يكشف الباحث المغربي هنا عن استراتيجيات الخطاب الإشهاري/ لغة الإعلانات كما تسمى في المشرق، وكيف أنها كشفرات خاصة ترتكز على مجموعة من آليات التدليل وأساليبه لإقناع المستهلك بالمنتج الذي يعرضه عليه، والتعامل معه كمستعمل محتمل له. كما يحلل سيميائيا أدوات التمويه والإخفاء وغواية الصورة فيه.

الخطاب الإشهاري وحماية المستهلك

مقاربة سميائية

محمد العنوز

مقدمة
يعد الخطاب الإشهاري خطابا سوسيو-اقتصادي ودعائي، حيث يقوم باقتناء واختيار العلامات البصرية واللغوية القادرة على خلق سلسلة قيم وعواطف وانفعالات سيكو-اجتماعية تثير مناطق حساسة لدى المستهلك (المتلقي)، وعليه تدفعه إلى القيام بفعل شراء المنتوج المعروض. وتلعب الصورة دورا أساسيا وفاعلا في عملية الإشهار، "إنها مضمون بصري ولساني حامل لواقعة إبلاغية تمت بلورتها داخل إطار تتداخل فيه أسنن مختلفة منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي."1

إن تحقيق هذا الفعل بوصفه الهدف الرئيس للخطاب الإشهاري، لا يتم عبر الإقناع المنطقي البرهاني بجودة المنتوج باعتباره موضوع قيمة، بل بالاعتماد على الاستيهامات البلاغية الانفعالية التي تتوارى خلفها الإرسالية الإشهارية، إذ تلعب العلامات بمختلف تجلياتها دور المثير الذي يدفع متلقي تلك الإرسالية إلى الاستجابة (أي الشراء)، وهذا ما يؤكده سعيد بنكراد بقوله: »إن الصورة الإشهارية ليست مجرد وصف لمنتوج، إنها تحديد لعلاقات وأنماط للسلوك، وهي أيضا مرتبطة بقاعدة مثلى للفعل. ففعل الشراء هو الغاية الكلية للإرسالية الإشهارية )اشتروا المنتوج "س"(. وعلى هذا الأساس، فإن الصورة لا تدرك إلا ضمن نسق كلي يجزأ وفق وجود أسنن فرعية تمنح العنصر المحين داخل "الكون المغلق" - حسب التعبير الشهير لبنفنيست- دلالة تنأى به عن أصله المولد لتقذف به داخل دائرة الأنتروبولوجي والإنساني»2.

يشكل الإشهار إذن، عنصرا من بين عناصر التواصل التجاري، وعليه فهو يرتبط بعمليات الإنتاج والتسويق والاستهلاك، ما دام يسعى إلى الإعلان عن وجود منتوج وعن ثمنه وخصائصه ومميزاته ذات الصلة بالجودة والتركيب، ويوظف من أجل ذلك مجموعة من الآليات والأساليب الإقناعية، تشتغل في مجملها كمثيرات تؤدي إلى إقناع المستهلك للقيام بفعل الشراء.

-1 آليات وأساليب الإقناع
إذا كانت الوظيفة الأساس للخطاب الإشهاري هي دفع المستهلك لشراء المنتوج الذي تصنعه شركة معينة، فإنه يبقى ملزما لتحقيق هذه الوظيفة باستعمال جميع الأساليب والصيغ الإقناعية الخاصة بذلك. يقول كريماص وكورتيس «والإقناع هو لجوء المرسل إلى مجموعة من الصيغ التي من شأنها إقناع المرسل إليه بالدعوة التي يهدف إليها وجعله يشاركه إياها»3. انطلاقا مما سبق، يتضح أن الخطاب الإشهاري يوظف ثلاث مستويات لإقناع المستهلك ودفعه إلى الاستجابة وهي: العرض، القضية، الفعل الإقناعي. سنحاول اختبار هذه المستويات وننظر في مدى قدرتها على تضليل المستهلك، من خلال الملصق الإشهاري الآتي لاتصالات المغرب:

    1. العرض

يتم بواسطته عرض المنتوج مقترنا بمزاياه ومحاسنه. والمنتوج هنا هو خدمة "موبي كاش" الموجهة إلى جميع زبناء اتصالات المغرب، ذلك أن لون السروال الأزرق يتعلق بشركة اتصالات المغرب عينها، هذا اللون بطبيعته دال على كل ما نراه فسيحا وممتدا وشاسعا، لذلك كان قرين البحر والسماء، رمزا الامتداد والشساعة واللامتناهي، تهدف من ورائه الشركة الامتداد عبر الزمان والمكان، والربط بينهما وكل ما ينتمي إلى الكون الإنساني، والفئة المستهدفة هنا هي فئة الشباب في جميع الأمكنة والأزمنة خصوصا ذات الدخل المحدود.

الدليل في ذلك هو وجود شابين في مقتبل العمر داخل جيب السروال أمام الهاتف النقال الذي تظهر على شاشته عبارة: "موبي كاش اتصالات المغرب" والقطع النقدية ذات القيمة المختلفة، فإذا كان جيب السروال يرمز إلى الأمان في حفظ النقود من الضياع، فإن الأمر ينطبق على خدمة "موبي كاش" التي تخول إنجاز العمليات البنكية والتجارية، بكل أمان، عبر الهاتف النقال، حيث سيتسنى للمنخرطين في هذه الخدمة سحب الأموال من حسابهم وتحويلها إلى جميع الجهات بالمغرب.

إن تواجد القطع النقدية من فئة: درهم، خمسة دراهم، عشرة دراهم، مائة درهم، هو دال أيقوني على أن الفئة المستهدفة من هذه الخدمة ذات تكاليف الاشتراك الرخيصة، هي الفئة الفقيرة من المجتمع المغربي، تهدف من ورائها الشركة إلى الرفع من معدل استبناكها، خصوصا في ظل الصعوبات التي تجدها في التعامل مع الأبناك.

وعلاقة النقود بهاتف خدمة "موبي كاش" وجيب السروال هي علاقة تلازم، تدل عليهما عبارتي: "تيليفوني فجيبي، وجيبي فتليفوني" فالعبارة الأولى "تيليفوني فجيبي" تعني أن الهاتف هو في وضع أمين داخل الجيب، في حين المقصود بالعبارة الثانية "وجيبي فتيليفوني" هو أن النقود ستكون في وضع أمين داخل الهاتف، فأصبح هذا الأخير بديلا عن الجيب والأبناك في تأمين النقود. وفي الأعلى يوجد مميز شركة اتصالات المغرب Logo)) باللون البرتقالي، مما يدل على أن الشركة هي المسئولة والحاضنة لهذا المنتوج، وعليه فزبناؤها هم المعنيون بهذه الخدمة دون غيرهم.

إن قطعة سروال "جينز" التي تملأ إطار الملصلق الإشهاري والمعروف بجودته وصلابته ومتانته، هو تساوق أيقوني مع خدمة "موبي كاش"، التي تتميز أيضا، بالجودة وسلامة تأمين الأموال من خطر السرقة والغش. إن الإشهار كما حاولنا تبيين ذلك لا يكتفي بالدعاية لمنتوج من خلال تعداد محاسنه ووظائفه، إنه ينتج قيما ويوجه أذواقا ويخلق حاجات، وهو في كل ذلك في منأى عن كل رقابة، فهو لا "يكذب" ولا يقول "الحقيقة"، إنه يكتفي بالعرض. وتلك هي خطورته وقوته الضاربة، إنه يسرب المنتوج ضمن وضع إنساني مألوف يتماهى فيه كل مستهلك، حيث يصبح اقتناء هذا المنتوج أو ذاك أمرا طبيعيا"4.

2.1- القضية
تعتبر القضية بمثابة الإطار الاستدلالي، فالخطاب الإشهاري يجعل المرسل إليه أو الذات المستهلكة هي المستعمل المحتمل للمنتوج، وعليه يتم التعامل معها كموضوع قيمة توجه إليها الدعوة الآتية: إذا كنت ترغب في "س" (موضوع-القيمة) أي أن تقوم بإجراء جميع الخدمات البنكية والمالية عبر هاتفك النقال بطريقة سهلة وآمنة من أي مكان أو مدينة أو قرية توجد بها، هناك "م" خدمة (موبي كاش). لأن "م": موبي كاش بمزاياها وصفاتها قادرة على تحقيق "س" أي إجراء عمليات بنكية ومالية مختلفة في إي زمان ومكان. يقول دومينيك مانجونو: "الخطاب الإشهاري هو خطاب حجاجي بالدرجة الأولى، أي أنه خطاب يعتمد التدليل"5. ويتم ذلك من خلال الفعل الإقناعي.

