تواصلت يوم السبت 22أبريل 2017 فعاليات الأنشطة الثقافية بالمعرض الوطني للكتاب المستعمل في دورته العاشرة بساحة السراغنة الدار البيضاء، والتي تحمل شعار ثقافات المغرب الافريقي.
كان اللقاء الأول في موضوع ''الحرية أم التحرر من الأنا إلى الغير'' قدمه الأستاذ عبد الله التيغزري المنصوري، الذي طرح مجموعة من الأسئلة، كانت بمثابة منطلقات للنقاش، ما مفهوم الحرية والتحرر؟ ما الأنا؟ ما الغير؟، منتقلا إلى القول بأن الحرية هي السيادة على الذات، أي تحكم الشخص في ذاته دون أن يكون تحت سلطة شخص آخر، والحرية هي التحرر من القيود التي يمكن أن تكبل لنا طاقات الإنسان وإنتاجه سواء أكانت قيودا مادية أو معنوية، مؤكدا على أن الحرية باعتبارها قيمة إنا هي الإمكانية المتاحة للحقيقة الإنسانية، فهي بهذا المعنى تشمل التخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما والتخلص من جميع الضغوطات الممكن التعرض إليها من طرف الآخر، أما التحرر فهو أيضا فعل ذاتي يمارسه الأنا ليحرر ذاته من جميع القيود ومن كل هوة تاريخية تعتدي على السيادة الذاتية، وقد جاء في حديثه بأن الأنا، كما وصفها فرويد، هي شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالا بين الهو والأنا الأعلى، وهي كلها شخصيات ترتبط بقيم المجتمع وقواعده، ويمثل الأنا الإدراك والتفكير والحكمة وكذا الملائمة العقلية، في حين أن الغير حسب أفلاطون هو الكثرة، هو متعدد، غير متجانس.
أما اللقاء الثاني فكان تقديما للمجموعة القصصية '' خلف السراب '' لمحمد محضار نسقته عائشة العلوي، مقدمة ورقة حول مسار محضار الإبداعي مع جرد لإصداراته الابداعية، سواء في الشعر أو القصة القصيرة... بمشاركة مصطفى مزارى الذي أكد بأن '' خلف السراب '' تمثل رؤية تحيل على عالم ملغز، فالسراب يخدع الرؤية، وكلمة خلف تؤكد على هذه الخدعة مما يؤشر على أفق انتظار سواء بالضبابية والسوداوية أو العمومية، مؤكدا بأن هذه المجموعة تحتضن تسع قصص تتوزع تواريخها ابتداء من سنة 1981 الى 2015، وقد :وردت كما يلي
كما أكد بأن أغلب النصوص كانت وليدة الثمانينات وخاصة سنة 1986 التي احتضنت أربعة نصوص، منهيا حديثة بالتأكيد على أن خلف السراب تبقى نصا قصصيا بامتياز تمكن من تخزين الحكي لمدة ثلاثة عقود سواء تلك التي عاشها أو سمعها أو قرأ عنها، دون أن ننسى حضور الواقعي والسياسي والوجودي ، كل ذلك بلغة سليمة قريبة من الواقع خالية من أي تكلف. واختتم اللقاء بكلمة للقاص محمد محضار مع توقيع مجموعته مؤكدا بأنه رغم انتماء مجموعته لقرن الثمانينات سابقة فمضمونها يظل مرتبطا بالحاضر، لأن ما تعرض له من .وضعيات وحالات اجتماعية مازال قائما إلى يومنا هذا
في حين شهد اللقاء الثالث الجلسة قراءات في ثلاث روايات مغربية: '' بادية الرماد '' لمحمد كروم، و''هذيان معلم'' لفضيل ناصري، و '' غواية السواد '' لكريم بلاد، وقد شارك في هذا اللقاء أحمد بوستة الذي قدم قراءة في رواية '' بادية الرماد '' مشيرا إلى أنها رواية تتميز بالتناص، تحكي عن عالم البادية ومجمل التحولات التي شهدتها، كما ترصد لنا جانبا من جوانب الحياة البسيطة التي عاشها أهل البوادي مما دفعها تحدث نوعا من التأريخ للمنطقة التي دارت فيها الأحداث، وتقدم هذه الرواية أيضا بلغة سليمة تمتزج فيها الشاعرية بالسخرية وتكون نابية أحيانا.
في مقابل ذلك، قدم محمد كروم رواية '' هذيان معلم '' ، مصنفا الرواية ضمن السيرة الذاتية التي تشكل بناء قصصي يتكون من عناصر السرد والوصف والحوار الثنائي والذاتي للخطاب، وتتمثل مادتها الأولية في وقائع حياة شخص معين.
