رسالة المغرب
مؤتمر أتحاد كتاب المغرب: راهن المسألة الثقافية وسؤال الكينونة
توطئة انتظر الناقد الدكتور سعيد يقطين نهاية أشغال المؤتمر السابع عشر لاتحاد كتاب المغرب، كي يعلن قراءة مغايرة لمحطة انعقاد المؤتمر، ولمسيرة اتحاد كتاب المغرب امتدادا لراهنه اليوم. يتساءل الناقد سعيد يقطين هل الكتاب في حاجة الى اتحاد كتاب..؟ ليبدو التحليل بعدها أبعد من مناقشة سؤال "قصير القامة" كي يفكك المشهد الثقافي في المغرب. والوضع الاعتباري للكاتب والكتاب في آن. لقد سبق للباحث بنسالم حميش أن قطع بشكل حاسم، في حوار أجرته معه يومية مغربية، في حاجة المغرب اليوم الى اتحاد كتاب المغرب. كما سبق لعديدين أن عادوا لنفس "السوناتا" المعروفة سلفا. والتي تقدم سؤال النهاية بموازاة أسئلة النهايات التي بثنا نستيقظ كل صباح على اكتشاف إحداها. لعلها قليلة الكتابات التي تناولت محطة المؤتمر قبل انعقاده، نشير هنا لكتابات الباحث أحمد شراك، وهو عضو البيت الداخلي، والتي انتقد فيها بشكل صريح وضعية اتحاد كتاب المغرب اليوم، وهياكله التي تديره. وقبله بقليل.. وللباحث انشغال هذه الأيام بالفاعل الثقافي، وبالسؤال الثقافي عموما. ومن طبيعة إثارة هذه الأسئلة، أن تضخ المشهد بدماء جديدة. كي يتجه المشهد في النهاية الى الأفق التي تبتغيه حتى الكتابات الجديدة، عند جيل جديد من الكتاب المغاربة. أعيتهم هذه السمفونية "المعادة" عن وضع بتنا نناقشه كي يظل كما هو. فلا سؤال القراءة، ولا سؤال المقروئية، ولا حتى سؤال الثقافة.. تغير. لا شيء بالمرة.. المؤتمر الـ 17: برودة بوجهين.. في ظل جو ممطر، وبرودة قاسية، قساوة الزمن العربي البئيس. احتضنت الرباط العاصمة الإدارية للمملكة المغربية فعاليات المؤتمر السابع عشر لاتحاد كتاب المغرب. على مدى يومين (28 ,29 نونبر 2008) التقى المثقفون والكتاب والكاتبات ليتداولوا في بيتهم الداخلي ولينتخبوا قيادة جديدة للاتحاد. المؤتمر ال17 اعتبر محطة أساسية للتقييم وللوقوف على راهن المسألة الثقافية، وعلى الوضع الاعتباري للكاتب المغربي. لكن أهم سؤال كان يستبق المؤتمر هو أي اتحاد كتاب المغرب يريده المثقف للمغرب وللمستقبل؟ وإذا كانت كلمة الجلسة الافتتاحية قد ركزت على بقاء مفهوم النضال الثقافي لاتحاد كتاب المغرب، الثقافي الذي أمسى من لوازم الحياة والوجود، ولتعزيز المصالحة مع الذات والتاريخ والهوية التي تؤسس للمغرب خصوصيته. فإن كلمة الأستاذ عبدالحميد عقار قد ركزت على مفهوم مواصلة الاتحاد لاضطلاعه برسالته الثقافية بوعي نقدي خلاق. والمؤتمر 17 محطة أساسية لمسار جديد لتجديد التفكير والتقويم، يعي الاختلاف وتعددية خصبة، بإعادة صياغة الأفكار. بعد الجلسة الافتتاحية التي شهدتها الخزانة الوطنية، انتقل الجمع الى قاعة فرح لاستكمال أشغال المؤتمر من خلال مناقشة التقريرين الأدبي والمالي والمصادقة عليهما. النقاش تركز على الخصوص على تقويم أداء اتحاد كتاب المغرب باستحضار المتغيرات الجيو ـ سياسية...