صدر حديثا، كتاب جديد للشاعر والناقد الأستاذ الدكتور (عز الدين المناصرة)، بعنوان: (امرؤ القيس.. ليس امرأ القيس): قصة امرئ القيس الكندي- شاعر العربية الأول، ويقع الكتاب في (214)، وقد صدر الكتاب عن (دار زهدي (الروّاد- قرب جسر الزراعة- عمَّان، 2017) يتألف الكتاب من أربعة فصول، وملاحق. يتحدث الفصل الأول عن (الحداء هو أصل الشعر، و(السجع، والرجز) هما حلقتان وسيطتان بين الحداء والشعر). أما الفصل الثاني، فهو (عرب الروم وعرب الفرس: مملكة كندة والصراع الدولي).أما الفصل الثالث فهو بعنوان (امرؤ القيس: السرديات القديمة). الفصل الرابع بعنوان: (السرديات الحديثة)- إضافة إلى خلاصة عامة تحمل مفاجأة علمية، هي أن امرأ القيس (الشاعر)، لم يزر قيصر الروم (جستنيان) في القسطنطينية، وأن الذي زار قيصر الروم، هو (امرؤ القيس)-(ملك فلسطين الثالثة، جنوب فلسطين، والبتراء، وإيلة، وتيران)، لأن هناك (28 شخصا تاريخيا)، يسمون (امرؤ القيس) وقال: (الشاعر المناصرة) بأن (جبل عَسيب)، ليس في تركيا، وبالتالي: يقع قبر امرئ القيس في مدينة (شيزر السورية). وفيما يلي، نضع أمام القارئ (الخلاصة العامة)، التي توصل إليها الشاعر المناصرة، بعد أن استعرض كل الروايات العربية والأجنبية.
امرؤُ القيس، ليس امرأَ القيس: إعادة بناء سيرته: من (مكَّة) إلى (شيزر الشام)
ولد شاعر العربية الأول (امرؤ القيس (حُندج) بن حُجْر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكلُ المرار الكندي) في (مكَّة)، قرب بئر زمزم، (عام 520). وكندة بطن من كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرف بن قحطان. أصلهم من البحرين والمشَقَر، ثم أُجلوا عنها إلى اليمن، فأقاموا في مدينتهم (دَمَّون)، وكانوا على وفاق مع (التبابعة الحِمْيريين). ثمَّ هاجروا إلى (نجد) في أوائل القرن الخامس الميلادي. وأول من عُرف منهم هو (حُجْر آكل المُرّار الكندي)، الذي عينه الحميريون ملكاً على (بني بكر بن وائل)، وغزا بهم من (بطن عاقل) – اللخميين المناذرة، (ملوك الحيرة)، وله من الأولاد (عمرو، ومعاوية الجون). وسُمي بـ(آكل المُرَّار)، لأنه إذا غضب، أصبح كالجمل الغاضب إذا أكل (عُشبة شوكية مُرَّة = المُرار)، تقلصت مشافره، ونحن نقول باللهجة الفلسطينية: (شَفْتَرْ = غضب)، إذا تدلَّت شفته السُفلى.
- جد امرئ القيس: (الحارث) بن عمرو بن حجر بن آكل المرار، تولى رئاسة قبائل نزار، قام بتوزيع أبنائه الخمسة في قبائل العرب، وهم: (حُجْر) – أبو الشاعر امرئ القيس – ملكاً على (بني أسد وغطفان). وشرحبيل على بكر بن وائل، وحنظلة. وكان (معد يكرب) على تغلب، والنمر بن قاسط، وسعد بن زيد مناة بن تميم. وكان (سلمة) على قبائل قيس كلها. وعبدالله على (بني عبدالقيس)..... وكان قد حكم كندة قبل الحارث كل من عمرو المقصور بن آكل المرار. أما معاوية الجون بن آكل المرار، فقد كان ملكاً على (اليمامة). والدة امرئ القيس: هي (فاطمة بنت ربيعة التغلبية) – أخت امرئ القيس المُهلهل التغلبي – وأخت كُليب.
