يرصد هنا الكاتب المغربي أحد أهم التجارب التشكيلية المغربية، محمد المنصوري الإدريسي يعد من التشكيليين المغاربة التجريديين الأكثر تميزا، وقد بدأت إنجازاته الجمالية، منذ بداية هذا القرن، في إدماج الأعمال التجريدية الأكثر فرادة، ويسهم الكتاب التعريفي المقدم هنا، في تقريب القارئ والمهتم بتجربة هذا الفنان من منجزه الفني وسماته الجمالية.

التشكيلي المنصوري الإدريسي وشغف الألوان

سعيد بوكرامي

لن يكون الكتاب الفاخر للفنان التشكيلي محمد المنصوري الإدريسي، إلا مصدر بهجة لمحبي الفن التشكيلي عامة وأعمال الفنان خاصة. فقد صدر مؤخرا عن منشورات (إر في بي) الرباط و بدعم من وزارة الثقافة، تكريما لهذا الوجه البارز في الفن التشكيلي المغربي.

ويشتمل الكتاب، الذي يقع في 133 صفحة من القطع الكبير على مقال عميق بقلم الدكتور محد الشيكر، الباحث في الفلسفة الجمالية، بعنوان "ملكوت اللون أفق التأويل" التي ترجمت إلى(الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية)، كما تضمن عددا من الشهادات عدد من النقاد مثل: إدرس كثير وابراهيم الحيسن وبنيونس عميروش وعبير زيتون ومحمد كريش وإريك ديستوبيلييرو لحبيب لمسفر وغيرهم. رافقت الشهادات مجموعة من اللوحات التي تسكتشف المسار الفني للمنصوري.

وسيظهر للقارئ أن تطور أعمال الفنان المنصوري الفريدة من نوعها و الخاصة بتجربته ، تقاوم بقوة التصنيفات الفنية : هل هي انطباعية جديدة أم انطباعية معاصرة أم غنائية خيالية أم ذات نزعة صوفية روحانية ...لذا ينبغي مقاربة هذه الأعمال الفنية بطريقة أخرى .ويبدو أنها تنحو نحو تكريس ممارسة بلاستيكية جديدة . يشكل فيها اللون " مركزية " أعماله الفنية .. اللون باعتباره ميدانا للبحث ولكن أيضا باعتباره صمام إنذار لرنات ملفوفة طي الروح أو الخيال الإنساني .

تتجلى في التحكم المدهش في الفرو قات التلوينية و في الأصباغ و الإيقاع و السحنات . هناك احتدام للألوان المختلطة و المنظمة بطريقة مذهلة . بهذا تندرج أعمال المنصوري ضمن هذا القول المأثور " العمل الفني هو اللون و اللون هو العمل الفني". لم يخطئ أولئك الذين استعملوا صيغة "الألوان الحرة " لوصف أعمال محمد المنصوري الإدريسي. أو بحسب تعبير بول كلي: " اللون يمتلكني. لا داعي للبحث عنه. إنه يمتلكني، أعرف ذلك. هذا هو معنى اللحظة السعيدة: أنا و اللون شيء واحد. أنا رسام"

يسمو المنصوري بعظمة الألوان ويركز بحثه الصباغي على " كثافتها و امتدادها و انتشارها " . إنها توحي بالدوار . لذا يمكن مقاربة أعماله و كأنها " معادلة كروماتية " . طبعا هناك أبعاد أخرى لكنها تأتي بعد هذه المعادلة الأساسية و التأسيسية .

لوحاته تثير إشكالية " سر الضوء و الألوان " لا فقط لدى الفنان و لكن أيضا لدى الإنسان . المسألة موضوعة لديه بطريقة عميقة أساسية و نهائية . عكس الطريقة السطحية أو المبتذلة كما هي لدى البعض . براعة و فن هادف في خدمة رؤية متأملة .ندرك من خلالها صلة صوفية بين اللون و الروحانية أو بين الروحانية المنبثقة من اللون .

