لم تشهد مصر تذبذبا واختلافا وانقساما، مثلما شهدت تلك الفترة المزلزلة التي بدأت ب 25 يناير. حيث ظهر الانقسام منذ المظاهرات الأولي، وطوال فترة الثمانية عشر يوما في ميدان التحرير، وتوالت الانقسامات فيما بعدها لتمتد إلي الآن. حيث رُفعت صور عبد الناصر في الميدان وبعد نحو ثلاثة عقود من وفاته، بينما رُفعت شعارات الإسلام، وكأن الحالتين متناقضتين، بينما كان الجيش يرقب ويترقب. حيث رأي البعض أن النموذج الناصري هو الحل، خاصة أنه كان عصر الشعارات بلا منازع، وهي التي تثير الحماس، وتُشعل الجماهير. بينما طفت علي السطح تلك الجماعات المتأسلمة، حاملة من الشعارات الوجدانية ما يثير البسطاء، ويدعوهم لللإستجابة الربانية. ولم تخلو الساحة من الدعوات الليبرالية ، الداعية إلي رفض كلا الجانبين وضرورة العودة إلي الحكم المدني الليبرالي، وإن لم يصل عدد الداعين لها لمثل الجانبين، لاعتبارات عديدة، أهمها سيادة الطبقات الشعبية التي رأت في النموذج الأول، مصلحتها. والأمية الثقافية والدينية التي رأت في النموذج الثاني، هو الملجأ والمنتهي.
ذلك الانقسام، هو ما سعت زينب عفيفي للتعبير عنه في روايتها الجديدة "أهداني حبا"[1] المغلفة بغلاف شفاف من الرومانسية، لقصة حب مات صاحبها دون أن يعلم أنه ولسنوات طويلة، فارس أحلام "ليلي" التي راحت تحادثه وتستشيره في شؤن حياتها، وكأنه لم يزل حيا. مستعرضة في تجربته، التاريخ المصري الحديث، منطلقة من اللحظة الراهنة، لتثبت أن التجربة، رغم طول مراراتها، لم تستقر بعد علي شاطئ، أو تصل إلي مرفأ تركن إليه. منطلقة من ذلك الحوار الذي يأتي قبل نهاية الرواية، بين "عمر" و"ليلي" معبرا عن مخاوفه مما يحدث علي الأرض في مصر:
{الحياة ما بعد الثورات،ما حدث منذ يناير 2011 في المنطقة كلها من تغيير شامل في الحياة وشعور الناس بان أحلامهم على وشك التحقق وأنهم سوف ينعمون بوضع أفضل ثم يصطدمون بكل هذه الفوضى وغياب الامن والاستقرار أخافني وجعلني أري أن الاستقرار سوف يحتاج لوقت طويل} ص119. لترد عليه ليلي: {بكل تأكيد، سنحتاج إلى سنوات عدّة من أجل إعادة بناء الروابط الاجتماعية، وإزالة الطائفية والكراهية} ص120. وكأنها تشخص تلك الحالة من الانقسامات.
تمر ليلي، علي المستوي المباشر للرواية، بثلاث محطات في حياتها. حيث تتعرف علي "أحمد خالد" في الجامعة. ذلك الشاب الثوري، الذي يتزعم المظاهرات في أيام السادات، مناديا بالعودة إلي النظام الاشتراكي، ومناصرة الفقراء ورفض التطبيع، والذي يعمل بعد التخرج في مجال الصحافة، ليستمر في مقالاته، بتلك الثورة الاشتراكية، إلي أن ينتهي الأمر بأن يجدوا جثته علي الطريق، ويظل الفاعل مجهولا، وإن كانت الأصابع تشير بأن المخابرات هي التي قتلته، مستندة- الكاتبة- علي بعض النماج المسكوت عنها علي أرض الواقع. ورغم أن "عمر" لم يشعر بليلي ولا بحبها، طوال حياته، إلا انه يصبح محور حياتها، حتي بعد وفاته، ورغم مرورها بمحطتها الثانية في مسيرة حياتها "سليم" ابن عمها، ذلك الرافض للسياسات الناصرية، والمؤمن بما فعله السادات ، بالطبع من نصر أكتوبر وسياسة الانفتاح، وغيرها، وبينما كانت الأمور تتجه إلي إتمام الزواج، بعد أن كانا شبه مخطوبين، إلا أنهم أيضا يجدون جثته في الصحراء، حيث تتكشف الرؤية عن أن "سليم" كان قد انضم إلي إحدي الجماعات الدينية المتطرفة، ولما علم باشتراكهم في إغتيال السادات، انشق عنهم، كما هو إسلوبهم دائما، قتلوه. فتتأزم حالة ليلي النفسية، وبمساعدة مغلفة لها، يطلب منها