وقد استغل (الحارث) الأزمة بين المناذرة والساسانيين (ملوك الفرس) في عهد (قباذ)، فبسط نفوذه على (الحيرة). فولّى ابنه حجر (والد الشاعر) على (بني أسد، وغطفان، وكنانة)، وكانوا يسكنون في (وادي الرمة) بين جبل شمّر وخيبر. وتولى (معد يكرب) على (قيس عيلان في (تهامة، وأطراف الحجاز الشمالية). وقام (حجر، ومعد يكرب) بحملة على الحاكم البيزنطي في (فلسطين). وقام (الحارث الكندي) بتوحيد القبائل، ووضع حَدّاً لحرب (البسوس) التي دامت أربعين عاماً. وكان (الحارث) يهدف إلى إقامة (اتحاد كونفدرالي)، يشمل شمال الحجاز، وجنوبي بلاد الشام (ومنها فلسطين). وبموت (الحارث بن عمرو – جَدّ الشاعر)، وموت ابنيه (شرحبيل وسلمة)، وضعف أبناء عائلة آكل المرّار، طمعت (بنو أسد) في السُلطة، وتمرّدوا على (حُجْر بن الحارث) = والد الشاعر، فرفضوا دفع (الإتاوة = أموال الجباية)، عندئذٍ توجه (حجر) بكتيبةٍ من جنوده نحو (بني أسد)، فاستباح أحياءهم، واستولى على أموالهم وجعل يقتلهم بالعصا، فسُمّوا بِـ(عبيد العصا)، وأجلاهم عن مواطنهم. ولما كان الشاعر (عبيد بن الأبرص) الأسدي ضمن الأسرى – أنشد أمام (حجر) قصيدته: (أنت المليكُ عليهمُ.. وهمُ العبيد إلى القيامة)، ورقَّ قلبه، وعفا عنهم، وردّهم إلى بلادهم، فلما كانوا على مسيرة يوم من تهامة، حرَّضهم الكاهن (عوف بن ربيعة الأسدي) على قتل حُجر الكندي – والد الشاعر امرئ القيس. فهجموا على (حجر)، وطعنه (علباء بن الحارث الكاهلي) فقتله.
- وقال الرواة أن حجراً كتب وصيته وأرسلها قبل موته إلى أولاده – (فكُلُّهم جزع إلا امرأ القيس)، فحين وصله الرسول يحمل الوصية بأخذ الثأر، كان يلعب (النرد) مع نديم له في (دَمُّون)، حيث قال قولته الشهيرة: (ضيّعني أبي صغيراً، وحمَّلني دمه كبيراً، لا صحو اليوم، ولا سُكْرَ غداً، اليوم خمرٌ، وغداً أمر). وأرسل له (بنو أسد)، وفداً يطلب الصلح، فاحتجب عنهم ثلاثة أيام، ثم خرج ليبلغهم: (ستعرفون طلائع كندة)، أي أنه أصرّ على الثأر: رويداً ينكشف لكم دُجاها عن (فرسان كنْدة، وكتائب حِمْيَرْ). ثم قصد امرؤ القيس (ديار بكر وتغلب) وعليهم (عَمَّاهُ: شُرحبيل، وسلَمة)، وطلب النجدة للثأر من قتلة أبيه (بني أسد)، فحشدوا له جموعاً. وبدأ بتحريض قبائل العرب وشيوخهم ضدّ بني أسد. فاستجاب له كثيرون (بكر، وتغلب، ومرثد الخير الحميري، وقرمَلْ، واليربوعي، وسعد الإيادي، والمعلّى بن تميم (بنو تيمٍ مصابيحُ الظلامِ)، والسموأل، والربيع الفزاري)، وغيرهم.
1. قصة السموأل (المرابي اليهودي) مع امرئ القيس:
يكاد يُجمع (الرواة والباحثون) على أن (دارم بن عقال) اليهودي، من أحفاد السموأل، هو (مُفَبرك) قصة السموأل مع امرئ القيس، و(ساردها الأول)، و(منبعُها الحقيقي). أما النواة الحقيقية للقصة، فهي أن (امرأ القيس) في تجواله بين قبائل العرب لمساندته لاسترداد مُلك آبائه وأجداده، زار (حصن تيماء)، وَرَهنَ (دروعَهُ الخمسة) لدى المرابي اليهودي (صموئيل أو السموأل) في حصن (تيماء)، بعد أن اقترح عليه السموأل أن يزور إمبراطور الروم في القُسطنطينية – (جستنيان)، لعلَّه يسانده بجيش لاسترداد ملكه في نجد). وكتب له رسالة توصية إلى (الحارث الغسّاني) حليف الروم، لكي يصل إلى القيصر. والحقيقة هي أن السموأل تواطأ مع الحارث الغسّاني، على الغدر بـ(امرئ القيس)، وكان الوسيط هو (الربيع الفزاري)، الصديق المشترك بينهما. والدليل القاطع هو أن (ورثة امرئ القيس) بعد موته، طالبوا السموأل بتسليمهم الدُروع، لكن السموأل أنكر أنها عنده. أما قصة (مقتل ابن السموأل)، لأن الأب رفض تسليم الدروع، فهي (كذبة كُبرى)، مؤلفها هو دارم بن عقال. والفكرة الأساسية في هذه القصة ليست (الدروع)، بل هي أن السموأل هو صاحب فكرة اقتراح (زيارة الإمبراطور جستنيان).
