛ لأن الذي يقصّ الحديث يتّبع ما حفظ منه شيئًا فشيئًا، كما يقال يتلو القرآن إذا قرأه، لأنه يتّبع ما حفظ آية بعد آية، والقصّ تتبّع أثر الوقائع والأخبار عنها شيئًا بعد شيء على ترتيبها(3). 

3. سرود اعتباريّة:

من أجل اتضاح الأسباب التي دعت إلى السمة الاعتباريّة والوعظيّة للقصص، لا بدّ من التأكيد على أن القصص القرآنيّ ذاته قد التزم بها، وصارت موجّهًا في القصص بعد ذلك. جاء القصص القرآنيّ للاعتبار وليس للتسلية، وحسب قول الثعلبي (427=1035)، فثمّة وجوه خمسة لورود القصص في القرآن، وجميعها تهدف إلى غايات اعتباريّة يتقوّى بها الرسول على أعدائه، ويثبّت رسالته الدينيّة، منها أن إيراد أخبار الأمم الماضية، إنما هو "إظهار لنبوّته، ودلالة على رسالته، وذلك أن النبيّ لم يختلف إلى مؤدّب ولا  إلى معلم، ولم يفارق وطنه مدّة يمكنه فيها من الانقطاع إلى عالم يأخذ عنه علم الأخبار". وهذا معناه أنه كان يوحى إليه بها. ومنها أن الله قصّ عليه القصص "ليكون أسوة وقدوة بمكارم أخلاق الرسل والأنبياء المتقدمين والأوّلياء الصالحين، فيما أخبر الله تعالى عنهم". ومنها أن الله إنما قصّ عليه القصص "تثبيتًا له وإعلامًا بشرفه، وشرف أمته". ومنها أن الله قصّ عليه القصص "تأديبًا وتهذيبًا لأمته". وأخيرًا فإنه قصّ عليه أخبار الماضين من الأنبياء والأوّلياء "إحياءً لذكرهم وآثارهم"(4). ولو أخذت هذه الوجوه مجتمعة لتبيّن أن القصص القرآنيّ لم يقصد بذكر الحوادث القديمة أن يكون مصدرًا تاريخيًّا لها، إنما هو يريد من ذكرها وصف مصائر الأمم الغابرة على سبيل الاعتبار، وضرب المثل.     

يبيّن التأمل في وجوه إيراد القصص في القرآن، كما استخلصها الثعلبي، أنها تتعلق بالنبوّة والنبيّ الذي توحي إليه أخبار الماضين، وهو ما يمنح النبيّ نبوًّا، أي ظهورًا وعلوًّا على غيره، وهي إحدى معجزاته، وأن تلك القصص تمهّد لنشر الرسالة الدينيّة، وتمجّد الأنبياء والرسل السابقين، والعبرة المستخلصة من مواقف الأمم السالفة تجاه أولئك الرسل والأنبياء، فقصص القرآن هدفت إلى تقديم الموعظة والعبرة، وبذلك فالأنموذج الأمثل للقصص والقاصّ في الإسلام، هو ما قصّه الرسول إلى قومه من أخبار الأقوام السالفة. وكلّ ما وصل إلينا من المأثورات السرديّة، لا يكاد يخرج عن هذا الفضاء الدلاليّ الصارم؛ لأنه دوّن على وفق شروطه، كما أن القصّاص، في القرنين الأوّل والثاني، كانوا ملتزمين، إلى حدود بعيدة، بهذه الشروط. لم يجرؤ أحد من المدوّنين والقصّاص على انتهاك هذه الشروط خلال القرون الأولى، وحتى الخروقات المحدودة عند بعض القصّاص، التي أجّجت تذمّرات المحدّثين، كما سنرى، لم تكن مقصودة لذاتها، ونقطة ضعفها أنها لا تراعي الإسناد الدقيق الذي كرسه إسناد الحديث النبويّ. كانت فعاليّة القصّ مقنّنة، ومرسومة بدقة، فالمركزيّة الدينيّة رسمت سلفًا كلّ الحدود التي ينبغي إلاّ يتخطّاها أحد، وإلاّ عدّ مخلّطا ومزيفًا. وسيقع القصّ في ذلك المحظور بداية من القرن الثالث.

لم يقف الأمر عند قضيّة الوظيفة التي ينبغي أن تنهض بها القصص، إنما جرى جدل لاهوتيّ حول أهمّيّة وجودها في القرآن. وعدّها بعض البلاغيّين أحد وجوه إعجاز القرآن(5). وأقاموا الحجّة على ذلك باعتبارها أخبارًا عن غيوب ماضية "وردت ممّن لم يعرف الكتب، ولم يجالس أصحاب التواريخ"(6). وذهب النظّام (230=845) إلى "أن الإعجاز في القرآن من جهة ما فيه من الأخبار عن الغيوب، ولا إعجاز في نظمه"(7). وسبب ذلك أنّ أبرز ما يتّصف به النبيّ، قدرته على أن يكون "مخبرًا عن المغيّبات الكائنة والماضية والتي ستكون"(8). وقد فصّل الباقلاّنيّ (403=1012) الأمر قائلاً: إن "الرسول كان أميًّا لا يكتب، ولا يحسن أن يقرأ، وكذلك كان معروفًا من حاله أنه لم يعرف شيئًا عن كتب المتقدّمين، وأقاصيصهم، وأنبائهم، وسيرهم، ثم أتى بمجمل ما وقع وحدث من عظيمات الأمور، ومهمات السير من حيث خلق الله آدم عليه السلام إلى مبعثه". ولمّا كان الأمر مستحيلاً إلاّ عن تعلّم، وهو لم يكن كذلك كما ينتهي الباقلاّني، وجب إلاّ يكون ذلك "إلاّ بتأييد من جهة الوحي(9). وحذا السكاكي (626=1228) حذوه في القول بأنّ اشتمال القرآن على القصص أحد وجوه إعجازه(10).      

لم يُنظر إلى القصص في القرآن إلاّ باعتبارها قصص موعظة، وعبرة، وضرب مَثَل، وتقديم نُصح، وإذا ظن أحد، كما يقول ابن الأثير (630=1233) أنها من "الحكايات والأسمار" فقد "تمسّك من أقوال أهل الزيغ بمحكم سببها، حيث قالوا: هذه أساطير الأوّلين اكتتبها"(11). وأهل الزيغ الذين نظروا إلى قِصص القرآن بوصفها حكايات مسلّية، وضعهم السخاوي (902=1497)على "شفا جرف هارٍ"(12). هذه أسباب وجّهت رواية القَصص القديم وجهة معينة، نبذت فيها المرويّات والأسمار التي لا توافق الهدف الاعتباريّ الذي سعى القرآن إلى ترسيخه في كلّ خطاب. وسيقوم الرسول بتعميق الهدف الاعتباريّ للقصص.

4. مواقف، وتصنيفات:

صدر الرسول، في موقفه من القَصص الجاهليّ، عن الرؤية التي حدّد أطرها القرآن، سواء أكان ذلك في وظيفة القصص أم في الدور الذي ينهض به القاصّ. فقد رسم القرآن فضاء دلاليًّا لهذه الفعالية، وعمل الرسول على التمسّك بحدود ذلك الفضاء، وأصرّ على جعل القصص يؤدّي مهمّة اعتباريّة، وأن يكون القاصّ صادقًا وأمينًا في قصصه، وجعل نوع الخدمة التي يقدمها القاصّ للدين هي الفيصل في الموقف منه، ولم يخرج عن هذا الإطار إلاّ فيما اعتبره سمرًا لطيفًا جرى في وسط أسريّ حميم. ورد عن الرسول قوله:"لا يقصّ على الناس إلاّ أمير، أو مأمور، أو مختال" (13)؛ فالقاصّ أحد ثلاثة: أمّا أنه أمير من أمراء الناس يعظهم بشؤون دينهم ودنياهم، أو مأمور بذلك من الأوّل، وكلاهما يوظف قصصه في خدمه الدين، أو أن ينتدب مختال أو مُراءٍ نفسه للقصّ، دون أن يؤمر بذلك؛ لأنه يريد الرئاسة لنفسه متشبهًا بالأمير،  فلا ينطق إلاّ عن هوى يستميل به قلوب الناس. هذا القاصّ مذموم لأنه يصدر عن هدف شخصيّ لا دينيّ. حارب الرسول هذه الفئة من القصّاص الجاهليّين الذين يروون أخبارًا، وأسمارًا، لا تقدّم خدمة للإسلام، ووصفهم بأنهم مختالون، واطّرد هذا الحكم، فيما بعد، ليشمل كلّ من تكسّب بالقصّ في العصور اللاحقة. ولكن كيف جعل الرسول هذا القرار ممارسة موجبة على القصّاص في عهده؟ 

