إبرة الفلسطينية
أيها الشعرُ
يا ربيبَ روحي
يا مقعدَ الطفولةِ في مدرسة السموع (1)
يا وجهَ المعلم المتأنق
يا لطول الطريق الممتد من البيت
حتى مغزل الحاجة مليحة (2)
اغزلي يا أمي غزلَكِ الكنعاني
اربطي لون البحر بلون التراب
حكمةَ الاغريقيات بإبرة الفلسطينية،
أضيفي لوجبة الطعام صحناً سابعاً
ما همَّ أن نفد الطعامُ وغزلُك يكتمل
ما هم أن لم أجد بقايا الغداء
واصلي نشيدَك الرعوي
فوق خطى ملايين الأجداد
من سومر إلى يبوس
واصلي يا بلادي أنينَك الملحمي
يا وجهَ الجَدةِ البعيد
لم أحتفظ بخيوط ثوبك المعفَّرِ بغبار الدهور
احتفظت بصوت بقايا أوراق التين والعنب
وأرواح الذين ماتوا
من أشجار الكروم.
مساحةٌ للغرور
سأدربُ قلبي على تقليد الغيوم
تمنحُ الأرضَ الظلَّ
تحملُ للعطاشِ القطراتِ
ترسلُ للأنهار حليبَها
تهطلُ بماء الوجد إن مسَّتها الرعشة
لا تتوقف بانتظار شكرها
تتلاشى من نفسها
وتترك للسماء مساحةً للغرور.
زحام
تعودتُ ألا أزاحِمَ أحداً في رِزْقْهِ
لا العصافير في أعشاشها
ولا الأطفال في حليب أمهاتهم.
لا أزاحم أحداً في رزقه
لا التاجر ولا القاضي
لا رجلَ الأعمال
ولا رئيس الدولة.
وحين أرى عاشقين
لا أتمنى أن أكون الشابَ النائمَ في عين حبيبته
ولا العشبَ الذي يظلِّله فستانُ الفتاة.
أبدا لا أزاحم أحداً في رزقه
لا القاتل ... ولا المقتول
لا السارق ولا حبل الغسيل.
ولكثرةِ ما تعودتُ ألا أزاحم أحداً في رزقه
تركت بساتيني للذئاب
وبلادي للحنين.
لون العيون السود
الزمان يتلوّى فوقَ رابية الوقت
الوقت
يتسلى
تحت
نافذة
الزمان،
النهار يدفن عسلَ الشمس في خابية الليل.
الليل
يضج بالنشوة
يوشك
على الانعتاق.
الفجرُ عبدٌ مطيعٌ لزبائن الغبش
الضحى سيدٌ كاملُ المعصية
يتمشّى فوق جسد الظهيرة!
حجةُ العتمة
لون العيون السود
العيون التي لا ترى حتفَها في سطوع النور.
ينقضي الأمل
لحنين الرمان
بانفراط صحبة الطين.
اغفرْ للأرض زلتها
لن أقول السماء بعيدة
ورجلاي
ترجفان على الأرض.
*
ليس لي شأنٌ هنا
ليس لي مثلٌ في السماء
فما حيرتي
في خلق الله.
*
هناك...
.. نشرت حطبي للغريب
وضعت سيفي في يد المسيح
لفَّني بالخلاص
حماني من لون الدم
وحين نام
كان خشب الصليب
جسدي.
*
في بطن الجبل الذي ولدتُ عليه
تحت كرم التين الذي حَبوتُ بين أثلامه
في بطن كهف الغول الذي نمت في عتمته
ما زالت خطواتي هناك
أنفاسي
ذكرياتي
أحلامي
وحزنُ بلادٍ خَدعتها الكتب
سرقتها الوشايات.
*
يا ألله اغفر للأرض زلَّتَها
كما تغفر للتائبين ذنوبهم
يا ألله
خذ الترابَ برحمتك
أم تسامح البشر
وتنسى حق الأوطان في الغفران؟
أعدُّ موبقاتي
ربما كنتُ إحداها
ربما جئت من واحدة منها
ربما أنتم ملائكة
أنتم ملائكة حقا وأنا العدم
أنا الجرح المفتوح
أنا المنفي في لغتي،
وفي ندمي
وأنتم طيبون حقاً
تريدون وصمي بالشقي وبيتكم من كلام
سأرمي عليكم حنطتي
وآيتي
فلا تحرثوا الأرض التي ولدتُ عليها
ولا تقربوا مدينتي الغافية في بيت الذهب
أيها المدلهمون مع الفجر
تتكاثرون عند السكر
ولا تستريحون في بيت العناء.
هاكم
انظروا.....
يدي فارغةٌ وسيفي من خشب
لا أرجمُ العدوَ بلهيبٍ كي أرجمكم بالقبلات
أقتاتُ يومي
وأنامُ على سوء ظني
فلا تعلموني لجم الغضب
آمنت بكم
وكفرت بي
فلا تزيحوا الستارة عن نافذتي
ولا تضعوا على صفحتي شارةً للعجب.
دمُ الغزالة
لن أهرق دم الغزالة
لن أفكر في طريقة لاغتيال شجرة
لن أنتقم من عدو واحد
لن آخذ بثأري من أحد.
يحقُّ لي أن أفكر بسحق جثة الفأر الذي مشى على جثمان طيبتي
ومزق بيت العنكبوت الذي بنى خيوطه حول أحلامي
يحق لي قطع لسان الورم
طحن يد الهاون الذي سَحَقَ بذور النهار
يحق لي
يحق لي
.....
سآوي إلى نَدَمي.
هايكو الخريف
سيموت الملك
ويموتُ العندليب
وتنمو شجرة البرقوق
في حديقة الخرافة.
سترحل الطيور
وتعود الغيوم
لتمحو آثار الخريف
وآثار الوجع القديم.
سيموت الفارس
ويشرد بعده الحصان
يسقط نجم من عناء الحروب
يسقط ثمرٌ كثير من بستان السماء.
الذين يقدسون الكناية
وضعوا تفسير المتنبي
فوق درج التورية
لم يكن بدٌّ من وهم العبقرية.
خاسرٌ كبير
جبلُ المحبة
والحروب القبلية
تتهجى قاموس الحرية!
ليتَ للموتِ عيناً
لترى الأحياء
يأكلون
قمرَ السنوات.
دواءً لمرضاي
إلى طبيبة
أنتِ سلمت مرضاك
وأنا أستسلم لمرضاي
يرافقونني طيلة العمر
كلُّهم يحتاجون نبضَ يدي
ضخَّ الدم في أوردة الأمل
تخطيط الغد لنوبات السعال
حُلم الأيام التي تتلو الأزمنة
هدْأةُ الطبيب
عند احتضار العلة
ابتسامتي الدائمة
كلمات التفاؤل
آبار الحكمة التي تفيض
تبتسمين أنت
وأنا أفيض
دواءً لمرضاي.
آهٍ يا عَتمة قلبي
النورُ يملأ الأرض
شموسٌ ساطعة
نهار مثقل بالوضوح
كلُّ شيء مُعَدٌ للضياء
آهٍ يا عتمة قلبي.
سألهو بما تشاء الحِيل
أجرُّ العرباتِ نحو مدار الشمس
أصدُّ رياحَ السموم
وأطبق يديَّ على مزاج التضاريس.
تمنيت بستاناً منزوع الخيبة
تمنيت عمراً بلا حكمة
وبلاداً خاوية من يقين
وفيما يشبه الغمر
أغمضتُ عيني على حفنة من تراب
نَمَتْ فيها خصلات شعر الرب
واسترسلت في الندم
نمت فيها طحالب وأشباه أشياء
ومجاميع من مخلوقات
تحمل قبوراً فارغةً من الدود
ترفعها مثل علامة صليب في وجه السماء
ترجلي يا سنوات الله
ترجلي واهبطي قليلاً نحو الأرض
لنداعبَ وجهك الطري
ونقرص وجنات الدهر
بيدين حُرَّتين
ونركل الفراغ بعيداً...
عدمٌ يملأُ اليقين
لو لم تكوني الشرفةَ
والشعاعَ القادمَ من عين الشمس
لو لم تكوني النهار
والسحابَ الهاطلَ والغواية
لو لم تكوني الزمان المنساب في حبات المطر
لكنتُ التابوت الخشبي
والبلادَ المنسية.
*
عدمٌ يملأ الرئتين
وكلام فارغ عن الحياة
وما بين النور والعتمة
تموت خلايا العمر باكية.
*
كأس وحيد
يشفع للغيّاب
وبيتٌ محمومٌ يصفعني بالموت.
سأموت
لو لم ألتقطْ حبات الفجر
من بين يديكِ.
*
سأموت قهرًا
وأموتُ في بلاد الناس
وما كان همّي ألا أموت
لكن حزني بلاد
وحياتي قصيدةٌ تتلاطمها الأمواج.
*
الليلةَ ... وكما كلّ ليلة
يتمزقُ قلبي بين ال/طريقين
وأفتح نافذة الندم
لكلِّ طريقٍ أسلكه.
مالي إذن أدفع حظي بيدي
وأركل كأس سعادتي
بقدمي؟
*
سأموت
إن لم تختطفني إحدى الإلهات
وترفع عن صدري كآبة الوجود.
وأموت .. لو ظل العالم سائراً إلى حتفه الأكيد.
