تتبدى هنا سيرة تاريخية وتحولات سياسية ومعاني لفظية دالة من خلال عرض الباحث لألقاب حكام مصر منذ قيام الدولة المصرية القديمة حتى الآن؛ وبدءاً من المَلَكية الثيوقراطية "الدينية"، الملكيات المطلقة، الولايات التابعة، الملكية شبه المستقلة، وصولاً للنظام الجمهوري المُعاصِر.

تعرفوا على تاريخ مصر عبر ألقاب حكّامها

وليد فكري

منذ نحو 5000 سنة، أسس الملك مينا نارمر، أو الملك عحا في روايات أخرى، أول أسرة حاكمة لمصر، والأسرة لا تعني الانتماء لعائلة بعينها بقدر ما تعني "النظام".

منذ قيام الدولة المصرية القديمة حتى عصرنا الحديث، تواترت على مِصر أنظمة متنوعة، محلية وخارجية، بدءاً من المَلَكية الثيوقراطية "الدينية"، الملكيات المطلقة، الولايات التابعة، الملكية شبه المستقلة، وصولاً للنظام الجمهوري المُعاصِر، حمل خلالها حاكم مصر ألقاباً مختلفة لكل منها دلالاته ومعانيه اللفظية والسياسية. وهذا استعراض لهذه الألقاب الحاكمة.

الفرعون
بينما اعتاد غالبية المتناولين للتاريخ المصري القديم، تلقيب الملك بـ"الفرعون"، خرجت بعض الدراسات التي تنفي استخدام الملوك المصريين القدماء لهذا اللقب، سواء بحكم تأخر استخدامه إلى عصر الدولة الحديثة، أو لقول بعضهم إنه كان "اسم علم" لملك بعينه هو المعاصر للنبي موسى.

يدلل المدافعون عن لقب "فرعون"، إلى أنه اشتُقَ من كلمة "بر-عا" بمعنى "البيت الكبير". وهو على حد قولهم اسم القصر الحاكم، فكان يُشار للملك بهذا اللقب.

أما الرافضون لهذا اللقب، فيستدلون على رأيهم بأن الكتابات الملكية المنقوشة على قبور الملوك لم تتضمنه، والذِكر التوراتي ثم القرآني، لملك مصر المعاصِر لموسى، كان بصيغة "اسم العلم". فذكر اسمه مع كل من هامان وقارون، مجرداً من اللقب. فإن كان "فرعون" لقبه، فلماذا ميزه الله بذكر لقبه الملكي بينما لم يذكر ألقاب هامان وقارون؟

فضلاً عن استدلالهم كذلك بأن القرآن حين ذكر عزيز مصر، قال "يا أيها العزيز"، بينما نودي الملك المصري بـ"يا فرعون"، وليس بـ"يا أيها الفرعون".

في كل الأحوال، فإن رتبة "الملك" في مصر القديمة، كانت ذات معنى واحد ثابت من الناحية "الدنيوية"، وهو الملك الحاكم المُطلَق، الذي يملك الأرض والمصائر، ويمثل الدولة بشخصه وهيبتها بقراراته ومواقفه.

أما من الناحية "الدينية"، فمر "الملك" بمراحل مختلفة. كان للقبه بُعد "ثيوقراطي"، متمثل في كونه "التجسيد البشري للإله حورس"، حتى عهد الأسرة الرابعة.

منذ هذا العهد، صار الملك "ابن الإله"، وليس تجسيده، ما نزع منه ألوهيته الكاملة، تاركاً له منها القداسة. ومنذ عصر ما بعد الثورة الشعبية على الملك في نهاية الأسرة السادسة، تغيّر المعنى "الإلهي" للملك المصري، فصار "نائباً عن الآلهة في حكم مصر والمستمد قداسته من حكمه بالعدل، والحكمة وليس لمجرد كونه الملك". ليستمر هذا المعنى خلال عصر المصريين القدماء ثم العصر البلطمي، لينتهي بانتهاء استقلال مصر باحتلال الرومان لها بقيادة أوكتافيانوس (أغسطس قيصر).

الـبيرفيكتوس Praefectus
قرر أغسطس قيصر أن يقتصر حكم مصر على والٍ من طبقة الفرسان، حمل لقب Praefectus خلافاً لما جرت عليه العادة من حمل حكام الولايات لقب "مندوب أغسطس" Legatus Augusti.

كان البرفيكتوس ممثل الإمبراطور في مصر، والقائم نيابة عنه بأمور الحكم أو بالمراسم الموسمية الدينية والوطنية، حتى أن بعض الجداريات، صورت الإمبراطور الروماني في زي وتاج مصريين. وكان له جميع الصلاحيات العليا، إدارية وقضائية وعسكرية، فمُنِحَ حق قيادة القوات الرومانية المرابطة في كل من الإسكندرية ومنف وطيبة خارج روما.

