يستدعي الشاعر المغربي المغترب، نداء التحرر والانعتاق وقد مد جذوره في تناصات التراث العربي وكشف عن تحلياته في تحولات الواقع اليومي كي ترفع عن واقعنا أغلال العبودية وأصفادها أيا كانت صفاتها. بينما تتجلى تحت إهاب بيزوس، المدينة التي يعيش فيها الشاعر غربته الفرنسية، كل المدن وكل المعشوقات: من طنجة إلى الدار البيضاء، ومن صنعاء إلى مدينته الخصوصية الأسطورية حيث يتخلق الشعر بمنطقه الفريد.

قصيدتان

عبد اللطيف الإدريسي

1 ـ صَنَمُ العَبيدِ

بَعيدَةٌ تِلْكُمُ الأَرْجاءُ !

لَنْ أَكونَ لَكُمْ شاهِدَ عِيانٍ

وَلا قاضي الزَّمانِ

وَلا حَتىّ نَديمَ شَهْريار

ذَلِكُمْ كانَ بَدْءُ شَأْني

وَأنا أُسامِرُ مَنْسِيي ظُرفاءِ الوَشّاءِ

وَأُمَّهاتِ القِيَنِ المُقَنَّناتِ في الأغاني

وَأُجالِسُ مَنْ رَفَضَهُمْ آخِرُ عِرْقٍ في سوقِ النِّخاسَةِ

عَبيدُ عَبيدِ العَبيدِ.

        وَتِلْكُمُ سَتَكونُ خاتمَتي

وَأَنْتُمْ تُقايِضونَ شَجَرَ الزَّيْتونِ

بِشَجَرِ الفَراغِ

وَأَسْرابَ الحمامِ

بجوعِ الجرادِ

وَتَصيحونِ

ـ مَعَ الرومي ـ

مِنْ داخِلِ مَلاذِكُمْ

وَقَدْ أَطْلَقْتُمْ جِرْذانَكُمُ بالليل :

ـ هَلْ مِنْ مُبارِزٍ ؟

صَنُمُ العَبيدِ

أَنْتَ..

يا صَنَمَ العَبيدِ

يا إلَهَ المعْدومينَ

وَمُهَمَّشَ المُهَمَّشينَ

لَكَ انحِنائي وَتَبْجيلي

هَيّا تَقَدَّمْ

سِرْ عَلى جَسَدي الأَديميّ

لَقَدْ فَرَشْتُهُ

بِساطاً

لِلا مَقامِكَ

خاناً

لِسُفْراتِكَ المخْتَلسَةِ

حاناً

لاقْتِرافِكَ غِواية الماءِ المحَرَّمِ

هَيّا ثُرْ

أَيُّها العَبْدُ المعْبودُ

اغْضَبْ

اتْرُكِ الهُيامَ يَعْتَمِرُ قَلْبَكَ المِسْقامَ

لِتَضيعَ اسْتِقامَتُكَ

وَيَنْمَحي الصِّراطُ

وَتَعْوَجُّ العَصا

"فَمَتى كانَ الهُيامُ

عَلى الخطِّ المسْتَقيمِ

وَالقَلْبُ سَليمٌ ؟"

تَساءَلَ شِعْراً مَرَّةً أَحَدُ العَبيدِ !

(2)

لا أَحَدَ اسْتَيْقَظَ عَلى أَصْنامِ بيزوس المحْروسَة

لا أَحَدَ يَنامُ في بيزوس* المَحْروَسة

عَشيقاتي كُلٌّ في المُدُنِ

طَنْجَة الأُسُطورَة

أُنْشودَةُ هيسبيريس

وَمَرْقَدُ آثاري

عَدَنُ الخُلود

مَقامُ أَسْفاري العابِرَة

داري البَيْضاء مَأْوى ابْنَةَ النّورِ

يا شَرْقَ الغُروبِ

صَنْعاءُ السَّوادُ

غِرْبانُكِ كَلِبَتْ

عَرَفْتُ مِنْ أَيْنَ يَأْتي الكَمَهُ

حَلَبُ يا عَذْراءُ

غَوَيْتِني لَيْلاً وَأَنْتِ عَلى مَشارِفِ كَنيسَةٍ

مُعَلَّقَةٍ

اصْطَنَعْناها

في أَعالي بيزوس

وَجِبالِ الأطْلَسِ

عَلى مُدامٍ

قُدْسِيُ البَياضِ وَأََحْمرُ الخَجَلِ

وَفي آخِرِ مَشْهَدٍ مِنَ المَسْرَحِيَّةِ

صِحْتِ عِنْدَ القَلْعَةِ

مَعَ أَهْلِ الصَّباحِ

أَنْقِذوني إِنَّها دَسيسَة

وَلا أَحَدَ اسْتَيْقَظَ عَلى بيزوس المَحْروسَة

وَلا عَلى أَصْنامِها

لا أَحَدَ يَذْكُرُ رَسائِلَ طاحونِة بيزوس

وَلا مَعِزَ السَّيِّد سيجان الَّذي صادَفَ وَقْتَ خَريفِ الذِّئابِ

في الزُّقاقِ الوَحيدِ لِبيزوس المَحْروسَة

وَلا حَتّى عَلى وَجْهِ القَمَرِ

وَأَنا أُسامِرُ الشاشَة

وَكِتابُ وَجْهي

بِحيطانِهِ

خالٍ مِنَ البَشَرِ

وَمِنّي

يَرْكبُني الشِّعْرُ

أَهْجُرُ بِهِ

ماضِيَ الحَزينَ

ماضٍ لَئيمٍ

صَنَعَهُ حاكِمي الخَسيس

قَبْلَ الوِلادَةِ

وَصانِعُهُ بَعْدَ المَماتِ

وَلا أَحَدَ يَسْتَيْقِظُ عَلى بيزوس المَحْروسَة

بيزوس الشِّعْرِ

بيزوس بَلْدَتي

اخْتَرْتِني شاهِدَ عِيانٍ

وَاخْتَرْتُكِ مَدِينَةَ السَّنَةِ

لِمُدُنِ عَشيقاتي

* بيزوس: قرية صغيرة تقع في جنوب فرنسا بين مدينتي أفينيون ونيم، عاش فيها الكاتب ألفونص دودي صاحب "رسائل طاحوناتي" طفولته الأولى.

بيزوس المحروسة 19 مايو 2010

شاعر من المغرب