رئيس تحرير الجريدة التي تعمل بها، أن تسافر إلي باريس، عل هذه الرحلة تسري عنها، وهو لا يدري أنه بذلك أوقعها في الحيرة، حيث تتعرف فيها علي "عمر" ذلك المصري الذي يعمل بالسلك الدبلوماسي، والذي تكتشف انه وقع في حب ليلي وهي طالبة بالجامعة، بينما لم تكن هي تعلم أساسا بوجوده، وفي خلال الإسبوع الذي تقضيه في رحلة باريس، تكون قد بدأت في الاستمالة العاطفية نحو عمر، وهو ما دعاها لتطلب مهلة التفكير لبعد العودة لأرض الوطن، حتي تتعرف علي حقيقة مشاعرها تجاهه. ولنصبح أمام حالة تبادلية. ليلي تحب أحمد دون أن يشعر بها (مرحلة العاطفة)، وعمر يحب ليلي دون أن تشعر به (مرحلة القلق). سليم يقع في منتصف المسافة بين أحمد وعمر (مرحلة الاقتناع). وتلك الرؤية هي ما تسوقنا إلي قراءة الرواية علي المستوي الجمعي، مستوي الوطن، إذا ما تصورنا أن "ليلي" تمثل الوطن، أو في أوضح صورها، تمثل "مصر"، علي أن أحمد يمثل مرحلة ستينيات القرن الماضي، بما سري فيها من تيار يساري إشتراكي، وسليم يمثل مرحلة سبعينيات ذات القرن، او مرحلة اليمين المنفتح علي الغرب. بينما يمثل "عمر مرحلة القلق الحالية، الباحثة عن فارس يقود المسيرة، ليخرج بها من تلاطم الأمواج، وكأن الرواية في الأساس باحثة عن رُبان للسفينة، مستعرضة التاريخ، عل فيه ما قد يفيد في الحاضر، أو المستقبل.
فإذا ما استعرضنا رؤية الساردة عن تجربة الوطن، من خلال تجربتها مع كل من فرسانها الثلاثة، بدأ بالتجربة الأولي، أحمد الذي اكتشفت أن أوراقه تتضمن رواية كان قد كتبها باسم " بعد مائة عام من الثورة" والتي تذكرنا بمحاولة عبد الناصر في كتابة رواية أيضا باسم "في سبيل الحرية"، الأمر الذي يضعنا مباشرة في مواجهة تلك المرحلة :
{أنا لا أنكر انني أحببت وهما كبيرا تصورت انه ينقذني ويغيرني للأفضل، وانتظرت هذا الحب طويلا ولكني اكتشفت أنه أكذوبة كبيرة عشت في سنوات طويلة أحلم باليوم الذي يسعد قلبي ويفرح روحي بالحلم الذي حلمت به في منامي ويقظتي، لكنه كان هباء، وزيف، وكل ما تحقق منه أنا التي صنعته بيدي، لم يكن له دخل فيه لا من بعيد ولا من قريب.
صدقني يا عمر انا وحيدة من جيل كامل عاش وهما كبيرا صدقناه، لا اريد أن أدخلك في تفاصيل أنت في غني عنها ولا اريد أن أفسد جلستنا الأخيرة معا. الحكاية الوحيدة في حياتي التي كانت من الممكن أن تتحول إلى ارتباط كانت مع سليم ابن عمي. انا يا عمر كنت ضحية. وان كنت أكره هذه الكلمة، لأنني لست قليلة الحيلة ولكن لم أجد أحدا أحبني مثلما أري حبك في هذه العيون الحزينة، لا أريد أن أمحو حبا بحب.} ص156. ثم نقرأ رؤيتها لسليم، وإن كان من خلال أحمد أيضا، وكأنها تعقد المقارنة بين التجربتين: {كان سليم، يا أحمد، إنسان مختلف لحد كبير عنك، على الرغم من أنه كان يتفق معك في حب مصر. غير أن حبه لها لم يكن بثوريتك الزاعقة. لم يكن ناصريا كما أنت، بل لم يكن يحب عبد الناصر من الأساس. وقد لا أكون مبالغة إن قلت أنه يري فيه بداية انهيار مصر. فقد كان مقتنعا لحد كبير بالسادات، ويري فيه السياسي المحنك الذي يفهم أصول السياسة، فالسياسة في نظره هي فن المحاورة، لا فن المواجهة. . كانت أفكاره ورؤاه تسحبني إلي عالم جديد غير الذي تعلمته منك، ولم أكن أصدق نفسي حين شعرت أنك تتواري وتنسحب أفكارك أمام زحفه لعالمي.} ص88. {في الحقيقة يا أحمد .. لقد زاد تشتتي، وتداخلت أفكاري. فكانت عواطفي مع عبد الناصر وقناعتي مع السادات. أو إن شئت الحقيقة أكثر. كانت عواطفي معك، وقناعتي مع سليم.} ص91.
