"بدقيقة واحدة، تنتهي حياةُ بيتٍ كاملة. البيت قتيلاً هو أيضاً قتلٌ جماعي حتى لو خلا من سُكَّانه. في كلِّ شيء كائن يتوجَّع.. والبيوت تُقتَلُ كما يُقتَلُ سكانها. وتُقتَل ذاكرة الأشياء: الحجر والخشب والزجاج والحديد والإسمنتُ تتناثر أشلاء كالكائنات".
محمود درويش
يذكِّر المشهد بالمشهد: الفجيعة بالفجيعة، والمجزرة بالمجزرة. يذكِّرنا مشهد المجازر والقتل الجماعي، في قطاع غزة اليوم، بالمجازر التي نفَّذها الجيش الإسرائيلي، منذ النكبة الأولى، عام 1948، مروراً بعام 1967، و 1982، و 2002، حتى مجزرة غزة، التي بدأت يوم 27 كانون الأول 2008، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم، ضدّ الفلسطينيين، داخل فلسطين وخارجها، مما يستقر في الذاكرة الحيَّة للشعب الفلسطيني: دير ياسين، وكفر قاسم، والطنطورة، والصالحة، والفالوجا، وعراق المنشية، واللجّون، ودير البلح، والمالحة، وصبرا وشاتيلا، وجنين، وحي الزيتون، وغيرها وغيرها من مجازر ضد الإنسانية. وتعرَّف المحكمة العسكرية الدولية، ومقرها في نورمبرغ، الجرائم ضد الإنسانية، في مادتها السادسة، منذ عام 1945، ضمن اتفاقية مقاضاة ومعاقبة مجرمي الحرب الأساسيين في دول المحور، بأنها تضم: "القتل، والتصفية، والرق، والترحيل، وأفعالاً لا إنسانية أخرى، ترتكب ضدّ السكان المدنيين، قبل أو أثناء الحرب، أو الاضطهاد القائم على أسس سياسية أو عرقية أو دينية تنفيذاً لأية جريمة، أو لما له صلة بها، تقع في نطاق سلطة المحكمة القضائية، سواء أكانت انتهاكاً لقانون البلد المحلي الذي نفذت فيه أم لا".
وماذا إذا تعرَّض الشعب الفلسطيني إلى القتل والتصفية والترحيل معاً، وعلى مرأى ومسمع العالم، ومرَّة تلو المرَّة؟ أين عيون الأمم المتحدة وعيون المحكمة الدولية؟ ومتى يعاقب مجرمو الحرب؟ متى؟.
عاجل عاجل،
تبدأ انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وإنكارها حق الشعب في تقرير مصيره. وينظم القانون الدولي باتفاقياته (اتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي) وقواعده الإطار القانوني لحكم المناطق المحتلة، وحقوق المدنيين. فالقاعدة الأساسية في هذا الصدد، هي مبدأ عدم جواز اكتساب الاراضي بالقوة، وبالتالي فدولة الاحتلال لها صلاحيات محددة، مفروض ألا تمس المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، ومؤسساتهم واقتصادهم، وحقهم في تقرير مصيرهم، وفي هذا السياق، من الأهمية بمكان الإشارة إلى اتفاقيات جنيف الرابعة، التي اهتمت بحماية الضحايا المدنيين، ومعاملة أسرى الحرب، بالإضافة إلى الإشارة للبروتوكولين اللاحقين لهذه الاتفاقيات، الأول: يتناول حماية ضحايا النزاعات المسلحة، ويدعو لحماية المدنيين، ومن يقع منهم في قبضة العدو، ويوجب على طرفي النزاع أن يميزا دائماً بين المدنيين والمقاتلين، وهو يحظر على وجه التحديد تجويع المدنيين والاعتداء عليهم، كما يتضمن تدابير خاصة لحماية الأطفال والنساء، وينص على حماية الصحافيين، وحماية أفراد الخدمات الطبية، سواء كانوا من المدنيين أو من العسكريين، واتخاذ التدابير اللازمة لنقل معداتهم وإمداداتهم، ويشتمل الثاني على قواعد مماثلة، في حالات النزاعات المسلحة الداخلية، ويحظران أعمال القتل والتعذيب والتشويه والعقوبات البدنية، كما ينظمان أحكاماً تتعلق برعاية المرضى والجرحى والغرقى، وحماية المدنيين من أعمال العنف والتهديد بها، وكذلك من التجويع كأسلوب من أساليب القتال والترحيل القسري، ويحظران أيضاً القيام بأعمال عدائية ضد أماكن العبادة، أو استخدامها لأغراض عسكرية.