عبّر الرسول عن موقفه تجاه القصّاص والقصص في العصر الجاهليّ، وبداية عصر الإسلام، بموقفين متباينين تبعًا لتباين علاقة القاصّ وقصصه بالرسول. وعرض هذين الموقفين ممثلين بنموذجين لقاصّين كبيرين يكشف معيار الرسول المتّبع في تثبيت موقع القاصّ وأهمّيّة قصصه، ويبين أيضًا نوع المرويّات التي أُقصيت، وأصبحت لا ذكر لها في المدوّنات اللاحقة، وتلك التي استأثرت باهتمام الرسول، واخترقت الحاجز الدينيّ واكتسبت الشرعيّة الكاملة بوصفها مأثورات لا تتعارض وأهداف الدين الجديد، لأنها امتثلت للرؤية الدينيّة.

النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن مناف بن عبد الدار بن قصيّ، القاصّ الجاهليّ المعاصر للرسول، والمتصل به نسبًا، عاشر الأحبار والكهنة، وحصل على قدر جليل من العلوم القديمة، واطّلع على الحكمة، ورحل إلى فارس فتعلّم ضرب العود والغناء، واطّلع على الأخبار، وتشبّع بالخرافات الفارسية، وقيل إنه اطّلع على حكايات "كليلة ودمنة"، وعرف مرويّات الأقوام القديمة، وقدم إلى مكة في الوقت الذي كان الرسول ينشر فيها رسالته، فكان يحدّث أهلها بأخبار الفرس، واليهود، والنصارى، فكانوا يستملحونها، وينصرفون عن الرسول الذي كان يحدثهم بأخبار عادٍ وثمود. ولم يتردّد النضر في حضور مجالس الرسول التي كان يعظ فيها المكيّين، ويحذرهم ممّا أصاب الأمم الخالية، موردًا أخبار الأوائل بوصفها عبرًا لما حلّ بتلك الأمم حينما تنكرت لأنبيائها، وما أن يفرغ الرسول من وعظه وينصرف، إلاّ وينهض النضر بين المكيّين قاصًّا عليهم أخبار "رستم وأسفنديار الفارسية، وأخبار الأكاسرة" التي جاء بها من الحيرة،  قائلاً: "ما محمد بأحسن مني حديثاً، وما حديثه إلاّ أساطير الأوّلين اكتتبها، كما اكتتبتُها"(14). اندلع بين الرسول والنضر صراع حول المشروعيّة، فقد كان النضر قطبًا من أقطاب قريش المناهضين للنبوّة، ومن الذين كرّسوا حياتهم للتشكيك فيها، ونقضها، فدفع حياته ثمنًا لموقف لم يتعرض للمراجعة، وإعادة النظر، ولطالما وصف بأنه من "شياطين قريش". 

وقد ربط الطبري بين مرويّات النضر بن الحارث الخرافيّة، وأسلوبه المسجوع من جهة، وبين شكّه بأن القرآن ليس مصدره الله، من جهة ثانية، فقال: كان النضر بن الحارث يختلف تاجرًا إلى فارس، فيمرّ بالعبّاد، وهم يقرؤون الإنجيل، ويركعون، ويسجدون، وكان يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها، فجاء مكة، فوجد محمدًا صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه، وهو يركع، ويسجد. فقال النضر: قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين، يقول أساجيع أهل الحيرة"(15).  تهمة النضر مركبة: الشكّ في أصل النصّ الدينيّ، وتقويض النبوّة، والتشبّع بالمرويّات المسجوعة. أُُخذ التماثل بين الأخبار التي كان يوردها الرسول وأخبار النضر عن الأمم القديمة من قبل أهل مكة على أنه تطابق في الخبر، ومصدره، وغايته، وأسلوبه. وأحدث ذلك مزيدًا من اللبس في نشر الرسالة الدينيّة، وكثيرًا من الخلط بين النبيّ والقاصّ. وجود قاصّ يؤدّي دورًا مماثلاً لدور الرسول في مخاطبة عامّة الناس، يؤدّي إلى تقويض الرسالة الإسلاميّة في مبتدأ أمرها،  ولهذا وصف النضر بأنه كان "أشدّ قريش في تكذيب النبيّ"(16). 

ظهر النضر في الفترة التي كان الرسول موضوعًا لتهمٍ كثيرة: الشعر، والكهانة، والسحر. والتهمة الجديدة، تهمة كونه قاصًّا، تعقّد الوضع أكثر ممّا كان عليه. أفلح الرسول في ردّ تُهم المتّهمين استنادًا إلى التباين في أساليب الخطاب، كالاختلاف بين الشعر والنثر القرآنيّ، أو بين الآيات وتمتمات السحرة، وبعض أسجاع الكهّان، لكنه واجه صعوبة في إفهام المكيّين بالفوارق بين ما يورده من أخبار قديمة، وما يورده النضر منها؛ ذلك أنّ التماثل قائم في موضوعات الأخبار، وأساليبها النثريّة. سبّبت أحاديث النضر حرجًا بالغًا للرسول، ولهذا تجرّد للردّ عليه، كما لم يتجرّد لغيره، فقد خُصّ بثماني آيات قرآنيّة ردّت عنه تُهم النضر، منها قوله: "وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلاً")5-الفرقان(. وقوله: "إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأوّلين")15-القلم(، و)13-المطففين(. وحسب قول ابن عباس(17)، إنّ الآيات التي نزلت بحقّه دليل على الضرر الذي ألحقه بالرسالة. أنذرت بعض الآيات القرآنيّة النضر بالويل والثبور، وسوء العاقبة، والعذاب الأليم، وهو ما آل إليه مصيره. ذلك ما ورد في سورة "الجاثية"، قال تعالى: "ويل لكلّ أفّاك أثيم، يسمع آيات الله إذ تتلى عليه ثم يصرّ مستكبرًا كان لم يسمعها، فبشّره بعذاب أليم")7-8-الجاثية(. وما وقع للنضر، فيما بعد، طابق نبوءة سورة "الجاثية"؛ فقد سقط أسيرًا بيد الرسول في معركة بدر، وكان على رأس لواء من قريش، فأمر الرسول بأن يقتل صبرًا، أي أسيرًا، ونفّذ أمر القتل فيه علي بن أبي طالب. وكان أول من قُتل صبرًا في الإسلام(18).                                                                   

تتمثل الخلاصة الأساسيّة لواقعة قتل النضر بن الحارث، وهو أسير حرب، بالآتي: إذا قيست الأمور بنتائجها في القضايا المتناظرة الخاصّة بالتُهم التي وجّهت إلى الرسول مثل: الكهانة، والسحر، والشعر، والقصّ، نجد أنّ موقف الرسول كان أشدّ قسوة على القاصّ من غيره، فثمّة ثلاث درجات متتالية في موقفه تجاه من شكّك في نبوّته: عفا عمّن سحر، وأهدر دم من هجاه شعرًا، وقتل القاصّ وهو أسير حرب(19). فقد مارس القاصّ المغاير في منظوره للرؤية التي عبّر عنها الرسول ضغطًا كبيرًا على الرسالة الدينيّة، وتبعًا لهذا حُكم على النضر بأنه كان "شديد الأذى للإسلام والمسلمين"(20). 

أمّا الخلاصة الأخرى التي يمكن أن ننتهي إليها، فهي طمس المرويّات التي تنسب إلى هذا القاصّ وأمثاله، وكلّ المرويّات التي ظهرت قبل الإسلام، ووجد أنها تتعارض مع الرسالة الدينيّة، ذلك أن القرآن حجب هذا الضرب من المرويّات بالشكل الذي كانت عليه في العصر الجاهليّ، ولم تسمح البنية الثقافيّة ذات الطابع الإسلاميّ بروايتها، واختفت، إلاّ تجلّياتها الثانويّة التي اندرجت في سياق أخبار أخرى، وهي تجلّيات لا يمكن تتبع أصولها، ويحيط الغموض الكامل بكلّ ما يتصل بها.      