اللعنة
لم يعد للسماء لونها المعتاد
لم يعد ظلُّ الحنين يحجب اللهيب
وأنا موزعٌ بين السماء
وبيتي الضرير.
ما لي أنا لأكون المنشقَّ عن ذاته
والملعونَ في حياته
ومن أنا لتطاردني وحوشُ الظلام
وتقتلني أفكار السوء؟
كنت أويت إلى ذات الرواية...
أيتها الشمس ألا تساعدي الأعمى؟
ما نفعك أنتِ يا نسائم الصباح
إن لم تحمليني إلى براءة الكروم
وما نفعكِ أنت يا غيومَ الحيرة
إن لم تُمسكي بيديَّ التائهتين؟
أتحرِّرًني الكلمات
أتمنحني المتاهةُ درباً ثالثاً لليقين
أم تزيدني غموضاً
تلك الحُجُبُ الملتفةُ حول ضمير القدر.
سأتوارى قليلاً عن عناء الجبال
سأهبط رويداً إلى حضن العشب الطري
لستُ طموحاً لأحطم السلاسل
وأكسر القيود
طموحي أقلُّ مما يود الفرسان
وترغب الجيوش
طموحي سلامٌ يظلِّل الوقت
يغطي التفاصيل
حتى تصير الحياة
في سلاسة النعاس.
لم أعدْ أحبكِ
لم أعدْ أحبكِ...
تغيَّر القمر كثيراً
بدَّل شكلَه مراراً
تَرَكَ ندوبَه فوق صفحة السماء
وحزنَه على وجه الليل.
كلُّ شيءٍ لم يتبدلْ/...تبدل
لم يتغير/ ...تغير
كل شيء
آوى إلى رحمه الأول
إلى زوجته الأولى
إلى كونه المتلاشي
وحده البحر
ظلَّ يزمجر طامعاً في بيته الجديد.
لم أكنْ أنا البحر
لم يكني البحر
لم أطمع بشيء
ولم أتركْ مياهي أسفل الوديان.
لم أعد أحبك
لماذا لا يعود القمر إلى بيته
والفارس إلى موته
والحبيبة إلى قبرها الأول.
لم أعد أحبك
ودعتُ رملَ الصيف في أول تموز
خارت قوى أيلول على عتبات الخريف
تطلع الغريب إلى غربته
النايُ إلى صوته المتطاير
أدركْ يا نايُ لحنَك المتناثر بين خلجات الهواء
أدرك يا نسرُ جريحَك المثنوي
تعلق بحبال الكمان
يريدك الموت واقفاً تحمي يديه من الخسة
وأنا لا أريدك ميتاً ولا مكلوماً
تمتعْ بنهار أقلّ من ساعاته
مَسِّدْ قلب الصخر
إن نزفت سنواتُ عمركَ فوق شفاه الحسرة.
لم أعدْ أحبك
لم يعد بيتي يشبهك
ولا الحرير المتلعثم قرب سريرك يغري بالنوم
حبيبات العطر تندلق في قارورتها
لا تشتهي نفحها
لا تتشهى الرذاذ
مصلوبة في يقين الزجاجة
تحتسي همس النافذة السقيم
تطير فراشاتُ العمر حول أشجار اللوم
اللعنة تحصد المشاعر
المشاعر مغولٌ يتدافعون نحو القرى
مغولٌ يسدون النهار
مغولٌ يفسدون القصيدة
يشبهون الأمس الثقيل
والأمس بطيئاً يجرُّ رجليه جانب الوداع.
أمام تقليب الأعوام في عين الصقر
في ساعة استرخاء
ملأتْ حواشي المثانة بالهطول
والملاءة بالبلل.
لا أحبكِ
ليس للبلور ذنبٌ في اسوداد قلب الثلج
وليس للوردة حصة في جريمة السلف
محصورة عند يباس الحقول
البيت جاثم عند هيكل الخراب
واليرقات تشع نوراً في عَتمة السكون.
لم يعد يغريني الثغاء المعسول
ترهلُ الجسد الواني
بوح الأمهات لصمتهن
صراحةُ الماء لميقات الحنين.
طيورٌ سوداءُ تحلِّق في وهج السطوع
سطح بسيط يفرش ماضيه فوق دار القيامة
حكمة الملل
ترجيء قطع حبل المشيمة
متيم بثناء الغراب
يُرجع العتمة لمحبرة الغجر
زواج عقيم
يفرغ قصائد الحب من كبرياء الجنون.
أميط اللثام
عن محاق هجين.
أ
ح
ب
ك
لم أعد أحبك
ألفٌ تمطُّ رأسها بلا خطٍّ لولبيَ
حاءٌ حائرة تحتاج لحكمة الحرف
باءٌ بائسة تفرد ظهرها جسداً لعبور اليائسين
وكافٌ لا تدلُّ عى سراج التردد في كلام الليل
خوفٌ في مغارة الكلمات
طلاء فوق لسان المنفيِّ والمنفى.
أحبك
لا ...
لن يحدث شيء للكونِ
إذ يخلي الغرابُ سواد الحليب
لن يذوي الشك
خشيةَ الخسارة
من دموع الكلمات.
لم أعد أحبك
لم أعد أسابق الغزالة في مطاردة الشرود
ولا النمرَ في اصطياد حتفه
ودعتُ بداياتي
وغبت عني.
أحبك؟؟؟
لم أعد
أحبك.
سأكتبُ.. وأرمي في البحر
سأكتبُ وأرمي في البحر؛
سأكتب عن الموتى الذين يحيون، من جديد؛
عن الأموات الذين يولدون، معي، كلَّ ليلة؛
عن أمي التي لم ترضعني جفوةَ البشر؛
وعن أبي الذي لم يعرف كيف يغري الحليب بالنشوة،
والمندلينا بالضحك.
سأكتبُ عن مُشعلي الثورات؛
عن كحل الصبايا، في عيون الشفق.
سأكتب وأرمي في البحر؛
سأكتب عن آدم وحواء..
آدم والندم
علاقة أزلية يفصلهما الحرف الأول،
وحواء بَرَكة الخليقة
تحضن الرمل بساعديها وتُرضع شفاه المغيب.
آه يا أمنا العظيمة،
لماذا أنجبتِ كلَّ هؤلاء الطغاة؟
من أين جئتِ بهم،
وفي أي كهفٍ معتم حبلت بهم؟
سأكتب عن الخيانة ـ
تلك التي تباع في السوق،
وتفسَّرُ في فنجان قهوة.
سأكتبُ وأرمي في البحر.
من علَّمك الصمتَ، أيها القرد الهمجي؟
من أعطاك زلةَ اللسان؟
ومن منحك قفا الطاعة
ولذَّة العصيان؟
من علَّم المدينة المقاومة؟
ومن منحها الزعفران؟
من حطَّ في باب التاريخ كفن المعلم الأول،
ومن نهى الريح عن مصادقة السفوح؟
سأكتب عن القبور ـ
تلك التي صار لها أبواب ونوافذ؛
صارت لها عتبات وأنوار،
وأتناسى حقي في انبلاج الفجر.
سأهذي
وأهذي بما لا تعلم الفصول؛
سأرمي كانون في الربيع
وأخيط كُمَّ تشرين بإبرة الصيف؛
سأحكم على حزيران بالبرد،
وأغري الخريف بشهر أيار؛
سأحمل الشتاء، في حقيبة تموز،
وأغيِّر مسار الكلمات.
ما الذي عكَّر صفو المطر؟
ما الذي عكَّر صفو الثناء على الموت؟
ما الذي أهدر دم الغصون،
وباح للغريب بسرِّ النار؟
سأكتب عن البحر بمداد البحر،
وأحمل الريح بقميص الريح؛
أدلق الغيوم في كفِّ السماء،
وأجلسُ تحت ظلِّ الغيمة أنتظر زلة لسان السواد.
سأكتب وأكتب،
ولن أقيل نفسي من وظيفة الغضب.
يتها الدمي المتحركة،
أفيقي من سُباتكِ الأبدي؛
أفيقي من خدر الشعر والتطريب؛
أفيقي من غفلة الزمان،
وألغاز الغريب؛
أفيقي، يتها السماء، من غيبوبة الحرمان؛
من نقص المناعة، ومن زيادة الخمول.
خيمةٌ واحدة.. وتطير؛
حمامٌ كثير ويموت؛
أبوابٌ سبعة للرزق
يغلقها الشيطان،
ويفتحها الشيطان.
ومالي لبداية البداية، من سبيل، سوى الخوف..
الخوف، على الذئاب،
من الذئاب.
وما تلكَ بيمينكَ يا ربي
تلك قبة الغباء أضعها فوق نقوش الحسرة
أخبئُ تحتها عفاريت الصباح
وأملأها بتراتيل السحرة.
سحرٌ وأدعية وجنازاتْ
فقرٌ وبلاءٌ يجرُّ بلاء،
أنبياء ترعرعوا بيننا
وما حملنا منهم سوى العصي والبنادق
وربُّ البيت مصلوبٌ
لا يقاتل أحداً ولا يعانق.
إيه يا ربَّ الأرباب
حكمتُك العتيقة لم تعد تصلح للطيور
ولا للغربان.
سأكتب عن الخوفِ في صدور الحشرات؛
عن الجبن في قلوب الحجارة؛
أمدُّ يدي إلى يَدِ الخراب،
وأمسكُ نجوماً لا تطيع العتمة.
