في هذه المسرحية ـ المرثية للكاتب المصري تواجه الشخصية الرئيسية وحيدة مأساة موت أسرتها في انهيار صخور المقطم فوق بيوت حي الدويقة بالقاهرة. وبقدر ما تبكيهم تفضح في الوقت نفسه الأحوال المتردية للمجتمع، وبؤس الحياة التي كانت تعيشها وأسرتها. وكيف كانوا ينتزعون ويصنعون أفراحا صغيرة رغم الظروف البائسة. صوت "أم نعمة" يحاول أن ينتشل جثث الضحايا من تحت الأنقاض لتجعلهم باقين في الذاكرة ولا يتم نسيانهم.

أمّ نعمة

مصطفى عطية جمعة

المشهد الأول

(مشهد الأحجار الضخمة، التي هوت على منازل حي الدويقة بالقاهرة، حيث نشاهد جانبا من جبل المقطم، والأحجار العملاقة التي دفنت الجثث والبيوت، وفي الجانب عشرات الرؤوس البشرية التي تنظر بحسرة إلى بيوت كانت تعج بالساكنين، وعلى جانب من المسرح، نرى " أم نعمة " سيدة في أواخر العقد السادس، تبرز خصلات من الشعر الأبيض من طرحتها، وقد تعفر بالتراب ثوبها الأسود، وهو ثوب تقليدي مما تلبسه النساء في الريف المصري بشكل عام، تجلس " أم نعمة " على صخرة، تنتحب، وتلطم، وبالقرب منها في الصورة، بقايا منزل: أعمدة، أخشاب، أثاث محطم، دماء، ملابس ممزقة، وتصلنا همهمات الناس وهم يستمعون إلى أم نعمة)

أم نعمة: آه، آه، آه، يا خرابي،  أولادي، أولادي !  آه، يا خراب بيتي ! آه، يا ناس، أنجدوني، عيالي، بناتي: نعمة ومحمود وحنان وإبراهيم و توفيق، وعيالهم.

جاءوني،  يخبروني ... بالمصيبة، جاءوني في المستشفى:

"الحقي يا أم نعمة، أين أنتِ يا أم نعمة ؟، اذهبي، صخور الجبل وقعت على بيوت في الدويقة ..."، جريت في الشوارع، مثل المجنونة، عيالي، عيالي، وقف تاكسي لي، وقال لي السائق: اركبي يا أمي، على مهلك يا أمي، قلت له اذهب بي للدويقة، عيالي...، البيت، آه، آه.. جرى السائق بي، كنت أولول وأنا في السيارة، كان الأمل في قلبي أن بيتي سليم وإن شاء الله يسترها ربنا، وأهدئ نفسي وأستغفر ربنا وأدعوه. وصلتُ عند أول الدويقة، كان الغبار يملأ السماء، السائق قال لي: انزلي يا أمي، لن أقدر أن أدخل، نزلت، ودخلتُ، لقيت الزحام، شديدا، صرخت في الناس، افسحوا لي، وصلت لمكان بيتي، صخرة كبيرة أمام عيوني، والبيت تحتها، تحتها قلبي وعمري.

أنا السبب، أنا السبب !

تمسكتُ بهم، حلفت عليهم أن يبيتوا البارحة عندي، حلفت عليهم أن يفطروا في شهر رمضان الكريم، وجاؤوا، حبايب قلبي، كلهم، حضروا، بعيالهم، أحفادي، وزوجاتهم، تجمعوا عندي...، كان يوم الجمعة، ملأوا البيت بكلامهم، وحكاياتهم، وضحكهم، وصراخ عيالهم، ملأوا عليّ البيت...

(أصوات ممن حولها)

ـ اصبري يا أم نعمة.

ـ هذا قدر ربنا.

ـ اشكري ربنا على قضائه وقدره.

ـ اصبري يا أختي، وثوابك في الآخرة.

(أم نعمة باستسلام)

أستغفر الله العظيم ! أنا راضية بحكمتك يا رب ! الحمد لله، الحمد لله.

اتركوني يا ناس أقول ما في قلبي، قلبي نار، صدري سينفجر، أنا السبب ! أنا السبب ! أنا تمسكت بهم حتى يتسحروا عندي، قالوا: يا أمنا، عندنا أشغالنا، اتركينا نعود لبيوتنا، قلت: أبدا يا حبايبي، تظلون معي، فطوركم وسحوركم عندي اليوم، أنا روحي في أحفادي.

 آه، آه، آه...، النار...، النار مولعة في قلبي.

عند ساعة الفطور، تسابقوا على التمر، وعصير المشمش، تجمعنا كلنا على الأرض في حلقة واحدة، نفس حلقتهم وهم صغار حول حلّة الطبيخ، أو طبق الفول في العشاء أو الفطور.

(تبتسم وسط نواحها مسترجعة) البارحة، كانوا يخطفون قطع اللحم، وأصابعهم غرقانة في الطبيخ، وأنا أضحك مع أصغر حفيد لي، وهو يشدّ طرحتي، ويلعب في شعري الأبيض...، أناولهم أكواب العرقسوس البارد، يقولون "ربنا يخليكِ يا أمي "، متم وتركتم أمكم يا عيوني، متم وأخذتم أحفادي معكم، ما عاد لي خلف في الدنيا، مات اسم أبيكم، الله يرحمه، وبقيت لوحدي في الدنيا.

فطروا، وشغلوا التلفزيون، وقلبوا المحطات الفضائية، بناتي مع زوجات أولادي، وأزواج بناتي مع أولادي،الرجال مع بعض، والنسوان معي، ضحكوا، وحكوا عن أشغالهم، عن شققهم الضيقة، وعن بيتي الواسع، الحريم تقول لي: والله يا أمي، العيال تلعب وتمرح لما تأتي إلى بيتك، ربنا يطيل عمرك، وتجمعينا دائما.

الرجال يضحكون على الفوازير، وهم يأكلون الكنافة وحبات القطايف، وأنا مع الحريم نغسل صحون الفطور، ونجهز الفول للسحور.

حنان ابنتي ضحكت وهي تقول: معقول يا أمي، الفول صار عزيز على الناس، كيلو الفول بتسعة جنيهات. ضحكتُ وقلت لها: الفول أكل الفقير، الله يرحم أيام زمان، كان الفول فطورنا الصبح وعشانا بالليل، وكنت – مع كثرة العيال – أطبخ الفول في الغذاء، مرة فول نابت، ومرة فول بالطماطم، ومرة فول إسكندراني، ومرة طعمية..، وكنتم تأكلون، وترضون بما أعطانا ربنا،  الآن، والكيلو بتسعة جنيهات،  الفقير يقتصد في الفول.

(تضحك، وسط دموعها وتواصل)

قالت لهم " نعمة "، ابنتي الكبيرة حبيبتي، كانت أم إخوتها، قالتْ: تحبون تأكلون الفول بالطحينة أم بالبيض ؟ (تضحك بولهٍ أشبه بالجنون) العيال اختاروا الفول بالبيض، والرجال الفول بالطحينة، والحريم قالوا الفول بالسمن البلدي. قلت لنعمة: اعملي كل طلباتهم، أنتم عيوني.

آه، آه، الطف بي يا رب، يا رحمن يا رحيم ! (تعيد لف طرحتها حول رأسها وتسترجع) آه، آه، آه.

