بعد نجاح تجربة برنامح "نوافذ شعرية" التي استضافت ثلة من الشعراء المميزين، تجدد لقاء دار الشعر بمراكش مع جمهورها الجمعة الماضية (17 نونبر ) بالقاعة الصغرى للمركز الثقافي الداوديات من خلال الحلقة الأولى من برنامج جديد أطلق عليه اسم "تجارب شعرية"، وهي فقرة تتأمل وتقارب تجربة شعرية رائدة، ساهمت بشكل جلي في تطوير حركة الشعر المغربي.
وسلطت هذه الحلقة، الضوء على تجربة رائدة في حركة الشعر المغربي المعاصر، عبر استضافة الناقدة سعيدة تاقي والتي قاربت معالم الكتابة والوجود وأسئلة المنجز الشعري عند الشاعر آية وارهام. قراءة الناقدة تاقي، استقصت بعضا من سمات المنجز الشعري والذي لم تحصره فقط في البعد الصوفي، بقدر ما ينفتح على أسئلة الشعر الرحبة، تلك الأسئلة التي تعمق من استعارات وعوالم لامتناهية تتجه لعمق الكتابة الشعرية ومجازاتها. وفي لمسة فنية استثنائية، حضر على خشبة القاعة الصغرة، طيلة اللقاء، الخطاط والتشكيلي الحسن الفرساوي، في مشاركة فنية حية مصاحبة، انتهت بتخطيط وتشكيل لوحة اشتغلت على قصيدة الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، من خلال تعبيرات الحرف ومجازاته، فيما قام الإذاعي حسن بنمنصور بتنشيط اللقاء، وقراءة بعضا من نصوص الشاعر آية وارهام.
الشاعر والباحث أحمد بلحاج آية وارهام (مواليد مدينة مراكش عام 1948)، صاحب "زمن الغربة"، "العبور من تحت إبط الموت"، و"طائر من أرض السمسمة"، و"ولائم المعارج"، و"الخروج من ليل الجسد" و"حانة الروح"، و"أطل علي"، الى جانب العديد من الكتب والدراسات، والمتوج بجائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر سنة 2014 عن ديوانه "لأفلاكه رشاقة الرغبة"، يعد من الشعراء الذين فتحوا القصيدة على المثن الصوفي، مما أعطى لتجربته الشعرية الكثير من الفرادة في المنجز الشعري المغربي.
الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، يعتبر من شعراء السبعينيات الذين أسهموا في ولوج القصيدة المغربية مجرى مغايرا، لإيمانه العميق بالقصيدة ومعناها الفني والجمالي، لذلك عانق منجزه الشعري مختلف القضايا التي تهم الإنسان المغربي والعربي. كما تُدَرَّس بعض من كتبه ك "الشعر العربي المعاصر في المغرب" (رهاناته ومنطقة تلاقي أشكاله) و"جماليات الكتابة بالنسق الثلاثي" (مقاربة منفتحة لشعر مليكة العاصمي) بجامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، "أنساق التوازن الصوتي في شعر محمود درويش" بجامعة وهران، وسبق للشاعر أن أبدع قصائد بالأمازيغية وترجمها للعربية ونشرت بملحق "العلم الثقافي"، كما ترجم الكثير من القصائد لشعراء فرنسيين وصينيين وروس.
ومن دراساته وبحوثه القيمة "شعرية الحمَّامات"، "المَنزع الصوفي عند ابن البنَّاء"، "خطاب الأحوال في التصوف المغربي"، "موقف ابن رشد من إشكالية المعرفة الصوفية"، "في تحولات الكتاب وجمالية التلقي"، "الخط العربي وعلم الحرف: جماليات وأسرار .. دلالات ورموز "، "الرؤية الصوفية للجمال: (منطلقاتها الكونية وأبعادها الوجودية).. يقول الشاعر في أحد قصائده (عبهر):
"أنا عبْهرٌ أتأرّقُ بيْن دمِكْ أوَشْوشُ ميقاتَ حُلمي إلى قدمِكْ
وأعبُر منكَ لأورقَ في حُلُمِكْ فتأتي إلى نورِ ذاتِكَ منْ غسمِكْ
أنا عبهرُ الرّوحِ شمْني، فمي لَفَمِكَ يُصلي، ويكْرُعُ منْهُ سنَانغَمِكٌ"
دار الشعر بمراكش، مؤسسة ثقافية تجسد عمق التعاون الثقافي القائم بين المملكة المغربية وإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتعنى بالمنجز الشعري المغربي وتثمينه وتوثيقه وتوسيع تداوله. كما تفتح الدار أبوابها أمام الزوار والباحثين والمثقفين والكتاب والشعراء وجمهور المدينة، للزيارة والاطلاع على مكتبة "الديوان المغربي" والتي تحفل بالعديد من الإصدارات الإبداعية والنقدية التي تهتم بالمشهد الشعري في المغرب.