وفد تميم بن أوس الداري إلى الرسول من الشام، وأسلم، واصطحبه الرسول معه في غزواته، وكان مقرّبًا إليه، يحدّثه بأحاديث الأوّلين وأخبارهم، فروى الرسول عنه ثمانية عشر خبرًا، ما وصل إلينا منها يندرج ضمن القصص الشائع في ذلك العصر(21). وفي هذا يقوم الرسول برواية عن تابع. اهتمّ الرسول بتميم الداري، وأبرز ما رواه عنه أمام جمع من المسلمين قصة "الجسّاسة" التي رواها تميم له، ومؤدّاها أن تميمًا وصحبه ركبوا سفينة في البحر، وكانوا ثلاثين رجلاً، فلعب بهم الموج شهرًا، فأرفؤوا في إحدى الجزر، فخرجت إليهم دابّة مغطاة بالشعر، لا يعرف جنسها، تدعى "الجسّاسة"، أخبرتهم أنّ رجلاً في الدير الكائن في الجزيرة ينتظرهم، وما أن يصلوا إليه، إذا به إنسان كبير، عظيم الهيكل، وقد كبُل جسمه بالحديد، فيخبرونه خبرهم، فيسألهم عن نخل بَيسان، وبحيرة طبرية، وعين زغر (بلدة في الشام)، ثم يسألهم عن الرسول هل خرج من مكة، ونزل يثرب؟ فلما يجيبونه عمّا سأل، يخبرهم أنه المسيح الذي أوشك أن يؤذن له في الخروج، وأنه سيطوف الأرض ومدنها، إلاّ مكة والمدينة فهما، كما يقول "محرّمتان عليّ كلتاهما، كلّما أردت أن أدخل واحدة أو واحدًا منهما، استقبلني ملَك بيده السيف صلتًا يصدّني عنها، وأن على كلّ نقب منها ملائكة يحرسونها"(22). 

وافقت قصة تميم الداري ما كان الرسول يحدّث به المسلمين من قصص عن الدجّال وابن الصيّاد، وعلى الرغم من  أنّ قصة "الجسّاسة" ذات منحى خرافيّ، فقد وجدت مكانها في متون الثقافة الإسلاميّة، وأوردتها كتب الصحاح والمساند؛ لأنها وافقت أحاديث الرسول، وعنصر النبوءة جعلها تأتي دليلاً على نبوّة الرسول، فهي  تدعم حقيقة النبوّة في التاريخ، والوعي، والذاكرة. ظهر لنا من قبل أن عنصر النبوءة مظهر ثابت في المرويّات السرديّة الجاهليّة، فذلك العنصر جزء من الحكايات التفسيريّة التي يختلقها القصّاص للتوافق مع الحالة التي استجدّت بظهور الإسلام. وقد أسهمت الحكاية التفسيريّة في قبول المرويّات الجاهليّة في سياق الثقافة الإسلاميّة، لأنها أدرجتها في خدمة الدين، وتثبيت النبوّة. ويعدّ التأصيل، في الثقافات التقليديّة، شرطًا لتحقيق فاعلية الأدوار والأشخاص، فكون النبوءات القديمة قد دشّنت لظهور الرسول، وتنبأت به، فذلك أمر جعل وجوده حدثًا مرتقبًا في المخيّلة الجماعيّة، فأزاح كثيرًا من العوائق أمام النبوّة.

تؤدّي الذاكرة في الثقافات الشفويّة وظيفة معياريّة في قبول الحقائق اللاحقة، في حين تؤدّي المخيّلة وظيفة الغموض الخاصّ بمصادر القوة، ومنها مصادر النصوص الشعريّة، والسرديّة، بما فيها النصوص الدينيّة، فتشيع ثقافة الإلهام والإيحاءات التي لا تتوقف إلاّ بظهور التفكير الكتابيّ الذي يحول دون القبول بالتوهّمات التي تشيعها المرويّات الشفويّة الكبرى. أفضت المعطيات التي وفرها تميم الداري للرسول من مرويّات، وأخبار، إلى تثبيت موقعه بوصفه رائدًا للقصص الإسلاميّ بعد أن آمن بالإسلام، وتصدّر بذلك تاريخيًّا فئة القصّاص المسلمين، وبدأ رسميًّا القصّ في مسجد الرسول بالمدينة، وسنعود إلى ذلك في سياق معالجتنا لقضيّة ريادة القصص الإسلاميّ.                                            

يكشف هذان الموقفان أنّ كلّ ما لا يوافق الرؤية الدينيّة لا يمكن روايته أو قصّه، وأن كلّ خبر يمكن أن يسهم في تقوية الرسالة الدينيّة والرسول، سواء بالإعلان المباشر، أو الإيحاء، فليس ثمة ما يوجب حجبه كائنًا ما كانت صفته، وصيغته، وأسلوبه، وموضوعه، إنما يصبح، على عكس ذلك، مهمًّا لأنه يؤدّي وظيفة تخدم الدين. وفي ضوء هذا يمكن تفسير ضروب الطمس والإقصاء التي تعرّضت لها كثير من المرويّات السرديّة الجاهليّة التي كانت تستثمر المعتقدات القديمة، ومنها كثير من الخطب، والمنافرات، والشذرات المنسوبة إلى الكهّان، وغير ذلك من الأوابد العتيقة. المرويّات التي وصلت إلى أيدي المدوّنين الأوائل هي التي كيّفت نفسها مع منظومة القيم الاعتباريّة الجديدة التي أرساها الإسلام، إلى درجة يمكن القول فيها إنّ الإقصاء شمل حتى القِصص المكتوبة إذا تعارضت والروح الإسلاميّة التي بدأت تترسخ في شتى مجالات الحياة، فإذا أخذت الأمور كما هي، فإنّ قول النضر بن الحارث بأنه كان يكتتب قصص الأوّلين، يعدّ، إذا ثبت، دليلاً على أنّ كلّ ما نسب إليه طمس وأقصي، لموقفه الذي بينّاه من الإسلام، وقُطعت أية نسبة ممكنة بين هذا القاصّ والمرويّات التي كان يرويها في مكة، وكثير منها ينتمي إلى ثقافات ما قبل الإسلام، ولم يبقَ إلاّ موقفه المناهض للإسلام دليلاً على معارضته الرسول. 

جُرّد النضر من مرويّاته التي أتى بها من بيئات ثقافيّة وعقائديّة مختلفة، ووضع في فئة الضالّين المؤذين للإسلام، في حين دفع بمرويّاته إلى الوراء لتحجب، فلا يراد لمثلها أن يتسلل إلى الذاكرة الإسلاميّة؛ لأنها اقترنت براوٍ لم "يوفّق" في خدمة الدين، وعلى العكس من ذلك، فإنّ مرويّات تميم الداري وجدت لها صدى طيّبًا ومكانة مرموقة في نفس الرسول، والمدوّنات الإسلاميّة فيما بعد، على الرغم من أنه ليس لدينا إشارة إلى أنها كانت مكتوبة في أول أمرها. ينقلنا كلّ هذا إلى قضيّة التدوين التي تمثل الحاجز الثاني الذي كان على المرويّات السرديّة الجاهليّة أن تتخطّاه لتصل إلى الأجيال اللاحقة.                                                                

 5. إقصاءات تاريخيّة:                                                        

اختلف المؤرخون بشأن تدوين الآثار العربيّة، ولحق الخلاف كلّ شيء بما في ذلك الأحاديث المنسوبة للرسول. معلوم أن القرآن كان يدوّن تباعًا في زمن الرسول، وأنه جمع في عهد خلفائه الأوّل، ثم صدر مرتّبًا بصورته المعروفة الآن في زمن الخليفة عثمان بن عفان. بُتّ في هذا الأمر على تلك الصورة لأسباب دينيّة ودنيويّة، بيد أنّ حاشيته، وهو الحديث، فقد جرى عليه ما جرى، شأنه في ذلك شأن المرويّات التي ظهرت في ذلك العصر. وصفة القداسة الملازمة للحديث النبويّ لم تحُلْ دون الوضع الذي لحق به، بعد أن تأخر تدوينه. والرأي الشائع أن الرسول حظر تدوين الحديث، أول الأمر، خشية الاختلاط بالقرآن، وهذا الحظر  فُهم، ضمن ممارسات التواصل الثقافيّة-الشفويّة على أنه نوع من المنع الذي استمرّ طويلاً بعد وفاته، فتباينت الآراء بين قائل: إن بعض الأحاديث دوّن في زمن الرسول والخلفاء الراشدين، ولكن في نطاق محدود جدًّا، وبين قائل: إن تدوينه بدأ في عهد عمر بن عبد العزيز في نهاية القرن الأوّل الهجريّ(23) .