تسحّروا وناموا، نام كل واحد في غرفة مع زوجته، أنا عيني غفلت وانتبهت على آذان الفجر، كنت نائمة في الصالة، تركت سريري لابنتي حنان وزوجها، صحوت، وجدت العيال ممددين جانبي، وأصغر أحفادي على صدري، حضنته بشوق، يا روحي، كان متعلقا بي، هو ابن ابني الكبير محمود.

صحوت على أذان الفجر، قمت، غطيت الأولاد وهم نائمون، وناديت على أولادي، كانت الغرف مقفلة، استحيت أن أكرر النداء، كل واحد مع امرأته، قلت أصلي الفجر، كان صوت الشيخ في الجامع القريب نديا، رقيقا على قلبي، راح يقرأ القرآن، بين الأذان والإقامة، صليت سنّة الفجر، وجلست أسمعه، وأدعو ربنا، حتى سمعت الإقامة، قمت صليت الفرض، ونمت على جانبي حتى طلوع الشمس، عيني غفلت وحلمت بأبي محمود، وبأبي وأمي - الله يرحمهم كلهم - صحوت، بسرعة دخلت المطبخ، أخذت الأكل الباقي من الفطور والسحور، وطلعت فوق السطح، وضعته للفراخ.

نزلت، لبست، ورحت الشغل، قلت في نفسي: هم يصحون براحتهم، ممكن يغيبون عن أشغالهم، نحن في رمضان، والشغل في المصالح الحكومية خفيف.

(تنظر لبيتها المتهدم، وتتطلع في المتجمعين حولها ثم تقول بشجن)

تحت هذه الحجارة، بيتي، الذي بنيته من شقائي، كدي، سنين عمري، ليالي البرد الطويلة، عندما كنت أوفّر ثمن الحطب، ثمن الفحم، ثمن الجاز، وأتحمل البرد، وأشد على جسدي بطانية قديمة، وأحتضن عيالي، ونظل طول الليل ملتصقين، ندفئ بعضنا، آه، آه..، أتذكركم يا عيالي، أنفاسكم، واحدًا واحدًا، الكبير يحضن الصغير، الولد جنب أخيه، والبنت في عنق أختها. أنفاسكم الدافئة في رقبتي، وأنتم تدفنون أصابعكم في صدري، كنا ننام، ونشبع نوما، وننسى البرد، وتغمضون جفونكم على همساتي، حكاياتي، أنسى فيها شقاء اليوم.

(تمسك رأسها بكفها)  آه، آه، آه !!!

صرتُ وحيدة، يا ناس، أم نعمة التي عاشرتكم سنين... وسنين، عرفتموها تشقى لإطعام خمسة أولاد أيتام، جاءتكم من الصعيد " الجواني "، هي وزوجها "جاد الكريم "، أبو محمود، الله يرحمه، كان عامل " قروانة " يحمل الخرسانة لبناء العمارات، مسكين على باب الله.

تعال يا أبا محمود، صرت وحدي في الدنيا، عيالك، الأمانة التي تركتها لي، عيالك تحت الحجارة، حجارة الجبل، غضبت علينا، وتدحرجت من فوق الجبل، نزلت على بيتنا.

تذكر البيت هذا يا أبا محمود ؟ كان قطعة أرض، اشتريتها من الحاج حسين، كان واضع يده عليها، وبنيت أنت البيت بنفسك، كان العمال الصعايدة، أصحابك يساعدونك، وأنا كنت معك، أحمل الرمل، وأرصّ الطوب، وأخلط الإسمنت. آه، آه..

نزلت صخور الجبل، على بيتنا، على عيالنا، على سنين عمرنا، هم ماتوا كلهم، وتركوني أنا، بيتنا صار مقبرة، يا ليتنا ما بنيناه !

ماتوا اليوم، وأنت متَ يا أبا محمود من سنين، وهم صغار، تركت الخمسة، تركتهم أمانة متعلقين في رقبتي، ومتَ، كانت أكبرهم، " نعمة " في العاشرة، وأخوها " محمود " أصغر منها بسنة، وأصغرهم توفيق كان على كتفي.

(نستمع بكاء متقطع من نسوة متجمعات حولها، ونشيج من فتيات صغيرات، وبعض الأصوات تواسيها، ورجال يضربون كفوفهم، وهي لاهية عنهم).

آه يا أبا محمود ! أنت مرتاح وهم مرتاحون، وأنا أتقطع، أموت كل ثانية، لماذا لم يأخذوني معهم ؟ أين أذهب ؟ البيت راح، والعيال راحوا، وأنا في غربتي عن أهلي في الصعيد، نسوني، ونسوا ملامحي... وأنا ما نسيتهم، يعيشون في قلبي، وملامحهم في عيوني.

(تحكي مسترجعة هيئة زوجها)

 مات زوجي "جاد الكريم"، وترك العيال لي، كان الحمل ثقيلا، انشغلت بهم، أكد وأشقى عليهم. ياه، سنون طويلة مرّت، على شقائي، في الصباح أعمل "تمرجية" في المستشفى، وفي الليل، أبيع في دكان البقالة تحت البيت، أبيع الفول، وطلبات البقالة. كان عيالي يساعدوني في الدكان، يصحو محمود معي قبل الفجر، نطّلع قدرة الفول، ونحطّها في الدكان، وأقف أبيع الفول لأهل الحي، وكانت صباح في البيت تجهز الفطور وتلبّس إخوتها للمدارس، ومحمود ابني الكبير معي في المحل، أول ما نخلّص البيع، يلبس ملابس مدرسته، ويتوكل على الله، كان رجلا، مكان أبيه، ويشبه أباه " جاد الكريم "، نفس ملامح أهل الصعيد، طويل، وأسمر، وجاد، تحمل المسؤولية من صغره، كنت أشتكي له، فكان يخفف عني، ويقول: نحن أحسن من غيرنا يا أمي. والحمد لله، الدكان يكفينا، ارتاحي يا أمي من شغل المستشفى. قلت له: شغلي في مستشفى " أبو الريش " لا يتعبني يا حبيبي، والمرتب يفيد في مصاريف البيت، ويكون لي معاش لما أكبر في السن، وينفع البنات يا حبيبي. 

مرت السنون، العيال كبروا، ومحمود حبيب قلبي معي في كل وقت، يساعدني، فضّل أنه يأخذ دبلوم صنائع، وتعين في شركة الكهرباء، وكان يساعدني في البيت.

(تبتسم، وتبكي)

صمم محمود حبيبي أن يعيش معي في البيت، قال: لن أسكن في الخارج يا أمي، سأظل معك، أخدمك أنا وزوجتي، وتحتاجين من يخدمك. قلت له: البيت ينوّر بك يا محمود يا حبيبي، تزوج، وعاش في الدور الثاني، ساعدني في تربية أخوته، وزواج البنتين، وزوجته كانت يدها بيدي في كل شيء، تخدم عيالي، وترّبي عيالها.

كان محمود يراعي الدكان، حوّله بقالة كبيرة، من رأس ماله، وصار يعطيني مبلغا كل شهر، ويقول لي: أنا متكفل بالبضاعة والبيع والشراء يا أماه.

