يقدم لنا الباحث الجامعي الجزائري هنا دراسته عن دور الصحافة الوطنية في إثراء المعجم اللغوي للمواطن الجزائري الذي تشكل عنده مسألة التعريب أحد القضايا المهمة في تشكيل هويته الوطنية والعربية على السواء، ويكشف عن دورها في إثراء مفردات العامة والمثقفين على السواء.

الصحيفة الوطنية ومساهمتها في بناء المعاجم المتخصصة

صحيفة (الفجر) أنموذجا

علـوش كمال

اللغة العربية من اللغات التي لها شرف المنزلة وشرف الخلود، كون الله سبحانه وتعالى كفل لها هذا الشرف والخلود على وجه الأرض، وجعلها لغة القرآن الكريم، وحفظ لها هيبتها وقوتها، وما من شك أنها تعكس هوية الإنسان العربي المسلم المتسامي في أخلاقه وروحه، وصورة الحضارة العربية الإسلامية، بل صورة المجتمعات العربية الإسلامية المتميزة في سلوكياتها وأخلاقها وعاداتها وأعرافها وثقافاتها. وللحفاظ على اللغة العربية ومسايرتها لما يحدث من تطورات ومستجدات في هذا العصر على جميع المستويات، اقترح الباحثون وضع استراتجيات محكمة تهدف إلى تطويرها وترقيتها وجعلها مسايرة للحاضر ومنها على سبيل المثال تعريب التعليم، والاهتمام بالترجمة، والعناية بلغة الطفل، ووضع المصطلح وتوحيده، وتعليم اللغة العربية لأغراض خاصة، بالإضافة إلى تخطيط المخطوطات العلمية التراثية، وتدريس علم المصطلح كعلم أساسي، واستثمار الحاسوب في تعريب التعليم، واهتمام وسائل الإعلام والصحافة بترقية اللغة العربية الفصحى وتنميتها. (1)

وانطلاقا من هذه الأخيرة (وسائل الإعلام والصحافة) التي كان لها أثر جلي في نشر هده اللغة وتعميمها في كثير من الأقطار، سأحاول تبين مساهمة الصحيفة في بناء مادة المعاجم المتخصصة العصرية بصفتها مصدر أساسي من مصادر جمع مادتها اللغوية، بداية من الحديث عن الصحافة والصحيفة، ولغة الصحيفة، ثم الحديث عن أثرها في تنمية لغة الوسط الجزائري، ثم الإشارة إلى حاجتنا لبناء مادة المعجم المتخصص العصري من الصحيفة، وفي الأخير أتطرق إلى تبيان مساهمة صحيفة الفجر في بناء المعاجم المتخصصة العصرية كأنموذج.

الصحافة فن صناعة الخبر بغرض الإعلام والتثقيف والتعليم والدعاية، ويكون ذلك بالكلمة المطبوعة أو الصورة (2)، أما الصحيفة هي مجموع الصفحات التي يتم نشرها وفق مواعيد محددة وبشكل انتظامي، تحمل مجموعة من الأخبار في عدة مجلات السياسة والثقافة والرياضة، الاقتصاد،الاجتماع،الأدب، الصحة،الدين، الواقع، والممارس لمهنتها يسمى صحفيا.(3) ومن أنواع الصحافة المطبوعة الصحف اليومية، وصحافة الحائط الثابتة، كصحافة المساجد والمدارس، وصحافة تجارية تختص بالتسويق والدعاية والإعلان، وصحافة إدارية خاصة بأعمال المؤسسات والإدارات.(4) وتذكر بعض الكتب أن أول صحيفة في الجزائر هي بريد الجزائر، غرضها سياسي عسكري، أنشأها المستعمر لتشجيع واستقطاب المعمرين، ثم اصدر جريدة ثانية اسمها المرشد الجزائري، والتي كانت موجهة للشعب الجزائري بغرض التطبيع معه، وبعدها صدرت صحيفة المبشر سنة 1847، ثم توالت من بعدها عدة جرائد كالمنتخب في مصالح العرب، والمبصر ظهرت في قسنطينة 1883 والمنتقد للشيخ عبد الحميد بن باديس 1925، والشهاب وصدى الصحراء، ووادي ميزاب في جنوب الجزائر، والبلاغ والإصلاح.

