تحاور الكاتبة السورية في مقاطعها القصصية الذات البشرية وكأنها في حوار داخلي عميق تشارك فيه قارئها عن الحياة والأعداء وذلك التلازم بين المتناقضات وعن وحشة العالم ولا عدالته التي تجعل الذات تود لو تأخذ إجازة من نفسها.

قصص ليست قصيرة إلى هذا الحد

هبـة محـرز

(1)

-لا تفصح عن اسمه... لا تقل لي ملامحه... أريد أن أقتله لا أن أصادقه
_ولكن عليك أن تعرف المزيد عن عدوك، أن تصادقه، أن تدخل إلى حياته، تجعله يأتمن جانبك، يلجأ لك، ثم وأنتما تتحدثان عن أسعار الخضراوات في مقهى شعبي على أطراف المدينة، ستدس له السم في شرابه وتقبل خديه وتغادر بهدوء.
_
ومن سوف يخفف كوابيسي بعدها... من يستطيع أن يمنحني السكينة... كيف بعدها وأنا يومي العادي سأرى نفسي أبحث عنه، أشتاق إلى حديثه السخيف، أراه في وجوه لا أعرفها، أطمئن على أهله متى استطعت إليهم سبيلاً، كيف أكون أنا صاحب يد لا ترتجف وقلب كخرقة بالية في مهب الريح؟
_حينها ستلجأ لعدو جديد لتعوض فقده، ستعود لتعرف عنه كل شيء، وتنسى عدوك القديم أطمئن
_ثم أقتل هذا الجديد أيضاً وأصبح في ذاكرتي قاتل الأصدقاء
_ليس من صديق لك إلا ضحيتك الأولى، الباقي هم أشباه مشوهة ولن تعلق في ذاكرتك، وستتابع الهروب للأمام حتى تنسى أطمئن
هكذا صرت قاتلاً... بالنسيان.

 

(2)

-كنت نائماً...
وأخيرا نطق بعد أن استجمع أخر قواه، أخر أنفاسه التي امتزجت ببكائه...
-
كنت نائماً...
كان جوابه المضني والمليء بالحسرة
تفاجأ الجلاد... تفاجأ الرفاق... تفاجأ الراوي للحكايات المجيدة والبطولات بينما نكس هو رأسه المدمى، شعر أنه استباح كل محرماته، وأصبح عارٍ في مهب الريح.
كان مكسوراً أكثر من أن يطلب الرأفة بحاله، لم يكن جوابه استجداء رحمة بل كمن بصق كتلة نار أحرقت جوفه ولم يعد يعنيه كل هذا الماء من حوله.
-
كنت نائماً في الساعة الرابعة والنصف ظهيرة يوم الأحد، حينما هب الناس في الشوارع يصرخون، وبعد أن استيقظت على عجل كان كل شيء قد انتهى.
ارتبك الجلاد، توقف عن عمله جمد كل شيء كمشهد سينمائي متوقف للحظة، بعدها لملم الجلاد أغراضه وفتح الباب خارجاً صرخ به
-لا تتركني أذهب...
-
وبأي تهمة أبقيك عندي
تسأل الجلاد
-التقاعس عن وهن نفس الأمة وتغيير نظام الحكم.

 

(3)

مكتئب... أنا لست مكتئب...
عشرة معلومات لا تعرفها عن مرض الاكتئاب يلاحقني الفيس بوك بهذا الخبر فأتحاشاه... أنا لست مكتئب... هل تعلم أن المكتئب لا يشعر بالحزن... يشعر بالخواء... ربما لا يشعر أنه مكتئب أيضاً... ولكني بالتأكيد لست مكتئب.
منذ خمسة أيام غادرت المنزل مرة واحد، ذهبت إلى الدكان لشراء السجائر والماء، لا رغبة لدي لرؤية أحد... ليس هنالك من أحد أصلاً في هذه الغربة... ربما هناك... لكن لا طاقة لي للحديث الابتسام أو البكاء... ولا أشعر بالسوء بل بالنعاس... أنا حقاً لست مكتئب... أنا ناعس قليلاً منذ ستة سنين لا أكثر.
أحدق في المروحة وهي تدور. الحرارة الآن 42 أنا أذوب على فراشي أبلل نفسي بالماء ولا أكتئب بل أكتفي بالنعاس الساخن على فراش متعرق، أسمع صوت الصمت... في الحقيقة أسمع صوت رأسي في الصمت لا أسأل نفسي وماذا الآن... أسأل نفسي ماذا سأكل؟ لا أفكار وجودية تدور في خلدي لا أفكار على الإطلاق وليس لدي ساعة تتكتك وتخبرني عما أصرفه من الوقت... ولكن هناك دائماً انقباض متشنج ناحية القلب وكأني تأخرت عن شيء ما.... ربما تأخرت كثيراً ولكن لا بأس أخفف عن نفسي أنا لست مكتئب ولست منزعج... لا يمكن لأحد أن يصفني هذا جيد... لا أحتاج إلى شيء ولا رغبة قاتلة تعصف بي... أنا هادئ كالموت لكن بجسد يكاد يشوى من سخونة الجو... أنا لست مكتئب ولا هادئ... أعتقد أني كسول... أو ربما كنت مكتئب.

