في قصتين قصيرتين جدا تكثف القاصة العراقية ثيمتين مهمتين من خلال حدثي السرد، في الأولى تتابع روح صديق يسكن الروح فيظهر تجسده في الأماكن التي تَحّلُ بها، وفي الثانية تتابع ثيمة الزوجة التي تشعر بإهمال زوجها وانشغاله عنها في سردٍ مكثف متماسك.

قصتان

ناهدة جابر جاسم

الروح

 

إلى عبد الحسين داخل –أبو فيروز-

جلست للتو في باحة اشهر جسر في مدينة براغ .. الجسر الذي تزينه المنحوتات لأشخاص رحلوا في عمق الأزمنة .. كانت تتطلع في خارطة معالم المكان المكتظ بأجساد بشرية مختلفة بالأشكال والملامح ولكن كانت متوحدة بمتعة جمال الجسر ومنحوتاته. شعرت ولثواني انه خطف على جانبها الأيمن تركت الخارطة والتأمل في المكان ملتفتة له ، لمحته كان هو بجسده الناحل وشعره الذي غزاها اللون الرمادي منذ أعوام صباه الأولى حين تحمل مسؤولية أخيه وأخواته الثلاث والتي كانت أكبرهن أرملة وعندها ثلاثة أولاد ، وعينيه المدلهتين بوجوه النساء وكأنه يبحث عن أنثاه التي ظلّ يحلم كل عمره بها. لكزت زوجها الجالس على جانبها الأيسر قائلة له:

- شوف هذا مو حسين؟

لاحقه بعينه وهو يردد؛ إي والله صحيح يخلق من الشبه أربعين .. تركت مكانها راكضة. أوقفته ناظرة إلى وجهه. سقطت لؤلؤتان. تذكرت أنها في العام الماضي أشعلتْ شموعاً وبخوراً على صخرته ... لحقها زوجها وأمسكها من كتفها مضيفاً هذه روحه تلاحقنا في الأماكن التي نحلُ بها

... براغ 18-8-2017

 

انتظار

إلى الروائي الراحل حميد العقابي

انتظرتهُ لأكثر من ثلاث ساعات، مؤملة نفسها بلحظاتٍ دافئةٍ افتقدتها منذُ خفوت زمن وهج القبل وضراوة اشتعال الجسد الذي لا يهدأ. كانت متقدة يوما، فتنعمت بدفء شمسه وغبطة لحظته في بلدٍ تحتفل طيورها ببزوغ الشمس، و لهاث خطوطها الذهبية تمنح القلب تمسكاً ببهجة الحياة. حاولت أن تقضي على بطئ الوقت وثقله بسماع الموسيقى وقراءة قصائد شاعر يمس قلبها بكلماته. نزلت الشمس خلف النافذة. فهبطت وحشة أيامها كالحة تكمد روحها مع كل غروب في رحلة عمرها التي تاهت بين جغرافيات بلدان ومنافٍ مرت بها.
هب قلبها على صوت تدوير المفتاح، أقتحمها عطره الذي أنتشر بالبيت ككل مساء في هذه اللحظة، ألقى عليها التحية غير مكترثٍ. لم ينتبه للطاولة والشموع. كبس زر الضوء. تجاوزها متوجها إلى عمق الصالة، جلس إلى طاولته وفتح حاسوبه بصمتٍ.
جمدت في جلستها تحملق بعينين مفتوحتين لدقائق.
احتدمت، ضج رأسها وانتابتها رغبة في الصراخ وتمزيق العالم.
5-8-2017