ومن شروطها الطبع الرسمي مع صدورها وفق مواعيد محددة، إما يومية أو شهرية أو أسبوعية أو فصلية أو سنوية، كما أنه لابد أن تحمل اسما تشتهر به يميزها عن الصحائف الأخرى. (5) ومن ميزاتها السرعة في الصدور ومسايرة الحدث، والتنويع في الموضوعات، وأكثر انتشارا وقراءة من حيث الرقعة الجغرافية، وأقل ثمنا، مما يجعل قراؤها متنوعين كالحرفيين والتجار والمعلمين، وتسمح بتكرار الخبر والإعلان يوميا. (6) أما عن أدورها الرئيسية فهي تثقيفية تعليمية إخبارية ترفيهية، وتساعد القارئ في طرح أفكاره وآراءه تجاه قضية ما عن طريق سردها للأحداث ومتابعتها، وهي تتيح له أن يحلل ويناقش مقالاتها، وينقدها ما دامت بين يديه، بعكس الراديو أو التلفاز الذي لا يمكن التحكم في ما يقدمه من برامج تمر على السريع.(7)

إن ما يميز لغة الصحيفة الألفاظ البسيطة السهلة، وإيثار التراكيب القصيرة، هذا النوع من الأسلوب المعتمد، كان نتيجة التأثر بالصحف الأجنبية المترجمة، والذي شاع فيه استخدام الجمل الاسمية كوحدات، فهي لغة تثير القارئ، وتحركه وتشوقه للاستمرار في القراءة، وهي بهذا الإيجاز تحرص على إيصال المادة الفكرية، وتجمع بين البساطة والجمال، وسرعة الأداء والتعبير.(8) وتعتمد أيضا استخدام التراكيب اللغوية المبنية للمجهول، كأميط اللثام، وقتل فلسطيني وجرح آخر، وحصرت جماعة إرهابية، وهذا لحكمة مفادها عدم التورط في نقل المعلومة،(9) بالإضافة إلى أنها تحفل بثروة لفظية ومصطلحية متنوعة منها ما هو عصري ومنها ما هو تراثي ومنها ما هو حديث.

ولذلك يسم الكثير من الباحثين اللغة العربية بالتطور، كون الداعي الذي جعل اللغة العربية متطورة هو الانفجار المعلوماتي الهائل، الذي أدى بها إلى ضغط الأساليب، واعتماد الاقتصاد اللغوي لتبليغ المعلومات بكفاءة جيدة، مع مراعاتها الزمن،(10) ومن هنا لابد من معرفة الدور الذي تلعبه الصحيفة في تطوير العربية وتنميتها ونشرها في أرجاء واسعة. لا تتوقف مهمة الصحيفة عند تقديم الخبر وإيصاله للمجتمع بأي طريقة ووسيلة كانت؛ بل لابد أن تجعل هذا المجتمع جزء من الحياة اليومية، مساهما فيها مؤديا دوره كما ينبغي، فهي تتخذ من اللغة أداة طيعة للتواصل معه، ومع الجماهير بأصنافها المثقفة وغير المثقفة؛ وإنما هي من تساهم في توعيتها وتثقيفها وتوجيهها، وصنع الرأي العام فيها، وهي بذلك تكسب المجتمع لغة جديدة عصرية تتنوع بها معارفه الجديدة، يتجلى ذلك من خلال:

رفع مستوى لغة العوام إلى اللغة الوسطى التي لا ينبغي لنا أن ننظر إليها بمنظار سلبي، فهي تدنو من مستوى الفصاحة، لكنه ليس دنوا يهبط بها لمستوى العامية عندنا؛ بل خصوصيات العمل الصحفي تتطلب الاختصار لكم كبير من الأخبار في زمن قصير، فهي بذلك تساهم في القضاء على العامية بنسب متفاوتة عند بعض من جمهورنا الجزائري العامي، وقد أصبح العامي يفهم لغة الصحافة والصحف المكتوبة نتيجة التداول والاستعمال اليومي، ومتابعته لما يحدث يوميا، ويظهر ذلك فيما شاع في وسطنا الاجتماعي من تراكيب وألفاظ، نسمعها في مجالس السمر، والمقاهي وكثير من الأماكن العمومية، والتي يتضح للعيان أن مصدر تعلمها هو الصحيفة الوطنية الجزائرية ومحاكاة أساليبها، كالجزائر الخضراء، والتحالفات، والضمانات، وانسحاب القوات، فتجد الطفل وكبير السن والأمي والحرفي وسائق سيارة الأجرة، وكل شرائح المجتمع مهما كانت درجة ثقافتها ووعيها باللغة قد حفلت بشيء من اللغة العربية الفصحى، والفضل كله يرجع لما تقوم به الصحيفة من مجهودات.