من أينَ تبدأُ الحرية، يا رب،
ومن أينَ تعرفُ الشعوب راية الريح؟
المَسي جسدي، يا نسائمَ الحرية،
لم يعدْ يغريني الورد
فاصنعي لصحرائي صبراً وارفَ القسوة
يا لخيبة المُدنِ المستلة،
حين تعفيها العواصفُ من رداءة الغبار!
امسحي وجهَكَ، بالسواد، يا مِحنَ القبيلة،
كم يحنُّ لكِ الهجاء.
سأكتب وأرمي في البحر.
ويا قراء الحظ والفناجين
أشيحوا وجوهكم عما أهذي،
فليس من حقكم أن تسمعوا ما يثيره الله من هذيان الخليقة،
ولا أن تفكروا في ما يمكن، ولا يجوز، في زمان العنكبوت.
كلُّ شيء مفضوح،
كل شيء مرئي،
ولا شيء مفهوم
إلا ما يريده البلبل الأصفر،
وما يحتاجه الطفل للتأتأة،
وما يريده الخفاش في كشف صفحة الكسوف..
يا لخسوف الشمس، تحت جنح الظلام،
تنسلُّ خجلاً من وظيفة الحرية،
وتعطي خيوطَها لتاجرٍ قادم من كلية الحرب!
يا لنساء الجزيرة،
ابعثن زرقاءَ اليمامة، مجدداً؛
فما حيلةُ الغراب
سوى النواح على حائط الأمل،
وما للأمل إلا العزاء.
22/8/2011
مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس
أعرف أن قلبي لن يمكث هنا طويلاً
بين تلال سحقتها المستوطنات
وقصيدة حزينة يغنيها المطر.
أعرف أن ثمار النكبة
كانت شعراً
يصفق له النحل والطيور
ترقص فرحاً
والعندليب
أخفى صوتَه احتفالا
بألمعية شاعر.
ما دخلُ القصيدة بالضلوع
ما دخل الخسارة بقصة حب من طرفين
ما دخل البيارات
بمن تركوا غبار السنوات
وارتحلوا صوب الياسمين.
أعرف أن قلبي لن يظل هنا طويلاً
سيرحل مع مُغنٍّ جوال
يطوّف الذكريات
ينسى حقول القمح
يوغلُ في الحنين
وينسى صلاة الغائب
يكتب على صبورة الماء
مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس.
ثقيلٌ أنت يا ليلُ
ثقيلٌ حين تجثم فوق ضلوعي
ثقيلٌ حين تطلب تقليبَ الأسى
فلماذا تعاود الزيارة
تفسد أحلامي
كلما هرمت قسماتي
وشاخت سنوات الغربة،
وتقطع وعداً للظلام
أن تدفن أوهامي.
يا حزنُ أعرف أنك لن تغادر تلال الغراب
لن تحكم على الأشجار بالإنحناء
والموت بالابتسام
لن تًروِّضَ غزالةَ الشؤمِ التي سكنت أطرافَ صدري.
صدري لن يمكثَ هنا طويلا
ظلالي ستغيب
شمس عمري ذائبة في كوبِ شايٍ صباحي
فصل الربيع لن يهزم طاعتي للألم
وكلما رحلت سويعات الغروب
تلاشت رويداً
حماسة البستان لقطف الغيوم.
بريد الندى بطيء
بريد الذكريات بطيء
بريد الفجر لا يأتي.
أعرف ما لا أعرف
وحصتي في شتاء العام
أقلُّ من حصة المروج والسهوب
أقل من ندبة على جبين الجبل
وأكثر من حكمة رعوية منحتْ قطيعي للناي
وخرافي للعويل.
أعرف أن الذئاب تَرِقُّ لإناثها
والصيف يَرقُّ لواحته
واللبؤةُ ترق للملك
والغابةُ ترق لخدرٍ سري يعبر خلاياها
كل قسوة تلين
إلا ليل منفاي الطويل.
جروح العاشق تلتئم
جروح الغدر تلتئم
جروح الغيوم تلتئم
جروح أيامي ينابيع.
أما قلبي فلن يمكث هنا طويلا...
المريضةُ بنقص التذكر
سأتجنبُ اللظى والنعمة
العافيةَ ودعواتِ النسوة الجالسات على قارعة النسيان
سأتجنب الحديث عن المرأة
ولهاث الوطن تحت غبار الفكرة.
اليومُ الذي تكبر فيه الرزايا
ليس منسوجاً على منوال الجبل
النسوةُ كممن أفواه الربيع
وفي كل جنازة تعبر القرن الأفريقي
يتلكأ صبي أسمر
عند نبع الموسيقى.
دَلِّلي مهدَك
مجِّدي عفة الخيال
اعصري الملح في قبضة لوط.
تكبرُ الفجيعة
ترفع رأسَها نحو شرفة النعاس
يقترب شعراءٌ مخصيون من ظلال عَدْن.
النوقُ تدلقُ حليبَها على مرآى الرماة فوق جبل أحد
الغبارُ يلف قافلةَ الحجيج إلى مكة
قافلة العبيد
يجلدهم نخاس أعور
إلى سفينة التاجر الأبيض
تموت إرادة السهوب
تعزف المتاهة لحن الفراق.
لن نشتم الجلادين
لن نبيعهم طحين الصبر وكمثرى المرح
لن نغبطهم على بحبوحة الألم
سنعطيهم مزيداً من الوقت
ليحزوا رقابنا أكثر.
دليلاً تحتاجه السماء
لتقلع عن لهاثها نحو الطين
برهاناً لا تحتاج السماء
لتصبَّ كنوز نرجسها في يد الحمقى
يتلونون في كلِّ معصية
يقيمون صلاةَ الموتى
احتراماً للفراغ الواقف خلف الأرملة
تمتدُّ الأيدي لنقل رفاة الزمن
تتحشرج ألسنةُ السخام
تتفتق قشورُ الخطيئة
تخترع الحيوانات مجازاً جديداً لربطُ اللجام برأس الحكمة
ترحل الطيور نحو الفجر
تعود من رحلتها المدينة
قاهرةً عدوها اللدود
خليفتها المكروهة
بنتَ السعادة.
تأبى الحاجة للنهار
تسدُّ رغبةَ الغريب
تدقُّ ساعة النوم
فرس الدير.
يعزُّ علينا أن يرحل
بابا السرمدية-1-
ملاذُ الطريدة الهاربة
حاملاً تاريخ الأسى
وكبرياء الوردة.
تكسرت سيوف الغازين
فوق رقاب الضحايا
تمزق شمل النفاق الوطني
تناثر جيش الكذبة
انحرفنا عن كنيسة القيامة
نسينا ناي المسيح
وصليب التلحمي.
يا حزنُ
علِّلْ سبب النار في "باب الواد"
علل سبب الحقد في قلب الغراب
حاول أن تقنع الأرض بزيف الروايات
خرافة العبور
ورماد الهيكل
الوهم سربال العقول
المريضة بنقص التذكر
وفحوى الورق القديم.
سنفتح لبلقيس طريقاً للشام
ونعطيها قبة الصخرة لتزفها الى مأرب
نرشُّ الفضاءَ بصُفرة الهدهد
حاملاً بلاط الخطيئة
إلى خالق الندوب.
طوقْ أحلامنا بالرضا
واعتقْ مرارة الزيتون
فارقْ موتى شطط الأسطورة
واحمل لبذور الدم سمادَ الرعب.
حَوِّمْ فوق قبة الندى
اعفُ عن خطيئة الزهر
الزمان عدوك السري فلا تتوهم عدوك المنظور
ستحتكم لشمعدان النسيان
وتذرو خيانة المطر
ثم تكشف عري السماء
وصلاة البغي.
جلنار ينسجُ بيت العنكبوت
طحالب تتسيد مشهد الوليمة
عفنٌ يحرس الميتم
شيمة الزمهرير هطولٌ مرير
تحرير رقبة
أو قطعها بسيف الشفقة
يتسلى السرطان بأمعاء الحليب
تذرف الخنافس دموع الغبطة
على قبر الخضرة
تصلي الديدان شكرا للجثث
شكراً لنعمة الطعام....
يمطر الرب سَنىً ومسرة
تشعل الجوقة نشيد الدود
تعالي إلى ترابي يا جثة الشهيد
سنسوي الطين بالدم
ونغرق العصيان برذاذ الكفن
نطفئ نار الشواء
ونملأ الفراغ بتراتيل الأبدية.
الذنوب تؤوب من رحلة الجسد،
دون أن تحبس عدواً واحداً في خريف المعصية
تحمل قامة السنديان علامةً على المهانة
تحصي بيوضها الطازجة
وتعود حاسرةً
بلا رفاق يقيمون وزناً لاعتبارات الدين.
نتلاعب بحكمة الموت
نسرد دموعاً ونفكر في بقية النهار
نزج بفضيلة الميت في حبات التمر
نرمي ذكرياتِه تحت درج التعازي
نحرص أن نُشيِّد شاهدةً تفي بالوهم المزعوم.
لا مرارةَ أبشع من سيدها
تنثر الزوابع رحمتها فوق رؤوس الصِبية
تخفق السماء في وصف حزنها
تضحك كل مرة تطالها يد الغدر
خواءٌ يعقب الحديقة
بلاء يخبئ قميصه في معطف الزوال
والنصيحة حق الميت في السلام
وبثّ خواطر تشي بالآخرة.
الدعاء يوحي بالطاعة الساكنة في أعماق القبور
والماء يذبل في جسد التراتيل.
