من بديهيات الأمور القول: بأن الفن التشكيلي عموماً واللوحات الفنية التشكيلية التصويرية المُنفذة بتقنيات رسم وتلوين متعددة، هي لغة بصرية كاملة المواصفات الحسية وغنية في إبراز القيم الجمالية والمعرفية المتناسلة من موهبة ووعي الفنانة أو الفنان التشكيلي وعاكسة بشكل ما أو بآخر بذاكرة المكان المحلية، ونوعاً فريداً من التواصل الحضاري الثقافي في مدلوله ومحتواه وخصوصيته التعبيرية، إنساني في تفاصيله الشكلية بعيداً عن مفردات النص اللغوي المكتوب والمسرود في أي بلد من بلدان المعمورة. لغة تُقرب المسافات وترفع حواجز الفهم والدول، تقتحم أسوار العين ومسالك الحساسية الذوقية التذوقية بلا وسيط ولا تحفظ أو ترجمان، تدخل حدود التأمل ومناطق الإدراك والمتعة البصرية المُضافة وتُشعر المتلقي عابراً أو مُتخصصاً بألفة ما أو نفور وفي كلتا الحالتين يُرافقها لحظات قبول وتعبيرات إعجاب متنوعة الأشكال والمظاهر السلوكية، مُكرسة في مواقف حسية ولفظية متنوعة الدلالات. تضع المتلقي في حالة اختبار بصري ومعرفي وجمالي بغض النظر عن ثقافته ومناهل وعيه وعلاقته بمواضيع الفنون الجميلة التشكيلية، وتخيير مواقف التعبير الشخصية المتصلة بالعمل الفني أو محتوى وموضوع لوحة فنية تصويرية ومُبادرة القول: «رسوم ولوحات جيدة» أو «رسوم ولوحات تعجبني» وبالتالي جعل العمل الفني متأثر في مسالك الترجمة الشخصية الانفعالية الخارجة من عِقال الأحكام الذاتية والانفعالية والمُفاضلة لقيم المقولة الثانية. من هنا تُولد إشكالية تقويم العمل الفني وتحليله ونقده وحقيقة الموقف التعبيري منه المُقصية في كثير من الأحوال للجوانب الموضوعية في قراءة وتحليل ونقد العمل الفني التشكيلي والانحياز شبه الكامل لمعايير الترجمة الذاتية المُشبعة بالمزاح الشخصي والميول والأهواء. هذا جعل الفن وقيم الجمال عصية على التعريفات الأكاديمية الخالصة، وتُبقي كافة الأبواب مفتوحة على الاجتهاد والحكم على الأعمال الفنية واللوحات مفتوحة أيضاً، وأن جماليات اللوحة أو العمل الفني تظل في حالة كر وفر ما بين مجموعة القراء والمجتهدين من جمهور التلقي، لأن العامل الذاتي شئنا أو أبينا يدخل في محددات الترجمة الذاتية لكافة مواقفنا التقويمية لهذه اللوحة أو ذلك الفنان. للوحة الفنية التصويرية مفهومها اللوحة هي عمل فني تشكيلي محمول على جدار، ومؤتلفة من مجموعة المكونات والعناصر المادية والتعبيرية المُبتكرة بيد ووعي الفنان وذاكرته البصرية مصاغة في محتوى شكلي ومضمون موضوعي وهي ناتجة عن عملية بنائية منظمة في آلياتها التقنية واشتغالها الفني سواء أكانت الخامة المستعملة من ورق أو قماش مُعالجين وفق الأصول التقنية المُتبعة أو أية مادة صناعية حديثة يكون السطح في مقاييسه التقليدية المُتبعة المجال الحيوي لصناعة اللوحة في سياقها التقني المحكومة بقدرة الفنان وموهبته وخبرته في عمليات تنظيم مجموعة المفردات والعناصر الفنية التشكيلية فوق مفاتن سطح اللوحة والمؤلفة من (الخطوط، الألوان، القيم اللونية من دسامة ونعومة وملامس، التوازن، الانسجام، التوافق الشكلي مع المحتوى الموضوعي مراعاة النسب الكتلة والفراغ، الإيقاع، المنظور، الوحدة العضوية لمجموعة العناصر المتآلفة في متن اللوحة) يَعبر الفنان في واحة ميادين اشتغاله التقني وتمكنه في التأليف والتركيب والتوصيل مستعيناً بمدارس فنية واتجاهات أكاديمية تقليدية أو حداثية أو