(تهدأ قليلا، تحدق في اللاشيء أمامها)

بقيت أنا وابني الصغير توفيق، آخر عنقودي، في الدور الأرضي. توفيق كان ينوي الزواج، صمم أنه يخطب بنتا من أقاربنا، قلت له: يا توفيق، نحن لا أقارب لنا هنا، في القاهرة، كن مثل إخوتك، تزوج من أهل القاهرة، هم أهلنا، وعشنا معهم، أحبونا وأحببناهم، وكان رزقنا هنا، قال لي: يا أمي، أنا أشتغل في فندق في شرم الشيخ، وأغيب أسابيع.

(تتنهد، وقد جفّت دموعها)

توفيق حبيبي قال لي: يا أمي، أنا شفت في شرم الشيخ مهازل البنات، وأحلم ببنت مؤدبة وفية، تصون عرضي وتحمي عيالي. قلت: الناس الطيبون كثيرون يا ابني، نشوف البيت الطيب وأكيد عندهم بنت طيبة. قال لي توفيق حبيبي: سأسافر البلد، وأشوف أقاربنا.

وفعلا فاجئني وسافر...، ثلاثة أيام غاب عني، واتصل بي، وقال لي: أنا في مأمورية تابعة لشغلي، اطمئن قلبي، ولما رجع، أخبرني أنه زار أخواله، وأعمامه، وأخذ لهم زيارة كبيرة، فاكهة ولحما وهدايا للعيال الصغار، استقبلوه غير مصدقين أنه ابن جاد الكريم، الذي رحل منذ ثلاثين سنة للقاهرة، صحيح كنا نزورهم في المناسبات، ولكن سنة وراء الثانية، ثقلت أرجلنا عن للبلد، وانشغلنا بلقمة العيش في القاهرة، والعيال كثرت، وصارت حولتهم ثقيلة في السفر، وضيافتهم ثقيلة في البلد.

ابني حبيبي توفيق، عاد من البلد، وقال لي: يا أمي، أنا شفت بنت خالي "أمين "، بنت مؤدبة، متعلمة، معها دبلوم الفنية، أبوها علّمها، ياه يا ابني، كنا سنسافر الأسبوع القادم نخطب بنت أخي أمين، كنت سترجعني للبلد، وسط أخوتي، كنت أفكر أسوّي معاشي، وأروح عند أهلي، مناي أقضي آخر سنيني في البلد، وسط أخوتي، وعيال عمي، ودي أني أدفن هناك، جنب أبي وأمي وجدي وجدتي. آه، آه..

       

المشهد الثاني

(مشهد بيت أم نعمة من الداخل، حيث نشاهد صالة فسيحة، بها مقاعد على الطراز المصري البسيط (كنبات بلدي)، ومفروش في الأرض سجاد بسيط، وفي الأركان ثلاجة، وبوفيه قديم...، المنظر يذكّرنا بأساس سنوات السبيعينيات السائد في مصر، وفي ركن التلفاز موضوع على طاولة صغيرة، ويعلوه جهاز الستلايت، ونرى أبناء أم نعمة: نعمة، وحنان، ومحمود وتوفيق وإبراهيم، مختلفي الأعمار، أكبرهم نعمة في الأربعينيات، ويصغرها محمود بعام، أما إبراهيم فهو في الثلاثينيات، وحنان تصغره بعامين، وتوفيق في أواخر العشرينيات من العمر، وفي الجلسة أيضا نشاهد زوج نعمة " محفوظ" وزوج حنان " يحيي "، وعدد من الأحفاد مختلفي الأعمار)

حنان: توفيق، هل نويت على الزواج فعلا ؟

توفيق: إن شاء الله يا حنان.

حنان: مبارك عليك يا حبيبي.

توفيق: الله يبارك لك، " عقبال " أولادك إن شاء الله.

يحيي (زوجها): وأين ستسكن يا توفيق ؟

أم نعمة: سيسكن معي طبعا، هل تتركني يا توفيق ؟

توفيق (بحنو): أبدا يا أمي، أنتِ فضلك عليّ.

أم نعمة (بحب): ربنا يخليك يا حبيبي، خائف دائما علي.

حنان: اتفقنا أن يكون الدور الأول للبنات، يعني يكون مرسى للبنات.

أم نعمة (بعجب): البنات تيجي على عيننا ورؤوسنا.

يحيي (بخبث): طبعا يا حماتي، البيت بيتنا كلنا.

محمود (متدخلا): ماذا تقصدين يا حنان ؟

حنان: أبدا يا محمود، أنا أسأل فقط، السؤال محرّم؟!

محمود: طبعا لا.

يحيي (لمحمود): ما لك يا محمود، وجهك تغيّر !

محمود: أنا شممت رائحة غير حلوة في كلام حنان.

حنان (بغضب): ماذا تعني يا محمود، كلامك بدون طعم.

توفيق (ملطفا الجو): خيرًا يا جماعة، نحن إخوة، صلوا على النبي، لماذا نزعل من بعض ؟

محمود: عليه الصلاة والسلام، أبدا، لا زعل ولا شيء.

حنان (متجاهلة كلام أخيها): أنا أسألك يا توفيق، لماذا لا تؤجر شقة في الخارج ؟ وتعيش مثلنا.

أم نعمة: يؤجّر شقة، ويبتعد عني ؟!

حنان: كلنا مؤجرين، ومعاكِ دائما يا أمي.

أم نعمة: أبدا، توفيق حبيبي يعيش معي.

يحيي: براحتك يا حماتي، لكن الدور الأول هو الباقي للبنات.

أم نعمة (بغضب): يا يحيي، البيت بيتي، وتوفيق ابني.

نعمة (متدخلة بلطف): أبدا يا أمي، حنان تقصد أن الدور الأول مكان لأي بنت منّا، تغضب، تحب تغيّر جو، فقط يا أمي.

إبراهيم (ويبدو الجد على محياه): وأي أخت لنا أهلا وسهلا في البيت، نحملها على رؤوسنا.

حنان (بعناد): كيف ندخل البيت، ونأخذ راحتنا، وهناك زوجة لتوفيق.

يحيي: وزوجتك يا توفيق ستشعر بحرج منا، أنا ومحفوظ.

محفوظ (تاركا مشاهدة التلفاز لدى سماعه ذكر اسمه): ماالموضوع يا يحيي ؟

توفيق: هو مشغول بالتلفاز يا يحيي.

محفوظ: ولكن سامع الحوار جيدا.

يحيي: وما رأيك يا محفوظ ؟

محفوظ: أنا وأنت ضيوف، ولسنا من أهل البيت.

أم نعمة (مستنكرة): أبدا يا أستاذ محفوظ، أنت ويحيي ولداي، مثل محمود وإبراهيم وتوفيق، زوج البنت ابن يا حبيبي.

يحيي: طيب يا حماتي، ونحن حريصون على مصلحتنا كلنا.

محفوظ (بدهاء): عموما يا حماتي، كلام يحيي ليس غلطا، هو يتكلم في الأصول، التي لا تغضب أحدا.

محمود (رافعا صوته): أي أصول ؟ أمي حرة، تسكن من تشاء في بيتها، والبيت باسمها، منذ أيام والدنا - الله يرحمه -.

(أصوات متداخلة): الله يرحمه ويحسن إليه.