كانت مدة ولاية البرفيكتوس ثلاث سنوات، إلا في حالات استثنائية. أما في العصر البيزنطي، فحُرِمَ البيرفيكتوس من صلاحياته العسكرية، وصارت إلى قائد عسكري تابع مباشرة للإمبراطورية.

وتوالت التعديلات والتغييرات الإدارية الداخلية للهيكل الإداري للولاية، ولكنها لم تمس موقع الوالي العام، الذي صار في العصر البيزنطي مجرد منفذ للسياسات الإمبراطورية، وليس نائباً مفوضاً عن الإمبراطور كما في العصر الروماني.

الوالي
منذ فتح العرب لمصر في منتصف القرن السابع الميلادي، حتى استيلاء الفاطميين عليها سنة 969، حمل حاكمها لقب "الوالي"، وهو ممثل الخليفة.

كان الوالي يخاطب الخلافة مباشرة، ولم تكن صلاحياته ثابتة. فبينما كانت له "إمامة الصلاة"، ما يعني ضمنياً أنه إمام أهل ولايته، كانت مهماته تضم أحياناً ولاية "الخِراج"، الإدارة المالية لموارد الولاية، وأحياناً أخرى كان الخليفة يعيّن متولياً للخراج تحت إشرافه المباشر. وكان الوالي يعيّن صاحب الشرطة أو يُقِر مديرها السابق بحسب ما يرى.

أما بالنسبة للشِق العسكري فكان هناك نوعان: الأول دفاعي يدخل ضمن مهمات الوالي، وهو صد العدوان الخارجي، أما الآخر فكان هجومياً يخضع لرؤية الخليفة في كل حالة على حِدة، بما في ذلك قيادة والي مصر للقوات الغازية، أو إرسال قائد من العاصمة أو من بعض الولايات المجاورة.

وكان نطاق "ولاية مصر" يمتد من رفح والعريش شرقاً إلى برقة، في ليبيا حالياً، غرباً.

بقي هذا الوضع حتى دخول الدولة العباسية في فترة ضعف الخلافة، وتسلط القادة العسكريين الأتراك على الدولة، ثم استقلال الولاة عن السلطة المركزية، مع الاحتفاظ بولاء شكلي لها يتمثل في الدعاء للخليفة في الصلوات، وكتابة اسمه على العملة، وإرسال ضريبة متفق عليها إليه.

أمير مصر
كانت ظهرت سياسة إقطاع القادة العسكريين الأتراك، مساحات من الدولة، وإرسالهم نواباً عنهم لإدارتها، مثلما حدث مع التركي أحمد بن طولون حين أرسله القائد "بايكباك" نائباً عنه إلى مصر سنة 868. ومن هناك، استغل ابن طولون ضعف السلطة المركزية، وأقام لنفسه دولة لها رسوم المُلك نفسها ونظام البلاط الحاكم والقوات العسكرية الخاصة، مع الحفاظ على الولاء الاسمي للعباسيين، وصار ابن طولون "أمير مصر".

مد ابن طولون نفوذه إلى ليبيا والشام، مقيماً دولته الخاصة التي حاولت السلطة العباسية عبثاً إسقاطها، بعد إدراك البلاط العباسي خطورة تطلعات حاكمها. ثم أخيراً، بعد صراع عسكري وسياسي شديد الضراوة، تصالح الطرفان، ونال أمير مصر أمراً بأن يكون حكم ولايته له ولعقبه مدة ثلاثين عاماً. وسقطت دولته بالفعل بعد 38 سنة، بسبب ضعف أحفاده، الذين لم يكونوا بحجم المسؤولية. وعادت مصر، مؤقتاً، لنظام الولاية القديم.

الأخشيد
سنة 935، أرسل العباسيون الضابط التركي محمد بن طغج والياً على مصر لضبط حالة الفوضى، التي كانت سيطرت عليها. وسرعان ما سمحت الخلافة للوالي بأن يحمل لقب "الأخشيد"، وهو اللقب القديم لملوك التُرك في مملكة "فرغانة" (تقع في أوزبكستان حالياً). وبهذا أكد استقلاله عن بغداد وأسس دولته الخاصة وأسرته الحاكمة، التي حملت هذا اللقب الملكي.

تكررت قصة الطولونيين نفسها مع الأسرة "الأخشيدية"، من حروب وتوسعات وصدامات، لكن هذه المرة، جاءت المتابع من قِبَل أحد قادة العباسيين، المدعو "ابن رائق"، الذي كانت له تطلعات استقلالية استغلتها الخلافة، فأرسلته للشام، لتصنع منه منافساً يحد من نفوذ الأخشيد.