تلك المنسية بين سلاطة لسانها وفجورها
تمطُّ وجهها المعدني باستنكار علامات الوداع
تمنح الموتَ سبباً وجيهاً للقسوة
ومن غيرتها على حائط الكآبة
تسمح للفئران بالعَدْوِ في أقبية اللعنة.
لن نسمي الأشياء بأسماء النجوم
لن نمازح القدر ونضربه على ظهر يده
لن نُسرِّح قطعان أفكارنا في برية الرسل
سيندم آدم اللية
ويبكى حسرته بين يدي كليوبترا !
وسفرح امرأة العزيز للوشايات
ستحمل عطر وصيفتها وتسكب جبروتها في بئر الجدل
ستطعم الديدان حكاية الببغاء
وتغرق الجنة بعطر التشهي
وثلاثة أرباع الندم.
لم تكن حكمة السلطان ورقَ بردي يلفُّ متاهة الراهب
أو حيرة الصوفي
وجهٌ أزرق يخرج من بالوعة الخراب
يبشر بغراب أبدي.
بنات آوى تعيد الإعتبار للحكاية
تغمس هلع الموتى
في عسل النكران
وكيفما تجلت نعمة النظر
تنضوي القلاع في كهف الضباب
تحت سيف المهزوم.
لتحرير الدنس من بياض الرأفة
تتسع الأزقة
تمطر الحيرة فوق سهول الرضا..
يشرب بيت الذكرى من دم الشرفات
يشتهي سيف العدل قطناً للجفاء
تسري الرعشة في عروق الدهشة
محملةً برفيف الغوايات
ترفرفُ الحمامات فوق سور القصيدة
تهدل بالسر
لمرآى البياض
تخضرُّ الريح من لفح البحر
وتبيض العيون من عهن الوضاعة
تتبدل المحميات
بساتين الصراخ
والعداوات تحمل جريرتها بكامل الحبور.
السراب جسد للنهار
السهو رسول الكلام
وتحت خدر النائمات في وحل الكسل
تموت العصافير
والشاهد يرفع إصبع الكناية
في وجه الجريمة.
جنايةٌ كاملة.
25/3/2012
- البابا شنودة الثالث رحل في 17/3/ 2013م.
- باب الواد في القدس وفيها وقعت معركة شهيرة عام 1948م انتصر فيها الجيش العربي واستطاع تحرير القدس من اليهود.
لن ينتهي اسم فلسطين
لم ينتهِ الكلامُ لأجدِّل حبائلَ الصمت
وأمشط شعرَ اليقين
لم ينته الوقتُ لأكسر ساعة الزمن
أرمي بها في سلة الفراغ.
لم ينته العمر
لأضع رأسي عند مقبرة القنوط
وأربط جسدي بوتد الهزيمة.
لم تحترقْ روما
لأجلد نيرون بسوط الجنون.
*
لم ينته الكلام
لأغلق فمي بقماش الخيبة
أشطبَ اسم بلادي من أطلس الجزيرة
وأدفعَ الجزية للعابرين.
*
سأربحُ الحربَ لأن الطين بيتي
والبحرَ جاري
والنجومَ شقيقاتي الغافلات
والسماء ستدرك فحوى رسائلها.
*
لم ينته الكلام
من دفتر الحياة
من ألوان الصغار
وأحلام الجدات
ولن ينتهي اسم فلسطين.
*
لم ينته الكلام
لأقصَّ جديلة أمي
وخطواتها فوق تراب البلد
وآثار أجدادي
آثار أيديهم على حيطان البلد.
لم ينته الكلام
لأقر للمحتل أن الحكايةَ وصلتْ لطريق مسدود
وأن المدينة ضاعت للأبد.
لن ينتهي الكلام
لأنشدَ الشعر في زوال الأبد
وفراغ يوم الأحد
من عطلته
وبداية تاريخ السبت
في هيكل أو معتقد.
لم يبتدئ الكلام
كلامي بعد
ليكتب المهزوم في النهاية أعذارَه.
سأكتب طالما ظلَّ في دفتر الشعر حرفٌ واحدٌ
وظلَّ في خزانة الله مدد
وأصيح في آذان الدهور والمجرات:
هذي البلاد بلادي
مذ خلق الله كونَه
وكان واحداً أحدْ.
26/7/2012
جسدٌ للبحر
رداءٌ للقصيدة
تلبسُ الحقيقةُ رداء الشعر؛
تميلُ بنا كفة السماء،
رويداً رويداً، نحو خسارة الجبال؛
الجبالُ التي تذوبُ بين يديّ الأساطير..
توشحتُ بنرجسِ الماضي،
أفقتُ من غفوة الهزيمة،
المدينةُ انتصرت علي؛
التاريخ أسفر عن أنيابه؛
تجاوز حكايتي الناقصة.
من لم يفكر بتوبة عن طغيان الكرز؛
من لم يفكر بثورةٍ بحقِّ زَوان الحقول.
*
ترانا أبْعَدنا السماءَ عن وقتِ سقوطها المحتم،
أم منحنا الأرضَ مبرراً للكبرياء؟
ملعونةٌ أرضك، يا أورشليم،
مسلوبةٌ من ضمير الأطلس؛
مخفيةٌ في ثنايا الغبار.
........
ولي قصةٌ لا تُشبهُها القصص؛
حبلُ إعدامِ لا تقطعُه المعجزات.
أقبلتُ طالباً صفو الليالي؛
لم أسلكْ سبلاً جانبية،
لكن العتمة خوانة.
لا أبتغيك، أيها الضمير المقطوع من رهافة الفراش.
أختلفُ مع نظرة الفيلسوف للقوة؛
للضرورة،
وللحرية؛
لموتِ الكلماتِ
عندَ شفاهِ الكتب.
جسد للبحر ..
رداء للقصيدة
ضرورةُ الموتِ
تخنقُ جثةَ النهر.
أحكي للسنواتِ عن بداياتها؛
للزمانِ عن قطوف أول العمر؛
للأيام عن تلكؤها المزعوم،
وللنَفْسِ عن جدوى الكلمات.
سيَّان، يا بحرُ، سيان
إن همست للشاطئ باسم حبيبتك،
أو بحتَ له بانكسارِك أمامَ العاصفة
تبقى عدوي
وأنت تحملُ سفن الغربان؛
تبقى رمزاً لانكسار الجبال
وهي تحني رؤوسها من عار الماء.
لم تخنك الشِعاب حين جاءك بونابرت؛
لم تخنك السواقي،
وأنت خنت البَرَّ
من أول الريح..
لا أحبكَ
ولا أقيم وزناً لموجك العالي؛
فكل رداء تلبسه لن يمنعني من وصفك بالسافل.
هناءٌ على هناء
بناء مُشيَّدٌ لطيور الخوف
أنساكَ لو وقفتَ على طرف الحلم
وصحتَ بالخونة:
اكشفوا أوراقكم
لن ينالَكم الدود
ستظلُّ وجوهكم مرسومةً في سيرة الخراب.
2-11-2010
آلام الجبل
أفكر في الوردة
الوردةُ وهي تموتُ بين يديّ الطبيعة
الوردةُ لا تحزن
لكنها تذوي وشذاها يملأ الحواس
كيف لي أن أصبح وردةً
فراشةً
قطناً سماوياً
يضمد جراحَ الأسرى
جراحَ المُهانين
آلامَ الجبلِ الرابضِ على مشارف الخليل
ذاك الجبلُ الذي مررتُ فوقه سنوات طويلة
وأنا أتعجبُ من انحنائه
للعابرين
وعدمَ اعتراضه على
وقاحة الغرباء
أولئك الذين جاؤوا بغبارٍ أسود
نتفوا أوراقَ الوردة
ورموا تلكَ الفراشات
بفحمٍ أسودَ
ملوثٍ بريش الحمام
ذاك الحمام الذي لم يطرْ فوقَ كتف الجبل
حطَّ بطيئاً باحثاً عن الحَبِّ
ولما رأى العنبَ معصوراً في كؤوس الغرباء
هَدَلَ قليلاً
وطار عن الشجر..
الشجر...
الوردة...
الفراشة
البلاد
وأنا أذوب بين يدي الخطيئة
كما تذوب
الحلوى بين يدي الذنوب
أيتها الحلوى
أيتها الوردة
يا عطر القطن الساقط من حقل السماء
آنَ للكمأ أن يرفعَ رأسَه قليلاً نحو الأزرق
آن للغريق أن يمسك تلابيب القمر
ويجرّه إلى شرفة البحر.
ولأني متعجلٌ نحو الوردة
مستغرقٌ في تفكيكِ أواصر علاقتها بالريح
متشككٌ في قدرة الماء على إحباط رغبتها في الشذى
أسلكُ طريقاً مغايراً للشوك
أفتح باباً موارباً للحياة
أمطُّ تاريخَ الاسفنج
وأغفو عندَ يَدِ المعنى.
عابرٌ سرابَ الكلمات
مأخوذٌ بجدية الفنار في تحرير الضوء
سابحٌ في فضاء الوردة
في نشيجها
في بكاء أوراقها
وغفلتها الأبدية
في يد الغواية تقتربُ من جسد الوردة
في ابتسامة الطبيبة
في رائحة ملابسها
في عشقها للوردة
أكتب للبياض
لقميص الحرية
يا حرية
أنا الوردة
متعددةُ الحَمَاوات
لكني حرةٌ في موتي البطيء
في بث حكمتي للقفار الجريحة.