(يحيي غامزا لزوجته حنان)

حنان: طيب يا محمود، لمّا توفيق يتزوج، ويعيش في الدور الأول، لا مكان لبنت ولا لابن، المكان يزدحم بجهاز العروسة.

أم نعمة (بضيق): هل تريدين لأخيك توفيق أنه يسكن بعيدا عني ؟

نعمة: هو الآن بعيد عنك يا أمي، يسافر أسبوعين، ويأتي أيام، ويسافر ثاني.

إبراهيم:  لأن شغله في شرم الشيخ.

محفوظ: طيب، خذ العروسة معك يا توفيق، بدلا أن تفارقها أسبوعين.

توفيق (يضحك): أسعار الإيجارات في شرم الشيخ ضعف راتبي.

محمود: ونحن لا نريد أن تعيش زوجتك، وتربي عيالك في منطقة كلها أجانب وفيها يهود.

توفيق: أنا أبحث عن شغل في القاهرة، وربنا يسهّل.

أم نعمة: معقول يغيب عن زوجته، ويتركها تعيش في شقة لوحدها أسبوعين، وهي ليس لها أحد في القاهرة.

حنان: عادي يا أمي.

أم نعمة (بغضب): عادي في عينك يا بنت، أنتِ نسيتِ نفسك.

نعمة: هي لا تقصد يا أمي.

أم نعمة: لا تقصد، وربنا في سماه، توفيق لن يؤجر في الخارج.

نعمة: وماذا فيها يا أمي ؟ يؤجر أي شقة قريبة منك.

محفوظ: وهو راتبه حلو، لأنه يشتغل في السياحة.

نعمة: يعني يقدر يؤجر شقة في أي مكان في القاهرة.

أم نعمة: حرام عليكم، يؤجر وبيت أمه موجود.

محمود (بضيق): يا جماعة ليس بهذا الشكل، هو شاب، وسيتزوج بالتقسيط وعليه ديون من هنا وهناك.

توفيق: والله يا جماعة، أنا مستعد أأجر شقة، ولكن هل تقبلون أن أترك زوجتي لوحدها هنا ؟

محمود: لا طبعا يا توفيق لا نقبلها.

حنان: ولو سكنت جانب أمك في أي بيت من بيوت الجيران ما المشكلة يا توفيق؟ وخلي المكان هنا لنا أنا وأختك.

توفيق (بضيق شديد): هذا ما تريدينه يا حنان. هذا هو حبك لي ؟!

نعمة: نحن نحبك يا أخي، وفكّر فيها يا توفيق، وكلنا سنساعدك، ولن نترك زوجتك أبدا.

أم نعمة: لن يحصل أبدا، الدور الأرضي هنا واسع، وأنا سأعطي توفيق غرفتين، وللبنتين باقي الشقة.

حنان: لا يا أمي، هذا ظلم، ولو جاءه عيال سيسيطر على البيت.

توفيق (بحزن): هذا هو رأيكم يعني ؟

محمود: عيب يا حنان، لا تقولي عن أخيك هذا.

حنان: طبعا يا عم محمود أنت تدافع عنه.

محمود: أنا أدافع عن أخي الصغير، كلكم تزوجتم، والباقي هو، فلنساعده، وربنا يسهّل له.

أم نعمة: ربنا يتمم زواجك يا توفيق.

توفيق: أي زواج يا أمي ؟! وإخوتي لا يريدوني في البيت.

أم نعمة: أبدا يا حبيبي، أنت آخر عنقودي، وستعيش معي، وزوجتك بنت أخي " أمين "  الطيب، ستكون ابنتي وفي عيوني.

توفيق (بحزن وحزم): لا يا أمي، سأؤجر شقة، قريبة من هنا، أو بعيدة، على قدر إمكاني، حتى لا يقولوا أي كلمة، وخلي البيت لهم.

توفيق (بغضب): والله لن أسكن هنا، وهذا قراري.

أم نعمة (وكانت منشغلة بإطعام أحد الأحفاد الكنافة): لا يا حبيبي، لا يمكن أن تتركني، هل تريد أن تتعب قلب أمك يا توفيق ؟!

توفيق (واقفا): لا يا أمي، وهذا قراري...، بصراحة يا أمي، أنا نفسي وقفت من البيت.

(يتحرك توفيق خارجا وهو يقول):  وسمعت كلام مثل السم، وكأني لست أخا لهم...، سلام عليكم.

(يتحرك توفيق إلى الباب)

توفيق: أمي، أنا في المقهى...، وسآجي عند السحور، و إن شاء الله أنا مسافر غدا إلى شرم الشيخ.

أم نعمة: توفيق، توفيق، تعال يا حبيبي..

إبراهيم: اهدئي يا أمي، الكلام الذي سمعه توفيق يوجع..

حنان (خارجة من صمتها مدركة مغزى التلميح): هذا الحق يا جماعة، ويظهر أن الحق يخز في النفس.

محمود (متصنعا الهدوء): اتركيه يا أمي، اتركيه...

(يخرج توفيق، وتتبعه العيون صامتة)

أم نعمة (باكية تناجي توفيق متجاهلة من حولها): أنت زعلان يا توفيق، أخوتك لا يقصدون... الله يسامحكم، الله يسامحكم..

                                  (إظلام)

المشهد الثالث

(نفس المشهد الأول، ونرى أم نعمة في جلستها، وندبها، والناس ملتفون حولها، ونلاحظ اختلاف وجوه بعض الناس، فبعضهم انصرف، وجاء آخرون)

أم نعمة: أنا السبب يا عيالي، أنا السبب يا أحبابي.

يا رب الطف بي !

الطف بعبدتك " عائشة " المسكينة، أم نعمة، في آخر أيام عمرها، لن تجد من يحملها لقبرها... ستموت وحيدة، وممكن أن تتعفن جثتي ولا أحد يحملني يوم خروجي، آه، آه، آه.

(أصوات من حولها)

ـ اهدئي يا أم نعمة

ـ كلنا أهلك وإخوتك.

ـ ربنا قبل ما يُبلي يدبرها للعبد.

(صوت إمام المسجد)

ـ عيالك في الجنة يا أم نعمة، وأنتِ في الجنة أيضا، تعالي معنا، صلي واستغفري ربك، وادعي لهم بالمغفرة.

(أم نعمة تناجي عيالها)

الله يرحم أباكم، جاد الكريم، كان يقول لي: يا عائشة العيال نصرة، نتكئ عليهم في كبرنا، ويحملونا في خروجنا. الله يرحمك يا أبا محمود، ويرحم أيامك وحكمتك، كانت الموظفة تأتي لنا هنا، وتوزع علينا برشام منع الحمل، وتقول: نظّموا الأسرة، يكفي اثنان. كان يضحك، ويقول: فقط اثنان يا أبله، ونحن في الصعيد ننجب وننجب، حتى ينقطع نسل المرأة، والرجل يتزوج عليها، الثانية والثالثة، لأن العيال " عزوة "، الولد يحمي أخته، والأخت تعطف على أخيها، وتساعد أمها. ولو حصل شيء لعيل من العيال– لا قدّر الله – يكون أخوه في كتف أبيه.

الحمد لله يا أبا محمود...

الضربة كانت قوية، أخذت نسلنا كله، الحمد لله يا رب.