2. معتقد امرئ القيس الديني: كان وثنياً أبيقورياً:
يقول (ابن هشام) أن عبادة الأصنام أدخلت إلى (مكة) على يد عمرو بن يحيى، جلبها من سوريا قبل الرسول بفترة قصيرة، يؤيد ذلك أن كلمة (صنم) هي من أصل آرامي كنعاني من كلمة (سليم = selem). وكان لكل قبيلة صنم. أما كلمة مسجد الإسلامية فهي مأخوذة من الكلمة الكنعانية الآرامية (مَسْجدا) التي تعني ضمنا (مكان العبادة = مكان السجود). وكانت (المسيحية) قد دخلت بلاد العرب في القرن الرابع الميلادي تقريباً في زمن قسطنطين الثاني (334م – 361م). وكانت (نجران) هي مركز النصرانية في شبه الجزيرة العربية – (أوليري: بتصرف).
طبعاً، هناك (مبالغة) عند (طه حسين) في شرحه لنظرية الانتحال في الشعر الجاهلي– فالمسيحية كانت موجودة في شبه جزيرة العرب قبل ميلاد امرئ القيس بقرن ونصف تقريباً. ومن الطبيعي أن نجد علامات لغوية دينية (مسيحية) في اللغة، كذلك ولدت (جماعة الموحدين) التي تؤمن بوحدانية الله عند إبراهيم الخليل – المسمّاة بـِ(لحنفاء) مثل ورقة بن نوفل، ونجد علامات التوحيد اللغوية في (خطب العرب) قبل الإسلام. ولهذا، فإن وجود مصطلحات توحيدية دينية في الشعر الجاهلي، يرجع إلى الثقافة العربية (المسيحية، والأحناف) وغيرهم.
ومعنى هذا، أن امرأ القيس، (ليس مسيحياً، ولا يهودياً، ولا مزدكيا)، حتى لو تبنى (جدُّه الحارث) – المزدكية لأسباب سياسية نفعية مؤقتة. كما أن (عمّتّهُ هند) كانت مسيحية. ورغم أن المسيحية والمزدكية ثقافتان دينيتان رائجتان، إلا أن (امرأ القيس ظلَّ وثنياً)، (بتقديري)، لم يقترب من الأديان. وقربه من (عالم المتع الحسية) كالخمر والنساء لا يعني أنه كان مزدكياً، كما أن وجود العلامات المسيحية (مصابيحُ رهبانٍ، مثلاً) في شعره لا يعني أنه كان مسيحياً!!، لأن هذه العلامات الدينية كانت جزءاً من ثقافة عصره السائدة آنذاك.
3. امرؤ القيس ليس أمرأ القيس:
(أين يقع جبل عَسيب، أين تقع أنقرة)
(مقيم ما أقام عسيب).... يقول (ياقوت الحموي): (يُقال: لا أفعل ذلك ما أقام عسيب). وقال (الحازمي) في المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن: (عسيب: جبلٌ حجازي دفن عنده صخر – أخو الخنساء. قالت (الخنساء): (أجارتنا لست الغداة بظاعنٍ... ولكن مقيم ما أقام عسيبُ). وقال (الزمخشري): (عسيب: جبلٌ لُهذيل، وجبل لقريش. وقال (أبوعبيد البكري): (جبل في ديار بن سُليم إلى جنب المدينة). عسيب: جبل من جبال العرب في جزيرتهم – وإنما ذكره امرؤ القيس في سياق المثل فقط. وقد استعملت العرب هذا الجبل في ضرب المثل في البقاء وعدم الزوال) كما يقول شريف (الترباني).
- ويقول صديقنا العراقي (فاضل الربيعي) بأن (أنقرة: مكان في مملكة الحيرة يقع بظاهر (الكوفة) حسب ياقوت الحموي. وهناك رواية ورد فيها قول لـِ(الأسود بن يعفر): (نزلوا بأنقرةٍ، يسيلُ عليهمُ..... ماء الفراتِ يجيء من أطوادِ). وفي (معجم ما استعجم ورد ذكر (أنقرة) بوصفها من مواضع الحيرة.