لم يعرف التدوين المنظّم إلاّ نحو منتصف القرن الثاني الهجريّ(24)، وفي نصفه الثاني تشكّلت "المادّة الدينيّة" الخاصّة بالحديث النبويّ، وبدأت، في القرن الثالث، تظهر المصنّفات الكبرى التي ما زالت معتمَدة عند عموم المسلمين. والأسباب التي يمكن الركون إليها وراء تأخر التدوين، هي هيمنة المشافهة، وموقف الرسول من الكتابة، وندرة الوسائل الكتابيّة بما فيها عدم تطوّر رسوم الألفاظ العربيّة بدرجة كافية تتيح المجال أمام التدوين الشامل، ولكنّ الإطار الشفويّ للتعبير والتراسل هو الذي رتّب أمر عدم الاهتمام بالكتابة، حتى لو استقرّت المعرفة الكتابيّة، كما سيظلّ ذلك واضحًا في الثقافة العربيّة خلال القرون اللاحقة. تكشف الرحلة الطويلة التي مرّ بها الحديث النبويّ قبل أن يستقرّ نهائيًّا في مظانّ معروفة، ما سكتَ عنه التاريخ بصدد المرويّات غير الدينيّة التي لم تكن مصادر للتشريع والأحكام كما هو الأمر بالنسبة للحديث. وبعبارة أخرى، تأخرت عمليّة تدوين الحديث مع أهميته القصوى في تاريخ الرسالة المحمديّة، فكيف بالمرويّات السرديّة التي لم تكن تنطوي على أهمّيّة تناظر أهمّيّة الحديث! ليس لدينا ما نطمئنّ إليه من إشارة حول الموضوع طوال القرن الأوّل، وربما معظم القرن الثاني، وبعد منتصف القرن الثاني بدأت تتوارد أنباء متفرقة حول جمع الأخبار وتدوينها. وجميع الكتب الخاصّة بذلك عرفت بعد ذلك بمدّة طويلة. والاحتمال الأكثر قبولاً أنها كانت تتواتر بين الرواة، وقد احترف كثير منهم الرواية، كما هو معروف. 

بيد أنّ عودة من النصف الثاني للقرن الثاني الهجريّ إلى القرن الأوّل تبيّن لنا تضاؤل عدد الرواة المحترفين وتناقصهم، ولا نعثر طوال القرن الأوّل إلاّ على رواة هواة يرافقون الشعراء ويأخذون عنهم، وهو تقليد جاهليّ شائع.  لكنّ الإخباريين، بدؤوا في الظهور في النصف الأوّل من القرن الأوّل، وتمكّنوا مع مطلع القرن الثاني من جمع بعض المرويّات. فإذا أخذنا مثالاً على ذلك، سيرة الرسول، آخذين بالنظر الأهمّيّة الاعتباريّة، والدينيّة، والتاريخيّة، للشخص الذي تدور حوله، فإنّ أول رواتها، وهما اثنان، يشكلان الطبقة الأولى من طبقات رواة السيرة النبويّة، وهما: عروة بن الزبير، وأبان بن عثمان، توفيا على التوالي في عامي94هـ و105هـ، قبل أن يضعا مادّتها بين يدي الزهريّ الذي توفي عام124هـ وموسى بن عقبة الذي توفي عام141هـ، وإلى هذين الأخيرين تعود بلورة الإطار العامّ للسيرة شفويًّا، وهي المادّة التي وصلت إلى ابن إسحاق المتوفى في عام151هـ الذي له الفضل في تثبيت مادة السيرة بالصورة التي لا تختلف كثيرًا عمّا وصلت إلينا بتهذيب ابن هشام المتوفى213هـ(25). استقرّت السيرة النبويّة مدوّنة في مطلع القرن الثالث، ومع كلّ هذا فليس لدينا دليل يؤكد اهتمام هؤلاء وغيرهم بالرواية الأدبيّة المحترفة الموثقة، ذلك أنّ الأخبار حول الرواية والتدوين تبدأ بالتواتر مع نهاية القرن الأوّل، بالنسبة لأحاديث الرسول، في حين تأخر تدوين السيرة، فإذا أخذنا أهمّيّة هذين الموضوعين في تاريخ الإسلام، واستئثارهما بالأهمّيّة الأولى، يرجّح أنّ تدوين المرويّات الأخرى تأخر إلى وقت لاحق، لا يمكن التثبّت الدقيق منه، لأنّ كلّ شيء كان يسبح في فضاء الشفاهيّة.                                                                                                  

شُغل التدوين بالقضايا التي ظهرت في عصره، فدوّن المدوّنون المرويّات المقبولة في عصرهم، وأهملوا ما خالف ذلك، وتجنبوه. ولمّا كان عصر التدوين-ولنقلْ على سبيل التجّوز القرن الثاني الهجريّ بعامّة-مختلفًا في مشكلاته السياسيّة، والاجتماعيّة، والروحيّة، عن العصر الجاهليّ، فضلاً عن حقبة صدر الإسلام، فإنّ كثيرًا من المرويّات التي استلهمت العصر الجاهليّ بمعطياته القبليّة والدينيّة لم تجد لها مكانًا في المدوّنات التي استجابت للمؤسّسة الدينيّة-السياسيّة التي نشأت، في الأساس، على افتراض نوع من القطيعة الثقافيّة والروحيّة مع تلك الحقبة الجاهليّة. وهي قطيعة كانت تقول بأن الأصل الأوّل، والتامّ، والمطلق، تأسّس بالنصّ الدينيّ الذي جَبّ ما قبله. واستبعِد كثير من المأثور الجاهليّ لمخالفاته معايير عصر التدوين، وشروطه، وكان استبعِد قبل ذلك من التداول العامّ؛ لأنه كان مختلفًا عن الإسلام في مضامينه. وإذا تحدثنا عمّا طابق الإسلام منه، ووجد له مكانًا في المرويّات الشفويّة التي لم يبطلها الإسلام؛ فقد ظلّ أسير التداول الشفويّ طوال القرن الأوّل وطرفًا من القرن الثاني، وتعرّض للتحيزات التي فرضتها المشافهة. وجميع هذه الاعتبارات ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجدّ، حينما يجري الحديث عن المرويّات القديمة. ثمّة حواجز يصعب اختراقها، لم تُذكر أخبار الأوائل، كما قال المسعودي، لأنّ "أصحاب الشريعة" ينكرون ذلك ويمنعونه(26).  الأمر الذي أدّى إلى إسقاطها، أو وضع أطر دينيّة تسهل اندراجها في المرويّات الإسلاميّة بعد تغيير مضامينها.

6. الإسلام، والريادة السرديّة:

اختُلف في أول من جعل القصّ مهنة له في الإسلام، وكنّا رأينا أنّ الرسول روى عن تميم الداري حكاية "الجسّاسة"، فيكون قصّ في زمن النبيّ. هذه الواقعة بذاتها تمنحه فضلاً رياديًّا كبيرًا، وقيمة فضلى، تماثل قيمة قس بن ساعدة الذي روى الرسول خطبته. وحينما يتعلّق الأمر بمرويّات الرسول لا نجد في المظانّ القديمة إلاّ التسليم الكامل بأهمّيّة الأشخاص الذين يروي عنهم. يظهر تضارب كامل في النصوص المرويّة عن الرسول، لكنّ الشكّ لا يلحق صدق الوقائع. ارتبط تميم الداري بالرسول فانتزع ريادة القصص الإسلاميّ.