في النهاية لاقت دولة الأخشيديين نهايتها على يد الغزاة الفاطميين بعد نحو 34 سنة من تأسيسها.

الخليفة
سنة 969، احتلت القوات الفاطمية القادمة من شمالي أفريقيا مصر. وسنة 973، انتقل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلى عاصمته الجديدة "القاهرة"، ليجعلها "دار الخلافة".

من هنا، صارت مصر تحت حكم "الخليفة". وهو خليفة الرسول محمد في قيادة المسلمين، في الناحية الدينية المتمثلة في الحفاظ على الشريعة والعبادات، والدنيوية المتمثلة في الحكم والإدارة المدنية والعسكرية.

ووفق المذهب الشيعي الإسماعيلي، الذي كان المذهب الرسمي للفاطميين، فإن الخليفة المنتمي بالضرورة لنسل كلٍ من علي بن أبي طالب وفاطمة بنت الرسول، هو إمام معصوم من الخطأ، يتلقى توجيهاً إلهياً ضمنياً، وتنتقل إمامته بالوراثة لأكبر أبنائه الذكور بالضرورة، وإن كان الفاطميون خرجوا أحياناً على تلك القاعدة الوراثية.

السلطان
في سبتمبر 1171، أسقط صلاح الدين الأيوبي الحكم الفاطمي بصفته ممثلاً للدولة الزنكية (القائمة أساساً في حلب والموصل)، ثم تلكأ في تأكيد استمرار ولائه للزنكيين، حتى وفاة سلطانهم نور الدين محمود. ثم أقام الدولة الأيوبية في مصر والشام، وحصل من الخلافة العباسية على العهود الرسمية له بذلك. وبعد وفاته، انتقلت السلطنة إلى أخيه العادل أبو بكر بن أيوب، ثم إلى نسل الأخير، حتى استيلاء المماليك على الحكم ووراثتهم لقب "السلطان".

خلال تلك الحقبة الممتدة حتى عام 1517، الذي شهد بداية الاحتلال العثماني، حمل حاكم مصر لقب "السلطان". والسلطان حسب الأدبيات الإسلامية هو "المفوض من الخلافة بالحكم وهو من يتبعه أكثر من ملك".

وفي العصر المملوكي هو "سلطان البرين، مصر والشام، ملك البحرين، المتوسط والأحمر، خادم الحرمين الشريفين، قسيم أمير المؤمنين والمفوض بحكم بلاد المسلمين وما يُفتَح على يديه من بلاد".

الباشا العثماني وشيخ البلد
سنة 1517، فقدت مصر استقلالها وصارت مجرد "ولاية/ إيالة/ باشوية"، تابعة للدولة العثمانية. وعادت إلى نظام الولاية، فكان حاكمها يُختار ممن يحملون لقب "باشا"، ويدير البلاد بمساعدة طبقة المماليك العثمانيين والديوان.

كانت فترة الولاية تمتد من سنة لثلاث أو خمس، على الأكثر، خوفاً من استقلال الوالي بولايته، وهذا ما أثر على إمكانية ظهور ولاة صالحين حقاً للإدارة. خصوصاً أن المماليك كانوا يستطيعون عزله، بمجرد إرسال رجل يرتدي قبعة مستديرة، يحمل لقب "أبو طبق"، يقول له "إنزل يا باشا".

وبالتوازي مع "الباشا"، ظهر لقب "شيخ البلد"، وهو من كان المماليك يختارونه لرئاستهم من أمرائهم الأقوياء. ويمارس السلطات الفعلية للباشا الدُمية تحت هذا الاسم.

عزيز مصر نائب الملك
بسبب تعدد مراكز القوى في مصر، تذبذبت صلاحيات الوالي، وضربت الفوضى والصراعات مؤسسات الحكم حتى تعرضت مصر للغزو الفرنسي سنة 1798. ثم، بعد طرد الفرنسيين عادت الفوضى ومنافسات القادة المماليك، والباشوات العثمانيين إلى الظهور. حتى ظهر القائد الألباني محمد علي باشا على الساحة، واستطاع ضرب المتنافسين بعضهم ببعض، والتسلط على الحكم سنة 1805، بمساعدة الزعامات الشعبية.

بفعل استغلاله الأزمات الخارجية للدولة العثمانية، استطاع محمد علي أن يثبت قدميه في الحكم، ويؤسس جيشاً قوياً كبيراً، وأن تصبح له مساحة كبيرة من الاستقلالية، شجعته على إعادة سيرة الطولونيين والأخشيديين في التوسع على حساب الدولة الأم ثم حيازته، بعد الصلح، حق توريث الحكم لعقبه.