ونقرأ رؤيتها لعمر: {طلة عمر تشبه طلتك وعيونه تشبه عيون سليم العاشقة. أعيش حالة تحسد عليها أي امرأة، ثلاث رجال في قلبي، ولا أحد منكم له وجود حقيقي في حياتي، يا لي من امرأة تعيسة تصنع الوهم بمهارة ثم تكتشف أنها وحيدة} ص58. ثم تصل الساردة إلي الوضع الراهن بعد ثورة يناير، وكأنها تصل إلي محطة الوصول، بعد تلك المحطات التي توقفت عندها، فتسأل عمر، ذلك المصري الفرنسي، وكأنها تسأله المشورة، أو كأنه الطبيب الذي تعرض عليه المريضة علتها، فيوضح الأسباب، قبل أن يكتب العلاج:
{ - في رأيك أن ثورات الشباب غير مجدية؟
- لا أعني بأنها بلا فائدة ، ولكن معظم ثورات الشباب تبوء بالفشل، إذا لم يكن لها قائد قوي يساندها، له رؤية واضحة}ص29.
وكأن الساردة قد وضعت يدها علي العلاج، بعد الاستبصار، تضئ شمعة التنوير، علها تضي طريق الخلاص:
{وإذا كانت نهضة مصر الحديثة ترتبط بمحمد علي وعصره، فإن طه حسين يربط مشروع النهضة بالذكاء الفرنسي، والذي امتد الي ما هو ابعد من ذلك فمصر إذا أرادت أن تنشئ مدارس أو تنشئ جامعة وهيئة علمية أو أن تجدد حياتها في أي فرع من الفروع، تتجه إلي فرنسا، التي أري فيها نورا يستعمر العقول}.ص56.
الرؤية الإنسانية
تصورت ليلي، أن أحدا لا يدري أو يشعر بحبها لأحمد، وظلت لسنوات علي ذلك الإحساس، بينما فاجأها صديق عمر، وزميلها في الكلية عندما التقاها بالجريدة سألها عن أحمد، ومع اندهاشها، يخبرها بأن الدفعة كلها كانت تعلم قصة حبها. في كشف عن كثير من الحالات الإنسانية التي يتصور الإنسان فيها بأنه بمعزل عن الآخرين، وهو لا يعلم بأنه كتاب مفتوح لهم. وطبيعة إنسانية عامة أيضا أن يسعي الإنسان لمن لا يشعر به، بينما لا يشعر هو أيضا بآخر يسعي إليه. فها هي ليلي تسعي وراء أحمد سنين طويلة، وهو لا يعيرها اهتماما. بينما كان كل من سليم وعمر يسعي إليها وهي لا تدري بهم. ذلك بالضرورة، يوسع من الفضاء الروائي، ويمنح الرواية أبعادا أوسع من مجرد الرؤية المجتمعية، أو التاريخية.
التقنية الروائية
علي الرغم من تلك الرؤية الجمعية السياسية التي رايناها، إلا أن الكاتبة قد استطاعت أن تجتذب قارئها بتلك اللغة السلسة الخالية من أي صنعة، فبدت التلقائية التي تتناسب مع القادمة من ريف الصعيد، بتقاليدها، وخجلها، والتي أدت بالضرورة وبالمنطق، أن تقع في حب ذلك الذي رأته يعبر عن حالتها، أو يمكن أن نقول يناصر حياتها ووجودها، والذي صنع من ليلي إنسانة تنبض بالحياة، وتتحرك علي أرض الواقع، لا أن تقف كمجرد رمز لحالة أبعد، في تعبيرها عن نفسها {أنا الفتاة التي جاءت من أعماق الجنوب، تحمل أحلاما تشبه أحلامك،التي تنادي بانتشال أمثالنا من حياة الفقر، الذي خلفته في بيتنا الريفي، المصنوع من الطوب النيئ وسط أحراش الصعيد}ص41.