17/4/2011
تناثري يا موسيقى الزوبعة
سأدفعُ هذا العامَ
إلى العام الذي يَليه
سأطويه بيدينِ من حَريرٍ
ألملمُ أيامَه الغابرة
وأحرقُ لياليه بخوراً لحُزْن الأمهات.
*
سأدفعُ هذا العام إلى مَصْطبة الماضي
أجمعُ أيامَه وأطْلي بها جدرانَ الخزان
رُبَّانُ الكونِ لا يّعدُّ السنواتِ مثلنا
لا يستخدمُ الرزنامةَ والتقويم البابلي
يقي عينَ العاصفة من أَثَر العمى
يفتِّش المجراتِ
عن إسفنج رَجْراجٍ
لا يشربُ خمر العصور.
*
سأدفعُ هذا العام
إلى ركنٍ قَصيٍّ في الذاكرة
أدكُّ طياتِه بحَديد النكران
أربطُ يديهِ بأوتادِ الندم.
*
لعلَّ السنواتِ تتصادقُ كما تفعلُ الجبال
أو تتقافزُ كالقرود
وبين سنةٍ لا تحبُّ أختَها
وسنةٍ تغارُ من أيامِها
وزوجِها الذليل
تتكومُ رابطةَ الجأشِ ملايينُ الشظايا.
*
سأدفعُ هذا العام
إلى العام الهجري البعيد
أقلِّبُ أعوامَ الميلادِ على نارِ الحكاية
ينبغي للشهور المفصَّلةِ بلا رتوش
أن تتواضعَ بين يديّ الصباح.
*
لَبسنا حُلةَ السنواتِ وملابسَها
وكتبنا على دفاتر الأيام
جداولَ الحنين والألم
تقسيمَ الليل والنهار
إلى نغماتٍ حزينة
في سيمفونيةِ العزاء.
*
أيُّها المايسترو الخفيف
شُدَّ وثاقَ النوتة أكثر
تغريني المساحاتُ البيضاء
صمتُ القبور
صخبُ الموتى،
هدئْ من روع الكمان قليلاً
ولا تخفي أنغامَ الغيمة.
*
أيها المايسترو الناصعُ اليدين
قّلِّل خطوطَ البهجة
في تعاريج البيانو
لكي يكون ملاذاً لوأد الضحية.
*
وأنتَ يا عازفَ الناي
صَعِّدْ زفير التوبة
حتى تتقطعَ ...
أنفاسُ الصديق.
*
أيها المايسترو الحاملُ عصا الريح
تخففْ من آلات القرع
ليس مناسباً دقُّ طبول الحرية
في ساحات الذبح المكشوفة للذباب.
*
تناثري يا موسيقى الزوبعة
تقاطعي مع قهقهة الرعد في مقهى المقبرة
تسلَّلي فصولَ العام الذي طَواه المُؤذن
وسطَّحه الشمَّاس
وواتيني عند كَعب السماء
لأسر لكِ سراً ..
لا تقوله النسورُ للمرتفعات
ولا النوارسُ للبحر
ولا الصدى لبيتهوفن.
*
أيها المايسترو السريعُ البَّديهة
بيننا الكثيرُ من القمح
والسهول
وأنتَ تطردُ أيائلَ الخريفِ من حديقةِ النوم
تطاردُ ذئابَ الخطيئة
في جبال الأولمب
أراها تصرخ في بابل
تعوي ضاريةً في صحراء الهند
تمطُّ رؤوسَها منكسرةً في معابد البوذيين.
*
أيها المايسترو المُحلِّقُ في "براغ"
وأنت يا (عاملَ المنجم)(1)
في تنزانيا
كلاكما يُجمِّل العراء
يمسِّد خطى الغريب.
*
إيه يا مايسترو الكونِ
دع الصَّبيةََ تفكُ جديلةََ الرَّجاء
ترقصُ رقصةََ الحرية
ولا تمتدح نباهةَ الذكر
في خيال المرضى.
*
سلمتِ أنت يا غيومَ الكونشيرتو
تدفعين قلبي للندى
تدفعين روحي للسكن
كم يحتاجُ الجريح
إلى بلسمٍ طريّ
يُسدي للسراب
معروفاً
وللحمقى شعوراً بالرضا
وللمهزومين مساحةً في السيمفونية.
الساعاتُ مياه الأعوام
وفي كلِّ ساعةٍ يَشْرُق البحرُ بموجه
يستفيقُ الصخرُ من قسوته
ينجلَي قلبُ التراب
عن ثورة حبٍّ لشجر التفاح.
*
الغوايةُ
كلَّ ثانيةٍ تدقُّ
سكاكينُ تنحرُ صدرَ الشَّفق
حمراءَ تعتريها الرعشات.
*
عامٌ وعامٌ وأعوام
وما بينها زبدٌ يتهاطل
بحثاً عن دم مسكوب
روحٌ تتمطّى تحت عرش الزمان
تدقُّ ساعة الميلاد
يتناسى الأمواتُ عقارب التوقيت
يبنون بيوتاً من زلاتهم في ظلالِ الجنة،
يقذفون بالساعات الرملية
يكسرون دقاتِ الأرض بأرجلهم
يركلونَ أحذيةَ السراب
ويشدّون الأعوام في رُزمٍ للتصدير.
*
من يَدِ الأطْلسِ الباهتِ الخطوط
إلى باب جنة الله على الخارطة
تتعانق سنواتٌ من عصور مضت
وحبيباتُ عطر ترشُّ إبْطَ المعجزات.
أسبوعٌ يرحلُ نحو الفناء
يليه شهرٌ بلا عكاز يقطعُ صلاة الظهر
وعامٌ لا تفجعُه السنوات.
*
سأدفع الخريفَ ليقسِّم أيامَه بين عَامٍ وعَام
عارٌ على بقية الفُصول
أن يحتفظَ الشتاءُ الكَسول بإحساس العادة
عارٌ على شهر الصيف
أن ينكسرَ تحتَ ليل الشتاء
ويحني رأسه بين يدي الربيع.
*
الربيع
ملائكةٌ يدفعونَ الخَشبَ إلى أتون الزَمْهَرير
ملائكة يشدون الحبالَ بقفازات ملونة
ملائكة يثيرون سُخط الفراغ
يقتحمون عزلة الخراب.
*
الربيع
ليس لشهوره عامٌ ولا نصفُ عام
ليس لأيامِه سنواتٌ تتجمعُ في بُركانٍ طائش
يَحرفُ الغروبَ عن ذلِّ النهايات.
*
العامُ ينعصرُ بينَ يَديَّ الليلة
مثل وعول تسْحقُ الفَجْرَ
وتسكب دَمَهُ الأحمر
في كؤوس الخيال
الأحمرُ تغسلُه القتامةُ عند انطفاء السماء
يرتعشُ بلا سراج
ليرى السوادَ مُجلَّلاً بكلماتِ المِحن.
إنْ تَفتَّحّ النهرُ في قَبْضةِ الزَّهرة
تطَّلع الجبلُ نحو اللطرون(2)
حاملاً طريقَ الآلام(3)
حاملاً درباً لم يسْلُكُه ورثةٌ ولا مشعوذون
لم يسلكْه إلا مؤلفو كتبٍ وعاهرات
لم يرفع قبضتَه حارسٌ حديدي
في وجه جلجامش
ولم تخالطه المضاداتُ الحيويَّةُ
في عالم الموتى.
*
دعاء
يا ألله إن لم تكن ناري في السنوات
وقودي في الآثام
صديقي في فروق التوقيت
نصيري في العداوة
صنيعي في الرضا
شقيقي في المحنة
ربيبي في الدهور
إلهي في الندم
سأطفئ سراج النبوة
وأخلِّص العتمة منكَ ومني.
19/1/2012
دعاء
يا ألله إن لم تكن ناري في السنوات
وقودي في الآثام
صديقي في فروق التوقيت
نصيري في العداوة
صنيعي في الرضا
شقيقي في المحنة
ربيبي في الدهور
إلهي في الندم
سأطفئ سراج النبوة
وأخلِّص العتمة منكَ ومني.
19/1/2012
1- رواية "فتى المنجم" للجنوب أفريقي بيتر ابرهامز.
2- دير في القدس واسم بلدة في الرملة غرب القدس المحتلة وقعت فيها معركة شهيرة عام 1948 بين الجيش العربي والقوات الإسرائيلية.
3- الطريق التي سلكها المسيح إلى مكان الصلب بعد أن حكم عليه الرومان بالموت.
سَنُسوي البحرَ أرضاً
إلى أبطال المقاومة الفلسطينية
سَنُسوي البحرَ جيشاً
والغيمَ سداً
ولحمَنا ملاجئ
وَنسوي الماء عاصفةً
تراتيلَ نصر
وندفع ظلمةَ الشاطئ.
نُعيدُ الزهوَ إلى لون البرتقال
والنور إلى وجه الضحايا
كي لا تواري الحقيقة وجهها في التيه
وتصغي لسوء النوايا.
إجلسي هنا أيتها الغائبة عنا
نحن لون وجهك النقي فلا هروب من سطوة الشمس
ومعنى الحكمة القديمة
وتفسير الجلالين
ونبوءات البساتين والجدات الراحلات.