(تحملق في السماء وتنظر ببلاهة للعيون المبحلقة فيها)

يا نعمة، آه، يا بنتي، يا حبيبتي، آه، آه.

كنتِ أختي، حبيبتي، يدك مع يدي. لما ولدتك، وكنتِ أول نسلي، أبوك قال: الحمد لله يا عائشة على البنت. قلت له: كان نفسي يكون ولدا يا جاد. ضحك وقال: البطن التي تأتي بالبنت تأتي بالولد، المهم الرضا. كان أبوكِ يضحك ويقول: البنت رزقها واسع يا عائشة، هي نعمة ربنا، الحمد لله. وسكت وقتها وضحك وقال: هي نعمة، والحمد لله على نعمته، وسماكِ نعمة. قلت له: أنت رجل طيب وصالح يا جاد الكريم. قال لي: يا أم نعمة، أول مرة أسمعها، كان طعمها حلو في أذني، من يرضَ بما أعطاه الله، الله يزيده ويبارك له، والبنت الكبيرة أم لإخوتها.

وكنتِ يا " نعمة " القلب الحنون لأخوتك، تحملين الرضيع، وتطبخين معي، منذ صغرك، يا حبيبتي، يا نور عيني، كان قلبي يتقطع عليكِ، وأنت ترجعين من مدرستك، وتقفين في المطبخ معي، وتقولين: أنا معكِ يا أمي. أقولك: ارتاحي يا بنتي. تقولين: أما ترتاحين أنتِ من شغلك في المستشفى والدكان.

آه، آه...

فضلتِ أن تتزوج أختك قبلك، وقلتِ: أختي الأول، وأنا أساعدك في الجهاز يا أمي، أنا أشتغل، والعرسان ما أكثرهم، نستّر أختنا حنان في الأول.

آه , آه، آه.

آه يا أولادي يا حبايبي

(تناجي الزوج)

الله يرحمك يا جاد.

أنت سعيت في تعييني في المستشفى. قلت لي: يا عائشة، سمعت أن الحكومة تعين الحريم في المستشفيات. قلت له: كيف ؟ قال: أبدا، تشتغلين في المستشفى. قلت: ماذا أشتغل فيه وأنا عندي الابتدائية فقط  ؟  قال لي: زوجة صاحبي تعينت فيه، وهو عرض الموضوع علي.  قلت له: كما ترى يا أبا محمود.

وفعلا، أخذ مني شهادة الميلاد، وطلع لي بطاقة شخصية، وقدم لي في المستشفى. الله يرحمه ويحسن إليه، كان رجلا طيبا. كان يقول: نحن فقراء على باب الله، والوظيفة "نواة تسند الزير". وأنا صحتي تعبانة يا عائشة، وما أضمن الدنيا، أنا رجل رزقي يوم بيوم،  يوم شغل، ويوم راحة، يوم صحة ويوم مرض. لكن الوظيفة أمان في النهاية.

آه، آه، آه...

الله يرحمك يا جاد، كنت حكيما، فعلا كلامك كان صحيحا، الله يرحمك يا أبا عيالي، تمسّكت بأن يناديني الناس "أم نعمة"، رغم أن ربنا رزقنا بدلا من الولد ثلاثة، وكنت تقول: أنا أبو محمود، وأنتِ أم نعمة. وكنت تضحك وتقول: سبحان الله يا أم نعمة، فعلا أنتِ أم النعمة، والنعمة زادت، ورزق ربنا زاد بعد ولادة نعمة ابنتنا.

اشترينا قطعة الأرض، وكان معنا مبلغ، قلنا نبني البيت بسرعة، كان الغلاء بدأ، كانت بطني قدامي، ونعمة على يدي، وأنا مع أبيك نبني البيت.

اكتمل الدور الأول، وربنا رزقنا بمحمود، والحمد لله، صار عندنا البنت والولد. قلت لجاد لما حضن الولد، وكانت الفرحة ترقص في عيونه، ماذا ستسميه يا جاد ؟ قال لي: الحمد لله، العبد يحمد ربنا، وربنا يزيده، اذكري كلامي هذا يا عائشة، اللهم اجعلنا من الحامدين. ونظر لي وقال: نسميه محمود إن شاء الله، على اسم نبينا محمد، اللهم احمه يا رب.

لا أنسى يا محمود، يا حبيبي، أباك وهو يحملك، ويؤذن بالآذان في أذنك، ويدعو ويقول: اللهم بارك فيه، واحمه من شر البشر والدنيا.

كنت رجلي بعد وفاة أبيك جاد يا محمود، يدك على يدي، وكنت أقول لهم: تعلّم أنت يا محمود، مع إخوتك إبراهيم وتوفيق، والبنتان معي في الدار، نعلمهما حتى الابتدائية، والبنت في النهاية مصيرها الزواج. كان يضحك ويقول: أبي أوصاكِ بهذا يا أمي ؟  أضحك وأقول له: لا يا ابني. قال: أوصاكِ بماذا يا أمي ؟ أضحك وأقول: العيال يتعلمون كلهم.

يا حبيبي يا محمود، حملت الهم من صغرك، وكنت رجلا مثل أبيك.

حملت " القروانة " مع أخيك إبراهيم في أجازة الصيف، وكنت تقول: ربنا يرزقنا بمصاريف المدرسة. كنت أمسكك وأقول لك: يا حبيبي، شغلي والدكان، تقول لي: البنتان معك يا أمي، وهما في أجازة مثلنا.

آه، آه، آه.

أنا السبب !

كلهم تجمعوا، وناموا عندي، توفيق رجع من المقهى، سلم علي، وقال لي: أنا تسحرت يا أمي، وسأنام...

(أم نعمة ذاهلة تواصل وهي تنظر للأحجار التي اعتلت بيتها)

كله منكِ، دفنتِ عيالي تحتكِ، كنا ننظر للجبل ونقول سبحان الله...، سبحان من نصبه، ورفعه، كنا نسمع عن خطر الأحجار، ونضحك ونقول: لنا سنون وسنون، ونحن نجاورها، الحامي هو الله.

غدرتِ بنا، ونحن المجاورون لكِ طول العمر، ولدتُ عيالي هنا، على قاع الجبل، والحجارة كانت شاهدة عليهم وهم يكبرون، يوم بعد يوم، لعبوا فيها، وصعدوا قمة الجبل، ووقفوا عليها.

أولادي كانوا يتسلقون الحجارة، ويلعبون عسكر وحرامية عليها، والبنات كانت تجلس عليها في القاع، في ليالي الصيف الرطبة، هواء الجبل يرد الروح، وفي الشتاء، ما أحلى شمسها!

(تنظر للجبل العالي)

غدرتِ بعيالي يا حجارة الجبل، أكلتِ سنين عمري، البيت، والولد، والحفيد، هل ذنبنا أننا تمسكنا أن نعيش تحتك ؟  قالوا: روحوا عن الجبل، الجبل غدار. قلنا: الغدر في البشر، الحجارة  ثابتة، والبشر متقلبون.

