ترك رحيل الروائي السوداني الكبير الطيب صالح أثرا واسعا تجاوز حدود الوطن العربي، إلى هذا الشاعر المقيم في هونج كونج والذي كتب مرثيته الشعرية لمن عاد من الشمال في شهر فبراير الحزين إلى وطنه الأم على ضفاف النيل في السودان.

موسم العودة من الشمال

صلاح عليوة

  إلى الطيب صالح
"هكذا يجب أن تكون نهاية هذا البطل.. في الشمال، الشمال الأقصى، في ليلة جليدية عاصفة، تحت سماء لا نجوم لها. بين قوم لا يعنيهم أمره.. نهاية الغزاة الفاتحين"
موسم الهجرة إلى الشمال.


مليكَ الشمال
أَعدْهُ لنا الآنَ
حاملَ ختمِ النبوءاتِ
مرّرتُ كفي على نُبلهِ
في كلامي سدى
صوتهُ مدنٌ من نعاسٍ
وآنيةٌ من نحاسِ الصدى
صوته عانقَ السروَ
والطلحَ
جابَ انتظارَ البلادِ
وآنسَ في الذكرياتِ
صريراً
لمصراع بابٍ
فأشعل أغنيةً
في الزوالْ

أعدهُ لنا الآنَ
مكتملاً
تحت قوسِ الهلال
ومتئداً
في مراعي المحال
ومرتبكاً
حين تسقط أفكارهُ
بين موج الكلامِ
ويصغي لأحزاننا
فيَرى ما يقالْ

أعده لنا الآنَ
وجهاً
تغيّره أمنياتُ الزجاجِ
ونقشاً رخيماً
على لوعةِ العاج ِ..
ذكرى وعودٍ مهشمة ٍ
عن بلاد الثلوجِ
وعن موطنٍ
للبنفسجِ
والبرتقالْ

أعدهُ لنا الآن
لا ينبغي أن يُشرَّدَ
في مدنِِ الوهمِ
والسحرِ
أو ينزوي
دون أن يبصر البرَ
في البحرِ
أو أن يُرى هائماً
في مرايا المدى
والأسى
والهدى
والضلال

أعده لنا الآنَ
أيامهُ حفنةٌ
من حنينٍ مضيء
وما كتَبَتهُ يداه
ندى
يوقظُ العشبُ
في الذكريات
مناراتهُ
من رحيلٍ بلا وجهةٍ
وخطىً لجنوبٍ حزينٍ
يسافرُ مرتبكاً
في الشمالْ

أعدهُ لنا الآن
لم أطرق البابَ..
لم أتصفّحْ عطاياهُ
لم أتفحصْ
وراء زجاجِ السنين
ملامحَهُ
لم أقلْ لأبي: يا أبي
إن هذا أخي
رغم بعدي
كبرنا معا
وروينا
شجيراتِ أيامنا
وجنينا الرضا في الصدى
وحصدنا الحصى
والظلال

هونج كونج