تميم الداري قاصّ مخضرم، جرى إعداده، مثل النضر بن الحارث، في العصر الجاهليّ، وبأفول ذلك العصر أصبح أهم قصّاص العصر الجديد. ولو قورن بمعاصره النضر بن الحارث لتبيّنت الكيفيّة التي تتقاطع بها مصائر القصّاص في ظلّ التغيّرات الدينيّة. ارتحل النضر من الحجاز إلى العراق وفارس وعاد محملاً بقِصص كثيرة زاحمت القَصص القرآنيّ، فدفع حياته ثمنًا لعصيان روحيّ، وشكّ في العقيدة الجديدة، فيما أتى الداري من بلاد الشام، محملاً بسيل من الحكايات الغريبة، فانتزع مكانة سامية؛ لأنه دعم النبوّة، وعزّز من قيمتها في حقبة التأسيس الأولى. أصبح القصّ بذاته ليس فيصلاً بين الحقّ والباطل، فحسب، إنما بين الحياة والموت. حينما يذكر النضر يرتسم دوره العائق للإسلام، وحينما يذكر الداري يرتسم دوره الممهّد للإسلام. لا يمكن فهم ريادة تميم الداري إن لم تعرض بمواجهة نقيضه النضر بن الحارث، فقد أُدرج في الموروث الإسلاميّ ضمن "مؤمني أهل الكتاب" ومن "العالميّن به" إلى جوار عبدالله بن سلاّم، وسلمان الفارسي، والنجاشي(27). كان الداري نصرانيًّا، فوفد إلى الرسول، وبايعه، وأسلم على يديه، ووافقت أحاديثه أحاديث الرسول عن المسيح الدجّال(28)، وقد بولغ في انصرافه إلى الدين الجديد، وروي أنه كان "يقرأ القرآن كله في ركعة"(29)، ونذر نفسه للإسلام، وحمل من الشام إلى المدينة قناديلَ وزيتًا، فعلّق القناديل، وصبّ فيها الماء والزيت، وجعل فيها الفتيل، فلما غربت الشمس أمر فأسرجها، وخرج الرسول إلى المسجد، فإذا هو بها تزهر، فقال: "مَن فعل هذا؟". قالوا: "تميم الداري يا رسول الله". فقال: "نوّرتَ الإسلامَ، نوّر الله عليك في الدنيا والآخرة، أمّا إنه لو كانتْ لي ابنة لزوّجتكها". فأنكحه ابنة نوفل بن الحارث(30). هذه إنارة رمزية، فقد أسهم الداري في توسيع دار الإسلام.

أمّا موقف النضر بن الحارث تجاه العقيدة الجديدة فمناقض بصورة كلّيّة، كان يريد أن يطفئ نور الإسلام، ويسقط المجتمع في ظلمة الجاهليّة؛ عارض القرآن متهكّمًا، فقال: "والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، فالخابزات خبزًا، فاللاقمات لقمًا"(31). محاولة مقصودة منه لتهديم الإسلام من الداخل، فبالمحاكاة الساخرة أراد تخريب النصّ القرآنيّ. وكان قد خرج إلى الحيرة "فاشترى أحاديث كليلة ودمنة، فكان يقرأ على قريش، ويقول: "ما يقرأ محمد على أصحابه إلاّ أساطير الأوّلين، أي ليس هو من تنزيل"(32). قال ابن عباس: "قالوا للنضر بن الحارث ما يقول محمد؟ قال: أرى تحريك شفتيه، وما يقول إلاّ أساطير الأوّلين، مثل ما أحدّثكُم عن القرون الماضية. وكان النضر صاحب قصص، وأسفار، فسمع أقاصيص في ديار العجم، مثل قصة رستم وأسفنديار، فكان يحدثهم"(33). تهمة النضر هي التجديف بكتاب الله، إذ كان يقول فيه ما يقول، فأمر النبيّ بقتله (34). هذه المقارنة يراد بها كشف الخلفيّة الدينيّة للداري والنضر، لكي تفهم الظروف التي بوّأت الداري مكانته الأولى بين قصّاص الإسلام.

دشّن تميم الداري لوظيفة القاصّ الدينيّة في المسجد، فأصبح القصّ مهنة تشرف الدولة عليها، مجالسه معروفة، ومعلن عنها بأوقات محدّدة، وفحواها الوعظ والإرشاد، ولم يتردّد بعض الخلفاء في حضور تلك المجالس. تلقّى القصّاص دعمًا من المؤسّسة الدينيّة، لكنّ بروز نزعة التشدّد المتأخرة، أظهرت تأويلاً مختلفًا لموضوع القصّ في عهد الرسول والخلفاء الراشدين، كما أنها شكّكت بريادة القصّاص، وعالجت الموضوع من واقع حال القصّاص المتأخر. فقد جرى تجاهل التاريخ، وتوارت الوقائع خلف التفسيرات الضيقة لحقبة شبه مفتوحة تداخلت فيها الوظائف، والمؤثّرات، والأصول الثقافيّة. في ضوء الصورة القاتمة التي رُكّبت للقصّاص بعد القرن الثالث، عاد من غير المسموح القول إنهم قصّوا في عهد الرسول، وفي مسجده في المدينة، واستُبعد أن يكون قد حدث ذلك في عصر الصحابة الأوّل، حيث الحقيقة الإلهيّة تفعم القلوب المؤمنة بها، وشهود العيان أحياء. أعيد إنتاج الماضي ليوافق مقتضيات الحاضر، ووُوريت الوقائع الأصليّة ليصحّ التفسير المتأخر، ولهذا شُوّش مفهوم الريادة، وتعدّدت الآراء حوله، فرأي ذهب إلى أنه لم يقصّ أحد في زمن الرسول والخلفاء الراشدين، إنما ابتدأ القصّ بعد الفتنة(35)، وهو رأي سوّغته مرويّات منسوبة لابن عمر(73=692). شاع هذا الرأي في القرون المتأخرة، فصاغ رؤية السلف للقصص في الثقافة العربيّة ـ الإسلاميّة. ورأي آخر ذهب إلى أن القصّ ابتدأ مع خلافة الراشدين، وعلى الخصوص في عهد عمر بن الخطاب(36)، وهو أقلّ شيوعًا. ثم الرأي القائل بأن القصّ ابتدأ في زمن الرسول، كما قدّمنا في موقفه من الداري والنضر بن الحارث، وقد جرى قبول الرأي الأخير على مضض كأنه ترياق مميت. لا خلاف حول المكانة الرفيعة للداري في الإسلام، ولكن حينما يُربط أمره بالقصّ، فينبغي البحث عن تأويل أو تخريج ما.

 عُرف القصّ في عهد الرسول وعصر الخلفاء الراشدين، وفيهما عُرف القاصّ المحترف الذي اتّخذ القصّ مهنة افتخر بها، وتلازم حضوره في المسجد مع القارئ والمحدّث، فكانت تقدّم تلاوة القرآن، ورواية الأحاديث، ثم تروى وقائع المسلمين، ووقائع الأمم القديمة على سبيل الوعظ والاعتبار. تداخلت وظائف القارئ، والمحدّث، والقاصّ، فيما بينها. وقد جرى، في القرون التالية، تفريق بين تلك العناصر المتلازمة التي عرفها الإسلام المبكّر، فقد لُفظ القاصّ خارج المسجد، واستأثر شخص واحد بالقراءة، والحديث، والوعظ، وإمامة المصلّين. فتكرّست الفرديّة في المسجد نفسه. وبمرور الوقت نُسيت مظاهر التنوّع الأولى. أمّا ربط القصّ بالفتنة، فيعود، فيما نرى، إلى موقف سياسيّ وثقافيّ متأخر مضادّ للقصّ، ففي لحظات الانكسار الكبرى، يتمّ تعميم المساوئ، وينشط البحث عن مسبّبين، وترمى التهم جزافًا. براءة القصّاص من الفتنة تؤكدها علاقة الرسول والخلفاء الراشدين بهم.

روي أن الرسول خرج على قاصّ يقصّ، فأمسك. فقال له "قصّ، فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربع رقاب". وهو حديث تورده المصادر القديمة(37). لكنّ الأخبار المتأخرة توارب كثيرًا في الموضوعات الحسّاسة، فالمؤلفون الممتثلون لثقافة عصورهم ينقسمون إلى عارفين بالحقيقة لكنهم لا يجرؤون على التصريح بها، أو جاهلين بها لا يتصوّرون وقوعها، ويمكن رسم صورة موضوعيّة عبر بناء سياق يفسّر موضوع الريادة، ويضفي على تلك الأخبار المتناثرة قيمتها التاريخيّة، وهنا يتقدم جميعَ القصّاص تميمٌ الداري(38)يليه عبيد بن عمر(39) فالأسود بن سريع(40). قال الزهري:"أول من قصّ تميم الداري على عهد عمر، استأذنه في كلّ جمعة مقامًا، فأذن له فكان يقوم. ثم استزاده مقامًا آخر، فزاده. فلمّا كان عثمان استزاده مقامًا آخر، فكان يقصّ في الجمعة ثلاث مرات(41). وعدّت ريادته في القصص الإسلاميّ نوعًا من "الأوّلية بالنسبة إلى الأمّة المحمديّة( 42). 