وقدم الروائي فضيل نصري رواية '' غواية السواد '' لكريم بلاد، مشيرا إلى أن هذه الرواية تجمع بين الحب والخوف في نفس الوقت، فهي تشكل، على حد قول فضيل، أثرا أدبيا يخلق المعتاد بالنظر إلى تناول صاحبها، وهي رواية تنتمي إلى التيار الواقعي المهتم بجميع التفاصيل الإنسانية عامة.
وقد عرفت أنشطة هذا اليوم، لقاءً شارك فيه الباحث والمترجم عزيز لمتاوي وأدار أشغاله بوشعيب الساوري الذي قدم كتاب '' نظرية الأجناس الأدبية '' لجان ماري شايفر ترجمة عزيز لمتاوي.وقبل بدء هذا اللقاء، تم منح الجمعية البيضاوية للكتبيين لحظة للإدلاء ببيان ألقاه السيد يوسف بورة، جاء فيه ما يلي : على إثر توصل جمعيتنا باتصالات متعدد من جهات مسؤولة وصديقة تربطنا بها علاقات الإحترام ، تفيد بوجود شكاية من جمعية الناشرين بخصوص مجموعة من العارضين بالدورة العاشرة للمعرض الوطني للكتاب يعرضون كتبا مقرصنة للبيع.
وبهذه المناسبة، فإن الجمعية البيضاوية للكتبيين توضح ما يلي:
أولا: أن الجمعية واعية كل الوعي بخطورة القرصنة وآثارها الوضيعة اقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا على مصداقية ونبل المهن المرتبطة بالكتاب وأنها ترفضها جملة وتفصيلا.
ثانيا: أن تلك العناوين موضوع الشكاية المذكورة كلها مستوردة وخضعت لمساطر المراقبة والتفتيش من طرف المصالح الجمركية التي لم تبد بشأنها أية ملاحظة.
ثالثا: التزام العارضين بعدم عرض العناوين المقرصنة محليا مهما كان نوعها أو مصدرها.
كما تعلن الجمعية البيضاوية للكتبيين أنها رهن إشارة مصالح وزارة الثقافة والجمعية المشتكية لتقديم أية توضيحات إضافية واستعدادها لفتح حوار وطني من أجل مناقشة الحلول الكفيلة بالتصدي لظاهرة قرصنة الكتاب ووضع حد لها. وحرر بالبيضاء في 22 أبريل .2017 .
وقد تم فتح نقاش بعد ذلك تدخل خلاله السيد عبد الهادي رفقي والسيد عنيبة أوضحا فيه من خلال عدد من الكتب أن المعرض ملتزم دائما بالحفاظ على المشروعية، وأن المقرصنين الحقيقيين يعرفهم القراء المغاربة. وفي تدخل عدد من الجمهور من المثقفين، أكدوا ما جاء في كلام أعضاء الجمعية وساندوا موقفهم معبرين انهم على استعداد لخوض كل أشكال النضال من أجل الحفاظ على مكسب المعرض الوضني للكتاب المستعمل.
بعد ذلك،انطلق الساوري بإعطاء نبذة عن المترجم، عزيز لمتاوي، الذي يدرس الترجمة واللغات، كما أكد على أهمية نقل مثل هذه الكتب من لغاتها إلى اللغة العربية، لأنها ستخدم البحث العلمي العربي والمغربي على وجه الخصوص، معتبرا أن قيمة الكتب تكمن في عنايته بمسألة التجنيس، خاصة أن العديد من المهتمين بالنقد الأدبي لا يدركون الحدود الفاصلة بين الجنس والشكل ومصطلحات أخرى، تحيل في أحيان كثيرة إلى معاني مختلفة، وفي كلمته، اعتبر عزيز لمتاوي هذا اللقاء فرصة جميلة لتواصل الأدباء والنقاد والمفكرين مع المجتمع، وأيضا للتعريف بالكتب التي تستحق العناية والقراءة، منتقلا إلى الحديث عن اهتماماته في الترجمة، إذ أكد أنه مهتم بترجمة كل ما هو متعلق بنظرية الأدب، وتدخل ترجمته لكتاب نظرية الأجناس الأدبية في هذا الصدد، كما ألمح إلى أن الكتب الجيدة تستحق أكثر من ترجمة، وأنها، بالفعل، قابلة لأكثر من ترجمة، محيلا إلى كتاب لذة النص لرولان بارث التي تمت ترجمته مرات كثيرة.
