دارت السيارة حول صينية الميدان ، أرشد السائق بإتباع المترو ، نظر نظرة سريعة إلى محل هدايا القدس ، قرر أن يزوره في طريق العودة.
توقف عند كشرى التحرير ونزل ليعبر الطريقة إلى الجهة الأخرى.
انشغل بتفادي السيارات القادمة بسرعة منتظرا الفرصة ليعبر من بينها ، تقدم ناحيته كهل في العقد الرابع ، كان يترنح في حمل حقيبة سوداء مغلقة ، نظر إلى وجهه الأبيض ونظارته الطبية ، بادره الرجل وهو يبدأ في عبور الطريق.
- لو سمحت.
- .......
- انا ماباشحتش ، انا خريج الأكاديمية البحرية ، ومعايا بضاعة ، ممكن تشوفها؟
- شكرا ، معلهش.
عبر الطريق وهو يفكر في نوع البضاعة الثقيلة التي يحملها الرجل.
عبر حارتى الشارع واتجه إلى العمارة القديمة.
نظر حولها فاكتشف أن المنطقة كلها ليست على طراز مصر الجديدة ، فالبيوت ملتصقة لا توجد مساحات بينها.
أنجز ما جاء من أجله في عيادة الأسنان وقرر التسكع قليلا حول منزل حماته.
ماتت حماته بعد شهرين من موت حماه.
تذكر بائع المحمصات، ظل يرقب المحل ويشم رائحة السودانى الساخن.
تذكر عدم ترحيب حماه بالمحمصات الغير مملحة .
- مالهاش طعم .
قرر التوجه لسوبر ماركت أبا حيث كانت حماته تشترى البقالة واللحوم .
سار إلى منتصف الشارع وتخيل انه أصبح غير موجود ، فقرر العودة إلى الشارع الرئيسي ، قابل شابا فسأله فأرشده انه في آخر الشارع.
عاد يسير حتى وجده وهو يكتشف مطاعم لم يلاحظها من قبل ، صعد درجات السلم للدخول إليه ونظر بداخله مستطلعا ووجده مكتظا بالبضائع فقرر المغادرة.
في طريق عودته للشارع الرئيسي شم رائحة الشواء ، فكر في تجربته إلا انه سرعان ما تراجع .
- هي الحمير اللى بتتدبح بتروح فين غير في المطاعم دى؟؟
توجه إلى هدايا القدس حيث كان يتذكر حب حماه وحماته للجبن الرومى والزيتون من بقالة القدس.
بداخل المحل اكتشف أن هدايا القدس لا صلة له ببقالة القدس.
- سبحان مغير الأحوال.
على ناصية الشارع وقف عند بائع الكتب للفرجة والسؤال ، تذكر أول مرة يزور حماته بعد زواجه ، كان يعمل بالأسكندرية ، كانت زوجته تعترض على غيابه لفترات طويلة ووصلت الأمور بينهما إلى شجار عنيف ،أقامت عند أمها، وأبوها كان قد اعتقل بعد مقتل السادات.
كانت العلاقات مقطوعة بينهما وبين الأسرة وعادت بصعوبة، طلبت الأم رؤية هذا الشخص الذي اختارته ابنتها.
نزل من الإسكندرية وركب تاكسى من محطة مصر ، في ميدان هوليوبوليس توقف التاكسى ظنا من السائق أنهما وصلا الى سانت فاتيما.
غادر التاكسى وسار قليلا ليكتشف انه وصل إلى مكان خطأ ، الكنيستان متشابهتان .
سأل المارة فدلوه على السير قليلا من هنا لهناك.
مازال الفرق بين كنيستي مارى جرجس وسانت فاتيما غامضا عليه.
مارى جرجس المزاحم ؟؟ أم لا ؟؟ المسلم من أم مسيحية والذي اصطحبته أمه للكنيسة فاقتنع وقتله الناس؟؟
اما سانت فاتيما او الست فاطمة ، فهو يعرف أنها القديسة المسلمة فاطمة او اوريانا المشرقة التي تحولت من الإسلام إلى المسيحية بعد سقوط الأندلس و أصبحت من سبايا الأمير حاكم مدينة اوريم ، فتزوجها بعد أن كانت أميرة مسلمة اندلسية.
ويقال أنها ظهرت في قرية فاطمة بالبرتغال لثلاثة من رعاة الغنم الصغار ووعدتهم بالظهور في يوم 13 من كل شهر.
لها كنيسة بالبرتغال وكنيسة بمصر الجديدة باسم كنيسة القديسة فاطمة .
- طيب ، يبقى دى كنيسة كاثوليك والتانية كنيسة ارثوذكس يامغفل.
هنا أدرك سر الصلاة على حماه في كنيسة هوليوبوليس رغم قرب كنيسة سانت فاتيما من شارع خليل العروسى والذى كانت الأسرة تقطن في رقم 9 منه.
أحس بشوق للتجوال حول منزل أسرة زوجته، كما لو كان سيشم رائحة أيام خلت.
- ليه ؟ إشمعنى دلوقتى؟ ما مراتك كانت بتتحايل عليك تزورهم وهما في اللحظات الأخيرة وكنت بتقلب وشك؟.
ركب السيارة الأوبر وارشد السائق .
أمها التي بادرت بالموافقة على زواج الابنة الكبرى من مسلم ، ووالدها الصلب الذي أصر دائما على الاحتفاظ برأسه مرفوعا كرمسيس الثاني.
دخل الشقة وجدها تجلس على مائدة السفرة تكتب ، تماما كما كان والدها يفعل كل يوم .
خشى أن يسر إليها بالمشاعر التي راودته ، إذ توقعها ستردد عتابها لإهماله زيارتهما في اللحظات الأخيرة.
هرولت إلى الحمام مسرعة، فرأى نفس الخطوة وانحناءة ظهر أمها.