7. مساجد، وقصّاص:

كان المسجد هو الفضاء المناسب للقصّ، ففيه تتحقق الشروط المناسبة لممارسته من حيث وجود المتلقّين، والقاصّ، والمادّة القصصيّة. وكان تميم الداري يقصّ في مسجد الرسول، استأذن عمر بن الخطاب في ذلك، فأذن له، وداوم على حضور مجلسه(43). وتتضارب الأخبار حول موقف عمر منه، بعضها ذهب إلى أنه استأذن الخليفة الثاني، فأذن له، فقصّ قائمًا، وبعضها ذهب إلى أنه استأذنه في القصص سنين، فكان يأبى عليه، فلمّا أكثر عليه، قال له: "ما تقول؟". فأجاب: "أقرأ عليهم القرآن، وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر". قال عمر: "ذاك الربح". ثم قال: "عظ قبل أن أخرج للجمعة"(44). وفي هذه الفترة، بدأ عبيد بن عمير يقصّ. وبما أنه ثبت أن الداري قصّ في حياة الرسول، فالمرجّح أن ابن عمير أول من قصّ على عهد عمر بن الخطاب (45). يقف القاصّ في المسجد بعد صلاة الصبح، فيذكر الله تعالى، ويدعو، ويؤمّن الناس، وذلك خلف المقام بعد تسليم الإمام. وكان ابن عمير أول من فعل ذلك(46). وجرت العادة أن يتقاسم القصّاص الوقت، فيما بينهم، بالتناوب، فكان أبو حازم القاصّ يقصّ فجرًا وعصرًا في مسجد المدينة، وعلى هذا سار الأسود بن سريع في المسجد الجامع بالبصرة، وهو أول من قصّ فيه(47). وقد أمضى ابن سريع شطرًا من حياته يغزو مع الرسول، وشاركه في أربع غزوات(48)، وحينما وصل البصرة خاطب البصريّين في المسجد، قائلاً: إني والله ما أتيتكم لأجلس إليكم، ولكني رأيتكم صنعتم شيئًا أنكره المسلمون، فإياكم وما أنكره المسلمون(49). احتلّ الأسود بن سريع الجزء الخلفيّ من المسجد الجامع في البصرة، ومضى يقصّ فيه إلى أن توفي في الفترة الفاصلة بين الخلافتين الراشديّة والأمويّة.

صار المسجد موئل القصّاص، فتوطّد القصّ فيه، وأصبح جزءًا من الطقوس التعبديّة التي يمارسها المصلون بالإصغاء إلى الأخبار، والمواعظ، للاعتبار بها. وسرعان ما شاعت تقاليد القصّ في مساجد الثغور، فسعيد بن جبير كان يقصّ في مسجد الكوفة. وروي عن ابن عون(151=768) قوله: أدركت مسجد البصرة، "وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلاّ حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار، وسائر المسجد قصّاص"(50). وفي ضوء أهمّيّة القصّ أصبح القصّاص يعيّنون من الخلفاء والولاة. فقد عيّن سليمان التججبيّ عام38هـ قاضيًا في مصر، ثم عُزل عن القضاء، وأُفرد بالقصص، وظل يقصّ سبعًا وثلاثين سنة، تلاه الخولانيّ، وأبو الخير اليزنيّ، والحضرميّ طوال القرن الهجريّ الأوّل، وكان مكان القاصّ هو المسجد العتيق الذي بناه عمرو بن العاص(51). وتتردّد أخبار القصّاص الآخرين في مصادر السنّة النبويّة، والتاريخ، والأدب. ارتسمت للقاصّ صورة تقويّة بالغة التأثير في القرن الأوّل، وظل محافظًا على هذه الصورة معظم القرن الثاني. وأول ما عُرف "قاصّ الجماعة"، وهو لا يقلّ أهمّيّة عن قاضي الجماعة، يحتشد المستمعون حوله في المجالس، ومكانته مناظرة لمكانة المحدّث والقارئ. تلوذ الجماعة به، فيستعيد، عبر قصصه الوعظيّة، بناء التجربة الإسلاميّة بوساطة السرد. تبوّأ عبدالله بن كثير هذا المركز المرموق، في وقت مبكرّ(52). 

غزا القاصّ وعي العموم، واختصّ برعاية كبيرة، ومكانة رفيعة، فعبيد بن عمير سمّي بـ"قاصّ أهل مكّة"(53). وشيبة بن نصاح عرف بـ"قاصّ أهل المدينة". واشتهر بمواظبته على الورع، والدين الصحيح(54). وسمي بالاسم نفسه مسلم بن جندب الهذليّ الذي توفي في مطلع القرن الثاني(55). ثم إسماعيل بن رافع(56). ثم ابن أبي السائب(57). وحاز على لقب "قاصّ الكوفة" ابن خالد الجدليّ، الكوفيّ العابد (58). في حين أصبح إدريس الخولانيّ، الذي قال مكحول عنه: "ما رأيت أعلم منه "قاصًّا لأهل الشام، ثم قاضيًا عليهم، في ثمانينيات القرن الأوّل(59). وتبوّأ الموقع نفسه النضر بن عمر(60). وعرف قصّاص الثغور، والأجناد، في القسطنطينيّة وسواها (61). وامتدّ نفوذ القصّاص خارج المساجد، فوجدوا طريقهم إلى مجالس الخلفاء وقصورهم، فقد اتخذ بعض الخلفاء لهم قصّاصًا. لم يرد ذكر لذلك في عهد الراشدين، لأن التواصل، بين الخلفاء والقصّاص، كان مباشرًا في المدينة، وفي داخل المسجد النبويّ، ولكن بتوسّع دار الإسلام، لم تتغيّر العلاقات فحسب، إنما الأدوار أيضًا. وربما يكون معاوية بن أبي سفيان أول من استنّ ذلك، فاستقدم القصّاص والرواة إلى قصره في دمشق، يصغي إليهم، وهم يعيدون بناء الأحداث والوقائع بصورة حيّة في مجلسه، وقد مرّ بنا موقفه مع سحبان وائل، وفيه اتضحت سلطة الخطيب-القاصّ-المذكّر، حيث تعطل دور الخليفة، وتوقفت طقوس الصلاة في حضرة الخشوع المطلق. وعُرف عن هشام بن عبد الملك أنه اتخذ سليمان بن حبيب المحاربيّ قاصًّا له، وكان من "المتعبدين"، وقد ولاّه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز قضاء دمشق، وتوفي في بداية العقد الثالث من القرن الثاني(62). واتخذ عمر بن عبد العزيز محمد بن قيس المدنيّ قاصًّا له(63)، وكان عمر يتخشّع بين يدي قصّاص العامّة(64). 

وظهرت أسرة الرقاشيّ في البصرة، في وقت مبكرّ، واستأثرت بالقصّ نحو قرنين من الزمان، تتعاقب فيها الأجيال والطبقات. وفي منتصف القرن الثاني، برز صالح المرّيّ في البصرة أيضًا، وانجذبت إليه الجموع، فكان ينغّم قصصه بالحزن، فيؤثر فيها تأثيرًا كاسحًا، حتى إن سفيان الثوريّ وصفه بأنه ليس قاصًّا، إنما هو نذير، واقترن قصّه بالتحزين، وهو أول من أشاع ذلك في البصرة(65). واستغراق المرّيّ بالحزن، وإثارة الشجن، أظهره متخشعًا في قصصه كأنه رجل مذعور، يخيف المستمعين أمرُه من كثرة بكائه. ووصف بأنه شديد الخوف من الله. وكان يرى أن للبكاء دواعي بالفكرة في الذنوب، فإن أجابت على ذلك القلوب، وإلاّ نقلتها إلى الموقف، وتلك الشدائد والأهوال، فإن أجابت، وإلاّ فأعرض عليها التقلّب بين أطباق النيران. وكان يبكي، ويغشى عليه، فتتصايح الناس حوله(66). 