قال لنا مندوب الحزب الوطني، في الانتخابات الماضية: ستأخذون شققا، في مشروع السيدة سوزان مبارك. قلنا: أين ؟ قال: في القاهرة الجديدة. سألت عيالي: بعيدة عن مكاننا هنا ؟ قالوا: نعم يا أمي، هي في الصحراء، البعيدة، شرق البلد. يعني كم يا أولاد ؟  قالوا: حوالي أربعين أو خمسين كيلو. قلت: يا خرابي، هذا سفر، خلينا مجاورين الجبل، ما شفنا منه أي شيء، الحجارة التي تسقط صغيرة، ويأتي أهل المحاجر يأخذونها، وينظفون المكان، والحامي هو الله.

قال المندوب، مندوب حزب الحكومة: أعطونا أصواتكم، وعيوننا لكم. قلت لهم: أنا طول عمري في الدويقة، هنا في هذه العزبة، وأهلها وحجارتها تعرفني وتعرف عيالي. قال المندوب: طيب، أعطونا أصواتكم، ونعطيكم الشقق. قلت: معقول، أترك بيت دورين، وفيه البقالة، وأترك ناسي الطيبين، وأحشر نفسي وعيالي في شقة.

قال المندوب، وكان معه في يومها سعادة البك الكبير، الذي فاز في الانتخابات، طيب: سجلوا أسماءكم، وخذوا الشقق، وأنتم قاعدون في البيوت.

المشهد الرابع

(مشهد بيت أم نعمة من الداخل، والأولاد والبنات والأحفاد في تجمعهم، يقلّبون التلفاز على المحطات الفضائية، ويتناولون الكنافة والقطايف، ويبدو التجهم على وجوههم )

إبراهيم: الناس في العزبة تحكي عن الشقق الجديدة.

محمود: أي شقق يا إبراهيم ؟

إبراهيم: شقق إسكان الدخل المحدود، شقق سوزان مبارك.

محمود: يا عمي، أنت تصدق ؟ كلام جرائد.

إبراهيم: كيف ؟! جيراننا بدأوا يستلمون الشقق، ونحن أولى، ولنسرع في الموضوع، قبل أن تنتهي الشقق.

محمود: طيب، نسأل عنه، ونرى...

إبراهيم (بضيق): أنا سألت وعرفت الشروط.

يحيي: وما هي الشروط ؟

إبراهيم: أول شرط أن يكون الحاصل على الشقة مقيما في البيت، والشرط الثاني أنه يكون مالكا في البيت.

محمود: طيب، الشرطان لا ينطبقان عليك.

(يتطلع في الوجوه من حوله)

محمود: أنت يا إبراهيم ساكن خارج البيت.

إبراهيم (متصنعا الهدوء): أرجو أن تفهم يا محمود ما أقصده.

محمود: خيرا يا حبيبي.

إبراهيم: أنت عارف أنني ساكن بالإيجار في شقة، والإيجار مؤقت وليس إيجارا قديما، يعني بعد انتهاء المدة، يمكن للمالك ألا يجدد لي.

محمود: أنا أعرف هذا.

إبراهيم: حلو، أنا أرى أني آخذ الشقة.

محمود: كيف تأخذها يعني ؟

إبراهيم: أنت مقيم في البيت أنت وأمي، توفيق سيسكن هنا إن شاء الله، ولا تدفعون إيجارا ولا شيء.

محمود: صحيح..

إبراهيم: وأنت منتفع بالبيت ؛ ساكن في الدور الثاني، ومسيطر على دكان الوالد..

محمود: تعدد النعم عليّ ؟ ! أنا أخوك يا إبراهيم.

إبراهيم (مواصلا بحنق): ربنا يزيدك، أنا أقول الحق، أنت عندك وظيفتك في مؤسسة الكهرباء، ورواتبها حلوة.

محفوظ: طبعا، بعد أن خصخصوها وسرّحوا كثير من الموظفين، صارت تعطي رواتب كبيرة...، الوظيفة الآن صارت عزيزة وغالية.

يحيي: ربنا يبارك لك يا محمود يا أخي، وأنت صاحب عيال أيضا.

محمود: ماذا تقصد يا إبراهيم ؟

إبراهيم: أنا لا أحسدك ولا أعدد النعم عليك، ولكن لي طلب واحد.

محمود: خيرا !

إبراهيم: آخذ أنا الشقة.

محمود: كيف ؟

إبراهيم: أقدم أنا الطلب، وآخذ الشقة.

محمود: والشروط، كيف تنطبق عليك ؟

إبراهيم: أبدا، بلدك تسير بالورق، أسجل نفسي أني مقيم في البيت مكانك في الدور الثاني، على الورق، ولما يأتي المندوب، آجي أنا وعيالي نسكن مكانك كم يوم، وأنت تسكن في شقتي، حتى يتأكدوا أنني مقيم هنا.

محفوظ: والله فكرة جميلة.

يحيي: وأنت قاعد مكانك بدون قلق.

محمود: نعم، ولكن الشرط لمن يأخذ الشقة أنه يخلي البيت.

إبراهيم: لا تخلي البيت، ولا شيء، نعطي الموظف مبلغا، ويسكت..

محفوظ: صحيح، والناس كلها أخذت الشقق، وهم لا يزالون ساكنين في بيوتهم في الدويقة، وأخذوا الشقق، وأغلقوها.

يحيي: صح.

محمود: طيب عندي فكرة ثانية..

إبراهيم: خيرا !

محمود: سجل نفسك أنك قاعد في الدور الأرضي، مع الوالدة.

إبراهيم: سيضيع نصيب أمي في شقة في المشروع، يعني أنت وأمك لكما شقتان رسميا، آخذ أنا مكانك، وخذ أنت شقة أمك.

محمود: غير معقول ؟!

إبراهيم:  لا، معقول، وأمي تعيش معنا معززة مكرمة.

حنان: لا طبعا، شقة أمي تظل باسمها، لأنها مرسى لي أنا ونعمة. أنت ومحمود حلّا المشكلة بعيدا عن شقة أمي.

إبراهيم: بهذا تعقدت المشكلة.

محمود: أنت قلت إن الموضوع على الورق، طيب، سجل مكان شقة أمي، أنتم تتكلمون وكأننا سنأخذ الشقق ونعيش فيها، ونترك الحي هنا.

حنان: أنا أتكلم عن المستقبل.

محفوظ: كلام معقول، يمكن الحكومة تطلب إخلاء البيت هنا.

نعمة: لا نترك بيتنا أبدا مهما حدث.

حنان: تكلموا عن أي شيء، ولكن شقة أمي لا أحد يقترب منها.

محمود: لا تشعليها يا حنان.

حنان (ضاحكة): أنا أطالب بحقي في البيت، أنا ونعمة، وأنتم الرجال تفكرون بأنفسكم فقط.

زوجة محمود: هل نسيت يا حنان أننا ربّينا أولادك، تروحين شغلك، وتتركين عيالك عندنا، وأنا ربيتهم وكأنهم عيالي.

حنان: أمي التي ربتهم.

زوجة محمود: يا كذابة، أمك تروح المستشفى، كيف ستربيهم ؟ ألا تخافين الله على لسانك هذا؟

حنان: احفظي لسانك، أنتِ زوجة أخي الكبير، ولا أريد أن أغلط فيكِ.

محمود لزوجته: قلت لك: اخرسي، قومي من هنا، قومي.

زوجة محمود: لن أقوم والله، أنت طري معهم، وستضيع حق عيالي.