، إذ أن نضال المثقفين لا يقل أهمية على النضال السياسي. لكن اهم ما أثار الانتباه في مناقشة التقريرين الأدبي والمالي، هو الانتقاد الصريح لأداء الاتحاد، و"التيهان الفكري" الذي وجد فيه الاتحاد نفسه منذ انطلاق مسلسل الانتقال الديمقراطي في المغرب، هذا الانتقال الذي لم ينطلق حتى..كما عبرت الأصوات الجديدة في نقاشها على غياب هذه القدرة الاقتراحية الفعالة داخل أجهزة الاتحاد، مما يعني غيابا فعليا لتجربة أساسية اليوم في المشهد الثقافي. من جانب آخر ركزت التدخلات على انتقاد الدولة في غيابها المطلق عن إطلاق أي مبادرة ثقافية، أو حتى الانخراط الفعلي في أسئلة الثقافي. لم تمس الثقافة بعد، شأنا اجتماعيا وسؤال الراهن. ليتواصل النقاش بعد المصادقة على التقريرين الأدبي والمالي، كي يتركز على التعديلات الأساسية التي مست القانون الأساسي، ونقاش الورقة الثقافية والبيان العام، وقد ارتأى المؤتمر أن يسر للجنة عينها لصياغة التعديلات وفق الاقتراحات التي قدمت ومنها على الخصوص تغير اسم المكتب المركزي الى المكتب التنفيدي وتحديد صلاحياته، كما أعيد النظر في مسؤوليات المجلس الإداري وتحديد التمثيلية بالانتخاب المباشر في المؤتمر. لقد أكد المؤتمرون على ضرورة أن يواصل اتحاد كتاب المغرب تطوير أدائه الثقافي، من خلال تمثل أسئلة التحول في المغرب والعالم، كما تم التأكيد على أن من بين رهانات المؤتمر تعزيز أسلوب الديمقراطية والشفافية في التدبير. لكن أهم ما حظي بالنقاش هو ضرورة بلورة مشروع ثقافي وطني للنهوض بالقراءة، لأنها أداء أساسية للتثقيف، لتجديد الوعي. كما تم التأكيد على أهمية مراجعة أسئلة التدبير الثقافي بالانفتاح على أساليب جديدة تستفيد من تقنيات المعلوميات. أنتقد المؤتمرون غياب محمد سلماوى الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، وذهبوا أبعد حين اعتبروا أن قراءة كلمته التي أرسلها الى الجلسة الافتتاحية، تعتبر "مهانة غير مقبولة"، بل ذهبت بعض التدخلات الى طلب الانسحاب من اتحاد يلم اتحادات لا تجتمع مع اتحاد كتاب المغرب، لا في الهوية التنظيمية، ولا في الأفق. عموما عرفت أشغال المؤتمر برودة في النقاش، وعزوف شبه كلي على التقاط محطة أساسية في مسار اتحاد كتاب المغرب. كي يعيد المثقفون والكتاب والمبدعون المغاربة تشريح مسارات العمل الثقافي على مستويات متعددة. وليعاد السؤال الأجدر بالطرح، ألا يمثل وضع اتحاد كتاب المغرب اليوم، جزء من واقع الكاتب المغربي الذي يأمل في تحرر إرادته بالشكل الذي يجعله منخرطا في ديدن العمل الثقافي. وفي مقدمة الفاعلين في المشهد الثقافي الذي أمسى أكثر تعقيدا؟؟؟... اليوم الثاني خصص لانتخاب الأجهزة الجديدة لاتحاد كتاب المغرب، وهكذا أسفرت نتائج الاقتراع على تجديد الثقة في الناقد عبدالحميد عقار لولاية ثانية. واختار المؤتمر أعضاء المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد المكون من تسعة أعضاء (عوض 11 عضوا وهو ما فوت تمثيلية المرأة لأول مرة)، ويضم المكتب التنفيذي الجديد الذي انتخب من طرف المؤتمرين، بالإضافة إلى عبد الحميد عقار، كلا من محمد بودويك، وعبد الفتاح الحجمري، وجمال الموساوي وعبد الرحيم العلام ومصطفى النحال وهشام العلوي وحسن البحراوي وسعيد عاهد. (الذي تعادل في الأصوات مع الناقد شرف الدين مجدولين، فتخلى هذا الأخير، حتى لا يلتجئ المثقف للقرعة..). وبخصوص المجلس الإداري للاتحاد أسفرت الانتخابات عن فوز كل من الأساتذة: بشير القمري، وعبد الرزاق الصمدي، وعبد الصمد بلكبير، وحسن اليملاحي، وطالع سعود الأطلسي، ومحمد الدغمومي، وعبد اللطيف محفوظ، والخمار العلمي، ومحمد حجي محمد، وأحمد زنيبر، والطاهر الطويل، ومحمد عابد، ومحمد البوعناني، وعبد الحق ميفراني، وحسن نرايس. ولأول مرة تغيب المرأة الكاتبة، عن لائحة المنتسبين الى المكتب التنفيدي (أو المركزي). مما طرح معه سؤال عريضا يهم منطق انتخاب الأجهزة المركزية للاتحاد. إذ غابت المرأة في زحمة انشغال المؤتمر بمنطق التحالفات. وهو ما يعيد السؤال على اتحاد كتاب المغرب، خصوصا في راهن سياسي واجتماعي وثقافي مغربي، أمست المرأة فيه تتبوأ وضعها الاعتباري المعتاد، وتناضل من أجل أفقها الطليعي. لقد كان مأملا أن يكون المؤتمر صدى مباشرا لهذا التحول. لكنه، خالف الموعد. سؤال الكينونة بالعودة الى الوثائق المؤسسة لتاريخ تأسيس اتحاد كتاب المغرب. يتبين أن مقولة "التعدد الثقافي" التي ركزت عليها الورقة الثقافية للمؤتمر السابع عشر، فرضت نفسها لسؤال الهوية "التي لا تمثل معطى جاهزا أو كينونة جامدة. بل إنتاج للتمثيل المشترك الذي يساهم في صياغته مجموع الفاعلين الذين ينتمون الى هذه الهوية كصيرورة متحركة في التاريخ". لقد كان الرهان المغاربي هو المنطلق في تأسيس اتحاد أدباء المغرب أوائل سنوات الستين، وهو بذلك اليوم، يحتفي بخمسينيته. لقد استقر "رأي نخبة من المغاربة على دعوة زملائهم المغاربيين الى الالتفاف حول هيئة ثقافية مستقلة تدافع عن حقوقهم وتشخص طموحهم إلى ترشيد الممارسة الثقافية الملتزمة بأوفاق قومية وطنية" لكن هذا الحلم لم يتحقق، إذ صادف شروطا تاريخية وسياسية معقدة جعلت من الصعب تحقيق شرط الوجود. لينتقل التفكير بعدها في تأسيس جمعية (اتحاد كتاب المغرب) "كمنظمة ثقافية جماهيرية مستقلة تسعى الى تأسيس تقاليد جديدة لمعالجة الذائقة الثقافية في إطار المغرب الأقصى تحديدا...". وهكذا، توالى على رئاسة الاتحاد كل من: بين (1961 ـ 1968) الدكتور محمد عزيز الحبابي، الكاتب والفليسوف المغربي. وستأتي حقبة السبعينات (1968 ـ 1976) لتحمل إلى الواجهة اسما بارزا في الحركة الثقافية الوطنية هو الأستاذ عبد الكريم غلاب. وعندما تهل أواسط السبعينات، ستكون الشروط قد نضجت لتحويل اتجاه الاتحاد نحو ممارسة اكثر راديكالية والتزاما، بتقلد