لندن
ضمن رحلةِ تصويرٍ شملت ستة دول، هي بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والأردن وفلسطين، أنتجت شركة نون فيلمز ومقرها لندن، وثائقياً يتناول "وعد بلفور"، برؤيةٍ تقومُ على سرد الحكاية في الذكرى المائة للوعد، استناداً إلى وثائق الأرشيف البريطاني والأسكتلندي، ومراسلات نادرة بين الحكومة البريطانية وشخصيات يهودية وصهيونية، وكذلك تتبعا لأهم الاجتماعات التي قادت إلى الإعلان المعروف بـ"وعد بلفور"، ومنها اجتماعات حكومية رسمية وأخرى غير رسمية.
وصدر الإعلان عن الحكومة البريطانية، بتوقيع وزير خارجيتها آنذاك آرثر بلفور، على "منح اليهود الحق بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين"، في الثاني من نوفمبر من العام 1917.
وبمناسبة ذكرى مرور مائة عام على صدور "وعد بلفور"، جاء إنتاج الفيلم، الذي يعيد بناء بعض الأحداث لتلك القصة في مشاهد درامية، من إخراج البريطاني ريك بلات، انطلاقاً من وثائق الأرشيف، ومذكرات شخصيات شاركت في تلك الاجتماعات، ليشكل بذلك معادلا بصريا يحاكي تلك الفترة التاريخية، وما شهدتهُ من تحركات سياسية قادت فيما بعد إلى احتلال فلسطين وإعلان قيام "دولة إسرائيل".
ويكشف الفيلم على لسان بعض المؤرخين، أن فشل البريطانيين بالوصول إلى اتفاق مرض لهم مع الفرنسيين على اقتسام أراضي الدولة العثمانية فيما عرف باتفاق سايكس بيكو عام 1916، دفع لندن للبحث عن حليف لهم، من أجل السيطرة على أراض عربية إضافية، تمثلت في فلسطين، وهو الأمر الذي تحقق في بناء تحالف مع الحركة الصهيونية ذات الحضور الضعيف في عموم أوروبا الغربية ومنها بريطانيا.
وقال منتج الفيلم محمد الصعيدي في تصريح له مؤخرا إن “كتابة المشاهد الدرامية استندت إلى ما جمعه فريق العمل من مكتبات الوثائق البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، وتم الحرص على أن تعكس الدراما في الفيلم ما جرى في الاجتماعات واللقاءات بناء على ما جاء في محاضرها، واستنادا إلى الوثائق”.
كتابة المشاهد الدرامية استندت إلى ما جمعه فريق العمل من مكتبات الوثائق البريطانية والفرنسية والإسرائيلية
وأضاف الصعيدي قائلا “قررنا الحديث مع المؤرخين الذين قلّبوا الوثائق والمحاضر بأنفسهم، لا التوقف عند الذين تبنوا رواية جاهزة للأحداث دون التدقيق فيها، وراعينا أن يكون المؤرخون الضيوف من دول لها علاقة بالحدث التاريخي ليقدموا وجهة نظر الدولة عندما اتخذت قراراتها في ذلك الوقت، فهم أقرب من سواهم إلى الاعتبارات السياسية التي سادت في تلك الفترة”.
ويشير الصعيدي في هذا الصدد إلى أن مثل هذه الأفلام تحتاج إلى وثائق إلا أن مكتبات الأرشيف العربية فقيرة وخالية سواء من الوثائق ذات العلاقة بموضوع البحث أو مكتبات الصور أو اللقطات.
ويتابع “بالكاد نجد جهة عربية تهتم بجمع الوثائق المتعلقة بأحداث تاريخية ومهمة أثّرت في المنطقة، وليست هناك مؤسسات تعنى بحفظ الوثائق ذات الصلة بالأحداث والاجتماعات التاريخية المهمة، وتساعد الباحث وتختصر عليه الوقت في البحث وتحدد له المكتبة الأجنبية التي يمكنه التوجه إليها للحصول على حاجته من الوثائق، خاصة عندما يدور الحديث عن موضوع مثل وعد بلفور”.
ويؤكد الصعيدي أن “لدينا الكثير من الأحداث التاريخية التي تحتاج لإعادة بناء وسرد بطريقة ممتعة بصريا وعميقة بحثيا، وأن الإنتاج التاريخي المميز يحتاج إلى ميزانيات مرتفعة تصرف بشكل رئيسي في حصر الأرشيف من مكتبات الأرشيف العالمية، وإيجاد معادل بصري/درامي يجعل من الحدث التاريخي مادة فيلمية غنية وممتعة وسهلة الفهم”.
من جهته، قال مخرج الفيلم محمد سلامة في تصريح له إن قصة الفيلم رويت من خلال “أصدق الطرق”، أي بالاعتماد على الوثائق صحيحة الثبوت والارتباط بالحدث، ثم تحليل المادة بشكل علمي ومنطقي وصولا إلى رسم صورة واضحة المعالم للظروف التي مهدت الطريق للحدث التاريخي ومن ثم نتائجه وما ترتّب عليه.
وأضاف أن فيلم “وعد بلفور اعتمد في معالجته الفنية على محاكاة العصر الذي وقعت فيه الأحداث بعد الغوص في الوثائق وتحليلها وفهم طبيعة الظرف التاريخي الذي تم فيه توقيع وعد بلفور (الحرب العالمية الأولى)، وهذا ما أعطى فريق العمل ميزة التجديد في طرح هذا الموضوع الذي طرق بكثرة في الأفلام الوثائقية العربية”. وأكد سلامة أن صناعة المشاهد الدرامية في الفيلم تمت بناء على “حقائق واضحة ومثبتة بالوثائق التاريخية”.
أما مخرج المشاهد الدرامية البريطاني ريك بلات فأوضح أن “تصوير مشاهد تمثيلية لوقائع تاريخية واجتماعات حدثت بالفعل”فكرة جيدة”، ولكن عدم تحدث الممثلين قد يشعر المتلقي بأن ثمة شيئا مفقودا”. وأضاف “من الأفضل التعبير عن الحجج الأقوى من خلال استنطاق الشخصيات التي في الطرف المقابل من الحوار لتصوير النزاع، سواء أكان داخليا أم شخصيا أم خارجيا، وبالتالي بث حالة من الشك في أذهان الجمهور”.
يذكر أن الفيلم الذي أشرف على إنتاجه محمد الصعيدي، وأخرجهُ محمد سلامة، بتته قناة الجزيرة الإخبارية يوم الأحد الموافق 29 / 10 / 2017.