المقاولة أفقا للتفكير أو سوسيولوجيا لحبيب امعمري

صدر أخيرا، عن دار مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بفاس، كتاب جماعي حول أعمال عالم الاجتماع المغربي لحبيب امعمري، وهو الكتاب الذي نسق أعماله كل من عبد الرحيم العطري وعبد الغني زياني، وشارك فيه كل من عبد الكريم القنبعي وجميلة شرادي وكريمة الوزاني وابراهيم لاباري ومحمد الحسني وعادل العمراوي وعبد الحق البكوري ومحمد أعراب، فضلا عن منسقي العمل.  وقد جاء الكتاب في 160 صفحة من القطع الكبير بغلاف دال من توقيع الفنان عزيز أزغاي، وبلوحة ماتعة للفنان زين العابدين الأمين.

يؤكد منسقا العمل في تصديرهما لهذا الكتاب الجماعي بأن "السوسيولوجيا المغربية معرفة بصيغة المفرد، قد يكون هذا الاستهلال مربكا ومكسرا لأفق الانتظار، ولكنها واقعة لا يمكن تجاوزها، إنها مشاريع أفراد لا مؤسسات أو جماعات، ولهذا فالاجتهادات والمشاريع الفردية، منها ما يستمر ويتواصل عطاء وقوة، ومنها ما يخبو وينصرف إلى أسئلة أو شواغل أخرى بعيدا عن قارة السوسيولوجيا".

  ويضيفان بأن "عالم الاجتماع الأستاذ الدكتور لحبيب امعمري يرفض تقديم الاستقالة، ليستمر في إنتاج المعنى ومحاورة الوقائع الاجتماعية بواسطة انتهاجه لمسلك بحثي مختلف يمكن وسمه بـ "تحرير السوسيولوجيا"، محاورا المقاولة والتغير الاجتماعي، ومسائلا وظائفها المعلنة والمضمرة، ومقدما على طول الاشتغال خطابا يدافع عن ضرورة تخليص السوسيولوجيا المغربية من مسكوكات الدرس الكولونيالي وثلاثية الزاوية والقبيلة والمخزن. أي نعم فهذه الإشكالات ضرورية للفهم والتحليل، لكن من الضروري أن يعمل السوسيولوجي على "تجديد" درسه العلمي، بفتح قارات أخرى للتفكير، على اعتبار أن المجتمع متغير باستمرار، ومنتج لأسئلة مغايرة تستدعي من الباحثين تطوير الأداءات والمنظورات".

إن عالم الاجتماع، هو وبالضرورة، ذاك الذي يؤسس "معناه" الخاص للسوسيولوجيا، فهو ذاك الذي "يبدع" سوسيولوجياه، ويبنينها من حيث الموضوع والمنهج  والإمكان المقارباتي، بل ويبلور طريقته الفضلى لنشر معرفته وتوصيل فهومه إلى حقله العلمي المفترض. في هذا السياق نجد لحبيب امعمري وفيا لهذا الاحتمال، فقد عمل منذ البدء على "إنتاج" درسه السوسيولوجي، وعلى تجديد مجال البحث والاشتغال، كما أنه وهذا هو المهم كان رائدا ومائزا في مستويات التأطير والتكوين السوسيولوجي.

يميز العالم والمربي والإنسان لحبيب امعمري، في كثير من محاضراته بين بورتريهات متعددة للسوسيولوجيين بالمغرب، مفرقا بين السوسيولوجي المدرس والسوسيولوجي الخبير والسوسيولوجي المناضل والسوسيولوجي التقنوي، ومؤكدا في الآن ذاته على حاجتنا القصوى إلى السوسيولوجي الأكثر علمية ومهنية، والذي يمارس العلم بعيدا عن الإيديولوجيا، ولا يقبل بغير الموضوعية، دليلا إلى اكتشاف الواقع.

اشتغال لحبيب امعمري على سوسيولوجيا المقاولة والتغير الاجتماعي، يندرج في إطار الانهمام المعرفي بعلاقات المعنى التي تظل فاعلة في تحديد وتشييد العلاقات والوقائع الاجتماعية، كما يندرج في إطاره سعيه الحثيث إلى "تحرير السوسيولوجيا" من الموضوعات المكرورة التي تتأطر بثقافة رجع الصدى لا غير.

لهذه الاعتبارات كلها،  كان الاحتفاء بهذا العالم الجليل عبر هذا الكتاب الجماعي الذي ساهم في إنتاجه، أحبته من طلبته وزملائه، بهدف التعريف بمنجزه العميق، تكريسا لثقافة الاعتراف، وإسهاما في بناء "الجماعة العلمية".

يذكر أخيرا أن هذه السلسلة افتتحت مسارها بثلاثة كتب: "الكتابة والمعنى" و"المقاولة أفقا للتفكير" و"جدلية السلطة والمجتمع"، وكلها أعمال جماعية تفكر في المنجز العلمي لادريس بنسعيد ولحبيب امعمري وأحمد شراك، وستتواصل مستقبلا مع علماء اجتماع آخرين من داخل المغرب وخارجه.