إن حفظ السلم ومنع النزاعات المسلحة، هما الشغل الشاغل للمجتمع الدولى، كما ان احترام حقوق الإنسان وفي كافة الاماكن، مبدأ أساسي من مبادئ الأمم المتحدة. وقد أعلن القانون الدولي الإنساني بأن المبادئ الإنسانية يجب أن تسود في أوقات النزاعات المسلحة، وضرورة وضع قواعد جديدة لتأمين حماية أفضل للمدنيين وأسرى الحرب والمقاتلين، كذلك وجوب حظر بعض الممارسات العسكرية وأساليب القتال، باعتبارها بالغة التجرد من الإنسانية، كما أكَّد القانون على مبادئ أساسية يتعين مراعاتها في النزاعات المسلحة وهي: ان حق أطراف النزاع في استخدام وسائل إلحاق الضرر بالعدو ليس حقا مطلقاً، وان شن هجمات تستهدف السكان المدنيين بصفتهم هذه أمر محظور.
وقد أرست الأمم المتحدة قواعد القانون الدولي، في منع الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والمعاقبة عليها، وقد أضاف هذا الالتزام بعداً جديداً هاماً في القانون الإنساني الدولي. وكانت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها، التي أقرتها الجمعية العامة، أولى الخطوات التي اتخذت في هذا المضمار.
وما يحصل الآن في غزة، من انتهاكات لحقوق الانسان، هو من أفظع الجرائم، المنتهكة لحقوق الإنسان، في القرن الواحد والعشرين، وعليه، فإن الاحتلال الاسرائيلي، قد ضرب عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني، غير مكترث بما ينادي به المجتمع الدولي من حقوق الإنسان. لذا، لا بد من تحرك قانوني سريع وسريع جداً، لمقاضاة مجرمي الحرب، الذين يرتكبون الجرائم ضد المدنيين والنساء والاطفال في غزة، أمام المحاكم الدولية، وخاصة أمام محكمة الجنايات الدولية، التي تدين الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وما يقع على الاطفال والنساء من جرائم، وفرض العقوبة اللازمة بحقهم، كما جاء بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وهذا الدور من واجب القانونيين ونشطاء حقوق الانسان، والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، اضافة لتلك المبادرة بإرسال الشكاوى اللازمة من قبل هذه الجهات، لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة فهذه الجرائم، ألحقت العار بالمجتمع الدولي، حين يقف صامتاً، بالرغم مما جاء بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، التي أبرمت لحماية المدنيين من نساء وأطفال".
المحامية رحاب القدومي/ ناشطة في حقوق الإنسان والمرأة والطفل/ الأردن
تأتي رسالة الصديقة المحامية "رحاب قدومي"، في مكانها تماماً، من حيث وجوب التحرك القانوني السريع، لمقاضاة مجرمي الحرب، الذين يرتكبون الجرائم، ضد المدنيين والنساء والاطفال في غزة، أمام المحاكم الدولية، وخاصة أمام محكمة الجنايات الدولية. ويتبعه السؤال الموجع: من يتعهَّد بمتابعة هذا الملف؟ وكيف نضمن تقديم الوثائق القانونية اللازمة لمحكمة الجنايات الدولية، بعد أن دعت مفوّضة حقوق الإنسان، إلى التحقيق في إمكانية اقتراف جرائم حرب في غزة؟ كيف يمكن ان نقدِّم قضية تهز ضمير العالم وتوقظه من سباته؟ وتجعله ينتصر لحقنا في دولة حرة وحياة آمنة؟
ما رأي الحقوقيين، ونشطاء حقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني؟.
