قضية المرأة في المجتمع العربي الإسلامي قضية قديمة، ظلت تشغل بال المفكرين منذ بداية عصر النهضة، وما زالت إلى الآن تحظى بينهم باهتمام كبير. ومع ذلك بقيت من القضايا الخلافية التي تلعب دورا كبيرا في تعبئة القوى الاجتماعية وإذكاء النقاش العمومي.
ولنا في المغرب تجربة غنية في هذا المجال، تدل على أن قضية المرأة باتت من المواضيع التي تخضع لتجاذبات سياسية وإيديولوجية، تلعب دورا كبيرا في عملية استقطاب حقيقية. وهذه الإشارة كافية للقول، إن قضية المرأة هي قضية مجتمع. وبالتالي فإن حلها يقتضي الانحياز إلى أفق اجتماعي وسياسي معين، يشكل في نهاية الأمر اختيارا، بكل ما تعنيه الكلمة من تعقيد وما يصاحبها من علاقات.
ومن الأسباب التي أضفت على قضية المرأة غموضا وضبابية، بالإضافة إلى أنها أصبحت أداة يتقاذف بها في مجال السياسة، أن هناك من يصر على مقاربتها بوصفها قضية دينية بالدرجة الأولى[i]. وبهذا تكون قد دخلت دائرة "المقدس" الذي يعتبر من الحقول الفكرية الملغومة في مجتمع متدين كالمجتمع المغربي.
يمكن أن نستحضر في هذا السياق المعارك التي نشبت حول "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"[ii] كما طرحت في نهاية الألفية، ثم في "مدونة الأسرة"[iii]. وهي المعارك التي بينت بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك من تحدوه رغبة على إبقاء وضعية المرأة في المغرب، رهينة الرأي الفقهي الذي لا يشكل سوى ظل من ظلال الماضي في تصوره الأكثر إفلاسا على المستوى الفكري والأكثر ظلما للمرأة على المستوى الاجتماعي.
وقد شكلت إعادة قضية المرأة في"المدونة" إلى إطارها الديني[iv] نكسة حقيقية للمرأة المغربية، لأن "المدونة" في البدء والختام لم تعمل سوى على تكريس التوفيق بين سلطتين مرجعيتين متعارضتين: سلطة المجتمع في سيرورته وتحوله، وسلطة النص الديني في قراءته الثابتة والحرفية.
حالة المغرب لا تختلف عن الحالات الأخرى في مشرق العالم العربي ومغربه إلا في بعض التفاصيل. فقد بقيت "قضية المرأة" في العالم العربي والإسلامي موزعة بين السماء والأرض، بين ما تتطلبه التحولات الاجتماعية، وبين الإخلاص لفهم مغلق للنصوص الدينية. وبذلك أصبحت القضية ضحية توافقات اجتماعية وسياسية، لا تشكل المرأة سوى وجه من وجوهها. أما وجوهها الأخرى فتتلخص في طبيعة المجتمع الذي نريد: هل نريد مجتمعا حداثيا ينسجم مع عصره؟ أم نريد مجتمعا يغوص في الأزمنة الغابرة بحثا عن "هوية" مفترى عليها؟ لقد بدا أن الأطراف المتدخلة في هذه القضية، بفعل عوامل تخص السياق السياسي، ولا علاقة له بالمرأة، يرضيها هذا الحل التوافقي الذي يزيد القضية تشتتا، ويحكم عليها بأن تظل موضوع خلاف إلى الأبد. وهذا بالضبط ما يجعل منها قضية سجالية، تحضر متى اقتضى السياق السياسي ذلك، وتغيب متى استنفذت وظيفتها في الشحن الإيديولوجي والسياسي.
ومع الاختلاف والتعارض الذي نلمسه في تناول هذه القضية، فإن هناك إجماعا على أنها تشكل نقطة تقاطع بين التراثي[v] والاجتماعي. وهذا ما منح النقاش حول المرأة بعدا آخر، يتعلق هذه المرة بقراءة النص التراثي، التي افرزت منظورات متعددة لفهم الثقافة العربية الإسلامية. وكان من نتائج استحضار هذا البعد القرائي عند الأطراف المتدخلة في قضية المرأة، البحث عن "تفسير" للتراث يزكي منظورا معينا ضد منظور آخر. وشيئا فشيئا لم يعد "التراث" مجالا حيويا لطرف دون آخر، بل أصبح موضوعا للقراءة وإعادة القراءة عند مختلف الفرقاء. ومن ثمة بدا أن تعبير "موقف الإسلام من المرأة" لم يعد حكرا على الفقهاء ورجال الدين. بل أصبح موضوعا عاما يتدخل فيه المفكر ورجل السياسة وعالم الاجتماع وغيرهم من المهتمين بقضية المرأة. ومن هذا المنطلق يمكن تناول كتابات فاطمة المرنيسي.