- ويشرح (حسن السندوبي) مطلع معلقة امرئ القيس، فيقول: (الدخول، حومل: موضعان في شرقي اليمامة. وذكر (ابن عساكر) في تاريخه أن امرأ القيس كان في أعمال دمشق، وأن (سقط اللوى، الدخول، حومل، تُوضحُ، والمقراة.... هي أسماء أماكن معروفة في (حوران ونواحيها)، وكانت بلاد الشام من أعمال الروم – (ص164–165).
- وإذا أضفنا قصة (الحلَّة المسمومة) التي اختلقها بعض الرواة، وقصة (غرام ابنة الإمبراطور جستنيان بامرئ القيس) المختلقة بوضوح تام، وقصة (الطمّاح الأسدي)، المختلقة أيضاً..... هذه القصص المختلقة تؤسطر تاريخ امرئ القيس، وأسباب الاختلاق كثيرة، فإذا حذفنا كل هذه القصص شبه الأسطورية، ماذا يبقى لنا من قصة امرئ القيس في زيارته (الافتراضية) إلى (جستنيان قيصر الروم)!!!.
- أما قصة (قيس)، الذي منحه القيصر (ولاية فلسطين)، فهو (امرؤ قيس آخر) غير امرئ القيس الشاعر. لأن (قيس) أو (امرؤ القيس) – (ملك فلسطين الثالثة)، التي كانت تشمل جنوب فلسطين، والعربية الحجرية (بترا)، وإيلة، (أمُ الرشراش)، وتيران)، لا يتطابق مع امرئ القيس الكندي (الشاعر).
- و(شيزرا): (شيزر) مدينة سورية، تقع على مسافة (30كم) شمال غرب مدينة (حماة). وتقع على الطريق التاريخي إلى (دولة بيزنطة)، إضافة إلى سيطرتها على الطريق الداخلية في سوريا. وهي (باب سوريا من أنطاكية). وكان امرؤ القيس في (رائيته)، قد تجاوز في رحلته (حماةً، وشيزر)، أي نحو أنطاكيا، لكنه (لم يدخل (أرض القيصر) الرومية، لأنه لو دخلها، لذكرها في (رائيته). إذن... ربما كان خط رحلته في بلاد الشام قد وصل إلى (ما بعد (شيزر)، وما قبل أنطاكيا).
هنا نستطيع أن نضع (الخلاصة) التالية، تاركين باب شيزر مفتوحاً:
صاحب مقترح رحلة (امرئ القيس الكندي = الشاعر) هو السموأل (صموئيل) المرابي اليهودي، الموالي للروم في (تيماء)، الذي كان من مصلحته جذب امرئ القيس إلى الروم، حتى لا يذهب إلى مملكة الحيرة الموالية للفرس. وتواطأ مع السموأل وسانده في ذلك (الحارث الغسّاني). وقد وافق امرؤ القيس على الفكرة، أي الذهاب إلى القيصر في القسطنطينية، لكنه بعد أن تجاوز (حماة، وشيزر) بقليل، وقبل أن يدخل أنطاكيا – تراجع عن تنفيذ الفكرة، لأسباب عديدة، منها: مرضه في الطريق الذي يرجح أنه (الجدري)، وقد يكون مرضاً مزمناً آخر. وكان يرافقه في الرحلة اثنان أحدهما هو الشاعر (عمرو بن قميئة)، وآخرون، الذين عادوا بـِ(امرئ القيس)، الذي لم يقابل (القيصر جستنيان)، ولم يدخل القسطنطينية، ولم يمت في (أنقرة)، بل دفن في (جبل عسيب) في الحجاز. والأرجحُ عندي أن (امرأ القيس) كان يرفض التحالف مع الروم، ويرفض التحالف مع الفرس، وربّما توفي عام 565م)، والمعروف أن (كندة)، تحالفت مع (دولة حِمْيَر)، وهي دولة عظمى حتى (540م) تقريباً. أما جدّهُ (الحارث) فقد حكم (الحيرة) ثلاثة أعوام فقط. كما أن (قبيلة كندة) كانت بشكل عام، تتحاشى الدخول في الصراع الدولي بين الفرس والروم، رغم تحالفها مع (دولة حِمْيَر) العُظمى ضد الاستعمار الحبشي. أما (امرؤ القيس)، فلم يدخل هذه اللعبة الدولية، وأقطع بأنه لم يزرْ قيصر روما (جستنيان).