تركيبية شيئية، قد تكون مادتها في عمليات الرسم والبناء والتعبير أقلام الرصاص أو الفحم أو الملونات المائية والزيتية بأنواعها المتنوعة. اللوحة الفنية التصويرية بالنسبة للمتلقي من الطبيعي أن تكون اللوحة الفنية التصويرية المجال الحيوي لأصحاب الاختصاص من الفنانين ومن شريحة واسعة من الذواقة الهواة والمحترفين من صحفيين ونقاد فن وأكاديميين، ومحط أبصارهم ومناهل مداركهم وتفكيرهم في نهاية المطاف والوقوف أمامها موقف مُتذوق عابر أو متأمل مُفكر وآخر ناقد، وتختلف عمليات التواصل البصري والمعرفي والجمالي مع محتوى ومضمون اللوحة تبعاُ لثقافة ووعي وميول المتلقي وانحيازه لذاكرته الشخصية وأفكاره وهي مسألة طبيعية وإشكالية بأن معاً تضع العمل الفني واللوح في مصيدة الترجمة الذاتية والنقد الذاتي بعيداً عن موضوعية التلقي ومفاعيل النقد، وبالتالي تُصبح اللوحة في عين وعقل المتلقي في سياق تصنيفين من الآراء والأفكار التي سبق الإشارة إليها، الأول: يقول بأن ثمة لوحة جيدة وفق معايير أكاديمية مُتبعة. والثاني: يرى بأن ثمة لوحة تُعجبني مستنداً في ذلك على خبرته ومقولاته الشخصية وهذا الاتجاه (الذاتي) في رؤية وتقويم العمل الفني هو الأكثر سيادة وانتشاراً في كافة مناحي التعاطي مع اللوحة الفنية التصويرية.
الخصائص الموضوعية لمفهوم اللوحة الجيدة
1 - اللوحة الجيدة تكمن في قدرة الفنان على امتلاك ناصية التعبير على سطوح الخامة والتكيف مع أدواته ومسارات عمله وتقنياته وآليات بناء لوحته منذ الفكرة المُتخيلة أو المنظورة وحتى توقيعه على لوحته إيذاناً بانتهائها.
2 - إن اختيار موضوع اللوحة سواء أكان طبيعة خلوية أو صامتة ومتحركة مزدحمة بعناصر إنسانية أو سواها ناقلة للواقع المرئي أو المُتخيل ليس كامنا في جماليات الأمكنة أو الشخوص بقدر ما هي على صلة وثيقة بقدرة الفنان على التوزيع الصحيح للعناصر والمفردات والجمل التشكيلية وطريقة رصف محددات لوحته بطرق صحيحة ومناسبة شكلاً ومضموناً ومتوازنة في ملوناتها وحركة ريشته ومفاعيل تقنياته.
3 - اللوحة في الفن التشكيلي هي وليدة اللغة البصرية ومولودة داخل المُختبر لفني التشكيلي (مرسم الفنان) بعيداً عن أية إحالات دلالية ورمزية تبعده عن جهور العمل الفني من أساليب الإنشاء المنثور ومحمولات الوصف الأدبي والأيديولوجي لحركة الشخوص ودلالات المكان المرسوم، والدراسة المنهجية تقتضي أن تكون مراعية لمفاهيم الفن وأسس بناء اللوحة دون أي اعتبار لقيم جمالية مُضافة من منهل إبداعي آخر.
4 - اللوحة الجيدة لا يُشترط بها محاكاة الواقع بحذافيره وتفاصيله وإنما محكومة بقدرة الفنان على إخراجها من سكونها الطبيعي إلى حالة إبداعية مُبهرة وتترك في نفس المتلقي الإعجاب والمقارنة ما بين المشاهد اليومية التي نمر بها مراراً دون أن تثير فينا أي انفعال ولوحات الفنان التي تستحوذ على حساسيتنا الذوقية التذوقية وتدفعنا للمُبادرة في تعبيرات الإعجاب والرضا والمتعة البصرية والفكرية في محتويات اللوحة وحُسن التوظيف والتوصيف البصري.
5 - اللوحة الجيدة هي التي تشتمل على كافة مقومات العمل الفني وتقنياته المتعددة من الخط واللون والإيقاع والحركة والانسجام والتوازن وقواعد المنظور وتخير الأوضاع الشكلية المناسبة والتوزيع المدروس للمساحات والقيم اللونية والشكلية وانسجامها مع مضمون الفكرة المُعالجة والتي تُشكل ملعب وميدان الاشتغال التقني والفني.