لن يفلتوا من العقاب: لتتضافر الجهود لمقاضاة مجرمي الحرب
لن تفلتوا
لن تنعموا بنومكم/ أو صحوكم
وراءكم عيوننا/ أحلامنا/ أقلامنا
وراءكم جدراننا/ إسمنتنا/ وحديدنا
وراءكم/ أوجاع زهرة السموني/ ودلال أبو عيشة/ وصابرين النشار
وراءكم/ صرة ملابس عائلة محمد سالم/ وكتب اطفال أبو العبد حميد/ وبقايا أغطية الحاجة مريم أبو ضاهر: منشفتها الوردية ومسبحتها
ستلاحقكم/ رائحة لحمنا المشوي/ ودخان الفوسفور الأبيض/
وحروق صباح أبو حليمة في بيت لاهيا يوم الرابع من كانون الثاني من أعوامكم القادمة
وراءكم/ ذاكرتنا الحية في طيرة حيفا/ وصبارين/ وعكا/ وعيلوط/ وخان يونس/ والدوايمة/ وجنين/ وبيت حانون/ وبحر البقر/ وصبرا/ وشاتيلا/ ومجد الكروم/ وسعسع/ ولفتا/ ولوبيا
وراءكم/ معجون رملنا وزجاجنا وحجرنا وخشبنا ولحمنا الحي في حي السلام من منطقة السلاطين في بيت لاهيا
وراءكم دمنا
وراءكم صبارنا/ وعنادنا
لن تفلتوا من العقاب
نعدكم
نعدنا
لن تفلتوا
تفاعل موضوع محاكمة إسرائيل على جرائم الحرب، فلسطينياً وعربياً ودولياً. ورغم امتداد الحديث حول الموضوع على الفضائيات، وفي الإذاعات والصحف، وعبر البريد الإلكتروني، إلاّ أن الكثير من النقاط القانونية، ظلَّت عائمة ومطاطة، الأمر الذي استوجب بحث الموضوع، مع مختصين في القانون، والقانون الدولي تحديداً، لمعرفة أفضل الطرق، لمتابعة الملف، وضمان استيفائه الشروط الدولية المطلوبة. وصلتني رسائل أصدقاء، وأعضاء منظمات غير حكومية، منها خبر صحافي، باسم "منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب" web: www.icaihokok.org يفيد بأن المنظمة، قامت بتقديم شكوى إلى المدعي العام في لاهاي، يوم 14/ 1/ 2009، للنظر في جرائم الحرب في غزة. "وقد أضيفت المملكة البريطانية، والولايات المتحدة، وعدد من الدول الأوروبية المشاركة في هذه الجرائم، كمدعى عليهم. وقد وعدت مديرة التحقيقات السيدة ديهلين بتقديم المساعدة، خصوصاً بعد أن أصبح من حق المحكمة، النظر في الدعوى، كون بريطانيا هي عضو منتسب لهذه المحكمة، وهي من أهم الحكومات المشاركة بهذه الجرائم. طولب المدعي العام، بتوقيف المدعى عليهم: جورج بوش، وتسيبي ليفني، وإيهود أولمرت، وإيهود باراك، وماتان فيلناي، وأبراهام ديختر، وغابي أشكنازي، وكوندوليزا رايس، وروبرت غيتس، والمسؤولين في الحكومات الاوروبية".
ومنها، طلب باسم "منظمة غير حكومية، في ألمانيا، (Court Action Against Israel (CAAI، تدعو من تضرَّر من سكان غزة، جرّاء العدوان الإسرائيلي على القطاع، ويحمل جواز سفر أوروبياً، وبالذات جواز سفر ألماني، أن يتصل بالبريد الإلكتروني للمنظمة: paldream@gmail.com، علماً بأن المنظمة تتكوَّن من أفراد من فلسطين، وهم يعملون هناك، ومن نيوزيلاندا، ومن أميركا، وألمانيا والدانمارك. هناك المحامي "ارمين فياند"، الذي يتولى بنفسه المحكمة، ومحامون آخرون للتشاور، يفضلون عدم ذكر أسمائهم. ومنها رسالة متابعة، من الصديقة المحامية، رحاب قدومي، تتحدَّث عن التحالف الدولي، الذي "تم تشكيله عن طريق المركز الوطني لحقوق الإنسان، للعمل على تحضير الملفات القانونية، لمحاكمة مجرمي الحرب، وعليه، فقد تم تشكيل لجنة قصيرة الأمد، للتحرك فوراً، لوقف نزيف الدم في القطاع، وفعلاً فقد تم إرسال عدة رسائل لوزارة الخارجية الأردنية، ولمجلس الأمن، ولمجلس حقوق الإنسان في جنيف، سلمت جميعها لوزير الخارجية الأردني في الأسبوع الأول للحرب على غزة، ولجنة أخرى طويلة الأمد، للعمل على تنظيم الملفات القانونية لمحاكمة مجرمي الحرب، شملت ثلاث لجان رئيسية: الأولى لتشكيل محكمة شعبية، والأخرى لجنة قانونية، لإعداد دراسة قانونية تتعلق بهذا الموضوع، ولجنة ثالثة للعمل على التوثيق، وإعداد الملفات القانونية اللازمة".