الأستاذ محمد برادة، أحد ابرز الوجوه الثقافية الاشتراكية بالمغرب، لرئاسة الاتحاد(1976 ـ 1983). ومع هذا الأخير سيزداد الاتحاد انفتاحا على الأفق العربي. وستحمل رياح الثمانينات إلى موقع المسؤولية الأستاذ أحمد اليابوري الذي سيقود سفينة اتحاد الكتاب بين (1983 ـ 1989) وسيواصل اليابوري خطة النضال الثقافي على الواجهتين الوطنية والعربية. ومع انتقال رئاسة الاتحاد إلى الأستاذ محمد الأشعري (1989 ـ 1996) ستحدث طفرة نوعية أخرى عبر المضي في تشبيب القيادة والاعتناء بالطاقات الإبداعية الشابة (جائزة الأدباء الشباب) وفي أعقاب المؤتمر الوطني الثالث عشر سينتخب الكتاب الأستاذ عبد الرفيع الجواهري رئيسا للاتحاد (1996 ـ 1998) وذلك في ظرفية دقيقة تميزت على الخصوص بحصول الاتحاد على صفة الجمعية ذات النفع العمومي بعد خمس وثلاثين سنة من العطاء والتضحية وبروز الحاجة إلى تفعيل هذه الصفة واستثمارها على النحو الأفضل ولكن ولاية الجواهري ستصادف جملة من العوائق الموضوعية التي ستحول دون استثمار تجربة التألق التي شهدها الاتحاد في الفترة السابقة، ولذلك يمكن اعتبار هذه الدورة أشبه ما تكون بلحظة توقف تأمل وترتيب لبيت الكاتب المغربي... وقد كان صعود الأستاذ حسن نجمي في المؤتمر الأخير (1998) برفقة نخبة من الكتاب الشباب مؤشرا على انطلاقة جديدة تستعيد مكتسبات الماضي وتراهن على مستقبل جديد لثقافة مغربية فاعلة في أفق الألفية الثالثة..." لقد أنهى اتحاد كتاب المغرب مؤتمره الـ 17 بالرباط بانتخاب الكاتب والناقد عبدالحميد عقار رئيسا لاتحاد كتاب المغرب لولاية ثانية، وذلك بعد حصوله على 156 صوتا من بين 186 المصوتة، المؤتمر الـ 17 لاتحاد كتاب المغرب، الذي مضى على تأسيسه ما يربو على 50 سنة، والى اليوم، لازال رهان اتحاد كتاب المغرب مستمرا في أن يكون "صوتا للنقد المسؤول والخلاق"، ويواصل تطوير أدائه الثقافي في اتجاه حضور وإشعاع أعمق. خصوصا أن المؤتمر أعاد التأكيد على العمق الافريقي والمتوسطي للاتحاد، والذي أمسى يتخد شقا استراتيجيا في عمق التواصل المعرفي والفكري. لقد سبق للاتحاد أن نظم ندوة حول حوار الثقافات، ويبدو أن هذا المفهوم اليوم، أمسى أشبه بمقولة الباحث أحمد شراك التي تركز على مقولة "صداقة الثقافات"، وحتى لايتوه اتحاد كتاب المغرب في التسميات والمصطلحات ولعبة المفاهيم الشبيهة بثعلب الراحل زفزاف. اقترحت الأصوات من داخل المؤتمر الانكباب على الإشكالات الجوهرية التي تمس بنية الثقافي في المغرب. ولعل أوجهها في مداخلة الناقد سعيد يقطين، التي انتظرت انسدال خيمة المؤتمر كي يتأمل المشهد في عنفوانه وحقيقته الكاشفة. ومن ثمة يمكن لكينونة "هوية اتحاد كتاب المغرب" أن تتشكل من جديد بعنفوان سؤال "التعدد الثقافي".. لكن، هذه المرة اتجاه الوعي بها وبلورتها لا على مستوى التصورات، بل على مستوى البرامج. ولما لا المعارك. وهنا يكمن سؤال وشعار المثقف المناضل.
