يقدم القاص العراقي في نصه المكثف إشكالية الإنسان في وجوده الملتبس، وفي بحثه الدائب عن السعادة بتجلياتها المختلفة، والكامنة حسب رؤية الشخصية القصصية بالأشياء اليومية البسيطة العابرة في بيئة مستقرة، لكن هنا الشخصية تحمل ضدها في حوار ساخر ولغة خفيفة بسيطة متينة.

في قلبي عصفور سعيد

رياض كاظم

ولدنا ونحن بدون مخالب وقرون وفراء. بدون طوائف وأديان وحقائق مطلقة، ولدنا ونحن منذورون للسعادة والحرية والصياح بصوت عال فما فائدة تلك الفنون والقصائد والأفلام والمتنزهات والغابات والطرق إذا لم تحررنا من وهم الدين والطوائف والحزن والندم، المقت والكراهية، البغض والابتسامة الصفراء.
ما فائدة أن نبدأ أولى ساعات الصباح بالبحث عن عدو؟
عدو نفرغ به طاقتنا ونغرز الأبر بتمثاله الورقي؟
بحثي الدائم عن السعادة هو من نجاني من الأفكار السلبية، فأنا بكل بساطة أريد أن أكون سعيداً
وهل هذا مطلب صعب؟
ليس صعباً تماماً كما أنه ليس مستحيلاً.
أكون سعيداً حينما أشتري لنفسي كوب قهوة أو أدلل معدتي بقطعة (ستيك) أو أجنحة دجاج بالصلصة الحارة فأنا بالحقيقة شخصان.. واحد اسمه رياض وهو الذي يعرفني به الجميع وكما مثبت في إجازة السوق والأوراق الثبوتية وهو شخص رسمي. حاد الطبع والمزاج لا يقبل بالحلول الوسط ويمكنه فعل كل شيء.. أنا لا أحبه كثيراً لا أحب كآبته وصرامته ونظرته للناس والعالم. حينما أصادفه في الحمام أو المطبخ أتنحى جانباً خوف أن يزعق بوجهي ويعنفنني على إسرافي بتدليل نفسي وتبديد النقود التي يحصل عليها بصعوبة فهو من يعمل ويضع الطعام على المائدة ويدفع الفواتير.
أنا أكدح وأنت تبدد.
هكذا يزعق رياض صاحب البطاقة الثبوتية.
فيرتعش جسدي من الخوف، خوف أن يتركني ويغادر أو يموت من ضغط الدم المرتفع (يضع الكثير من الملح في الطعام) فلا أجد من يعطيني النقود التي تجعلني أشتري بها سعادتي.
سعادتي أنا الثاني (أبو الروض) هي إنفاق النقود وتبديدها. أشتري سجائر و ويسكي وملابس وأحذية وفي بعض الأحيان أشتري أشياء لا أحتاج لها وليست ضرورية فيأتي رياض مقطب الحاجبين ولفافة التبغ عالقة بشفتيه (يدخن كثيراً) ويصرخ.
ما هذا يا أبا الروض، لماذا تبعثر نقودي القليلة التي أحصل عليها بشق النفس على شراء أشياء تافهة؟
ليست تافهة ما دامت تجلب لي السعادة.
هكذا إذاً..
هكذا.
أنا أكدح وأنت تبدد.
يضرب قبضته بالجدار ويسحب نفساً من لفافته.
في واحد من الأيام غافلته حينما كنا بمتجر لبيع الحيوانات واشتريتُ كلباً. نظر لي وهو مقطب الجبين ودفع الثمن وهو يغمغم.
هل تعلم كم يكلف هذا الحيوان ويحتاج للعناية والأوراق والطبيب والدواء.. الكلب يعني طفل؟
قلت- اسمع صديقي رياض.. ربما سيجعلني سعيداً.
ابتسم ابتسامة متواطئة وردد- حسناً أبو الروض سأفعلها هذه المرة. هذه المرة فقط، لكن أنت من سيتحمل العناية به وتحميمه وإطعامه.. صمت لفترة وأكمل.
ماذا سنسميه ؟
- سعيد!.