وللعلم فإن الأسلوب الصحفي لم يؤثر على لغة العوام فقط في مجتمعنا الجزائري بخاصة، والمجتمع العربي بعامة؛ بل حتى الطبقة المثقفة منه، فكم من الأدباء الذين تأثروا بالأسلوب الصحفي وهو ما يفسره قول شوقي ضيف: "إن معالجة الصحافة لموضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ضمن أدبنا وجه بعض الأدباء إلى استعمال الأسلوب المرسل، رغم أن هناك من يهتم بأسلوبه، وجعلهم يوازنون بين ما تقتضيه متطلبات العمل الصحفي وما يتطلبه الأدب." (11). إن لغة الصحيفة الوطنية لغة عربية معاصرة، فهي لغة تخدم الكتابة في الأدب والعلم بكل فروعه، وهي لغة الفن ولغة الإذاعة ولغة المحاضرات الثقافية تصلح لكل باب من أبواب العلوم، (12) ثرية بالمصطلحات، والألفاظ وأسماء المخترعات، والشخصيات والأماكن، ويفهمها الجميع ويستطيع الكل التواصل بها، وقد كان لها دور كبير في إثراء كثير من المعاجم اللغوية العربية المعاصرة، واعتمدها واضعو المعاجم كمصدر أساسي، وكان لابد من الرجوع إليها في حال التدوين للغتنا العصرية .

ويتجلى أيضا دور الصحيفة الوطنية الجزائرية المكتوبة بأنواعها في تعميم اللغة العربية ونشرها، وجعلها مهيمنة في سوق اللغات داخل المجتمع الجزائري، وذلك بالتقليل من درجة استعمال اللغات الأجنبية، وخاصة الفرنسية التي سادت الأسر الجزائرية في المدن الكبرى، بادعاء التمدن والتحضر، وهذا القول له ما يثبته، وهو أن الانتشار المكثف للصحافة المكتوبة بقوة في مجتمعنا، قد كسر تلك العقليات التي كانت سائدة في وسطنا، والتي هي من رواسب الاستعمار، والغزو الثقافي والاقتصادي، فقد أخذت الجرائد المكتوبة بالعربية حيزا كبيرا وأوسع من حيث المقروئية اليومية للجزائريين، كجريدة الخبر، الحدث، الوطن، الشروق، المساء، النهار، البلاد، الرياضي، الوطن، الأيام، المجاهد، الشعب، المسار، النصر، الأحداث، صوت الغرب، الوصل، وأجواء الملاعب، والهداف، وجل الجرائد التي طغت على الجرائد المكتوبة باللغة الفرنسية، كجريدة الصباح والمساء والحرية .

كما أنه لا ينبغي لنا أن ننكر مساهمتها بطريقة ما أو بأخرى في تعريب التعليم والترويج له، واعتنت بالعربية باعتبارها لغة المعرفة في المجتمع العربي بعامة والجزائري بخاصة، وتجلى هذا الدور في الصحف والمجلات والدوريات أكثر، التي وظفت كثير من الأسماء لمخترعات تكنولوجية، وطبية عصرية في العربية، وجعلت من هذه اللغة لغة مجتمع المعرفة في عصرنا، (13) كتقنية الديجتل، والألياف البصرية، والصفائح الشمسية، وشبكة الجيل الثالث والرابع. بالإضافة إلى كل ذلك فقد كان للصحيفة الوطنية الجزائرية دورا كبيرا في التعريف برموز الأدب والثقافة، فهي: "لم تختف كأجهزة للثقافة ونشر المعرفة، وفي مجال الأدب لم تكتف الصحافة بإنشاء مجلات أسبوعية، أو شهرية متخصصة في نشر الإنتاج الأدبي والفني؛ بل نرى الصحف اليومية والأسبوعية تخصص أجزاء منها، أو ملحقات خاصة بشؤون الثقافة، والأدب والفن"،(14) ولذلك فإن الصحيفة أكثر رواجا للأدب من الكتاب، يمكن لأي أن يقتنيها، ويقرأ صفحاتها المتضمنة لمقالات وأسماء أدبية، وعناوين الروايات، وملتقيات فكرية، وأمسيات شعرية وفكاهية، وأعمال مسرحية وفنية ثقافية، كالرقص والموسيقى، مثلما نجده بالضبط في جريدة الخبر أو الشروق أو الفجر.