نسوي رموزهم فتاتاً وشظايا
وصوت الرمل شعراً
السماءَ صدى قصائدنا
البيوتَ قلوبنا
والشهداءَ أشجاراً
وندى
ونسوي الضيق متسعاً
ونرفض أن نهادن.
نسوي المدى
حدوداً
والفضاء حديداً
ومعادن.
نسوي لحمَنا الحيَّ بلاداً
أحلامنا وطناً
ذكرياتِنا حاضراً
وغداً.
وندير وجه الشمس صوب الأفق قليلاً
نغسل صدأ المفاتيح
بحرير دمنا
ونعطل سمومَ الري
في حقلهم الرعوي.
نعطي الفضاءَ جزيل الشكر
ونمنح المحبين بيارةً للصبر
بكينا كثيراً على دروب التأويل
ولم ترأف بحالنا أمهاتُ الغجر.
تزوجنا الأرضَ
بعنا قلوبنا للسماء
ولم ترأف بحالنا الطقوس
والمنافي.
نسوي لحمَنا خنادق
دفاترَ أطفالنا حدائق
أصابع الجميز فدائيين
وبيوتنا غباراً.
ونحزن إذ نقصف بلادنا هناك
فهي أجدادُنا
..ذكرياتُنا
إنها حكمةُ الرموز تفرُّ من كتب الطغاة إلينا
ونُعيد ترتيب الصفات
والصفحات
نعيد الخاتمة.
خذ بيدنا يا إله اليهود
يا إلهنا الحيَّ
يا إله الجنود
ولا تُخفِ وجهَكَ خشيةَ الجدل
كنْ عادلاً مرةً
واخفض صوتك لنعرف رقصةَ الحجل
وأولَ الطريق إلى الجليل
رعشة الأقدام تسري إلى رفة الجبل
ودرب المسيح إلى آلامه.
نسوي البحرَ ملاذاً
والطيورَ صواعق
وكلما داهمنا الحبُّ في تشرين
فتحنا حدود الألم
مرَّغنا وجه العجز في حديد يأسنا
حديد بأسنا
انتصرنا على الموت
انتصرنا على دود الأرض
على حرائق المخطوطات
على خيانة التاريخ
ورموز الكهنوت.
انتصرنا
قليلاً انتصرنا
ولسوف ننتصر
لم نحلم بحق الضحية في إبادة الخصوم
نحلم بالغناء فوق جنازات العابرين بلا أثر
ستنضم فلولُكم لجموع الغزاة
وتعداد المارين فوق صدورنا العارية
تكبر بياراتنا
كما تكبر حبة القمح
تكبر تلك النطف
كي تروي للغد
بعض الجراح
تروي كثيراً من الزلل
وقليلاً من الأمل.
لم نسقط كثيراً عن المألوف
تشتتنا مليون شظية ومخيم
ظلّ طين الأرض يغري لحمنا بالعناق
عناقاً مع الأرض يعلو الشهيد منا
عناقاً مع الروح يطفو دمنا على وجه السماء
ملائكياً يحاور سبع سماوات
ويهبط بنا
إلى ذاكرة العشب
ذاكرة التين والزيتون
ذاكرة القش الغزي
وشارع عمر المختار
وتل الهوى
وأبراج الحمام.
نسوي لحمَنا وطناً
دموعَ أمهاتنا خنادق
قبورَ أطفالنا معجزات
وأيديهم بنادق.
نسوي كلَّ حبةِ رملٍ بلداً
نقسم باسم الفجر
باسم الله
أننا عشاق فلسطين
طيور النصر فوق ركام الحرائق.
سَنُسوي البحرَ سداً
نسوي الغيمَ جنداً
لحمَنا خنادق
َنسوي الأرض بركاناً
تراويدَ نَصْرٍ
وأغصان الليل بنادق.
كتبنا على درج البحر
على حيطان الصبر
أسماء البنات
وأسماء الأمهات
صور اللجوء والنزوح والنكبات
علَّقنا في سقف السماء
خارطة فلسطين
وأسماء القرى
وأسماء الشهداء.
سنسوي البحرَ أرضاً
والحواجز ناراً
نسوي الصفيح سدوداً
والعصافير قنابل
وبلحمنا العاري
بدمع أطفالنا
بجوعنا الضاري
بأحلام موتانا
نقاتل.
20/11/2012
قصيدة أنابوليس*
يرفعُ الرافعون أيديهم ويمضون
يجمعون أوراق الخريف ويمضون
يكتبون أسماءهم على دمع الشقيقات
يوقعون بالأحرف الأولى على جثة الكلمات.
لم يتأخروا كثيراً
سبع سنوات لا تثقل كاهل التاريخ عن سعي الماء للسيلان
سبع سنوات لا تعني توقف الحكمة عند أعتاب الفلسفة
سبع سنوات عجاف لا تفضي إلى عكسهن في حلم الملوك
سبع سنوات تجدِّد سبعاً عجافاً
وكلُّ معنى لا يبدل معناه.
يرفع الرافعون خطاباتهم ويقرأون
هنا أنابوليس...
تجتمع العصافير
تطلُّ برأسِها ترى بعض القتلة هنا
بعض العجزةِ هنا
وبعض الحمقى.
شيءٌ من الدم ينفر في الصورة
خارطة العراق تبدو ممزقة في نافذة في حيفا
غزةُ تخضع للخليفة العثماني
مقاطعُ الجغرافيا تسقط في كأس النبيذ
مدنٌ مقدسةٌ بالخراب
مستوطناتٌ تهدم الجبال
خرابٌ يَعمُّ الأرض
هنا تبحثُ الملائكة عن مبرر للخيانة.
سرابٌ يكره التمنيات
كل قبيلة تعرف قاتل نبيها
تجردت العواصم
تنازعت ريحها الخيبات.
حبذا النشيد الوطني
حبذا توزيع أباريق الفضيلة
حبذا تذكير العروش بحق الطيور في التجول،
وحق الزهور في الذبول
وحق البعوض في المواعظ.
يرفع الرافعون أيديهم ..
ويمضون
يكتبون "سلام الشجعان" على قبور الحياة
والنجومُ جائعةٌ لبرق أبيض
يلمعُ في معارج الخراب
يلمع في نهار الطلبة.
أنابوليس
ليست تحذيراً للعدو من الخطر
ليست ترميزاً للمأساة
ليست تحليلاً لدراما شكسبير
او تعبيراً عن حظ القطط
فرصةٌ للرثاء
فرصةٌ للطيران
بعيداً عن حقول الغضب.
27\11\2007
*مدينة أمريكية عقد فيها مؤتمر فاشل للسلام في الشرق الأوسط في 27/11/2007م.
انشغالات
1
أنشغلُ اليومَ بما ينشغلُ به العاطلُ عن الصمت
أثرثرُ للأزهار عن سيرة المطر
أروي للتراب بعضاً من حكايا القبرات
أُسِرُّ للغزلانِ:
قصةَ حُبٍّ لطائر السنونو.
2
أنشغل اليوم بما ينشغل به العاجز عن الكلام
أحلم ببلادٍ من فراش
بجنة من أنهار وطيور
بمرج واسعٍ من خضرة
بوطن بلا حواجز أو طرق التفافية
بجبال بلا مستوطنات
وبأعداء لا يريقون دمَ الزيتون
ولا يخلعون جذور الكبرياء.
3
أنشغل اليوم بما ينشغل به نافخ الكير
أنفخ أيامي على جمر الأمل
أُسَخِّنُ خامة الانكسار
أحرق صدأ الزمان
أشوي فلذة كبد العصور
أبرد منشار الخلاص.
اكتفيت بالنار
اكتفيت بحكمة الحديد المصهور.
4
أنشغل اليوم بما ينشغل به المؤذن
أصيح في الظلام:
من أنا أيتها العتمة
من أنا أيها الصمت
من أنا أيها الكهف المخمور
ومن أنتَ يا سارقَ الأوتار الحزينة.
5
أنشغل اليوم بما ينشغل به المُصور
أطبعُ عمرَ بلادي على طابع النسيان
أمسحُ كلام الأجداد عن وجه الغبار
ألتقط بكاميرا الحنين
وجهَ زغرودةٍ لم تصعد سماء الكائنات.
6
أنشغل اليوم بما ينشغل به النحات
أنحتُ سنواتِ المنافي
أصنع من هزيمة الفينيق
تمثالاً يليق بالأسطورة.
7
أنشغل اليوم بما ينشغل به الزنجي
أدوزن نوتة الحرية
أحبُّ اللون الأسود
أرقص التام تام
وأربط اسمي باسم الثورة.
8
أنشغل اليوم بما ينشغل به السجين
أحطِّمُ حديد الزنزانة
أطيرُ فوق سطوة التاريخ
وميزان القوى
أخلع جدران الأسر
أفكًّ قيودَ الشمس
وأرمي السجان إلى هوة الخسارة.
9
أنشغل اليوم بما ينشغل به الطحّان
أهيء قمحي للمطحنة
أدفع سنابلي للرِحى
أعدُّ أيامي خبزاً للمنافي.
10
أنشغل اليوم بما ينشغل به العبقريّ
اضع رأسي تحت شجرة التفاح
بانتظار سقوط إحدى النجمات
لأكشف سرَّ السماء.
11
أنشغل اليوم بما ينشغل به الفلكيّ
أراقب أيامي من مرصد الهفوات
أسكب قطرات الحنين لما مر من غيوم
أرصد تحول المجرات
وأهمس للفجر :
باسم حبيبتي الغجرية.