لقد انصب اهتمام المرنيسي في كل أعمالها على إنتاج خطاب علمي عن المرأة، بدل الخطاب الإيديولوجي[vi] الذي هيمن وما زال على هذه القضية، والذي يجعلها تتأرجح بين اليمين واليسار. ومن هنا انكبت منذ بداية اشتغالها على الموضوع، على الجوانب المضيئة في التراث. ذلك أنها في جميع كتبها بدءا بـ "ماوراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية"[vii] مرورا بـ"الحريم السياسي: النبي والنساء"[viii]، و"نساء على أجنحة الحلم"[ix] و"شهرزاد ترحل إلى الغرب"[x] و"هل أنتم محصنون ضد الحريم"[xi] وغير هذه الكتب من الأبحاث والدراسات، عملت على بلورة أطروحة مركزية ما فتئت تحكم انشغالها العلمي بالقضية إلى أن داهمها الموت. وهي أن الإسلام في حد ذاته لم يمارس الظلم على المرأة، وإن ما جعلها تعيش وضعية التمييز والقهر داخل المجتمع هو الفهم المغرض للإسلام الذي كانت تحكمه خلفيات لا علاقة لها بالضرورة بالدين الإسلامي.
لقد قادتها هذه الأطروحة إلى إعادة قراءة التراث، بما في ذلك النصوص الدينية، قراءة تستجيب لطموحها كامرأة، في مجتمع إسلامي ظل يمارس كل أنواع التهميش والغبن على المرأة، باسم الدين. وبهذا المعنى يمكن إدراج أعمال فاطمة المرنيسي ضمن المشاريع الفكرية التي تستهدف "تصحيح" القراءات التراثية التي استغلت النص الديني من أجل الإجهاز على حقوق المرأة. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف تلجأ الكاتبة إلى استراتيجية قرائية تقوم على ركيزتين:
الأولى تتعلق بتوثيق النصوص، وإعادة قراءتها بطريقة تفضي إلى أن الإسلام كنصوص لم يرسم أية صورة سلبية للمرأة. إن علاقة فاطمة المرنيسي بالنصوص الدينية توحي بأنها استعملتها لدحض مواقف "علماء" الدين من المرأة. ففي استشهاداتها لا تستند في أحيان كثيرة إلى السلطة المرجعية لبعض المصادر، وإنما تعتمد مصادر "غير دينية" ككتب الأخبار والأعمال الإبداعية كالشعر والسيرة وغيرهما. كما أنها تلجأ في أحيان أخرى إلى الطعن في صحة بعض الأحاديث حتى وإن جاءت من مصدر لايقبل النقاش كصحيح البخاري.
أما الثانية فتتجلى في الفصل الذي دعت إليه بين الإسلام/ النصوص، وبين الإسلام/ التاريخ، أي بين النصوص مجردة من كل سياق، وبين النصوص كما تم استيعابها وتمثلها في الواقع العربي والمغربي. إن هذا الفصل ليس ذا طابع منهجي كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن لأول مرة، وإنما ينبثق من الرؤية الفكرية العامة لفاطمة المرنيسي التي تميز بين عدة أوجه للتراث. وبذلك كانت مهمة فاطمة المرنيسي مزدوجة: فقد كان عليها أن تسائل المرجعية الدينية وأن تسائل تمثلاتها في الواقع التاريخي في الآن ذاته.
من هنا نراها استهلت كتاب "الحريم السياسي" بسؤال واضح هو: "هل يمكن لامرأة أن تقود المسلمين؟"[xii] لتنطلق من هذا التساؤل إلى تحديد الإطار العام الذي ستشتغل عليه، ويتعلق الأمر بوضعية المرأة في العالم الإسلامي عامة وفي المغرب بصفة خاصة، ولتربط الحاضر بالماضي وتبحث عن خلفيات قضية المرأة في الإسلام من خلال محورين أساسيين: الدور القيادي الذي قامت به المرأة على الواجهة السياسية من خلال عائشة أم المؤمنين، ونقد القراءات الأصولية للنص الديني التي تروم خدمة أغراض معينة من خلال التلاعب بالنص الديني عن طريق تأويله تأويلا متعسفا. وبهذه الطريقة التي سلكتها فاطمة المرنيسي في كتابها "الحريم السياسي" تكون قد جمعت بين البحث التوثيقي والبحث التاريخي والبحث الاجتماعي. ولقد استطاعت أن تجمع بين هذه الأبعاد الثلاثة في التحليل بفضل منهجها الذي ينطلق من الجزئي ليبني الكلي وبفضل فرادتها في الكتابة وأسلوبها الخاص في سرد الأحداث والوقائع. وبلغة تخلصت من القيود الأكاديمية. وتوسلت بتقنيات كتابية تمتح من كل المعارف والفنون كما سيأتي لاحقا.