وفي تعبيرها عن الحيرة الإنسانية، بين الواقع والخيال، حين تجربتها مع سليم بن عمها، والذي كانت قد اقتنعت أنه مصيرها القادم، كواقع، رغم الصراع الداخلي في أعماقها مع ذلك الخيال البعيد الغائب:
{كنتما معا كلاعبي شطرنج في حياتي، إذا كش الملك ظهر الوزير، وكنت الوحيدة التي تراقب اللعبة بداخلي في سرية تامة، إلي أن جاء اليوم الذي مات فيه الملك وقُتل الوزير، وانتهت اللعبة ولم ينتصر أحد}ص7. فذلك الصراع المحتدم هو دليل الحيوية، ودليل الوجود.
كما كانت إنسانة تنبض الأنوثة في عروقها، عندما بدأ دبيب الارتياح لعمر، رغم ذلك القابع في أعماقها، ويرفض المغادرة، فتعبر عن ذلك: {خرجت صامتة مع صاحب الصوت، الذي حمل اسم "عمر" عبر أسلاك الهاتف من دقائق، أسير بجواره تحت مظلة واحدة، يمسكها بإحدي يديه، ويضمني بالأخري إليه في حركة تلقائية، لتفادي قطرات المطر المتلاحقة من حين لآخر، ولا أكذب عليك يا أحمد ... كانت دهشتي فيها سعادة غامضة، لم أشأ أن أفسرها أو أبحث لها عن مبرر..}ص15.
وتصل الكاتبة إلي ذروة الاتجاه الإنساني، حين تعبر عن تلك الغيرة الأنثوية الناضحة عندما تري أحمد يستقبل صديقتها نهاد، والتي تصورت أن قصة حب بينهما قائمة، فتعبر عن تلك الغيرة :
{صرت أهرب من رؤيتك، بعدما كنت أبحث عن الفرص التي تجمعني بك. وبالرغم من ذلك، كان كلما زاد افتقادي لك، أبحث عمن يشبه ملامحك في كل رجل ألتقيه، كان هناك من يحمل ملامح وجهك أو لون بشرتك، أو لون شعرك، أو طلتك، وكانوا جميعا يلقون حتفهم تحت أقدام قلبي، وأدوس عليهم بلا رحمة، انتقاما منك ........ كيف استطعت أن تُخرج القبح من داخلي، بعد ما كان الجمال يحتل كل ذرة من كياني} ص47 {كيف حولني حبك إلي تلك البلهاء التي لا يشغلها غير كلمة رضا منك، أو إشارة يد من بعيد، كانت أمي وهي التي كرست حياتها لتربيتي أنا واخوتي الست، حريصة أن تعلمنا الرضا وترضعنا الحب والحنان، وقد فعلت، وصار لدي خزائن من كل هذه المعاني ولا أجد من يشاركني في انفاقها المثمر، وحدي أبعثرها في الهواء ولا احد يهتم ص51.
كذلك لجأت الكاتبة لخلق عملية التشويق لدي القارئ، عندما بدأت من الصفحة الأولي التمهيد لعلاقة قادمة، وصراع سيحتدم {فإذا طاوعني النسيان، لا تتركني الذكريات، تقف أمامي تتحدي وجودكما في الفراغ} حيث حيث نتوقع أن صراعا ما، موجودا تجاهد الساردة في نسيانه، خاصة (في وجودكما) الأمر الذي يقترب من وضوح الرؤية نحو نوعية ذلك الصراع. وكأنها علامة استرشادية، أو كالنبتة البازغة من الأرض لم تزل، وتدعو القارئ لانتظار ثمرها، خاصة وأنه استمرارا لعملية نثر البذور، يبدأ ظهور اسم "أحمد" الذي لا يعرف القارئ هويته حتي الآن. وتستمر عملية نثر البذور علي مراحل، ففي اليوم الأول بباريس مع عمر، حيث باريس هي بؤرة النور، ومركز الثورة الأم، لذا لم تقتصر قائمة قراءاتها علي الكتاب الفرنسيين وحدهم:
{ويحمل مقهي الأدباء تاريخا لأدباء مشاهير، أدمنت قراءة كتاباتهم، منهم: جان بول سارتر، وسيمون دي بفوار، وبورخس وهيمنجواي وبابلو بيكاسو والشاعر المعذب رامبو .. كلهم لم أتعرف عليهم إلا من أجلك أنت} ص25. الأمر الذي يدعو القارئ للتساؤل عن أسباب ذكر ذلك، ولم تكن الأمور قد اتضحت فيما بعد بأنه إذا كانت قراءات الساردة لم تقتصر علي الكتاب الفرنسيين، فإنها إشارة لباريس التي تعتبر العاصمة الأم للثورات في العالم، خاصة وأنه كان للفكر وللثقافة دور أساسي في حدوث تلك الثورة التي عرفت العالم بمعني وأهمية الحرية، وحقوق الإنسان. ومن هنا يبرز أهمية اختيار الكاتبة لباريس في تلك الرحلة، وكأنها تذهب إلي أم الثورات، وكأنها تستدعيها أو تستحضرها، كملاذ لإنقاذها مما هي فيه. حيث يوضح عمر تلك الرؤية في حديث إلي ليلي {الثورة الفرنسية لم تغير فرنسا وحدها، بل غيرت العالم كله وأصبحت نموذجا لبقية الثورات في كل أنحاء العالم، لأن من أشعلوها ليس الطلبة وحدهم.} ص30. وإذا كانت الرواية تسير علي خطين متوازيين: الخط الظاهري (معايشة الواقع المعيش/الظاهر ) وخط باطني (معايشة رحلة التاريخ/ الباطن). فإن الكاتبة حرصت لفترات طويلة علي التداخل بينهما، ما من شأنه جعل القارئ في حالة يقظة مستمرة، بما تخلقه من حيوية السرد في مثل {أتحدي وجودك في الفراغ، أتابع دقات المطر علي النافذة المحكمة الإغلاق كسجينة، لا تملك غير انتظار لحظة الإفراج " إلي متي يظل هذا النظام جاثما علي قلوبنا، وقلة هم من يستفيدون ويعيشون رغد الحياة ، وبقية الشعب لا يجد ما يسد رمقه؟} ص36. حيث تخرج من وجود أحمد اللامرئي، إلي شوارع باريس، إلي أسباب اندلاع الثورة في يناير. إلا ان هذا قد هرب بعض الأحيان من الكاتبة، حيث استمر الحديث عن أحمد، أو معه طوال فترات كثيرة، استمرت لفصول كاملة، كالفصلين الخامس والسادس، متناسية أنها في باريس لفترة لا تتجاوز الأيام، الأمر الذي معه كان الأمر يتطلب سرعة الإيقاع.. فحتي إذا كان أحمد بما يمثله، هو الهاجس المتسيد لدي الكثير من الشعب، طوال الفترة الزمنية التي تغطيها الرواية، وظهرت بصورة جلية في مظاهرات التحرير في ثورة يناير، إلا أنها أبطأت من إيقاع الرواية، وما أثر عليها بالسلب. كما أن ذلك جاء علي حساب المرحلة التالية، مرحلة الرؤية اليمينية، فلم تأخذ نفس الأهمية علي صفحات الرواية، بالقدر الذي أخذته علي أرض الواقع، وهو ما يعتبر ظلما للتاريخ.
وبصفة عامة نستطيع القول بأن زينب عفيفي قد استطاعت أن تترجم الحالة الراهنة للوطن، برؤية التاريخ المعاصر، مغلفة بغلاف رومانسي، وإن كانت تلك الروؤية الرومانسية، هي ما أوحت لها بالعنوان "أهداني حبا" الذي لم يتوافق مع رؤية الرواية مطلقا –حتي وإن كان العنوان إختيار الناشر، سعيا للنواحي التجارية- إلا ان الكاتبة تظل مسؤولة عن كل ما صدر بالكتاب. فلم يكن أحمد قد أهدي حبا لليلي، وهي – الكاتبة – من وضعت علي لسان عمر، صوت الثقافة والعلم والدبلوماسية تلك الخلاصة التي أهدها أحمد للوطن:
{أحمد هذا أكذوبة، بطل صنعناه وصدقناه، بهرني كلامه وخطبه الرنانة ومناداته بمساعدة البسطاء من الفلاحين والعمال، والحياة الكريمة للمقهورين، وكل ما نادي به عن الاشتراكية، وأن الشعب لابد أن يمارس حقه في اختيار من يحكمه، وغيرها من الشعارات البراقة التي بهرتنا أنا وغيري}ص27.
Em:shyehia48@gmail.com
[1] - زينب عفيفي – أهداني حبا – رواية – الدار المصرية اللبنانية – ط1 – 2017.