12
أنشغل اليوم بما ينشغل به الوثني
أعبد صنم الحرية
أقلب آلهتي بين يدي الطبيعة
أوقن الآن أنك طريقي للايمان.
4-11-2010
وأنا مَيْتٌ
وأنا مَيْتٌ؛
أرى ما لا يُرى
كنتُ استعرتُ عينيّ هُدهدٍ
وحساسيةَ خفاش
ونسيتُ أنْ أدفنهما معي.
وأنا مَيْتٌ؛
تحت ترابٍ بارد ورطب
أُدوِّرً على ملاكَيَّ فلا أجدُ تفاحةً أو سوطاً
تناسيت موتي
تناسيت حقي في قبر فرعوني
ونسيت أن آخذ صورتي معي
لأضيفها على بطاقة التعذيب.
لم يأتني أحدٌ من الموتى
بقيت وحدي أفكر فيما مضى من لعنات!
*
وأنا مَيْتٌ؛
وحشرجةُ الروح فارقتني
لم تناد باسمي امرأةٌ ولا حورية
لم يسألني أحدٌ عن اسمي
ومهنتي أو اسم بلادي
لم تعرفني العفاريت
ولم يروا وجهي في بيانات المَدْفن
فأجَّلوا عقابي ليوم بعيد..
رفعتُ كفني
عالياً
صرختُ طالباً
حقي في الموت
أَرْجَعوني
للعناية الحثيثة
أفقتُ من غيبوبتي
خشيتُ أن أروي للممرضة البدينة
بعضَ ما مرَّ معي في غرفة الموتى.
*
لم يصدق غَسَّال المشفى أني عدتً
لم يصدق حفارُ القبور
.....
لا وقتَ لحدوثِ المعجزات،
لا أحدَ يصدق السماء
اخفضْ صوتَك الرعوي
وعدْ لقبرك الأثير
هنا تُمضغ الشهوات
هنا لا فرقَ بين الماضي والحاضر
لا فرقَ بين الموت والزهور
شفاهُ الترابِ تأكل من بين يديكَ طحالبَ الندم
سترتاحُ من عناء الحكمة
تنام في سريرك الشعري،
تقبلْ دعاء الطيور
واخلد لنومك الأبدي
لا شيءَ يستحق الحياة
لا شيء يستحق الحياة.
*
لستُ نبياً لأثق بالوعود
لا وعدَ يجعلني مطمئناً في ظلام القبر.
*
وأنا ميْتٌ....
أفتشُ بعينيَّ عن الدود
عن حقي في تكذيب المواعيد
عن طَرف شالِ أمي
وعن رائحتها
ما فائدة الموتِ
يا موتُ
إنْ لم أجدْ أمي في انتظاري؟
*
لا شيءَ هنا في القبر
لا شيء مما توقعت
كلُّ شيء مظلم وبارد
عظامُ موتى قريبةٌ من مخدتي
وجماجمُ تذكرني بأصدقائي
عيونٌ غائرةٌ في الزمان
تبكي من الخديعة
ومن كذب الأحياء.
*
تراخ قليلاً أيها القدر
أما كان يمكن تأجيل السفر إلى نهر الأموات؟
أما كان يمكن حلّ تلك المعضلة العالقة
في كومة الأسئلة؟
هل صدقوا الأحلام والأوهام
حتى جاؤوا باسِمين
وجئتنا بلا صورةٍ أو هُويّة
عدْ إلى أعلاك
حتى يقترب تدوير وجهك من وجه أنكيدو.
صعدتُ مجرى النهر
تحت الطين عالياً وعارياً
كيف صدقتَ الشعرَ وكذَّبت الموتى
صدقتَ السماء وتناسيتَ سر الطين
يا موتُ رويدَك هنا لأصلحَ رأسي قليلاً
وأشربَ كثيراً من الخمور
وأقتلَ الدودَ في جثة صديقي.
آه يا أنكيدو
يا عدوي السابق
وصديقي الخالد
أما كان يمكن أن تهرب مني ومعي؟
في يد الغيمة
ليستْ لهم حاجةٌ للنوم
الليالي صائبةٌ
والعمى نهار.
ما بين الرأفة والقصيدة
خيطُ نارٍ مطفأ.
أدخلُ دارَ القضاء
لا يسمعني قاضٍ أو شاهدٌ
أخرج مُصفداً
طريقي الآلام
زنزانتي غوايتي.
كلما الحنين داهمني
دمعتي ..
على
خدّ الورق.
خانَكَ الصديق
خانتك القابلة
أبقتْ يدَ الباب مواربة.
الكلمات
قابلةٌ للتكرار
حافلةٌ بالفجيعة
لا سياطَ تحمي الحكمة
البوذي طليق
في غابة السوريالية.
بلا جسدٍ
يمشي القميص
يده في يد الغيمة.
ليس مجنوناً
لكنه فكرة
ليس عاقلا
صار مَيْتاً!
يدُها للنهر
الماء عدو الماء
الضفة تغوي
لعابُ الجبل يسيل.
يهبط القمر إلى دفتر الشهيدة
ينيرُ خوفها
ما أجبنَ حبر السماء!
واقفةٌ أشجار الجميز
تظلِّلُ وجهَ الجناية.
يبدو أنني غائب
والقيامة مرّت
دون أبواق.
.....
حسراتٌ تفرشُ سريرَها قرب الموقد
تتراجع القطيعة
تنوخ الجمال بأطنان العاج.
في البحر حكايات
في شاطيء البحر حكايات
في قوارب الصيد حكايات
في غزة دم طازج.
بعيداً يجثو العدو
يحتفي بنبيذ الجار
يكسر يد الشفق.
لستُ يائساً
البحر عدو الأرض.
نعشُ الديانات
تسلَّلَ هابطاً
محاطاً بسياج العفة.
الصقر يطيرُ
يدُ الصاحب تنزف
يد الخليل
بلا سلاح.
حمامةٌ
تتلو صمتها
وتطير ...
يا لون الضحايا
الأزرق غريب!
أريد مساحةً جديدة
لغةً جديدة
لأكتبَ جَدَلَ العصافير
ومراثي الحجر.
دليلٌ واحد
دليل إضافي
على جثمان يتيم.
يتحرى الفجرُ
لونَ الدم.
أدخلُ الكلمات
نضارةُ الحروف
تسرد الفضيلة
يا لهزائمَ القصيدة.
ينكسر الورد
تنكسر الذاكرة
آه لو برقت نجمةٌ وحيدة.
ليست لهم حاجة للوداع
أمواتهم بلا أكفان
والمسافر لا يؤوب.
خيط الأمل يتعرج
أعلى الجبل يصعد
أسفلَ الكلام يهبط
حولَ نفسه يدور
لا يصغي له شعاع
يحملُ ضوءه
ولا يترجل.
سيعود
كم مرةً ضاقت به الدنيا
رفاقه للموت يمضون
ويرحل عالباً في الكِناية.
خاويةٌ سلالُ الوقت
لم يتركْ لي الماءُ نطفة واحدةً
أو قبضةَ ماء
أرشُّها على وجهِ اليأس.
*
لم يتركْ لي البحرُ شجناً لمُحبٍّ
قصيدةً لمُغتصبٍ
تلويحةَ يد.
*
خاويةٌ سلال الوقت
والأصدقاء يفكرون بدغدغة الحقد
وترويضِ النجوم
ما للنجومِ ومزاج الأفق
هم يريدون إظهار المودة
حتى بزرع أشجار يابسة
في بستان النميمة.
*
لم يتركْ لي البحر حبةَ رمل
أفْرُكها في عين الخطيئة
لم يبقِ لي صخرةً واحدةً
أرسمُ عليها وجه بلادي
وأخفي في عقاربها سمومي.
*
ليست معلقة على حبل الثأر
تلك القطعة الملونة في حلبة المصارعة
حمراء يسكبها حرص المراهن
في عين الثور
في شرايين الخسة
دمٌ يغلي في عروق الخَوَر
دم يطلي جسد الولد المهزوم
دم ينفر من شفة المغيب.
*
البنفسج يرسم صورة في الماء
فأس الحطاب تقطع الرغبة في التشكيل
النار ليست صديقة الأمنيات
تشتعل الغابة
حين يغفو عصفور وحيد
بعيداً عن هشاشة الفجر.
*
ونمضي بعيداً في تحرير المعنى
في تقبل الكينونة
في رفع آيات الثناء لمزاعم العجرفةّ!
ننسى لون الحروق
وسرِّ اختراع الجروح
وانصياع المطر....
مطرٌ غزير يمحو خطى المطر
مطرٌ كئيب يسرق السوسن
يسرق خطى المارين فوق جثة الأساطير.
ثالوث الأباطيل لم يتكوَّن تحت إبط السماء
في نَعلي الحصاد
جَثتْ أفعى التوراة.
*
بكلماتٍ مثل الكلمات
لرمادِ أرضٍ يحملها بروميثيوس
كان يحملها في وضح الحكاية
حين تنتبه الذئاب من غفوتها
لا يفكر الجوع فيمن أشعل الحروب
أو واصل ما تبعثر من سديم.
*
وبِردِّ تاريخ العفونة لرغبة السلطان
بتذوق حبر العابرين
يمجِّدُ الشعبُ وهمَ المعجزة.
*
أفقْ يا رغيف الخبز من دحرجة الخرافة
عُدْ لسنابلك الجافة
عدْ لطابون النار.
