انعقدَ الجمع العام لبيت الشعر في المغرب في وضع عامّ شديد التعقيد. وَضعٌ تتنامَى تحدّياته، على الصعيد العالميّ والوطنيّ، بوتيرة مُقلقة على مصير الإنسان، بما يدعو إلى تقوية حسّ المُمانعة، والوَعي بضرورة التصدّي لوُجوه التسلّط وللنزعة التقليدانيّة ولمظاهر العُنف ومنابعه، وبضرورة مُقاوَمة التهديدات المُحدقة بالقيَم وبمُستقبل الإنسان.
ووعياً من بيت الشعر في المغرب بجسامة المسؤولية الثقافيّة التي أصبح يتطلّبها الإيقاعُ السريع لتنامي التحدّيات، ووعيا منه بضرورة تجديد أدوات المُقاومة وإلى إسماع صوت الشعر، أقرّ جمعُه العامّ التوجُّهات التالية:
- ترسيخ البُعد الحداثيّ في المُمارسة الثقافية لبيت الشعر في المغرب، بالانتصار الدائم للمُستقبل المُتجدّد، وبالمُساءلة النقديّة للأسُس التي تُغَذي التقليد وتُقوّي كلَّ نزوع إلى الاحتماء بالماضي، وبالاستمرار في تبنّي رُؤية مُنفتحة على القيَم الكونيّة؛
- صَون استقلالية بيت الشعر في قراراته وتوجُّهاته من داخل تطوير شراكاته وتنويعها. استقلاليّة تضمنُ للبيت حُريّة التفكير والمُبادرة وعدم الارتهان إلى حسابات شركائه أنفسِهم، وذلك في تجاوُب تامّ مع تصوّرات البيت للفعل الثقافيّ وللحُضور ضمن فعّاليات المُجتمع المدنيّ، وفي انسجام أيضاً مع القيَم التي تضمّنها قانونه الأساسيّ؛
- الانخراط التامّ في القضايا المُجتمعيّة وقضايا الإنسان بوَجه عامّ. فقد شدّدَ الجمع العامّ على أنّ الانتصار للشعر، في بُعده الفلسفيّ والفكريّ، وأنّ المُتابعة النقديّة لأسئلته النظريّة عالميّاً لا يتمّان بانفصال عن قضايا المُجتمع وصراعاته وتفاعلاته ولا عن قضايا الإنسان. ومن ثمّة، فواجهة المُقاومة الشعريّة، وفق التصوّر الذي منهُ ينطلقُ بيت الشعر في المغرب، مُرتبطة عضوياً بالقضايا المُجتمعيّة، وبالدفاع عن الحريّة والكرامة والعدالة، وبالانتصار للخيال والحُلم والجمال، وبنقد أيّ تراجُع في ما تحقّق من مكاسبَ في مسار الدفاع عن حقوق الإنسان؛
- الانحياز التامّ للقوى الحيّة في المجتمع، في هذه الظرفيّة التي تشهدُ تراجُعاً واضحاً في المكاسب التي انتزعَتْها هذه القوى في صراعها الطويل مع وُجوه التسلّط. ومن ثمّة، فإنّ بيت الشعر يَعتبرُ الحَراكَ في الريف أمراً حَيويّاً دالاًّ على ديناميّة المجتمع، وأنّ من الواجب التعاطي معه بوصفه تجسيداً لتعافي المُجتمع وحيويته لا بالرجوع إلى السنوات التي عملت الدولة بمعية القوى الحقوقية على طيِّ صفحتها؛ ومن ثمّ فإنّ الحاجة إلى الفعل الثقافي و الفكري وكافة التعبيرات الإبداعية و في مقدمتها الإبداع الشعري، في هذه الفترة الخاصة، التي تمرّ بها بلادنا، تزداد أكثر من أي وقت مضى، بما هو التعبير الذي تتجلى فيه قيم العدل الحق و المساواة، وتنتفي داخله مظاهر الحقد و الكراهية و العنف؛
- خِدمةُ الشعر المغربي انطلاقاً من تصوّر حداثي للهُويّة. تصوّر يقومُ على عدّ الهويّة تغتذي وتحيَا وتتطوّر باستيعابها لتعدُّدها اللغوي ولتنوّع مُكوّناتها وللاختلاف السعيد الباني لها؛ ومن ثمّ يدعو بيت الشعر في المغرب الهيئة التنفيذية الجديدة إلى مواصلة رعاية الاختلاف الذي يسمُ المتن الشعري المغربي، وتثمينه بما يضمن لهذا التعدّد اللغوي و التعبيري إثراءَ متخيّلنا الشعري؛
- مواصلةُ الإصغاء لمنجز القصيدة المغربية الحديثة، بمُختلف أجيالها وتجاربها ولغاتها، وتعْميق النقاش الواعي حول الإبدالات والانعطافات التي تتحقق لها. ولذلك يؤكد الجمع العام على ضرورة مواصلة عقد الدورات الأكاديمية بما يستوعب نوعية الأسئلة الفكرية و المعرفية و الثقافية التي تتمّاس مع هذه القصيدة؛
- الاستمرارُ في إغناء حوار التجارب الشعريّة المغربيّة مع الشعريات العالميّة، بما يَجعلُ البُعدَ الكونيّ لهذه التجارب أحدَ العناصر الرئيسة البانية لرؤاها الجماليّة ولأفقها الكتابيّ؛ ولهذا الغرض، يؤكد الجمع العام على استعادة لحظة المهرجان العالمي للشعر و تنظيمه بما يسمح بإثراء الحوار الشعري و الإنساني بين القصيدة المغربية و سواها من شعريات العالم، كما يدعُو إلى الاحتفاء بحوار الشعريتين المغربية والإفريقية وهو الحوار الذي كان بيت الشعر في المغرب سباقا إلى تدشينه بمدينة زاكورة سنة 2011؛
- العمل على إسماع صوت المحبّة الذي عليه يقوم الشعر، وتأمين امتداداتٍ حياتيّة للصوت الشعريّ في هذا الزمن الذي يَشهدُ تمزّقاً مُهولاً، وحُروباً طائفيّة مُتوَحّشة، وتنامياً للعُنف الذي تعدَّدت مواقعُه وانتشرَت، إذ أصبح العُنفُ مُهيَّأ، في أيّ وقت وفي أيّ مكان من المعمور، لأن يُفاجئَ اليَوميّ بإصرار مدروس على جَعْل الموت والدّم جُزءاً مألوفاً في هذا اليوميّ، وفق نُزوع ظلاميّ يكرهُ الحياة؛
- دعم خيار المجتمع المدني، وتعزيز دوره في صوغ السياسة الثقافية لبلدنا تكون محط إجماع من طرف كافة المشتغلين بالحقل الثقافي، وذلك طبقا للمقتضيات الواردة في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز2011. ومن ثمّ فقد دعا الجمع العام لبيت الشعر في المغرب، الحكومة إلى ضرورة التعاطي الإيجابي مع الشأن الثقافي؛ واعتبار المنظمات الثقافية الفاعلة وفي طليعتها بيت الشعر في المغرب؛ شريكا أساسيا وفاعلا حيويا لتجْسيد الديمقراطية التشاركية.