أبدى الخلفاء حرصًا على متابعة القصّاص، فكانوا يشددون على تعميق الوظيفة الوعظيّة للقصص، ويذكّرون القصّاص بذلك، ويحضرون مجالسهم، ويصغون إليهم بخشوع، مثل: عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز. وكان علي بن أبي طالب يتحقّق من كفاءتهم الوعظيّة، إذ مرّ يومًا بقاصّ في الكوفة يُدعى نوف البكاليّ، فقال له: "أيها القاصّ، أتقصّ ونحن قريبو عهد برسول اللَّه؟ لأسألنّك فإن أجبتني، وإلاَّ خفقتك بهذه الدِّرّة، ما ثبات الدين؟ وما زواله؟". قال: "أمّا ثباته فالورع، وأمّا زواله فالطمع". قال: "أحسنت! قصّ، فمثلك فليقصّ"(67). وكان يدقّق فيما يقصّ القصّاص، ويوجّه بالتزام أمانة الوعظ والتذكير. وروي عنه أنه أخرج القصّاص من مسجد البصرة إلاّ الحسن، لكونه سمعه يتكلم بالتذكير بالموت، والتنبيه على عيوب النفس، وآفات الإهمال، وخواطر الشيطان، ويذكّر بآلاء الله ونعمائه، وتقصير العبد في شكره، ويعرّف بحقارة الدنيا، وعيوبها، وتصرّمها، وخطر الآخرة، وأهوالها، فهذا القصّ محمود إجماعًا، وهذا القاصّ محله عند الله عظيم(68). وكان معاوية يستمع إلى الأخبار والسير، ويستقدم القصّاص والإخباريين إلى قصره(69). أمّا عمر بن عبد العزيز فكان يداوم على حضور مجلس القصّاص، ويصطفّ مع العامّة مصغيًا إلى ما يجود به القصّاص بعد الصلاة(70).  

اتّصف قصّاص القرن الأوّل وشطر من القرن الثاني بالورع والتقوى، وكانوا قضاة أو محدّثين، وكثير منهم من الصحابة والتابعين أو أتباع التابعين، وحيثما ذكروا تُلحق بهم صفات الإجلال والثقة دائمًا. وقد صنعنا مسردًا بأحوال بعضهم خلال القرنين الأوّل والثاني، يبدأ بقصّاص عاصروا الرسول، وينتهي بالقاصّ صالح المرّيّ(172=788)، وهو يكشف أنهم كانوا يمارسون الإرشاد والوعظ، ولهم صلة مباشرة بعلوم الدين من حديث، وفقه، وتفسير، وقراءة.

              مسرد بأحوال القصّاص وصفاتهم في القرنين الأوّل والثاني  (71)

اسم القاص

الصفة والحال

 إبراهيم التيميّ، أبو عمر الجونيّ، وهب بن منبّه، الحسن البصريّ، كعب الأحبار، محمد بن كعب، مطرف بن عبدالله، مسلم بن جندب، تميم الداري

ثقة، حافظ

ثبت في الحديث

تميم الداري، إبراهيم التيميّ، أبو حازم، أبو عمر الجونيّ، وهب بن منبّه، الحسن البصريّ، معاوية الكنديّ، مطرف بن عبدالله، سعيد بن جبير، عبدالله بن رواحة، الأسود بن سريع، كعب الأحبار

روى عن الرسول أو عن بعض الصحابة

أبو الخير المزنيّ، أبو إسماعيل الحضرميّ، كعب الأحبار، مطرف بن عبدالله، سعيد بن جبير، عبيد بن عمير، محمد بن إسحاق

فقيه، عالم

قاض، مفسّر

صالح المرّيّ، تميم الداريّ، سعيد بن جبير، يزيد الرقاشيّ، إبراهيم التيميّ، شبيه بن نصاح، عبدالله بن كثير، مسلم بن جندب، ابن خالد الجدليّ، سليمان بن حبيب المحاربيّ، قيس بن محمد المدنيّ

ورع

زاهد

وتتردّد، في المصادر القديمة، أسماء عشرات القصّاص الذين عرفوا في الجوامع، والمساجد، والمجالس، منهم: موسى بن سيار الأسواريّ، وأبو علي الأسواريّ، والقاسم بن يحيى، ومالك بن عبد الحميد المكفوف، وصالح المرّيّ، ويبدو أنهم إلى القرن الثاني لم يغزوا الأماكن العامّة خارج المساجد، لكن التطوّرات الثقافيّة الجديدة بدأت تترك آثارها في القصّ، من ذلك تعدّد اللغات والثقافات، فلا يمكن لقاصّ أن يبرع دون معرفة ثقافات الجمهور. كانت البصرة إحدى مدن التخوم الثقافيّة، حيث الامتزاج بين الثقافتين العربيّة والفارسيّة، وتفرض حاجات المتلقّين على القصّاص الحديث بلسانين وبثقافتين، واتصف كثير من الكتّاب، والقصّاص، بالازدواج الثقافيّ، أي إجادة التفكير والتعبير بلغتين، مثل: عبدالله بن المقفع، وسهل بن هارون، لكن القاصّ موسى الأسواريّ حظي بوصف مفصل من الجاحظ في "البيان والتبيين"، فقد كان من أعاجيب الدنيا، فصاحته بالفارسيّة في وزن فصاحته بالعربيّة. يجلس فتقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله، ويفسّرها للعرب بالعربيّة، ثم يحوّل وجهه إلى الفرس فيفسّرها لهم بالفارسية، فلا يُدرى بأيّ لسان هو أبين، واللغتان، كما يقول الجاحظ، إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كلّ واحدة منها الضيمَ على صاحبتها إلاّ ما جاء على لسان الأسواريّ.

ومعلوم أن القصّاص كانوا يستشهدون بآيات من القرآن في سياق قصصهم، ولكن ميزة الازدواج الثقافيّ ستكون مهمّة في تداخل الثقافات وتفاعلها، فالنخبة التي أسّست للثقافة في بداية العصر العباسيّ كانت متميزة في أدوارها، ولعبت دور الوساطة بين الثقافات العربيّة، والفارسيّة، واليونانيّة، والهنديّة، وسيظهر أثر كلّ ذلك، فيما بعد، حينما يتجلّى التنوّع والثراء في الثقافة السائدة، فمصادرها وأصولها المتشعّبة كانت تلتقي في وسيلة تعبير أساسيّة، وهي اللغة العربيّة، أمّا تنوعاتها الأخرى، فكانت تتصل ببيئات ثقافيّة خصبة. كان شكل التعبير عربيًّا، طبقًا لامتثال المرويّات لخصائص العربيّة، أمّا محتوى التعبير فمتنوّع، يقوم بتمثيل المرجعيّات الثقافيّة الحاضنة للأحداث والوقائع الخاصّة بتلك المرويّات.

المصادر

1. الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت1 :36

2. ابن الجوزي، كتاب القصّاص والمذكرين، تحقيق مارلين سوارتز،بيروت ص 11، وتلبيس إبليس ص23. وابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، بيروت2: 9. وأبو منصور الثعالبي، التمثيل والمحاضرة، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة ص 170. وأبو القاسم على بن المحسن التنوخي، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، تحقيق عبود الشالجى 1:3. الغزاليّ، إحياء علوم الدين، القاهرة2:337، وقوت القلوب2 : 47. وانظر مادة (قصص) في المعاجم العربيّة.