ومن مظاهر تنمية الصحيفة الجزائرية للغة العربية تطوير لغة المثقف في مجتمعنا، أو الذي هو على درجة من الثقافة، أو ذاك الذي انقطع عن مراحل الدراسة، قد طور عربيته في غالب الأحوال من خلال قراءته اليومية للجريدة الوطنية، كجريدة الخبر والشروق مثلا وتتبعه لقسم التسلية المتمثل في الكلمات المتقاطعة، وكلمات السر، والكلمات السهمية، فهي بمثابة المدرسة التي تواصل امتداداتها عند المراحل الدراسية التي توقف عندها القارئ، فهي تمكنهم من استمرار حياتهم اللغوية، أو جريدة الشعب التي خصصت صفحة لركن قطوف وحروف، وهل تعلم، وحكم وأمثال عالمية، والتي تساهم في تنمية اللغة عند المواطن الجزائري وتثري معجمه اللغوي. (15)

إن الصحيفة اليوم عامة تساهم بهذه الصفحات اليومية والجرائد المكتوبة باللغة العربية الوسطى في تنميتها، بإكسابها ثروة لفظية ومصطلحية ومفردات جديدة في كثير من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية والرياضية، وأصبحت في مخزون الفرد والمواطن، بل أكسبتها صفة الجماعة وقيمة حضارية وثقافية.(16) وهذا من شأنه أن يشكل عندنا معاجم متخصصة عصرية، من مصادرها الأساسية الجريدة. ولا شك أن اللغة العربية في يومنا هذا بحاجة لمعاجم متخصصة عصرية، يمكن أن تكون الكلمة المطبوعة فيها من أهم مصادرها الرئيسة، كون لغة الصحيفة تشكل ثروة هائلة من الألفاظ والمصطلحات المتنوعة، تندرج ضمن حقول ومجالات معرفية وعلمية كثيرة، تساهم في إثراء اللغة العربية، تحمل صفة الجدة والعصرنة، وهي متداولة في معانيها الحديثة والعصرية، والتي من شأنها تسهيل عملية الفهم والتواصل .

وقد أشار كثير من الباحثين إلى أهمية الصحيفة اليومية في اتخاذها كمصدر من المصادر الرئيسية في جمع المادة اللغوية للمعاجم المتخصصة والموسوعات العصرية، وتدوين كل ما هو جديد وحديث من الألفاظ والمصطلحات، فعبد الجليل يوسف مثلا، يرى أن العرب في حاجة مستمرة لجمع المصطلحات العلمية، والمتخصصة ما دام أنهم لا ينتجون المعرفة بفكر وإبداع عربي، وأن العلوم المعربة يحتاج باحثوها لمعاجم متخصصة، بحيث يصبح لكل علم معجمه الخاص، وهو حال الدول المتقدمة اليوم،(17) والحديث عن هذا النوع من المعاجم لا يعني عدم وجودها؛ إنما هي غير كافية في حالة ما قارنها بالانفجار ألمعلوماتي لكل علم من علوم هذا العصر، ومن جهة أخرى فهي غير مضبوطة، كون المؤسسات التجارية سارعت في التجارة بها من دون مراعاة المقاييس الصحيحة لها، وخضوعها لأهل الاختصاص.

وقبل الإشارة إلى أهمية المعجم، لا بأس أن نعرج على أحد تعريفات الباحثين له والذي يقول عنه: "مرجع يشتمل على كلمات لغة ما، أو مصطلحات علم ما، مرتبة ترتيبا خاصا مع تعريف كل كلمة، أو ذكر مرادفها أو نظيرها في لغة أخرى، وقد يكون المعجم أحادي اللغة أو ثنائي أو متعدد اللغات، وقد يكون عاما أو متخصصا، وقد يكون وصفيا أو تاريخيا أو معياريا، وقد يكون معجم مفردات، أو مصطلحات كما قد يكون معجم مترادفات أو ترجمات أو تعاريف، وقد يكون معجما هجائيا مرتبا حسب حروف الهجاء، أو مخارج الحروف، أو معنويا مرتبا حسب المعاني". (18)