توطئة انتظر الناقد الدكتور سعيد يقطين نهاية أشغال المؤتمر السابع عشر لاتحاد كتاب المغرب، كي يعلن قراءة مغايرة لمحطة انعقاد المؤتمر، ولمسيرة اتحاد كتاب المغرب امتدادا لراهنه اليوم. يتساءل الناقد سعيد يقطين هل الكتاب في حاجة الى اتحاد كتاب..؟ ليبدو التحليل بعدها أبعد من مناقشة سؤال "قصير القامة" كي يفكك المشهد الثقافي في المغرب. والوضع الاعتباري للكاتب والكتاب في آن.
لقد سبق للباحث بنسالم حميش أن قطع بشكل حاسم، في حوار أجرته معه يومية مغربية، في حاجة المغرب اليوم الى اتحاد كتاب المغرب. كما سبق لعديدين أن عادوا لنفس "السوناتا" المعروفة سلفا. والتي تقدم سؤال النهاية بموازاة أسئلة النهايات التي بثنا نستيقظ كل صباح على اكتشاف إحداها. لعلها قليلة الكتابات التي تناولت محطة المؤتمر قبل انعقاده، نشير هنا لكتابات الباحث أحمد شراك، وهو عضو البيت الداخلي، والتي انتقد فيها بشكل صريح وضعية اتحاد كتاب المغرب اليوم، وهياكله التي تديره. وقبله بقليل.. وللباحث انشغال هذه الأيام بالفاعل الثقافي، وبالسؤال الثقافي عموما. ومن طبيعة إثارة هذه الأسئلة، أن تضخ المشهد بدماء جديدة. كي يتجه المشهد في النهاية الى الأفق التي تبتغيه حتى الكتابات الجديدة، عند جيل جديد من الكتاب المغاربة. أعيتهم هذه السمفونية "المعادة" عن وضع بتنا نناقشه كي يظل كما هو. فلا سؤال القراءة، ولا سؤال المقروئية، ولا حتى سؤال الثقافة.. تغير. لا شيء بالمرة..
المؤتمر الـ 17: برودة بوجهين.. في ظل جو ممطر، وبرودة قاسية، قساوة الزمن العربي البئيس. احتضنت الرباط العاصمة الإدارية للمملكة المغربية فعاليات المؤتمر السابع عشر لاتحاد كتاب المغرب. على مدى يومين (28 ,29 نونبر 2008) التقى المثقفون والكتاب والكاتبات ليتداولوا في بيتهم الداخلي ولينتخبوا قيادة جديدة للاتحاد. المؤتمر ال17 اعتبر محطة أساسية للتقييم وللوقوف على راهن المسألة الثقافية، وعلى الوضع الاعتباري للكاتب المغربي. لكن أهم سؤال كان يستبق المؤتمر هو أي اتحاد كتاب المغرب يريده المثقف للمغرب وللمستقبل؟
وإذا كانت كلمة الجلسة الافتتاحية قد ركزت على بقاء مفهوم النضال الثقافي لاتحاد كتاب المغرب، الثقافي الذي أمسى من لوازم الحياة والوجود، ولتعزيز المصالحة مع الذات والتاريخ والهوية التي تؤسس للمغرب خصوصيته. فإن كلمة الأستاذ عبدالحميد عقار قد ركزت على مفهوم مواصلة الاتحاد لاضطلاعه برسالته الثقافية بوعي نقدي خلاق. والمؤتمر 17 محطة أساسية لمسار جديد لتجديد التفكير والتقويم، يعي الاختلاف وتعددية خصبة، بإعادة صياغة الأفكار.
