هنا تقرير عن كتاب قيم صدر حديثا بعنوان "نحو منهجية علمية إسلامية.. توطين العلم في ثقافتنا" حيث تدافع أستاذة فلسفة العلوم ومناهج البحث المصرية يمنى طريف الخولي، عن إمكانية التأسيس لمنهجية علمية منطلقة من البيئة الثقافية العربية والإسلامية وتحاول نسف فكرة قيام العلم على المادية والقطع مع العقائديات، وتدعونا فيه أستاذة فلسفة العلوم ومناهج البحث المصرية الى تبني العلم.

نحو منهجية علمية إسلامية

في كتابها الجديد "نحو منهجية علمية إسلامية.. توطين العلم في ثقافتنا" تدافع أستاذة فلسفة العلوم ومناهج البحث المصرية يمنى طريف الخولي، عن إمكانية التأسيس لمنهجية علمية منطلقة من البيئة الثقافية العربية والإسلامية وتحاول نسف فكرة قيام العلم على المادية والقطع مع العقائديات.

الكتاب يقع في حوالي 260 صفحة، ويتوزع على أربعة فصول تتناول "ما قبل المنهج وما حوله.. مقدمات راسمة"، و"العلم والمنهج"، و"التأصيل المنهجي.. علم أصول الفقه معاصرا"، و"النموذج الإرشادي الإسلامي نحو المستقبل".

وتنطلق يمنى من أننا "لم نحقق بعد الذات الحضارية في عالم العلم وتطبيقاته التقانية مثلما فعلت أمم أخرى"، ورغم أننا "لدينا علماء مجتهدون ومبدعون، ولدينا جامعات ذات ريادة وعراقة وموقع ما في التصنيفات العالمية، ومؤسسات علمية تنجز، لكن الجهود العلمية مشتتة. وما زلنا في مرحلة النقل والاستهلاك المشتق من الهلاك".

وتدافع من خلال الفصول الأربعة عن أن "العلم لا ينفصل عن إطار حضاري هو الذي ينجبه ويطبقه ويفعّله البحث العلمي المنتج المبدع".

ومعنى هذا أنه "لا توطين للحركة العلمية، ولا تأصيل لها في ثقافتنا، إلا إذا كان لدينا أصول للمنهجية العلمية كامنة في خصوصيتنا الثقافية، لنقوم بتطويرها في طريقنا لاستيعاب الآليات المنهجية المعاصرة في إطار نموذج علمي إرشادي إسلامي متجه صوب المستقبل".

منهجية إسلامية

المفهوم الأساسي في الكتاب هو مفهوم "المنهجية"، التي ترى الكاتبة أنها السبيل لتوطين الظاهرة العلمية وتأطيرها ومأسستها في أي حضارة.

وتقوم المنهجية الإسلامية في عمومها على ثلاثة أبعاد هي: منهجية التعامل مع الأصول (القرآن والسنة)، ومنهجية التعامل مع التراث (التراث الإسلامي والعالمي)، وأخيرا منهجية التعامل مع الواقع.

إلا أن المنهجية الإسلامية، حسب يمنى، لا تتوقف عند حدود المعرفة المحضة، وإنما يناط بها عدد من الأدوار، منها تجديد الخطاب الديني، ورأب الصدع بين الأصالة والمعاصرة، وبين التراث والحداثة، وبين الماضي والمستقبل، وبين الإنساني والطبيعي، وبين القيمي والعقلي، وبين الدين والعلم.

وهذا معناه أن "المنهجية أوسع وأشمل من مجرد المناهج، فهي المدى والإطار والهيكل والقيم".

الجمع بين القراءتين

وفق أستاذة فلسفة العلوم في جامعة القاهرة فإن "بقاء الأمة الإسلامية مرهون بحفظها لهويتها، وتفعيل هذه الهوية في التطبيق وهو ما يدخل فيه الدور، الذي يقوم به الوعي المنهجي ومأسسة الفكر، والبحث عن طريق منهجية إسلامية معاصرة هي تطوير للثقافة الإسلامية وتمكين للمعرفة العلمية. ذلك أن المنهجية الإسلامية نموذج معرفي شامل عاكس للإطار الحضاري ومتضمن للنموذج العلمي الإرشادي".

لذلك فإن ألف باء المنهجية الإسلامية عند يمنى هو الجمع بين القراءتين، قراءة الكتاب المنزل من ناحية، ومن ناحية أخرى قراءة كتاب الطبيعة والحياة والحضارة، أو العلوم الطبيعية والحيوية والاجتماعية والإنسانية.