ولذلك لابد لنا في هذا الباب، الاستفادة من علمي الدلالة والمعاجم في جعل اللغة العربية مسايرة للحاضر، ومواكبة لكل مستجداته، فليس من العيب أن تكسب اللغة العربية ألفاظا جديدة وعصرية تواكب بها ما تقتضيه العولمة من تطور، وتحول في جميع مناحي الحياة، الاقتصادية، والثقافية والسياسية، والاجتماعية، وما تفرضه التكنولوجيا، كما أنه لا يحق لنا المساهمة في صنع هاجس الخوف على اللغة العربية الفصحى، فنبقيها بذلك لغة التاريخ، ولغة الجمود والسكون لا لغة الحركة والحضارة، ونفتح عليها باب الاندثار وعلى هوية الأمة العربية؛ بل لتكن لغة وجسر كل العصور، بوضع معاجم، وقواميس متخصصة، عصرية، تكشف عن كل ما هو مستحدث. إن الحديث عن معاجم من هذا النوع يشير إلى أهميتها، ودورها، ووظيفتها التي تتضح في قول أحمد معتوق:

"إن من أعظم ما ابتكره الإنسان لحماية اللغة والحفاظ عليها حية نامية متطورة، هو تأليف معاجم تحفظ مفردات اللغة القومية، وتتولى تفسيرها وتوضيحها، وبيان استعمالاتها، كما تتكفل بتمييز الأصيل من الدخيل، والحقيقي من الزائف، والحي من الميت، والسائد من النادر، والشاذ من المتداول المقبول، والجديد الحديث من القديم في كل هذه المفردات، فيرجع الإنسان ليتزود منها بما يتلاءم مع حاجاته في التعبير عن أفكاره، ومشاعره، ومعانيه، ونقل خبراته ومعارفه، ويتعرف على ما صعب عليه فهمه من مدلولات وصيغ، وبذلك يحيي لغته وينعشها ويبقيها ثابتة حية نامية، ويتخطى بها حاجز الزمن فيعيش مع الأجيال الماضية، ويفيد من خبراتها وما أبدعته قرائح أهلها وأنتجته أفكارهم، كما يعيش حاضره، ويعبر عنه ويصوره ويدونه لتتناقله الأجيال القادمة وتستفيد منه".(19)

وعليه فإن الثروة اللفظية، والمصطلحية المتنوعة الموجودة في ثنايا الصحف، والمجلات، أو الكلمة المطبوعة، وخاصة الجريدة كفيلة بأن تشكل أحد المصادر الرئيسية في بناء المعاجم المتخصصة العصرية، لكل حقل من الحقول التي تتعلق بحياتنا، من سياسة واقتصاد وثقافة وأدب ورياضية وتكنولوجيا، بالإضافة إلى مصادر أخرى، أشار إليها الباحثون كقصائد الشعراء المعاصرون، وكتب الأطفال وكبار الأدباء، ونشرات الأخبار، والبرامج المقدمة من قبل الإعلام، ذات المجالات المتعددة والمتنوعة، والمادة التراثية، والقرآن الكريم، ومعاجم خاصة قديمة وحديثة، وبعض الموسوعات. (20)

صحيفة الفجر أنموذجا:
صحيفة الفجر صحيفة وطنية يومية جزائرية، تصدر بانتظام، تأسست يوم الخامس من أكتوبر سنة ألفين، ومقرها دار الصحافة الطاهر جاووت –أول ماي- الجزائر، يشكل طاقمها التقني مجموعة من الكتاب الصحفيين، والمراسلين من رئيس القسم التقني، ونائب رئيس التحرير، وكاتب العمود. وقد اخترت هذه الصحيفة، لما تحتوي عليه من أقسام وملاحق، متنوعة ومتفرعة، جعلتها محطة الدراسة، ومن ملاحقها وأقسامها القسم الوطني، السياسي، الوطني الجواري، والاقتصادي والرياضي والثقافي والأدبي، والقسم الدولي والمحلي، وقسم المجتمع، والمحاكم، الواقع، والصفحة الدينية، والقسم الصحي، وهذا التنوع والتفرع في الأقسام المذكورة من شأنه أن يفي بثروة من الألفاظ والمصطلحات العصرية، المستعملة والمتداولة، بين الصحافيين والإعلاميين والجمهور، ويمكننا من رصد وإحصاء الكثير منها، والتي تشكلها حقول معرفية متنوعة كحقل الاقتصاد، وحقل السياسة، وحقل الرياضة، وحقل الثقافة، والأدب التي وقع اختياري عليها، وكل حقل من هذه الحقول تمثله خانة من الألفاظ والمصطلحات، تشير إلى إمكانية تشكيل معاجم متخصصة تنتمي إلى حقل معرفي معين، وتمت دراستي لبعض الأعداد الصادرة في أسبوع واحد، والتي تم أخذ منها عينة من الألفاظ والمصطلحات، مكتفين بقدر قليل منها وكان ذلك من يوم 01 ديسمبر إلى06 ديسمبر 2012 الذي يتضح في ملاحظة الحقول التالية:

الحقل الأدبي الثقافي
عزف/ قراءة/ جريح/ ثراء/ تجارة{الورق}/ حبكة/ حكاية/ دروع {اللغة الوطن}/ بؤس/ اللغة {الشاعرة}/ جمالية/ جزائر{الجريحة} / سخاء/ قارئ/ عشرية {سوداء}/ أصوات {إبداعية}/ سخاء{عاطفي}/ ناشر/ إخراج/ إبداعات/ مواهب/ حرية مهرجان/ تظاهرات/ رقص {شعبي}/ فعاليات {ثقافية}/ مسرح {محترف}/ مولود{ثقافي}/ حوزي حقيبة {ثقافية}/عرس {ثقافي}/ حركية{ثقافية}/ ساحة أدبية/ تراث {أمازيغي} أندلسي/أجندة/ ثمن{حرية}/ مالوف/ مسرح {جهوي}/ فن/ هامش {الأيام}/ بناء {مسرحي}/ إرث ثقافي/ أمسية {فكاهية شعرية}/ تجديد/ فرقة {مسرحية}/ فن {رابع}/ خشبة/ جمهور/ نص/ ممثل/ ساخر/ هزل/ متلقي/ مسرح {الطفل}/ كاتب/ رواق/ معرض /جسد/ لمسة/ نحت/ حدث/ فن {سابع}/ طبعة {ثانية}/ ساحة {أدبية}/ لقاء/ تكريم/ فضاء/ خيال/ احتضان/ قصائد/ عرض/ تأمل/ تفكير /تنكيت/ حكاية / حياة تمرد /كنوز/ شعور/ قطف/ وجدان/ بياض تجلي/ لغة/ صورة/ مشاهد/ صراع/ هوية/ تخطيط{لغوي}.

الحقل الاقتصادي
مدا خيل/ صادرات/ تراجع /أسعار/ منظومة/ إنتاج/ ميزانية/ مفاوضات/ ركود/ تخفيضات/ استيراد/ احتياطي/ تنقيب/ تنمية/ تمويل/ عصرنه/ أرباح/ بطالة/ صفقة/ تجميد{أجور}/ فاتورة/ أزمة/ معدل/ تضخم/ تسقيف/ تغطية/ صندوق {التنمية}/ حقول/ موارد{مالية}/ كتل {نقدية}/ مديونية/ مؤشرات/تكتل/ احتياط {الصرف}/ سقف {الأسعار}/ قرض{استهلاكي}/ سماسرة/ تموين/ صك {مالي}/ إتاوة/ سكن {ترقوي}/ ازدواج {ضريبي}/ ضائقة {مالية}/ صناعة {تحويلية}/ تنمية {مدمجة}/ مخطط {خماسي}.

الحقل الرياضي
أجواء/ منافسة/ منتخب/ لقاء/ دوري/ إصابة/ تدريبات/ تألق/ اتحاد/ أنصار/ جمهور/ كرة قدم/ مباراة/ تصفيات/ محلي/ مقابلة/ حظوظ/ ملحمة {أم درمان}/ جولة {ثالثة}/ تحضيرات/ أشبال/ أهلي/ شوط/ طاقم فني-تقني/ عميد/ عارضة/ تشكيلة/ رابطة/ ديار{خارج الديار}/ هزيمة/ لعب {مفتوح}/ بينية {كرة}/ أرضية {كارثية}/ وفاق/ راية/ تحفيز/ حصاد/ ظهيرة/ محوري {مدافع }/ أدراج {الرياح}/ بديل/ مدرجات/ مباغتة/ ظهير أيمن-أيسر/ بطاقة {صفراء حمراء}/ لقب {شتوي}/ تنازل/ ذراع {أيمن}/ قائم {أيمن}/ أندية/ انتداب/ احتياطي/ لقاء رابطة/ غرفة{ملابس}/ظفر/ركنية/تسديدة/سداسية{ضربة} كرات {ميليمترية}/ مشوار/ رجل {ذهبية}/ وجوه {كروية}/ كرة {مستديرة}/ قدم {يمنى}/ صفوف {الفريق}/ ارتباك/ مسير/ لمسات {اللاعبين}/ عمر {المباراة}/ قميص/ حارس/ مخضرم/ إقصاء.