مباشرة بعد وضع إشكالية "سر الضوء و الألوان" إنوضعت في أعماله الفنية إشكالية أخرى هي إشكالية "سر الحياة والإبداع " و هي إشكالية أنطولوجية وجودية إنطلاقا من "المعادلة الكروماتية" التي تكثف كل الأسئلة . هكذا نشعر بمفاهيم المحايثة والتعالي كمفاهيم تأويلية للأعمال الفنية للمنصوري .و على مستوى آخر ، تعرف أعماله بأشكالها و مظاهرها و أطيافها الطافية فوق اللوحة . هذه الأشكال هي في الغالب إفرازات للذاكرة ، لذكريات اللحظات ، لإعادة ظهور و استجلاء موجودات أو كائنات غائرة في أغوار مخيال الفنان . لكن تبقى هذه "الأشكال الطيفية " خاضعة فيما وراء قيمتها ومعناها الخاصين "للألوان التي تمنحها الحياة. إنها هنا لخدمة الرمزية الأساسية للألوان. ألا وهي الإلتباس والإشراق والإبهار من الصعب عزلها عن "المعادلة الكروماتية" التي تحدد و تشرح هذه الأعمال الفنية الفريدة والتي لا يمكن تقليدها .

يقول محمد الشيكر عن تجربة المنصوري " طفا على السطح عشق المنصوري الإدريسي للتشكيل منذ ستينيات القرن المنصرم في مرسم الحاج مكوار حيث كان مكلفا بتأطير اللوحات ولكنه لم يشرع في تحقيق حلمه بالرسم إلا ابتداء من سنة 1975. وكل هذه الفترة الماضية، أتاحت للمنصوري الإدريسي أن ينهل مما يحيط به، ومن العلامات والرموز المضمرة في الوجود والذاكرة التاريخية، كي يعيد في أعقاب ذلك تشكيل مفردات لغته المرئية"

وأضاف الباحث في الفلسفة الجمالية "لا شك أن بلاغة الألوان تشكل العنصر المميز في لوحات المنصوري، بل إنها خاصيته الجمالية الأساس”، مذكرا بأن المنصوري بدأ مساره الفني برسم أبواب وعتبات ونوافذ بيوت وأزقة… ليتطور في ما بعد نحو نوع من تكسير الروابط وتفكيك معالمها، والفضاءات والمرجعيات الإقليدية كي لا يتم الاحتفاظ في العالم المادي إلا بمظاهره العميقة.

وأكد أن "المنصوري يعد من التشكيليين المغاربة التجريديين الأكثر تميزا، وقد بدأت إنجازاته الجمالية، منذ بداية هذا القرن، في إدماج الأعمال التجريدية الأكثر فرادة"

درس سيدي محمد المنصوري الإدريسي، المزداد سنة 1962 بالرباط، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، ثم بالأكاديمية الأوروبية للفنون ببروكسيل، قبل أن يلج المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط .كما يشغل منصب سفير مونديال آرت أكاديميا بالمغرب ونائب رئيس النقابة الوطنية للفنانين التشكيليين المهنيين، ونائب كاتب عام الجمعية المغربية للفنون التشكيلية ، والرئيس المؤسس لجمعية الفكر التشكيلي والرئيس المنتدب للأكاديمية الأوروبية للفنون ببروكسيل.

وقد عرض المنصوري أعماله الفنية في عدد من البلدان، وتم اختياره لتمثيل المغرب في البينالي السادس الدولي للفنون ببكين سنة 2015. وشارك سنة 2016 في المعرض الجماعي "حلم أفريقيا بدكار" وقد شارك المنصوري، الحائز سنة 2015 على درع أفضل سفير في السنة لمونديال آرت أكاديميا، الذي عينه سنة 2014 فارسا أكاديميا، في وضع العديد من المؤلفات الجماعية...