وصارت رتبته الرسمية في مواجهة الدول الأجنبية هي "نائب الملك"، أي نائب السلطان العثماني في حكم مصر ومخاطبة الدول عنها، ولقبه المعروف داخلياً "عزيز مصر"، وهو لقب نقله القرآن عن رؤساء وزراء مصر القديمة وحمله، وفقاً للقصص القرآني، النبي يوسف بن النبي يعقوب.

لقبا "عزيز مصر" و"نائب الملك" جعلا من "باشا مصر" حاكماً في درجة أعلى من زملائه باشوات بقية الإيالات العثمانية.

من هنا، أصبحت ولاية مصر وراثية، ولها استقلالية إدارية جزئية عن العثمانيين، ولم يتوقف خلفاء محمد علي باشا عن محاولاتهم اكتساب مزيد من الاستقلالية.

الخديوي
سنة 1867، نجح إسماعيل باشا، حفيد محمد علي باشا في استصدار فرمان عثماني، بتلقيب حاكم مصر بـ"الخديوي". وهو لفظ فارسي قديم، يعني "الملك" أو "الوزير"، مقابل زيادة مبلغ الجزية المرسلة للباب العالي، وجعله الوراثة في عقبه هو بالذات، وليس في أسرة محمد علي كلها. فضلاً عن الحق في الاستدانة من الخارج، دون الرجوع للدولة الأم.

وسنة 1873، حصل على الاستقلال السياسي لحكمه عن الباب العالي، شرط دفع الجزية، والتبعية الدبلوماسية الخارجية، وبعض القيود الحربية.

ورغم احتلال إنجلترا لمصر سنة 1882، بقي حاكم مصر يحمل لقب "خديوي" حتى عام 1914.

السلطان
عام 1914، وبسبب دخول الدولة العثمانية الحرب ضد إنجلترا، خلال الحرب العالمية الأولى، قامت الأخيرة بإعلان انفصال مصر عن العثمانيين، وتغيير لقب الحاكم إلى سلطان. وسبب اختيار هذا اللقب بالذات، يعود لأمرين: الأول مساواة حاكم مصر بروتوكولياً بحاكم تركيا، في تصريح باستقلال مصر عن العثمانيين، والآخر هو أن الإنجليز نفوا آخر خديوي لمصر، عباس حلمي الثاني، فخافوا إذا لقبوا خلفه بلقبه نفسه أن يقعوا في مأزق قانوني حول الشرعية الفعلية لحامل اللقب.

وحمل هذا اللقب السلطان حسين كامل، ثم السلطان فؤاد حتى عام 1922.

الملك
عام 1922، أعلنت إنجلترا استقلال مصر، تحت مسمى "المملكة المصرية"، ما يعني تبديل لقب الحاكم من سلطان إلى "ملك". فبدّل فؤاد بن الخديوي إسماعيل، حاكم مصر آنذاك، لقبه إلى "الملك فؤاد الأول". والسبب في هذا التغيير، كان أولاً مساواة حاكم مصر بالحكام الملكيين العرب، الذين وضعتهم إنجلترا وفرنسا على عروش العراق والشام مثل الملك فيصل. وثانياً مساواته في اللقب بالحاكم البريطاني، كدليل على استقلالية مصر عن التاج البريطاني، وإن كانت شكلية.

وَرّثَ فؤاد الأول لقبه إلى فاروق الأول، ثم بعد خلع تنظيم "الضباط الأحرار" الأخير، حمله ابنه الرضيع "أحمد فؤاد الثاني" ليصبح آخر ملوك مصر.

ختاماً، الرئاسة
في 23 يوليو 1952، أسقط "الضباط الأحرار" حكم الملك فاروق، وأجبروه على التنازل عن العرش لابنه الرضيع أحمد فؤاد الثاني، وتم تشكيل مجلس للوصاية عليه.

ثم عام 1953، أُعلِنَ إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية، فحمل حاكم مصر منذ هذا التاريخ لقب "رئيس جمهورية مصر العربية". وتبنت مصر "النظام الرئاسي"، الذي يكون الرئيس فيه هو "أعلى سلطة في الدولة"، وهو الذي يختار الحكومة.

مصادر المعلومات:
- موسوعة حكام مصر لد. ناصر الأنصاري.

- فرعون موسى لعاطف عزت.

- مصر في العصور الوسطى لستانلي لين بول

- الفرعون الأخير محمد علي لجيلبرت سينويه.

- عصر محمد علي لعبد الرحمن الرافعي.

- ولاة مصر للكِندي.

- تاريخ الفاطميين لد.محمد سهيل طقوش.

- تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين لد. محمد سهيل طقوش.

- تاريخ الأيوبيين لد.محمد سهيل طقوش.

- تاريخ المماليك لد.محمد سهيل طقوش.

- الدولة العلية العثمانية لمحمد فريد بك.

- محمد علي وأولاده لد.جمال بدوي.