*
تمتلئ الجناية بمُحامي الجناية
تتقطعُ أشلاءُ الماء
والجهالة تمدًّ رجليها في وجه الدهور.
*
تطير بنا الخفة
تتوقف عند مرتفع هابط
وجسر مقطوع.
*
أساطيرُ تاهت في مجاري الكلام
لم ترتطم بنهاية الضوء
تغلغلت في دم الفريسة
صارت عبادةً وديانة
وحده الزوال يدوس المعاني.
*
لم تترك لي الأساطير
حريةَ خلع الماء من جذوره
والشجرِ من باطن الإستكانة.
*
السيوفُ مهملةٌ عند أقدام الخليفة
المعسكر البعيد
فارغ من الجنود
حيث هزم النوم جيش الإسكندر
تقطّعت السبل بغيوم الحكمة.
*
لم يتركْ لي الماء نطفةً واحدةً
نطفةً أو نطفيتن
أو قطرة ندى
أرمي بها
في سلال الهجيرة.
دمٌ يجرُّ البحيرة
دمٌ يجرُّ البحيرةَ نحو تاريخها العبثي
مسحةُ حزنٍ تظلِّلُ وجه الجبال
أرفقُ للملاك سيرة الراحل البعيد
ينتمي الزهر لدم الفريسة
كما يتسلق الطريق ظهر الهضبة
أتسلق ظهر المغفرة
لستُ نادماً على وجع قابيل
ممتنٌ للخديعة
ممتنٌ للوقيعة
للشهوة
بين الشمس وحربة المقتول
غارقٌ في الرحمة
ولدي بستان من خرافات
أجمع القصب لأسقي عصافير الحكاية.
انتهت لعبة الغجر
لم يصعدوا درب السماء
توقفوا عند حزن الدالية
أَبَوْا إلا أن ينعموا بهزيمة الحرير.
سأجمع ضحايا الخريف
أروي لهم سيرة الورد المهزوم
أروي لبنات آوى نشيد العتمة
ضجرَ الغربان
تنهيدةَ الكهوف النائمة في النسيان.
للجنود العائدين من ميدان السجود
نثرتُ رجفات المغيب
بسطت ندى الدم الطازج
كتبت على جدار القسوة:
يجيء النهار
مُحملاً بألوان العيد
يكبر الأطفال في أغاني جداتهم
تخضرُّ السماء احتفاءً بعودة النوارس.
وكما يمتدُّ البحر في جسد الرمل
يمتد حزني في قطن البلاد
يرجف العمى عند عين الجبل
يغشى النور بياض الخراب.
ممتنٌ لآدم وحفيده نوح
ممتن للحديد المصهور
ممتن للقتلة
رفعوا سقف المعجزة
وَشَموا الظهيرة بألوان الشمعدان.
وأنا أدبُّ في التراب
كما تدب العلة في الأفول
أُسْقِطُ أستار الله على فجائعه
يمضي الكمان حراً من أعذاره
يسترخي النهر عند ساعد الوجع
أكتب للشهداء وصفة العودة للمقبرة
بأسمائهم يذهب العطار لحفار القبور
بأسمائهم يبعث الخليفة فرسانه للصيد
وبأسمائهم تغسل السماء يديها.
أديم وجهي صوبَ من لا يرى كرامة الأغصان
أحَذِّرُ الرأفةَ من شفقة الحليب
لا بدّ من ليلٍ طويل طويل
لتكتمل المسرة.
أنا ميمون
بيَّاع الحب في الاندلس
الأمواتُ لم يستيقظوا
لكنهم استجموا في نبع الموسيقى
فوق شفاه السكرانين.
*
لتعذرني الحسرات
سأستقيل من وظيفة القهر
في هذا الفصل التركي
تعبتُ من الأسى
ومن تاريخ العرب
أنا ميمون
بيّاع الحب في الأندلس.
*
أنا نبيُّ اليهود
تخليتُ عن قومي في سيناء
وفي الأردن أعفيتهم
من الوصايا.
*
يا محمد
قلبي طافح
بالحب
لكن على طريقتي.
*
كلما حدثني الربُّ
عن آثامي
سامحته
على وظيفة المخبر.
*
قلبي فارغ من الحقد
قلبي فارغ
حتى البياض
قارغ من كل شيء
الموسيقى غسلت فؤادي.
*
على البحر
ينثر الأتراك غناءهم
هنا يبحرون في النعيم
تُحلِّق النوارس
تزف الأغنيات
إلى شاطئ الفرح
تبتهج السماء
والكلمات.
*
أخناتون
أيها الفرعون المؤمن
في معبد الخنوع
جمَّعت كل الآلات
في ناي الخنوع
وضعت الآلهة
والعبيد!
*
تحاذر الفئران
أن تمسَّ السماء
لأن الخرابَ على الأرض.
*
يستريحُ البحر
كلَّما مسَّته الريح
تستريح الريح
كلما مستها الشمس
تستريح الروح
وحيدة في منفاي.
*
يهبط الرب
وحيداً
بلا رعية
وبلا أنبياء.
*
ناقصة حروف الغَزْل
تتقاطع مع وجه الخسة الأصفر
في بيت العنكبوت.
*
حاذرْ أن تفرح
في مدينة القبور
وبوازع الرحمة
تسلَّق سور الآخرة.
*
بإصبع وحيدة
أوقف الأرض في قلب الصواب
أتحدى حمرة الشمس
وأشعُّ من مشكاة
الزمان.
*
سيكون من اللائق للحرير
أن يعود للدود
خيانةُ البشر
كفيلةٌ بندم الكواكب.
*
أمن كل دِمنةٍ زهرةٌ
ومن كل مزبلة جنرال
متى يبزغ النور
من قلب هذه الشتيمة؟
*
تغويني المشاعر
وتحيط بي
الضغينة.
مطعم بسطنجي فصل اسطنبول 24/1/2014
فصل؛ التخت الموسيقي.
الغزالةُ في بيتي
إنْ جئتَ تبحثُ عن الكلمات
فها هي طازجةٌ لدي
أو كنتَ تبحث عن الشعر
فتأملْ هذه الأوراق
أو جئتَ تسمعُ الموسيقى
فإنها تموجُ في روحك
وإن كنت تبحث عن سبب للكراهية
فتِّشْ عليه في صدرك.
سأوفرُ عليكَ العناءَ والتعب
هنا خرابٌ في القصيدة
هشاشةٌ في الكلمات
إرتباكٌ في المعاني
غموضٌ في الصورة،
وبما أنك قادم للبحث عن خلل
لا توقظ دماغَك الشرير،
سأعلنُ لكَ ببساطة
لا شيءَ عندي جدير بالاهتمام.
*
سينام الطبالُ والراقصون
وينام عازفُ المزمار
ويهدأ الفيضان
وحده حفار القبور
يحلم بقصور فسيحة
لزائرينَ جددٍ.
*
أراكَ في الكلمات
أراك في المحو
وأضحكُ
من رحيل الربيع.
*
شجرٌ تعلوه الحكمة
سماءٌ تعكرُ صفوَها الأرض
قابليةُ المطر
تمخر رؤوس الأفكار.
*
مستودعٌ فارغ
وصناديقُ الكلام
ملآى باليقين.
*
العيونُ الخائفة
لم تخنْ معناها
تركت رموشَها على الذكريات
وارتحلت بعيداً.
*
أفكرُ في الرماد
وقبله في الحريق
وأستريح لو هطلت عليه الأحقاد
ومحا أثارَه البركان.
*
غربةٌ في غربة
المعنى دار
والمنفى وطن.
*
لا تستريح السماء
لا تستريح الأشجار
لا تستريح الطيور
وأعشاشها أقفاص.
*
القمرُ يسكب دموعه
الشمسُ تجفف الجدول
المساءُ حزين.
*
لستُ صياداً
الغزالةُ
في
بيتي.
آخر ما قالته الكلمات
آخر ما قالته الكلمات للطبيعة
آخر ما قالته الحديقة للثرثرة
آخر ما قالته المريضة لربها
وآخر ما قاله الزلزال للجغرافيا
لم يُصغِ النهر لما قالته الكلمات
لم يصغ الصباح لما قالته الأزهار للصدى
لم يصغ أحدٌ لما قالت المريضة المنقولة إلى ثلاجة الموتى
لم يستمع البركان لنصائح الخريف على سطوح الربيع.
ما لم يقله أحد لأحد
ما لم يقله شاعر لنفسه
ما لم يقله شعبٌ لجلاده
ما لم يقله عبيد لسيدهم
ما لم يقله جيش لعدو
تقوله الحرائق للرماد
يقوله الرماد للريح
تقوله الريح للهباء
ولا شيء يقال مما يُصغى إليه.
غيرَ صدى صوتِك في الملكوت الهابط لا تسمع
غير صدى نفسِك في برية الآثام لا تمسك
غير عناء الأيام عن متابعة انحراف الساعات
وشطط العقول نحو تبرير الصبوات لا ترغب.
ناي وحيد
يعزف لحن العدم
في سهول التلاشي.
عن حكمة تنزُّ الحكمة نحو نهايتها
عن جهل يكتب الجهل مسراتِه
عن غطرسة يمدُّ الأسى لسانه
عن تلاعب بالكلمات
تداخل في الحروف
تمازج في النقيض؛
يواصل الكمال خذلانَه للشر
يواصل الضجر كتابة قانون الخواء.