3.1- الفعل الإقناعي
يرتبط الفعل الإقناعي بالتأكيد على صحة القضية وإقناع المرسل إليه أو الذات المستهلكة بالدعوة التي يقدمها المرسل أو الشركة من خلال:

أ- إقناع الذات المستهلكة بأنه لا يوجد بديل آخر أسهل وأحسن وأرخص من الخدمة المقدمة وعليها الاهتمام والرغبة في "س" نظرا لأهميتها، حيث يكفي الزبون أن يفتح حسابا بنكيا لدى اتصالات المغرب بداية من 20 درهما فقط ليستفيد من الخدمة.

ب- إقناع المرسل إليه (الذات المستهلكة) بأنه لا توجد سبل وطرق أخرى للحصول على "س" غير "م" أي أن موبي كاش هي الوحيدة التي تمكنه من فتح حساب بنكي بثمن بخس والاستفادة منه في أي مكان وزمان ( المدينة، القرية، البادية، جميع المناطق النائية).

"وعلى هذا الأساس، فإن الإشهار ليس إقناعا بالمفهوم المنطقي للكلمة، وهو ليس كذلك حتى بالمعنى الذي يحيل غليه الحس السليم. إن الإشهار يمتلك أسراره الخاصة وله آلياته في مخاطبة الفرد المستهلك واستدراجه إلى شراك فعل الشراء الذي لا ينتهي"6.

ج- ربط اقتناء المنتوج أو البضاعة برمزية تمثل المرجعية على المستوى الاجتماعي ، لأن الخطاب الإشهاري لا يركز في تقديم المنتوج أو البضاعة على جانبها الاستهلاكي فقط. بل الأمر يتعلق هنا باستهلاك قيم بعينها تحدد للفرد وضعا اجتماعيا يميزه عن الآخرين أو توهمه بذلك، أكثر مما يتعلق باستهلاك قيمة استعمالية. " فلا يكفي أن يتوقف الإشهار عند إثارة الانتباه أو أن يكون مفهوما، وأن يحدد اعتقادا إيجابيا حتى نهايته، ولكنه مطالب أيضا، بالانتصار للأفراد والدفع بهم للفعل وللحركة"7.

يصبح المنتوج (موبي كاش) علامة ورمزا، مرتبطا بدلالة أساسية هي قدرته على استهداف فئة اجتماعية معينة، تنتمي إلى جيل الشباب المعاصر، دليلنا في ذلك هو وجود شابين في مقتبل العمر في جيب سروال (جينز) يحملان هاتفين يرمزان إلى منتوج "موبي كاش". وخلفهما قطع نقدية من فئات عادية وبسيطة، وعليه تصبح الخدمة في متناول هذه الفئة المجتمعية.

2- استراتيجية الإخفاء
يستند الخطاب الإشهاري في التأثير على المستهلك (المرسل إليه) بهدف إقناعه بشيء ما، على استراتيجية الإخفاء، بحيث يعمد إلى إخفاء جميع المظاهر الاقتصادية المرتبط بالمنتوج، كثمنه وأهمية تسويقه وجانبه المادي الذي تجنيه الشركة المنتجة من وراء ترويجه، ومحاولة إقناع المستهلك بأن الإشهاري لا يحثه على الشراء، ولكنه بالمقابل يحاول أن يقدم له فقط مجموعة من الخدمات. إن الإقناع السري " قائم في الأساس على أساليب لا تدركها العين المجردة، ولا يكشف سرها الإدراك الواعي، فهي تختفي في ثوب الإيحائي والاستعاري والضمني. لهذا فهي تتجنب استثارة الفعل الواعي لكي تتسلل، في غفلة عن المستهلك، إلى عالم اللاشعور حيث تعشش الصورة النمطية التي تحدد لنا في غالب الأحيان ردود أفعالنا وسلوكاتنا التي تبدو لنا، ولغيرنا، أنها على جانب كبير من العقلانية"8.