وقبل المرور إلى اللقاء الموالي، أبى المنظمون أن يمر هذا اليوم، دون ترسيخ ثقافة الاعتراف، في جلسة تكريمة واعترافية بالمجهودات الجبارة المبذولة من طرف كل من الأستاذ عبد الله اعكيب والأستاذة صفية أكطاي الشرقاوي، أشرف عليها شعيب حليفي الذي أكد على أن المحتفى بهما، يعود لهما الفضل في عديد التظاهرات الثقافية التي تسعى إلى تقريب الثقافة من المجتمع، من بينها، المعرض الوطني للكتاب المستعمل، مؤكدا على الدور الكبير والخدماتي الذي يقوم به عبد الله اعكيب في مجال النشر والطباعة خدمة للبحث والمعرفة، وأيضا الجهد الكبير والجبار الذي تبذله صفية أكطاي الشرقاوي، مديرة الدورة العاشرة لهذا المعرض، في تشجيع الباحثين والأدباء الشباب، وإعطائهم أملا بأن الساحة الثقافية بخير، وفي كلمتهما، عبد الله اعكيب وصفية اكطاي، شكرا المسؤولين عن هذه المفاجأة الجميلة التي تحمل كل معالم المحبة والقيم الإنسانية، وهي التشجيع على تقديم المزيد، كل في مجاله، وفي نهاية هذه الجلسة التكريمية قدم لهما الفنان عمر السيد الدرع التكريمي .
مباشرة بعد الجلسة التكريمية، احتضنت خيمة إدريس الشرايبي لقاء سادسا مفتوحا مع الفنان المخضرم عمر السيد نسقه عزيز المجدوب، الذي طرح على الضيف مجموعة من الأسئلة، هي كالتالي: ما سر انتشار مجموعة ناس الغيوان في مرحلتها التاريخية؟ ما سبب تسميتها؟ ما علاقة عمر السيد بالمسرح؟ماذا يعني لعمر السيد الكتاب؟ كلها أسئلة أجاب عنها عمر السيد الذي أشار إلى أن الإرهاصات الأولى لناس الغيوان تعود لسنة 1961، حيث استمدوا ثقافتهم من '' الحلقة '' سواء من ناحية السرد أو من ناحية الدارجة التي توصل الصورة والمعنى، فجل هذه الإرهاصات مأخوذة من الوالدين، وفي خضم إجاباته وضح بأن ناس الغيوان هما ممثلين بمفهومهما الخاص متشبثون بالثقافة، فالتجربة الغيوانية بلغت صدى لم تبلغه مجموعة أخرى، ومازالت أغنياتها تلقى استحسان وإعجاب الجيل الحالي.
في حين كانت الجلسة السابعة عبارة عن نقاش مفتوح حول موضوع '' علاقة النظريات الفلسفية بدرس الأدب '' نسقته الأستاذة سميرة المترجي التي أشارت إلى أنه في صميم الفلسفة يتم التحام الفلسفة وتأملاتها بتجارب الأدب ونصوصه، فلا تغدو الفلسفة مركزا أو مرجعية ولا يصير الأدب مجرد سرد أو وسيلة، وقد شارك في هذا اللقاء كل من الأستاذتين مريم كريبطة التي حاولت من خلال الفلسفة وآفاق التعبير الممكنة إثبات التقارب الموجود منذ فجر الفلسفة بين الأدب والفلسفة، كما حاولت إبراز غنى التراث الفلسفي بنصوصه الرومانسية والأدبية والشعرية، وأشارت أيضا إلى فكرة لا مركزية الفلسفة في مجال الثقافة مع اضمحلال الحدود بين الخيالي والعقلي. أما الأستاذة نادية شفيق فقد حاولت، من خلال حدود العلاقة بين الأدب والفلسفة، إبراز العلاقة المكنونة الجامعة بينهما، قائلة بأن الأدب لازال يشكل في إطار علاقته بالفلسفة مثار سجال وجدل حول طبيعة ونوع العلاقة التي تربط بينهما، ذلك أن حدود التفاعل والتداخل بينهما عديدة ومتشعبة لدرجة يصعب معها الحديث عن حقل معرفي دون الآخر، هذا السجال لم يكن ولن يكون وليد اللحظة بل تعود جذوره إلى مراحل تاريخية قديمة.. فأفلاطون من خلال كتابه '' الجمهورية ''اعتبر أن الشعر والشعراء مجرد صناع للأوهام، مكرسا بذلك بتجنسه لآلياته لكل ما يرتبط به من ماهية ووجود ومنتصرا للفلسفة باعتبارها مصدرا أصيلا للحقائق وأصلا ثابتا لكل معايير الفضيلة والحكمة أيضا.
وفي ختام جلسات هذا اليوم، عقد لقاء لبوشعيب الدرهمي تحت عنوان '' الواقع الثقافي وسؤال الانتلجنسيا '' معتبرا بأن مفهوم '' الانتلجنسيا ''هي كلمة روسية غامضة لها دلالات عديدة وهي فئة اجتماعية من الناس الذي يمارسون مهنة العمل الذهني المعقد والإبداعي في معظمه، مع اشتغالهم بإدارة الانتاج وبتطوير ونشر الثقافة، كما تحدث عن الثقافتين العالمة والشعبية مع ذكره لمصطلح العولمة التي تسعى إلى تعزيز التكامل بين مختلف المجالات والقطاعات، خاتما هذه بصعوبة تحديد المثقف في عصرنا الراهن نظرنا للالتباس الذي يعرفه دور هذا المثقف.