أصدرت دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع بمناسبة (يوم الوفاء 2017) كتاباً تكريمياً للمفكر التونسي الدكتور الحبيب الجنحاني لكونه أحد رموز العطاء الأدبي والفكري في الوطن العربي.
ويعتبر (يوم الوفاء) احتفالاً تكريمياً اعتادت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح على إقامته دورياً لتكريم الرواد العرب الأحياء في كل المجالات الأدبية والعلمية والثقافية، ويصدر بمناسبته كتاب تذكاري يشارك فيه العديد من الشخصيات والأصدقاء الذين رافقوا الشخصية المكرمة، ويطلق في حفل بالمناسبة يحضره عدد كبير من الرموز الأدبية والفكرية والشخصيات الرسمية والفعاليات الاجتماعية.
يستعرض كتاب "طائر الحرية.. الحبيب الجنحاني" مسيرة الكاتب التونسي الدكتور الحبيب الجنحاني، ويلقي الضوء على الجوانب الإنسانية والاجتماعية والأدبية في شخصيته، ويتضمن لقاء مطولاً معه وشهادات للأصدقاء وفصولاً مصورة ترصد الجوانب الشخصية والعملية في مشواره.
يذكر أن الكتاب أشرفت عليه الدكتورة سعاد الصباح، وشارك في إعداده نخبة من الكتّاب والمثقفين الذي رافقوا الجنحاني رحلته في العطاء العلمي والإنساني، وتتصدر الكتاب كلمة للدكتورة سعاد محمد الصباح حول مكانة الدكتور الجنحاني الفكرية والثقافية، ذكرت فيها أنه يأتي في قائمة من دافعوا عن الإنسان وحريته، مؤكدة أن مسيرة هذا الرجل الممتدة عبر عشرات السنين تشهد له، وتسجل أنه لم يكن رقماً زائداً في تاريخ بلده، إنما هو ذلك الرقم الصعب الذي ناصر الإنسان في قضيته الجوهرية؛ بأنه إنسان، ولاحق العلم منذ نعومة أظفاره في بلاده تونس ثم في تغرُّبه.
وتقول د.سعاد: "أمدّ بصري جهة الغرب من القلب العربي النابض، لأرى قامة عملاقة تملأ الأفق وتشغل الفكر وتشتغل به، أرى اسماً يحمل مسمّاه، فيطير بأجنحة الفكر ويسمو على بساط العلم. د.الحبيب الجنحاني ذلك العلَم الذي جمعني معه عمل طويل في مجال حقوق الإنسان، فكان نعم الزميل المخلص والمحبّ لعمله وللإنسان".
وتضيف: "وها نحن الآن نقول له شكراً على طريقة زملاء سلاح الكلمة، ونتمنى له دوام العافية وسلامة البال.. لينضم إلى الكوكبة التي قمنا بتكريمهم وهم على قيد الحياة".
وقد كتب الحبيب الجنحاني عن نفسه في ذكرياته المتضمنة في الكتاب: "وتعود بي الذاكرة اليوم، والبلاد تعاني من ردة مفزعة مهددة لجميع مظاهر التحديث الى أبناء الزيتونة الذين سقطوا بالعشرات 1938 في نفس الساحة أيام معارك التحرر الوطني مطالبين ببرلمان تونسي، وإن أنسَ لا أنسَ، وأنا أتحدث عن المرحلة الزيتونية أن النشاط الطلابي كان ضمن جمعية (صوت الطالب الزيتوني)، وهي دعامة صلبة يومئذ من دعائم الحركة الوطنية بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة..".
ويقول العزيز بن أبي المعز، وهو أحد أصدقاء الجنحاني، تحت عنوان "قيم الوفاء في يوم الوفاء": "سيتساءل كل من سيصل إلى يديه هذا الكتاب التكريمي قائلاً: ما المغزى أن يحتفى بالأستاذ الحبيب الجنحاني في يوم عنوانه الأسمى والأسنى (يوم الوفاء)؟ لما أعلمني بالمناسبة قال لي: أنت تعرف جيداً أنني لا أعير مثل هذه المناسبات كبير اهتمام، ولكن الأمر يختلف هذه المرة جذرياً؛ لأنك تعرف إيماني بقيم الوفاء ورسالتها في تقدير الأجيال اللاحقة للأجيال السابقة، وهذا يمثل علامة مضيئة في حياة الشعوب المتقدمة، فهي تبقى وفيّة لمن أسس وطور، ويتضح ذلك جلياً في تاريخ تعاقب الأجيال في شتى الحقول، ويعيش المرء حالات لافتة في المجال السياسي بصفة أخص لمّا يسمع إشادتهم بنضال من سبقهم وعاصرهم، وإن اختلفوا معهم في الرأي، وربما وصل الاختلاف درجة الصراع السياسي".
بدوره يقول د. حمادي صمود في معرض دراسته الأدبية: "الأستاذ الدّكتور الحبيب الجنحاني مؤرخ معدود من بين المتخصّصين البارزين في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمغرب الإسلامي، والأنماط الاقتصاديّة السّائدة في بلاد الإسلام، ولا سيّما من مرحلة الإسلام المبكّر إلى نهاية الدّولة الأموية. وله في الوقت نفسه حرص قديم على المساهمة بالرّأي في الصّحف اليوميّة والمجلات في ما يجدّ في حياة النّاس من قضايا في السيّاسة والمجتمع".