بعد الجلسة الافتتاحية التي شهدتها الخزانة الوطنية، انتقل الجمع الى قاعة فرح لاستكمال أشغال المؤتمر من خلال مناقشة التقريرين الأدبي والمالي والمصادقة عليهما. النقاش تركز على الخصوص على تقويم أداء اتحاد كتاب المغرب باستحضار المتغيرات الجيو ـ سياسية...، إذ أن نضال المثقفين لا يقل أهمية على النضال السياسي. لكن اهم ما أثار الانتباه في مناقشة التقريرين الأدبي والمالي، هو الانتقاد الصريح لأداء الاتحاد، و"التيهان الفكري" الذي وجد فيه الاتحاد نفسه منذ انطلاق مسلسل الانتقال الديمقراطي في المغرب، هذا الانتقال الذي لم ينطلق حتى..كما عبرت الأصوات الجديدة في نقاشها على غياب هذه القدرة الاقتراحية الفعالة داخل أجهزة الاتحاد، مما يعني غيابا فعليا لتجربة أساسية اليوم في المشهد الثقافي.
من جانب آخر ركزت التدخلات على انتقاد الدولة في غيابها المطلق عن إطلاق أي مبادرة ثقافية، أو حتى الانخراط الفعلي في أسئلة الثقافي. لم تمس الثقافة بعد، شأنا اجتماعيا وسؤال الراهن. ليتواصل النقاش بعد المصادقة على التقريرين الأدبي والمالي، كي يتركز على التعديلات الأساسية التي مست القانون الأساسي، ونقاش الورقة الثقافية والبيان العام، وقد ارتأى المؤتمر أن يسر للجنة عينها لصياغة التعديلات وفق الاقتراحات التي قدمت ومنها على الخصوص تغير اسم المكتب المركزي الى المكتب التنفيدي وتحديد صلاحياته، كما أعيد النظر في مسؤوليات المجلس الإداري وتحديد التمثيلية بالانتخاب المباشر في المؤتمر.
لقد أكد المؤتمرون على ضرورة أن يواصل اتحاد كتاب المغرب تطوير أدائه الثقافي، من خلال تمثل أسئلة التحول في المغرب والعالم، كما تم التأكيد على أن من بين رهانات المؤتمر تعزيز أسلوب الديمقراطية والشفافية في التدبير. لكن أهم ما حظي بالنقاش هو ضرورة بلورة مشروع ثقافي وطني للنهوض بالقراءة، لأنها أداء أساسية للتثقيف، لتجديد الوعي. كما تم التأكيد على أهمية مراجعة أسئلة التدبير الثقافي بالانفتاح على أساليب جديدة تستفيد من تقنيات المعلوميات.
أنتقد المؤتمرون غياب محمد سلماوى الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، وذهبوا أبعد حين اعتبروا أن قراءة كلمته التي أرسلها الى الجلسة الافتتاحية، تعتبر "مهانة غير مقبولة"، بل ذهبت بعض التدخلات الى طلب الانسحاب من اتحاد يلم اتحادات لا تجتمع مع اتحاد كتاب المغرب، لا في الهوية التنظيمية، ولا في الأفق. عموما عرفت أشغال المؤتمر برودة في النقاش، وعزوف شبه كلي على التقاط محطة أساسية في مسار اتحاد كتاب المغرب. كي يعيد المثقفون والكتاب والمبدعون المغاربة تشريح مسارات العمل الثقافي على مستويات متعددة. وليعاد السؤال الأجدر بالطرح، ألا يمثل وضع اتحاد كتاب المغرب اليوم، جزء من واقع الكاتب المغربي الذي يأمل في تحرر إرادته بالشكل الذي يجعله منخرطا في ديدن العمل الثقافي. وفي مقدمة الفاعلين في المشهد الثقافي الذي أمسى أكثر تعقيدا؟؟؟...