وتتجلى هاته الاستراتيجية من خلال ما يلي:
أ- يحدد الجانب الاقتصادي المنتوج كموضوع يتبادله المنتج والمستهلك، فيقدم الإشهاري المنتوج كعنصر مساعد فقط . وليس الموضوع المرغوب فيه لإضفاء صفة البراءة على المنتوج.

ب- يعمل الإشهاري على إقناع المستهلك عن طريق إضمار وحذف بعض العناصر من أجل إخفاء كل المظاهر الاقتصادية للمنتوج، بحيث لا يقدم المنتوج في طبيعته المادية يقول فانس: "إن المجهودات التي يبذلها الإشهاري ليصل إلى لا وعينا هي مجهودات غير بصرية"9. وهذا ما يتضح من خلال الملصق الإشهاري السابق، حيث لا يكشف الإشهاري عن الطبيعة المادية النفعية للمنتوج (موبي كاش) وإنما يخفي ذلك من أجل استمالة المستهلك (المرسل إليه) الذي يوجد دائما في وضع المشتري المحتمل.

ج- يعمل الخطاب الاشهاري على محو الحدود بين المنتج والمستهلك من خلال البنية التركيبية لبعض الأقوال فمثلا في الملصق نجد البنية الآتية: تيليفوني فجيبي، وجيبي فتليفوني" بحيث يصبح المنتج هو المرسل والمرسل إليه ويصبح المستهلك هو المرسل إليه والمرسل في الآن نفسه. الشاهد هنا ضمير المتكلم (تيليفوني، جيبي).

- تركيب:
انطلاقا مما سبق، يمكن القول إن الخطاب الإشهاري يرتكز على مجموعة من الآليات والأساليب المختلفة في التدليل لإقناع المستهلك بالدعوة التي يقدمها له أو المنتوج الذي يعرضه عليه، واضعا إياه في وضعية المستعمل المحتمل لهذا المنتوج أو البضاعة، وهي أساليب مصطنعة، تهدف إلى تحديد سلوك المستهلك للإقبال على فعل الشراء، الذي يتطابق مع أهداف الإشهار والشركات المنتجة التي تتأثر بمنطق السوق والمنافسة.

ولتحقيق تلك الأهداف اعتمد الخطاب الإشهاري على استراتيجية الإخفاء التي تعمل على إبراز محاسن المنتوج وجودته وبالمقابل التستر على كل خلفياته الاقتصادية ذات الطابع المادي الصرف، من ثمن وربح ورغبة في التسويق.

الهوامش

* - باحث في السميائيات والأدب الرقمي بالكلية المتعددة التخصصات الرشيدية-المغرب.

(1)- GAUTHIER, Guy, Vingt leçons sur l’image et le sens, Ed. Médiathèque, Edilig, Paris, 1986. P.5.

(2)- سعيد بنكراد، سميائيات الصورة الإشهارية الإشهار والتمثلات الثقافية، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006، ص. 36-37.

-(3) GREIMAS (A.J) COURTES (J). Dictionnaire résonné, T1, Hachette, Paris, 1979, P.274.

(4)- سعيد بنكراد، سميائيات الصورة الإشهارية الإشهار والتمثلات الثقافية، ص. 29.

-(5) MAINGUENEAU Dominique. Initiation aux méthodes de l’analyse du discours. Ed, Hachette, Paris, 1976, P. 163.

(6)- سعيد بنكراد، سميائيات الصورة الإشهارية الإشهار والتمثلات الثقافية، مرجع سابق، ص.12.

- (7) Geneviève Cornu. Sémiologie de l’image dans la publicité, Les Editions d’organisation, Paris, 1990, P.80.

(8)- سعيد بنكراد، سميائيات الصورة الإشهارية الإشهار والتمثلات الثقافية، مرجع سابق، ص. 13.

(9)- VANCE Packard . La persuasion clandestine, Ed , Clamann- Lévy, Paris, 1984, P.7.