أما د. فوزية بالحاج المزّي فتدلي بشهادتها حول الدكتور الجنحاني قائلة: "إنه لمن الممتع أن أدعى للكتابة عن الدّكتور الحبيب الجنحاني، لأنّه من كبار قامات الفكر التّونسي ومن أبرز من بحث في مفاهيم الدّولة والديمقراطية والحريّة. وللمتعة خصوصيّتان: الأولى لأنّ هذا الكاتب تدرّج في تحصيل معارفه منطلقاً من مؤسّسات معرفيّة اعتباريّة بالبلاد التونسيّة، وهي مؤسّسة جامع الزّيتونة المعمور، والذي بقي معلماً رمزاً فيما يتعلّق بالفكر الإسلامي الحامل لراية العقل والاجتهاد والتّنوير".
وتضيف د.فوزية: "والخصوصيّة الثّانية التي تسم متعة الحديث عن الدّكتور الجنحاني هي أنّه في زمن القمع والتسلّط الدّكتاتوريّ وفي زمن البكم الذي أصاب الإعلام وخنق الحريّات العامّة والخاصّة، اضطلع الحبيب الجنحاني بالتفكير والبحث والكتابة، ونشر دراساته حول الحريّة والديمقراطيّة والدّولة.. أي أنّه استباح الممنوعات الأساسيّة والمحاذير التي تتوجّس منها الأنظمة الاستبداديّة في الوطن وفي عديد الأصقاع العربيّة".
وفي شهادته يقول الأستاذ عبد الجليل التميمي: "واكبتُ الأستاذ الحبيب الجنحاني منذ انضمامنا سوية إلى قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة التونسية الأم، منذ سنة 1972. وقد عرف عنه دفاعه المستميت عن الثوابت والمبادئ الحضارية للأمة العربية – الإسلامية، ولم يهادن مطلقاً من سعى إلى تقزيمها أو التقليل من شأنها، ولا شك أن دفاعه عن ملف التعريب حيث كان أحد أبطالها إلى أن تم الإقرار بعد صراع طويل ومرير بمبدأ تعريب التاريخ المغاربي وحيث أمن تدريس تاريخ المغرب الإسلامي. كما أن الأستاذ الجنحاني يعد أحد المدافعين الشرسين للدفاع عن حرية وحرمة الرأي المخالف، وكان من المؤسسين لنقابة التعليم العالي، وهذا على الرغم من قربه من الدوائر السياسية العليا للدولة، وقد تبنى مواقف مشرفة كمدافع عن زملائه اليساريين والإسلاميين والذين تعرضوا للمضايقات البوليسية المتكررة في عهد النظام البورقيبي المتشدد يومئذ".
والكتاب يزخر بالدراسات والشهادات التي خطّها أصدقاء الجنحاني ومحبوه بحبر التقدير والاعتزاز، ومنهم: محمد أنور، د.زهير توفيق، صلاح الدين الجورشي، محمد عيسى المؤدب، أحمد الحمروني، لطفي عيسى، د.منصف الوهايبي، د.محمد حسن، د.عمر بن حمادي، المنجي الشعار، عبد الواحد برهام، عيسى البكوش، المنصف ثوجة..
يتميز الكتاب بطباعته الفاخرة وجودة الورق وبغلاف هادئ مميز، ويقع في حوالي 300 صفحة من القطع الكبير، وهو مقسم ما بين فصول كتبها الدكتور الجنحاني بقلمه، وشهادات محبيه وأصدقائه، وأبحاث كتبها عنه المهتمون، وقسم مصور لمراحل حياة الجنحاني الممتدة ما بين مسقط رأسه في تونس وبلاد التغرب التي زارها وأقام فيها سنين طويلة.
وفي تصريح لـ علي المسعودي مدير دار سعاد الصباح أشار إلى أن حفل تكريم الدكتور الجنحاني سيتم في منتصف سبتمبر المقبل في العاصمة التونسية بحضور عدد من رجال الفكر والأدب والمسؤولين، وأضاف أن الكتاب الصادر بهذه المناسبة ليس الأول من نوعه في دار سعاد الصباح، فقد قامت الدكتورة سعاد الصباح خلال السنوات الثنتين والعشرين الماضية بتكريم عدد من رواد الفكر والأدب العرب في أثناء حياتهم، وهم: الأستاذ عبد العزيز حسين (الكويت) 1995م، والشاعر إبراهيم العريض (البحرين) 1996م، والشاعر نزار قباني (سوريــا) 1998م، ود.ثروت عكاشة (مصـر) 2000م، وصاحب السمو الأمير عبد الله الفيصل (السعودية) 2001م، ود.عبد الكريم غلاب (المغرب) 2003م، والأستاذ غسان تويني (لبنـان) 2007م، ود.صالح العجيري (الكويت) 2013م.
وأكد المسعودي أن "يوم الوفاء" سيواصل تكريم رموز الثقافة والفكر العربي.