اليوم الثاني خصص لانتخاب الأجهزة الجديدة لاتحاد كتاب المغرب، وهكذا أسفرت نتائج الاقتراع على تجديد الثقة في الناقد عبدالحميد عقار لولاية ثانية. واختار المؤتمر أعضاء المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد المكون من تسعة أعضاء (عوض 11 عضوا وهو ما فوت تمثيلية المرأة لأول مرة)، ويضم المكتب التنفيذي الجديد الذي انتخب من طرف المؤتمرين، بالإضافة إلى عبد الحميد عقار، كلا من محمد بودويك، وعبد الفتاح الحجمري، وجمال الموساوي وعبد الرحيم العلام ومصطفى النحال وهشام العلوي وحسن البحراوي وسعيد عاهد. (الذي تعادل في الأصوات مع الناقد شرف الدين مجدولين، فتخلى هذا الأخير، حتى لا يلتجئ المثقف للقرعة..).
وبخصوص المجلس الإداري للاتحاد أسفرت الانتخابات عن فوز كل من الأساتذة: بشير القمري، وعبد الرزاق الصمدي، وعبد الصمد بلكبير، وحسن اليملاحي، وطالع سعود الأطلسي، ومحمد الدغمومي، وعبد اللطيف محفوظ، والخمار العلمي، ومحمد حجي محمد، وأحمد زنيبر، والطاهر الطويل، ومحمد عابد، ومحمد البوعناني، وعبد الحق ميفراني، وحسن نرايس.
ولأول مرة تغيب المرأة الكاتبة، عن لائحة المنتسبين الى المكتب التنفيدي (أو المركزي). مما طرح معه سؤال عريضا يهم منطق انتخاب الأجهزة المركزية للاتحاد. إذ غابت المرأة في زحمة انشغال المؤتمر بمنطق التحالفات. وهو ما يعيد السؤال على اتحاد كتاب المغرب، خصوصا في راهن سياسي واجتماعي وثقافي مغربي، أمست المرأة فيه تتبوأ وضعها الاعتباري المعتاد، وتناضل من أجل أفقها الطليعي. لقد كان مأملا أن يكون المؤتمر صدى مباشرا لهذا التحول. لكنه، خالف الموعد.
سؤال الكينونة بالعودة الى الوثائق المؤسسة لتاريخ تأسيس اتحاد كتاب المغرب. يتبين أن مقولة "التعدد الثقافي" التي ركزت عليها الورقة الثقافية للمؤتمر السابع عشر، فرضت نفسها لسؤال الهوية "التي لا تمثل معطى جاهزا أو كينونة جامدة. بل إنتاج للتمثيل المشترك الذي يساهم في صياغته مجموع الفاعلين الذين ينتمون الى هذه الهوية كصيرورة متحركة في التاريخ". لقد كان الرهان المغاربي هو المنطلق في تأسيس اتحاد أدباء المغرب أوائل سنوات الستين، وهو بذلك اليوم، يحتفي بخمسينيته. لقد استقر "رأي نخبة من المغاربة على دعوة زملائهم المغاربيين الى الالتفاف حول هيئة ثقافية مستقلة تدافع عن حقوقهم وتشخص طموحهم إلى ترشيد الممارسة الثقافية الملتزمة بأوفاق قومية وطنية" لكن هذا الحلم لم يتحقق، إذ صادف شروطا تاريخية وسياسية معقدة جعلت من الصعب تحقيق شرط الوجود. لينتقل التفكير بعدها في تأسيس جمعية (اتحاد كتاب المغرب) "كمنظمة ثقافية جماهيرية مستقلة تسعى الى تأسيس تقاليد جديدة لمعالجة الذائقة الثقافية في إطار المغرب الأقصى تحديدا...". وهكذا، توالى على رئاسة الاتحاد كل من: بين (1961 ـ 1968) الدكتور محمد عزيز الحبابي، الكاتب والفليسوف المغربي. وستأتي حقبة السبعينات (1968 ـ 1976) لتحمل إلى الواجهة اسما بارزا في الحركة الثقافية الوطنية هو الأستاذ عبد الكريم غلاب. وعندما تهل أواسط