محمود (بانفعال): هم إخوتي...

أم نعمة (قادمة من المطبخ حاملة طبق قطايف): خيرا، صوتكم عال !

محمود: أبدا يا أمي، نحن نتشاور حول شقق الإسكان الجديدة، وإخلاء البيت، كما تقول الحكومة.

أم نعمة: والله أبدا، لن يحدث، لن أترك المكان ولا البيت، حتى يوم وفاتي.

نعمة: ربنا يحفظك يا أمي، هذا كلام فقط.

إبراهيم: ماذا قلت يا محمود ؟

محمود: قلت لا إله إلا الله.

إبراهيم: محمد رسول الله، ماذا قررت ؟

محفوظ: الموضوع سهل، وأنا أرى أن تستغلوا ما يعرضه الحزب الوطني عليكم، خصوصا أن النائب هنا يحتاج لأصواتكم.

يحيي: وهذه الحسنة الوحيدة لعضو مجلس الشعب هنا، تعالوا شوفوا النائب في دائرتنا، لا صوت ولا صورة.

إبراهيم: مندوب الحزب قابلني، ووعدني أنه ينهي موضوع الشقتين، شقة لي وشقة لأمك بسرعة، وسيحتاج...

أم نعمة: يحتاج ماذا... ؟

إبراهيم: يأخذ ألفين جنيه، وينهي الموضوع كله، وأنا جاهز إن شاء الله.

زوجة محمود: ونحن ماذا نفعل يا أستاذ إبراهيم ؟ نكون في الشارع. نفترض أن الحكومة أخلت البيت، أين نعيش ؟

محمود: اسكتي أنتِ.

زوجة محمود (مواصلة): يعني أنتَ تفكر في مصلحتك، ونسيت أن الحكومة أعطت مهلة للناس، والناس يماطلون فقط، الشقة من حقنا.

إبراهيم: أنتم تريدون كل شيء في بطنكم ؛ البيت والدكان والشقة ؟!

محمود: نتفاهم بالعقل.

إبراهيم: أي عقل ؟

زوجة محمود: يا أستاذ إبراهيم، لا تنس أن الدكان شغّالة برأس مال أخيك وتوفيرنا، ويدفع مبلغ لأمك كل شهر، والمبلغ هذا مقابل إيجارنا للدكان.

زوجة إبراهيم (ثائرة على زوجة محمود): أنا ساكتة لكِ، يعني أنتِ وزوجك، لا أحد يملأ عيونكم، مسيطران على البيت كله، فوق وتحت.

زوجة محمود: حرام عليكِ، هل تنكرين أن محمود ساعد إبراهيم ساعة زواجه ؟ أعطاه كم ألف، مقدم شقتك يا هانم...

محمود (لزوجته): عيب، هو أخي، ولا تتدخلي في الكلام.

زوجة إبراهيم: تعالوا شوفوا سطح البيت، كله عشش البط والأوز والفراخ والأرانب..

أم نعمة: عيب يا ابنتي، أنا التي أربي الفراخ وزوجة محمود تساعدني..

محمود: يا إبراهيم، نكمل كلامنا وقت ثاني، ممكن.

إبراهيم: لا، ننهي الموضوع الآن.

محمود: الحريم لو دخلن، سنخسر بعضنا.

محفوظ: اهدأ يا إبراهيم، نكمل في وقت ثاني..

يحيي: النفوس مكهربة الآن، اهدأ يا إبراهيم.

إبراهيم (بعناد): أريد كلمة واحدة...

محمود: صلّ على النبي..

(الأصوات من حوله تردد الصلاة والسلام على الرسول)

إبراهيم: موافق على طلبي، نعم أم لا ؟

محمود: نتكلم غدا..

إبراهيم (واقفا): هذه فرصتي، محكوم علي أني أعيش في الهواء في شقة إيجار مؤقت !

محفوظ: اجلس يا إبراهيم، الكلام أخذ وعطاء.

إبراهيم: والله لو ما حصل بالرضا، سآخذ حقي بيدي.

يحيي: ليس بهذا الشكل.

أم نعمة (صارخة): عيب يا إبراهيم، احترم أخاك الأكبر.

إبراهيم: أخي الطماع، الجشع، الأناني.

أم نعمة: أنت قليل الأدب يا ولد.

إبراهيم: طبعا، أنا الوحيد المكروه في البيت، ووسط عيالك، تحبين الأكبر لأنه ساعدك بعد وفاة أبي، وتحبين توفيق الصغير، آخر العنقود، وأنا كلب أجرب وسطهم.

أم نعمة: أبدا، عيب، كلكم حب واحد في قلبي.

إبراهيم: أنا قاعد في البيت، لن أتزحزح منه.

أم نعمة (تهدئه): أهلا وسهلا، بيتك يا حبيبي.

إبراهيم: سأسكن هنا، وسأحضر عفش بيتي، وأقعد على حقي في البيت.

محمود: أهلا بك، حقك على رأسنا.

إبراهيم: وسآخذ غرفة من شقتك.

محمود: عادي يا إبراهيم، أهلا بك.

إبراهيم (بعناد): أنا أسكن تحت في الدور الأرضي وفوق عندك أيضا، من اليوم، هذا حقي في البيت.

زوجة محمود: وأنا وأخوك نُحشَر في غرفتين ؟

إبراهيم: أنا قلت ما عندي.

(متوجها لزوجته)

إبراهيم: سنعيش هنا، وأنا أبلغ مندوب الحزب الوطني أني ساكن هنا، ويحدث ما يحدث، هذا حقي.

زوجة إبراهيم: كما ترى يا إبراهيم، هذه مصلحة عيالك، ومستقبلهم.

إبراهيم: الكلام الطيب لا ينفع في هذا الزمن.

زوجة محمود: تعال ابنِ الدور الثالث وعش فيه.

إبراهيم: أنا أبني هنا، وبعد سنة أو سنتين يأتي تنكيس رسمي للبيت من البلدية، والله لن يحصل أبدا.

أم نعمة (تبكي): تريد أن تخنقنا في البيت يا إبراهيم، الله يسامحك.

إبراهيم: يا أمي، أعيش على راتبي وراتب زوجتي، والحياة غالية..

أم نعمة: الله يسامحك يا بني، الله يسامحك..

إبراهيم: أنا قاعد، وأي واحد يتكلم أنا سأقف له، هذا حقي.

حنان: وأنا ونعمة أين حقوقنا ؟ خذوا أنتم البيت، وأعطونا حقنا مالا. هذا نصيبنا في بيت أبينا. وقبل أي اتفاق، يا محمود، تعطونا حقوقنا، وخذوا البيت امرحوا فيه، ونحن نأتي ضيوفا هنا.

يحيي: صح، هذا شرع ربنا، ونصيب البنتين في البيت يساوي نصيب رجل منكم، هذا شرع ربنا.

محمود: نحن إخوة... يا جماعة، عيب هذا الكلام.

حنان: المطالبة بالحق ليست عيبا، العيب أكل الحقوق.

محفوظ: نجلس جلسة ونتصارح فيها، ومن له حق يأخذه.