 

(4)

هذا العالم ينهار فوق رؤوسنا، يختار وقته بحنكة محارب قديم، تقول أساطير القتال النبيل أنه يكفيك أن ترى انكسار العدو حتى تعلن نصرك، ولكن لا ضير من قتله... هكذا أضافت أساطير الفوز الساحق، ثم قتل أهله وأحلامهم،، الأفضل بالمجمل ألا يعود لديك أعداء.. بل دعهم دوماً خائفين ليسوا كفؤاً لأن يكونوا أعداء...
_
ولكني لست خائفةً منه...
صرخت الطفلة في جوفي ولكني أجبتها كما هيمنجواي مرة:
"
‏أنا لم أعد شجاعاً يا عزيزتي، أنا مكسور بالكامل، لقد كسروني ... هذا العالم نشيِّده فينهار، ثم نشيده ثانيةً فننهار نحن".

 

(5)

دليل النجاح بخطوات بسيطة:

  • ضمن مجتمعك الذي يدعي الديمقراطية طالب بحقك أن يكون صوتك مسموعاً، طالب بحقك بالاختلاف
  • اجعل أفكارك تتراوح بين المتعنت لمواقفه وبين المنفتح على نقاش الجميع
  • اعتمد على الأعداد، لا يهم مقدار الولاء أو الوعي الكبير لمؤيديك، ضعهم كأرقام بمواجهة أرقام الخصوم
  • انتقي أي مشكلة أو فكرة واجعلها محورية في حديثك ودفاعك وتوجهك وتطرفك بمقدار ما ستكبر هذه الفكرة بمقدار ما ستنجح
  • انتقل بسلاسة من المعارض الى الحاكم، ثم وبالديمقراطية نفسها اعزل من خالفك وقوض اعدائك تباعاً ثم مواليك
  • كل أفعالك يجب ان تكون من مصدر الخوف على الأمة/ الوطن/ القومية كلما خفنا على عنصر ما أكثر كلما زادت نسبة الأمن والانضباط
  • بطبيعة وقد أصبحت القائد لم يعد مهماً أبداً أن يصدقك أحد عليهم أن يطيعوا فقط.
     

(6)

وحي هذا المساء جاء متأخراً كانت الساعة قد قاربت الرابعة فجراً، وأنا كما كل ليلة لم أكن انتظر غيره، لا أحد يطرق بابي... ولا أسمع صوتاً يناديني، وإذا لسبب من الأسباب انطفأت الكهرباء فجأة فسوف لن استخدم الكلام فترة طويلة من الزمن...
أن تعيش وحدك... أنت تكون أنت من يداري نفسه في العيش المشترك، ألا تفعل ما لا تحب... ثم تنسى تسهو وتعتذر لنفسك
لا أحب أن أترك باب الغرفة مفتوحاً، إذاً لماذا تتركينه!
أنسى أحياناً أو ربما لا أكترث... وأقوم بعد قليل وأغلق غاضبة من الآخر... ثم ابتسم للا أحد وأشعر أني تشظيت ثلاثاً أو أربعاً
الصمت... الصمت الجميل يهدهد الروح، ويهددني أحياناً، أسمع القليل من الموسيقى ولا أحب أن أزعج صمتي، أتحاشى رؤية نفسي في المرآة، وأكلمها بصوت عال بعض الوقت كأن على أحد أن يسجل ما أقول، أترك لها الملاحظات على الحائط، ربما أخاف فقدان ذاكرة مفاجئ، أتحرك حافية القدمين، وانتبه إلى تغير إيقاع سيري ضمن مزاجاتي المختلفة، أراقب سراً قطي يغفو على الكرسي أمامي، ثم أغفو أنا أيضاً يهرب الوحي ويغلق الباب بهدوء وراءه... انسل في فراشي.. كان يوماً طويلاً ومازالت أكره العيش المشترك مع ذاتي وأطالب ببعض الخصوصية.