السبعينات، ستكون الشروط قد نضجت لتحويل اتجاه الاتحاد نحو ممارسة اكثر راديكالية والتزاما، بتقلد الأستاذ محمد برادة، أحد ابرز الوجوه الثقافية الاشتراكية بالمغرب، لرئاسة الاتحاد(1976 ـ 1983). ومع هذا الأخير سيزداد الاتحاد انفتاحا على الأفق العربي. وستحمل رياح الثمانينات إلى موقع المسؤولية الأستاذ أحمد اليابوري الذي سيقود سفينة اتحاد الكتاب بين (1983 ـ 1989) وسيواصل اليابوري خطة النضال الثقافي على الواجهتين الوطنية والعربية. ومع انتقال رئاسة الاتحاد إلى الأستاذ محمد الأشعري (1989 ـ 1996) ستحدث طفرة نوعية أخرى عبر المضي في تشبيب القيادة والاعتناء بالطاقات الإبداعية الشابة (جائزة الأدباء الشباب) وفي أعقاب المؤتمر الوطني الثالث عشر سينتخب الكتاب الأستاذ عبد الرفيع الجواهري رئيسا للاتحاد (1996 ـ 1998) وذلك في ظرفية دقيقة تميزت على الخصوص بحصول الاتحاد على صفة الجمعية ذات النفع العمومي بعد خمس وثلاثين سنة من العطاء والتضحية وبروز الحاجة إلى تفعيل هذه الصفة واستثمارها على النحو الأفضل ولكن ولاية الجواهري ستصادف جملة من العوائق الموضوعية التي ستحول دون استثمار تجربة التألق التي شهدها الاتحاد في الفترة السابقة، ولذلك يمكن اعتبار هذه الدورة أشبه ما تكون بلحظة توقف تأمل وترتيب لبيت الكاتب المغربي... وقد كان صعود الأستاذ حسن نجمي في المؤتمر الأخير (1998) برفقة نخبة من الكتاب الشباب مؤشرا على انطلاقة جديدة تستعيد مكتسبات الماضي وتراهن على مستقبل جديد لثقافة مغربية فاعلة في أفق الألفية الثالثة..."
لقد أنهى اتحاد كتاب المغرب مؤتمره الـ 17 بالرباط بانتخاب الكاتب والناقد عبدالحميد عقار رئيسا لاتحاد كتاب المغرب لولاية ثانية، وذلك بعد حصوله على 156 صوتا من بين 186 المصوتة، المؤتمر الـ 17 لاتحاد كتاب المغرب، الذي مضى على تأسيسه ما يربو على 50 سنة، والى اليوم، لازال رهان اتحاد كتاب المغرب مستمرا في أن يكون "صوتا للنقد المسؤول والخلاق"، ويواصل تطوير أدائه الثقافي في اتجاه حضور وإشعاع أعمق. خصوصا أن المؤتمر أعاد التأكيد على العمق الافريقي والمتوسطي للاتحاد، والذي أمسى يتخد شقا استراتيجيا في عمق التواصل المعرفي والفكري.
لقد سبق للاتحاد أن نظم ندوة حول حوار الثقافات، ويبدو أن هذا المفهوم اليوم، أمسى أشبه بمقولة الباحث أحمد شراك التي تركز على مقولة "صداقة الثقافات"، وحتى لايتوه اتحاد كتاب المغرب في التسميات والمصطلحات ولعبة المفاهيم الشبيهة بثعلب الراحل زفزاف. اقترحت الأصوات من داخل المؤتمر الانكباب على الإشكالات الجوهرية التي تمس بنية الثقافي في المغرب. ولعل أوجهها في مداخلة الناقد سعيد يقطين، التي انتظرت انسدال خيمة المؤتمر كي يتأمل المشهد في عنفوانه وحقيقته الكاشفة. ومن ثمة يمكن لكينونة "هوية اتحاد كتاب المغرب" أن تتشكل من جديد بعنفوان سؤال "التعدد الثقافي".. لكن، هذه المرة اتجاه الوعي بها وبلورتها لا على مستوى التصورات، بل على مستوى البرامج. ولما لا المعارك. وهنا يكمن سؤال وشعار المثقف المناضل.