محمود: أي حقوق تتحدثون عنها ؟ أنا شقيت وتعبت مع أمكم، حتى ربتكم، سنون عمري التي قضيتها في تربيتكم ليس لها ثمن ؟ تركت الجامعة، وكانت حلم حياتي، وأخذت الدبلوم، حتى لا أرهق أمكم في المصاريف، وأنت يا إبراهيم، أكملت تعليمك العالي أنت وتوفيق وحنان.  أهذا بلا ثمن ؟

حنان: ونشكر لك هذا يا محمود.

محمود: وأنتِ تزوجتِ قبل أختك نعمة، وحملت أنا مصاريف زواجك وتجهيزك، هذا بلا ثمن ؟

يحيي: كل الناس تفعل هذا، هل سيلقون بناتهم في الشارع ؟

أم نعمة: اهدأوا، وقولوا كلاما يرضي ربنا.

محفوظ: أكرر كلامي، نقعد قعدة، ونتفاهم فيها بأخوة، وكل واحد يأخذ حقه، ما رأيكم لو كانت القعدة بعد العيد ؟

زوجة محمود: لا قعدة ولا شيء، من لا يعجبه يشرب من البحر.

محمود (لزوجته):  عيب، قلت لكِ لا تتدخلي.

إبراهيم (صائحا): ومن هنا وحتى موعد القعدة والاتفاق، أنا سأعيش هنا، وسأقدم على الشقة، حتى أحفظ حقي.

أم نعمة: تفاهم يا إبراهيم مع محمود.

إبراهيم (هازئا  وصارخا): لا يا أمي، أنا حاولت معه، بدون فائدة.. أنا قاعد... قاعد هنا، على قلبكم، قاعد غصبا عن الثخين فيكم..

أم نعمة (صارخة): لا تخسروا بعضكم، حرام عليكم..

                                  (إظلام)

المشهد الخامس

(نفس المشهد الأول، ونرى أم نعمة في جلستها، وندبها، والناس ملتفون حولها، وهي تخاطب نفسها دون الانتباه لأحد)

أم نعمة: آه يا عيالي، آه حبايبي...

لماذا يا إبراهيم ؟

لماذا يا بني ؟

هذا هو البيت، الذي ربيتكم فيه، تحت الصخر، الصخر الغاضب.

كل طوبة في البيت شاهدة على أيامي. أول ما بنينا البيت أنا وأبوكم، كان غرفتين  وساحة. الله يرحمك يا جاد، يا أبا محمود، قلت لي: نعمل البيت مثل بيوت البلد، غرفة لنا وغرفة للعيال ودهليز، و" عفشة " المياه والمطبخ.

بنينا البيت بالطوب الأحمر، والسقف من الخشب، وكانت الحيطان على المحارة والأسمنت، سنون مرت ونحن على هذه الحالة، البيت دور واحد، والدهليز غير مبلط، فقط على الأرض، وكان فيه شجرة " نبق ". العيال كبرت، وجمع أبو محمود مبلغا، قلت له: نصلح البيت. قال: كيف ؟ قلت له: نصُبُّ السقف خرسانة، ونبني الدهليز، ونطلع بالدور الثاني. قال: لماذا يا أم محمود؟ قلت له: الناس حولنا عملت هذا، ونوسع البيت على العيال. قال المهم أننا نبني دكانا في الدور الأرضي، ينفعنا، وأترك حياة القروانة، والعمال والترحيلة.

بنينا البيت، وقطعنا شجرة النبق، وعشنا فيه.

(تتنهد وسط دموعها)

الله يرحمك يا جاد، كنت حكيما، الدكان نفعنا...، الدكان سترنا، وهو الدكان الذي وقف فيه محمود وأخته نعمة معي، والآن محمود يديره، وريحني من تعبه.

مات جاد، أبو محمود، مات، وترك العيال.

ظل مريضا، كان عنده ربو، مسكين يا جاد، جاءه الربو من حمله الإسمنت والرمل، كان دائما يكح، يكح، ويقوم في الليل يكح... الله يرحمه.

يوم موته، ظل يكح، يكح، يكح...، حتى أخرج دما...، آه، وجهه انتفخ، وأمسك يدي، وقال لي: الحمل ثقيل عليك يا عائشة، أشهد ربنا، وربنا عالم، أني ما قعدت يوما ولا ارتحت، ولا رفضت رزقا لي، مهما كان، اشتغلت كل شغلة جاءت أمامي، الحمل ثقيل عليك، ولكن ربنا يعطي القوة على قدر البلاء.

أمسكَ يدي...، وكنا ساعة الظهر.

صرخت، كان وصدره منتفخا، ووجهه أحمر، وخرج السر الإلهي وهو ماسك يدي، صرخت... صرخت، تجمع الناس، وجاء محمود ونعمة، الولد خاف وصرخ: أبوي، أبوي. والبنت: بكت ولطمت مثلي.

والناس قالوا: الله يرحمك يا عم جاد.

كلهم تعاونوا، وقالوا: نطلع به وندفنه، قبل المغرب، حرام الجثمان يبيت وسط العيال، إكرام الميت دفنه.

الله يرحمك يا جاد، كان مشهدك يوم الدفن رهيبا، كل الدويقة مشوا في جنازتك، كنت رجلا طيبا. صلوا عليك، ودفنوك...

ولما رجعت البيت، تذكرت أنك كنت تتمنى أن تدفن في البلد، في الصعيد. قمت من ساعتها لشيخ المسجد، وحكيت له الوصية، قال: ربنا اختار له مكان موته. { ولا تدري نفس بأي أرض تموت }...

آه يا أولادي...يا أحبابي.

هذا قضاء ربنا، أنا راضية به.

ناموا، وأغلقوا الغرف عليهم، ونمت أنا في الصالة، قبل الفجر، سمعت الباب يُفتَح، شعرت بأقدام توفيق، تتسلل إلى غرفته، أحفظ حركاته، دخل ونام.

تعمد أن يأتي متأخرا، ولو كان جاء مبكرا كان شاف الوجوه متقلبة، وملامحي منكسرة...

(يضعف صوتها، ثم يشتد)

الله يرحمكم... يا عيالي...

الله يرحمك يا جاد...

مشتاقة لكم، مناي أن أكون معكم...

... مشتاقة لليالي البرد الطويلة، عندما كنت أوفّر ثمن الحطب، ثمن الفحم، ثمن الجاز، وأتحمل البرد، وأشد على جسدي بطانية قديمة، وأحتضنكم يا عيالي.

ونظل طول الليل ملتصقين، ندفئ بعضنا، آه، آه..

أتذكركم يا عيالي، أنفاسكم، واحدًا واحدًا، الكبير يحضن الصغير، الولد جنب أخيه، والبنت في عنق أختها.

أنفاسكم الدافئة في رقبتي، وأنتم تدفنون أصابعكم في صدري، كنا ننام، ونشبع نوما، وننسى البرد، وتغمضون جفونكم على همساتي، حكاياتي، أنسى فيها شقاء اليوم.

آه، آه، آه

..............

(ترتكن جانب بيتها، وتدفن رأسها بين كفيها، وتنتحب بصوت عال، يرتفع فيكون عاليا، فيما نسمع أصوات الناس المتجمعة حول الأحجار الضخمة، والكلمات المختلطة بالصرخات، ونسمع دوي سيارات الإسعاف، وعربات المطافئ والإنقاذ)