كان لا بد من توجيه السؤال إلى مختصين في القانون الدولي، من ذوي الخبرة، مما يسهم جدياً، في نقاش موضوع محاكمة مجرمي الحرب، أمام محكمة الجنايات الدولية.
الاخت العزيزه د. فيحاء عبد الهادي المحترمه، تحية غزة والصمود وبعد،
أشكرك على رسالتك، وأجيب على أسئلتك الخاصة بمحكمة الجنايات الدوليه.
اللجوء لمحكمة الجنايات الدولية يشترط أن تبادر "دولة" عضو إلى تحريك دعوى ضد "دولة" عضو في ميثاق المحكمه (اتفاقية روما). وهذا يعني أن منظمة التحرير لا تستطيع أن تحرك دعوى، لأنها ليست دولة، كما أنها لا تستطيع أن توقع ميثاق روما، لأنها ليست دولة كذلك. وإذا طالبنا الأردن بتحريك دعوى ضد إسرائيل، فإن الأردن عضو موقع على ميثاق روما، إلاّ أن إسرائيل ليست عضواً، وبالتالي لا يستطيع الأردن اللجوء إلى المحكمة، كما أن المحكمة لا تستطيع أن تمارس اختصاصها، لأنه يجب أن يكون الأردن وإسرائيل طرفين في الميثاق.
هناك طريقه أخرى للوصول إلى محكمة الجنايات الدولية، وهي استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، بموجب الفصل السابع، يوجه المجلس فيه الادعاء العام، للبدء في التحقيق بالجرائم، كما حصل في قضية دارفور، والتحقيق مع الرئيس السوداني. إلاّ انه لا يخفى عليك، أن اللجوء لمجلس الأمن، سوف يصطدم بالفيتو الأنجلو/ أميركي. إن اللجوء للقضاء الدولي، أمام محكمة الجنايات الدولية ـ عملياً ـ طريق غير سالك. إن هذا لا يمنع من اللجوء للقضاء الدولي، أمام محكمة العدل الدولية، لا سيما إذا بادر الأردن لتحريك مثل هذه الدعوى، على أساس أنه طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية (Genocide Convention) وأن إسرائيل طرف كذلك، في الاتفاقية ذاتها. ومن المهم التأكيد أن الذي عليه تحريك دعوى هو "دولة" وليس منظمة، أو سلطة.
آمل أن أكون قد أجبت على أسئلتك، ولك خالص تحياتي وتقديري،
المخلص/ أنيس فوزي قاسم/ محامي ومستشار قانوني/ الأردن
تبيِّن رسالة الدكتور أنيس القاسم، واقعاً مريراً أوقعتنا فيه أوسلو. وأعتقد أنه رغم كل المعوقات القانونية، فإن توثيق الانتهاكات الإسرائيلية، وجرائم الإبادة الجماعية، بالصوت والصورة، هي ضرورة وطنية تاريخية، تمكِّن أية دولة عربية، طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية، من رفع دعوى ضدّ مجرمي الحرب، الذين تسبّبوا في حدوث "جرائم إبادة جماعية"، أمام محكمة العدل الدولية. ويبقى دور منظمة التحرير الفلسطينية، أو السلطة الوطنية الفلسطينية، ضرورياً، في توجيه طلب إلى الدول العربية، الأطراف في الاتفاقية، برفع الدعوى، ضدّ من تسبّبوا في جرائم الإبادة، كي يلاحقوا قضائياً طيلة حياتهم، حتى ينالوا جزاءهم، ويحاكموا كمجرمي حرب.
faihaab@gmail.com