الحقل السياسي
مشاركة/ محليات/ اقتراع/ عهدة/ سلطة/ تشريعات/ استحقاق/ فرز/ تكهنات/ تصويت/ أوراق/ تجاوزات/ نزاع/ تحالفات/ مناوشات/ عتيد {حزب}/ طعن/ ربيع {عربي}/ برلمان/ فشل {ذر يع}/ اعتداء/ عروشية/ وئام/ أزمة/ تصعيد/ ملسنات/ إرادة / أطياف {طوائف}/ مجازر/ مدني {مجتمع}/ مساعي/ ضمانات/ معارضة/ مجتمع {دولي}/ مشاورات تعسف/ إطاحة/ سحب {البساط / الثقة}/ يسار/ يمين/ أطراف/ أجندة/ هرم {الدولة}/ تدخل/ خطوط {حمراء}/ مسار {السلام}/ شفافية/ عنف/ إسقاط/ تصاعد/ تحول{الديمقراطي}/ ظلم {تاريخي}/ أهالي/ ولاء {حزبي}/ حصار/ استفزاز/ استفتاء/ تطبيع/ حقائب {وزارية}/ شفافية/ تيار {مدني}/ خطة/ حق {تقرير المصير}/ ائتلاف {حكومي}/ جدل {سياسي}.

يظهر من خلال هذه التقسيمات الواضحة في الحقول السابقة، ولما تحتويه من حقول معرفية متنوعة، قد وظفت من الألفاظ والمصطلحات ما كان منها من التراث والعصر الحديث والمعاصر، ففي حقل الأدب والثقافة مثلا، نجد: إرث، ساخر، خشبة، عرس {ثقافي}، فن {سابع}، أمسية {فكاهية –شعرية}، حقيبة {ثقافية}، حوزي، أجندة، مالوف، ساخر، احتضان، تمرد، مولود {ثقافي} أو بالنسبة لحقل الاقتصاد كتضخم، ركود، تخفيضات، مديونية، ضائقة {مالية}، مخطط {خماسي}، مؤشرات، سقف أسعار، تنمية {مدمجة}، سكن {ترقوي}، إزدواج {ضريبي}، أو بالنسبة لحقل الرياضة، وتوظيفه لألفاظ ومصطلحات رياضية، كعارضة، قائم {أيمن أيسر}، ظهير، بينية {كرة}، لقب {شتوي}، سحب {بساط}، أرضية {كارثية}، كرات {مليمتريه}، وأيضا بالنسبة لحقل السياسة الذي احتوى ألفاظ ومصطلحات سياسية متنوعة، كائتلاف، تطبيع، إسقاط، يسار يمين، ضمانات، ربيع {عربي}، عشرية {سوداء}، تكتل، ملسنات، حصار، جدل {سياسي}، فمثل هذه الـألفاظ والمصطلحات تشكل معاجم متخصصة تنتمي إلى حقول معرفية مختلفة ذات تصورات ومفاهيم متباينة.