ويعني هذا حسب المؤلفة، أن المنهجية العلمية هي مواجهة لعوامل تدفع إلى تكريس الواقع المتخلف، الذي تعيشه ثقافتنا منذ قرون، وتُعطل القدرة على الفكر المثمر وعلى الفعل والإنجاز.

مرحلة العصور الوسطى

وترجع المؤلفة إلى البيئة العلمية الأولى في الحضارة العربية والإسلامية، التي حملت لواء البحث العلمي في مرحلة العصور الوسطى، التي كانت شمسها غاربة عن الغرب، ومشرقة في الشرق.

لقد قدم العلماء المسلمون نماذج ناضجة للمنهج العلمي وأساليب البحث العلمي الإجرائية، وهو ما شكل تمهيدا للعلم الحديث وكان مفضيا إليه.

وتتوقف في هذا الصدد عند علم أصول الفقه، الذي ترى أنه شكّل ميثودولوجيا (منهجية بحثية) إسلامية، ويحتل موقعا استراتيجيا في مشروع توطين منهجية الروح العلمية وتأسيس نموذج إرشادي إسلامي"، باعتباره ظَلَّ أقرب إلى التأصيل العقلي ووضع قواعد الاستدلال لاستنباط الأحكام.

ويسعى الكتاب من خلال تفصيله في بعض العلوم المنهجية والعقلية، التي ازدهرت في البيئة الإسلامية، إلى إبطال فكرة غربة العلم عن هذه البيئة، وغياب روح المنهجية العلمي عن الحضارة العربية والإسلامية، حيث تشدد الكاتبة على أن خيار المادية وضرب الأبعاد الثقافية والعقائدية، الذي هو خيار الحضارة الأوربية، ليس شرطا بالمطلق لقيام المنهجية العلمية.

ويمكن من خلال اعتماد الجمع بين القراءتين (الوحي والطبيعة) قيام معالم ودعائم نموذج جديد يؤسس لمنهجية علمية تكاملية.

على أن التعويل الأكبر في التماس جذور هذه المنهجية الفعالة وتوطينها، إنما يقع على الاجتهاد والقياس.

وتشير يمنى في هذا الصدد إلى أنه طالما تم اعتبار المجتهد صفة عليا ينالها الإمام، داعية إلى أن تنسحب هذه الصفة أيضا في عصرنا على العالم الطبيعي والاجتماعي.

استنهاض الهمم

في تقديمه لهذا الكتاب قال حمو النقاري أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس (حكومية) بالعاصمة المغربية الرباط إن "أفكار الكتاب تعد مجددة في مجال الكتابة الفلسفية الإبستمولوجية (فلسفة العلوم) والميثودولوجية والمنطقية العربية المعاصرة، وتشهد لإمكان إنجاز ابستمولوجية بألوان إسلامية، من خلال الانطلاق من وضع براديم (نموذج إرشادي) مناسب للأمة الإسلامية".

وأضاف أن المؤلفة "تنظر في العلم من حيث هو نشاط حي يمارس فعليا في إطار حضاري مخصوص، يشمل مؤثرات حاسمة ثقافية واعتقادية وسياسية ومؤسساتية وأخلاقية وقيمية، يصطلح على تسميته في الكتابة الغربية بالباراديغم، وتؤديه المؤلفة بمصطلح عربي هو النموذج الإرشادي".

والمطلب الأساسي للكتاب، وفق أستاذ الفلسفة، هو "المساهمة في استنهاض الهمم لدفعها إلى الإيمان بأن العلم والبحث العلمي بآلياتهما ومناهجهما لم يكونا غريبين عن الحضارة الإسلامية العربية، وجعل هذه الهمم تستأنف تثبيتهما وترسيخهما في الفكر الإسلامي المعاصر في أفق يستشرف المستقبل".

ويمنى طريف الخولي هي أستاذة لفلسفة العلوم ومناهج البحث في جامعة القاهرة، وسبق أن ترأست قسم الفلسفة بها.

وصدر لها العديد من الكتب منها: "فلسفة العلم في القرن العشرين"، و"فلسفة كارل بوبر"، و"العلم والاغتراب والحرية"، و"مشكلة العلوم الإنسانية"، و"ركائز في فلسفة السياسة"، إضافة إلى "مفهوم المنهج العلمي".