3.عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، القاهرة 1: 79. المبارك الجزري، النهاية في غريب الحديث 4: 70

4. الثعلبي، قصص الأنبياء المسمى بعرائس المجالس، القاهرة ص2-5

5. أبو الحسن الرماني. وأبو سليمان الخطابي. وعبد القاهر الجرجاني، ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام، القاهرة ص 23 , 25. والسيوطي، الإتقان في علوم القرآن، القاهرة2 : 118. والباقلاّني، التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، تحقيق محمود الخضيري وعبد الهادي أبو ريدة، القاهرة ص 29

6. أبو منصور التميمي، أصول الدين، إستنبول ص183                                               

7. م.  ن.  ص 184

8. فخر الدين الرازي، المباحث المشرقية في علم الإلهيّات والطبيعيّات، طهران2: 523                           9. الباقلاّني، إعجاز القرآن، تحقيق السيد أحمد صقر، القاهرة ص 34

10. السكاكي، مفتاح العلم، تحقيق أكرم عثمان. بغداد ص  766   

11. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت 1: 9                                                  

12. السخاوي، الإعلان بالتوبيخ  لمن ذمّ التاريخ، تحقيق روزنتال، بغداد ص 49  

13. أبو داود السجستاني، سنن أبى داود،القاهرة 2 : 290، والقصّاص والمذكّرين ص 28 وقوت القلوب1 : 195  

14. ابن هشام، السيرة النبويّة، بيروت 2 : 7. والذهبي، سير أعلام النبلاء بيروت ص 229. والمسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر،بيروت 4 : 134. وابن الأثير، الكامل في التاريخ2 : 49.  وابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، بيروت 2 :19

15. تفسير الطبري  9:  231. تفسير القرطبي 6  : 405

16. الكامل في التاريخ 49:2. وعيون الأنباء 2:29. 16

17. النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، القاهرة 16 : 220

18. السيرة النبويّة 208:2. وابن سعد، الطبقات الكبير، تحقيق إدوارد سخو، ليدن، 2:2-8. 

   الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة  2: 437. وابن الأثير، الكامل في التاريخ 2: 91.  والمقدسيّ، البدء والتاريخ، تحقيق كلمان هوار، باريس 4:192. الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق هاشم المحللاتي، بيروت 4: 666

19. فيما يخصّ موقف الرسول من الشعراء والسحرة، ونحيل على:نهاية الأرب 16: 193.  وابن رشيق، العمدة 1: 23. وأبو الفرج الأصفهاني، الأغاني 17: 92. وابن قتيبة، الشعر والشعراء ص 84. والكلاعي، أحكام صنعة الكلام ص 36

20. ابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق محمد إبراهيم البناء ومحمد أحمد عاشور، القاهرة 5: 318. النووي، تهذيب الأسماء واللغات 1: 130

21. الطبقات الكبير 7- 2- 129 وتهذيب الاسماء واللغات 1: 130

22. النووي، شرح صحيح مسلم، القاهرة 18: 78- 83. سنن الترمذيّ 4: 521. وسنن أبي داود 4: 118. وسنن ابن ماجة 2: 1354. والسنن الكبرى 2: 481. ابن كثير، نهاية البداية في الفتن والملاحم، تحقيق محمد أبو عيبة، الرياض 1: 94-96. وابن عساكر، التاريخ الكبير، ترتيب عبد القادر أفندي 3: 343. والمسعودي، أخبار الزمان، بيروت ص 122 والبدء والتاريخ 2: 192

23. الطبقات الكبير 2-2-123.  وفؤاد سزكين، تاريخ التراث العربيّ، ترجمة فهمي أبو الفضل القاهرة 1:  254- 255

24. النيسابوري، معرفة علوم الحديث، تحقيق معظم حسين، حيدر أباد ص: يد. وابن عساكر، التاريخ الكبير 2: 7. والسكتواري، محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر، القاهرة 101. والسخاوي، الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ 6: 5-6.والمباركفوري، مقدمة تحفة الأحوذي، تحقيق عبد الرحمن بن عثمان القاهرة1: 33

25. قوت القلوب2: 37. حاجي خليفة، كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون، بغداد1: 34. والتاريخ الكبير 2: 7. محاضرة الأوائل 102.والذهبي، تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام 6: 5. والسيوطي، تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، القاهرة ص 261. وطاش كبري زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة، حيدر أباد 3: 14

26. المسعودي، مروج الذهب 2: 76

27. محمد بن أحمد القرطبي، تفسير القرطبي،تحقيق أحمد البدوني، القاهرة 9: 335 و13:177

28. صحيح مسلم 4: 2262

29. ابن أبي شيبة، مصنّف ابن أبي شيبة، تحقيق كمال الحوت، الرياض 1: 323

30. تفسير القرطبي 12:  274

31. م. ن 7: 41

32. م. ن 10 : 95

33. م. ن 6 : 405

34. الطبري، تفسير الطبري  9: 231

35. المقريزي المواعظ والاعتبار، بيروت 3: 199. والمستطرف 1: 99. وقوت القلوب 2:21. ومحاضرة الأوائل 106. ومصنّف ابن أبي شيبة  5: 290

36. العسكري، الأوائل، تحقيق محمد الوكيل، المدينة المنورة 295، والقصاص 22، ابن عساكر، التاريخ الكبير 3: 357، وكشف الظنون 2: 1909

37. تفسير ابن كثير 3:  81 . مصنّف ابن أبي شيبة  5:  290

38. الأوائل 295، المواعظ والاعتبار 3: 199 النووي، تهذيب الأسماء 1: 138

39. القصّاص 2، ومحاضرة 105 والأوائل 295

40.ابن قتيبة، المعارف، تحقيق ثروت عكاشة، القاهرة 557، والأوائل 295، ومحاضرة الأوائل 106

41. المواعظ والاعتبار 3: 199. تهذيب الأسماء 1: 138. والقصاص 32. والأوائل 295. ومصنّف عبد الرزاق  3:  219. ومصنّف ابن أبي شيبة  5:  290

42. عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، القاهرة 1:  79

43. مسائل الإمام أحمد 1:  338

44. سير أعلام النبلاء2: 447. ومسائل الإمام أحمد1: 437. وأبو بكر الهيثمي، مجمع الزوائد، بيروت1: 189

45. الطبقات الكبرى 5 : 463. وسير أعلام النبلاء 4: 157

46. محمد بن إسحاق الفاكهي، أخبار مكة، تحقيق عبدالملك دهيش، بيروت 2: 338

47. مشاهير علماء الأمصار1: 38. مسائل الإمام احمد 1:  338

48. الطبقات الكبرى7: 41. ابن حجر العسقلاني،الإصابة، تحقيق البجاوي، بيروت1: 74،

49. الإصابة 5: 770

50. القصّاص34

51. السيوطي، حسن المحاضرة، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 2: 144، المواعظ والاعتبار 3: 199

52. سير أعلام النبلاء 5: 219

53. مشاهير علماء الأمصار 1: 82 وسير أعلام النبلاء 4: 64

54. مشاهير علماء الأمصار 1: 130

55.  م. ن 1: 75

56. تفسير ابن كثير 2: 150

57. مجمع الزائد 1: 189

58. سير أعلام النبلاء 5: 205

59. طبقات الحفاظ 1: 26

60. تعظيم قدر الصلاة 2: 675

61. أبو بكر البيهقي، شعب الإيمان، تحقيق محمد زغلول،بيروت 6: 157. والترغيب والترهيب 1: 88

62. مشاهير علماء الأمصار  1: 116

63. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة 2: 389و 569. وتفسير ابن كثير 4: 6

64. حلية الأوّلياء  5: 271

65. سير أعلام النبلاء 8: 47  وتاريخ بغداد 9: 308  

66. حلية الأوّلياء  9: 167، شذرات الذهب 1:  281

67. القصّاص 25. وابن كثير، البداية والنهاية 9: 24. وحلية الأوّلياء 4: 136

68. فيض القدير 1: 78 

69. مروج الذهب 3:31

70. القصّاص 36

71. اعتمدنا في إعداد هذا المسرد على المصادر الآتية: الطبقات الكبير 6: 199 و 7: 115، شذرات الذهب1: 100، 110، 136، 150، 145. ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب لخاتمة الحفاظ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، بيروت1: 41، 518 و 2: 203، 244، 258. السيوطي، طبقات الحفّاظ، تحقيق على محمد عبد الرحمن، بيروت 15: 29، 75. المواعظ والاعتبار 3: 200. المعارف 557. تهذيب الأسماء واللغات 2: 149، 161، 216، 265و 5: 481. تذكرة السامع10. إحياء علوم الدين 1: 34. البيان والتبيين 1:163، 192، 193. الذهبي، العبر في خبر من غبر، تحقيق صلاح الدين المنجّد، الكويت1: 35، 216، 262. ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق أحسان عباس، بيروت 2: 372، 4: 176، 495. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، بيروت 1: 215. القصاص53، 58، 78. الفنون 1: 46. الأوائل 295