ومما نلاحظه أيضا من خلال الجداول هو اشتراك بعض الألفاظ والمصطلحات في الحقول المتنوعة كالحقيبة التي تنتمي إلى حقل الأدب والثقافة، وتنتمي أيضا إلى حقل السياسة أي الحقيبة الوزارية، والتكتل الذي يشترك في حقل السياسة والاقتصاد أيضا، أو بالنسبة للفظ الملسنات أو المشادات (الكلامية) ينتمي إلى كل من حقل الرياضة، وحقل السياسة ويمكن إدراجها ضمن الحقل الدلالي لألفاظ المشترك تحت معجم يعتمد ترتيب طريقة الحقول الدلالية، ومن هنا نختم القول بأن الصحيفة من أهم المصادر الأساسية في جمع مادة المعاجم المتخصصة العصرية، لما تحتويه من ثروة لفظية، ومصطلحية متنوعة في كثير من الحقول المعرفية والعلمية منها التراثية، والحديثة، والمعاصرة، فهي تساهم في صنع مثل هذا النوع من المعاجم الذي يعود على عربيتنا بالفائدة، ويساهم في تنميتها وبقائها مواكبة للعصر ومستجداته، أضف إلى ذلك وعلى غرار الاستفادة منها في بناء مادة المعاجم المتخصصة، يمكن الاستفادة منها في بناء الموسوعات العصرية، لما تحتويه من أسماء الشخصيات الفكرية والسياسية والرياضية، أو أسماء المعالم والأماكن والهيئات على جميع المستويات، وما ينطبق على هذه الجريدة هو كذلك بالنسبة للجرائد الأخرى على المستوى الوطني خاصة، وعلى المستوى العربي بعامة، فهي بمثابة جسر التواصل بين ماضي اللغة العربية، وحاضرها ومستقبلها، وهي التي تجعل من هذه اللغة لغة العصر في حركية مستمرة عند المجتمع المتحدث بها.

 

hadaf85@yahoo.fr

 

الهوامش:
(1) اللغة العربية وأسئلة العصر، وليد العناتي وعيسى برهومة، دار الشروق للنشر، الأردن، عمان ط1 2007، ص 191.

(2) ينظر الإعلان الفعال منظور تطبيقي، علي فلاح الزعبي، دار اليازوري العلمية للنشر، الأردن، عمان، ط2009، ص 290.

(3) ينظر مؤسسات الإعلام والاتصال الوظائف الهياكل الأدوار، جمال العيفة، ديوان المطبوعات الجامعية 2010، الجزائر، ص 90.

(4) الإعلان الفعال منظور تطبيقي، علي فلاح الزعبي، ص 295".

(5) ينظر مؤسسات الإعلام والاتصال الوظائف الهياكل الأدوار، جمال العيفة، ص 91.

(6) الإعلان الفعال منظور تطبيقي علي فلاح الزعبي، ص 292، و ينظر الإعلان رؤية جديدة ناجي خشبة، المكتبة العصرية مصر، ط1 2010، ص 102.

(7) ينظر مؤسسات الإعلام والاتصال الوظائف الهياكل الأدوار، جمال العيفة، ص 93.

(8) ينظر اللغة العربية ووسائل الاتصال، وليد إبراهيم الحاج، دار البداية للنشر، الأردن، ط1 2007، ص118 119-120.

(9) ينظر ضعف اللغة العربية في الجامعات الجزائرية، صالح بلعيد، دار هومه للنشر، الجزائر 2009، ص 77-79 .

(10) اللغة الإعلامية ومنظومة التطوير، ديانا إم لويس، ترجمة راغب أحمد مهران، دار الفجر الجديدة للنشر، القاهرة، ط1، 2009، ص 151.

 (11) اللغة العربية بين الأصالة والمعاصرة خصائصها ودورها الحضاري وانتصارها، حسن عبد الجليل يوسف، دار الوفاء للنشر، ط1 2007، ص323.

(12) ينظر المرجع نفسه، ص 324 .

(13) ينظر اللغة العربية وأسئلة العصر، وليد العناتي وعيسى برهومة، ص 211.

(14) علم الإعلام اللغوي، عبد العزيز شرف، الشركة المصرية للنشر لونجمان مصر ط1، 2000، ص 211.

(15) الخبرص17 (26-01-2013)/الشعب ص31 (05-12-2012)/الفجرص19-21 (03-12-2012) .

(16) ينظر اللغة العربية وتحديات العصر، المؤتمر العلمي الدولي الأول، دار الصادق الثقافية للنشر، ط1، 2012،

 ص 12.

(17) ينظر اللغة العربية بين الأصالة والمعاصرة، عبد الجليل يوسف، ص 276.

(18) المعجم العربي ص 19 نقلا عن اللغة العربية بين الأصالة والمعاصرة، عبد الجليل يوسف حسن، ص 318 .

(19) ينظر المرجع نفسه، ص 318-319.

(20) ينظر صناعة المعجم الحديث، أحمد مختار عمر، دار العلوم القاهرة، عالم الكتب ط1،1989، ص 80-85.