إن ما كان يهم المرنيسي في "الحريم السياسي" وفي غيره من الكتب والأبحاث التي أنجزتها ليس إنتاج بحث اجتماعي أو تاريخي حول مسألة المرأة، وإنما الوصول إلى أن قضية المرأة لا يمكن أن تجد طريقها إلى الحل إلا في إطار جدلية بين الماضي/ التراث وبين الحاضر والمستقبل/ الحداثة، وذلك عن طريق مساءلة ما اعتبر في المجتمعات العربية الإسلامية مسلمات لا تقبل النقاش والخوض في مجالات كانت تعتبر إلى عهد قريب محرمة على الباحثين. وهكذا وجدت المرنيسي نفسها تخوض في الثالوث: الدين والسياسة والجنس، وتجعل المرأة في بؤرة هذا الثالوث المحرم.[xiii] ولم تكن لتصل إلى هذه النتيجة لولا إلحاحها على ضرورة قراءة التراث الإسلامي بطريقة جديدة تفضي إلى إزالة التعارض النظري الذي طالما صاحب مفكرين وباحثين آخرين بين التراث والحداثة. إنها لا ترى أي تعارض بينهما شريطة "قراءة" التراث قراءة تقوم على وعي حاد بالعلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر.
ويمثل كتابها "شهرزاد ترحل إلى الغرب"[xiv] نموذجا لتلك القراءة الخاصة للتراث التي حاولت فاطمة المرنيسي أن تبنيها لقراءة النص التراثي في علاقته بالقضية المحورية التي كرست لها كل حياتها، وهي قضية المرأة. إن هذا الكتاب تجسيد لما أسميته جدلية التراث والحداثة، لعدة اعتبارات، لعل أهمها أن الكتاب اشتغل على نص تراثي هو "ألف ليلة وليلة" وبالضبط على الشخصية الرئيسة فيه وهي شهرزاد. ومعلوم أن الدارسين درجوا على أن ينظروا إلى كتاب "ألف ليلة وليلة" بوصفه عملا أدبيا إبداعيا، ولكن المرنيسي التي لم تجرده في أية لحظة عن طابعه الإبداعي، جعلت منه منطلقا للبحث في قضية المرأة، يحدوها في ذلك نقد مزدوج: نقد لمنظور "الغرب" إلى شهرزاد/ المرأة، ونقد للعرب في نظرتهم إلى نفس الموضوع. وهذا ما جعل من الكتاب عملا يستعصي على التصنيف، تتداخل فيه كل التخصصات، فهو ليس بحثا اجتماعيا ولا بحثا تاريخيا ولا بحثا أدبيا، ولكنه كل هذا في نفس الوقت. لقد كشف الكتاب عن امتلاك المرنيسي لأدوات قرائية يحضر فيها الاجتماعي إلى جانب التاريخي والفكري والأدبي.
ولكن هذا لا يخرجه بأي حال من الأحوال عن دائرة اهتمام فاطمة المرنيسي التي أصّلت في الثقافة العربية المعاصرة مفهوم الحريم الذي ارتبط بالتاريخ "ومورس في قصور الخلفاء ومن يحيط بهم من علية القوم"[xv] والذي تقول عنه إنه "مفهوم مكاني وزماني محدد. أي أنه محدد في مناطق وبقع محصورة في فترة زمنية محصورة"[xvi] ولكنها ستطوره كي يتسع إلى أن يشمل كل ما يعوق تحرر المرأة في كل المجتمعات. يبدو الكتاب برمته استجابة لوصية جدة فاطمة المرنيسي حين قالت لها وهي على فراش الموت: "إن أفضل طريقة تتذكرين بها جدتك هي أن تظل التقاليد حية فيك"[xvii] وأن تروي حكايتها المفضلة من "ألف ليلة وليلة"، حكاية المرأة التي تلبس كسوة الريش" التي تحمل في كتاب ألف ليلة وليلة عنوانا آخر هو "حكاية الحسن البصري". وهي مستمدة من العالم العجائبي لـ"ألف ليلة وليلة".
تسرد القصة حكاية شاب من البصرة اسمه حسن. بينما كان في خلوة للتأمل في الطبيعة هبط من السماء سرب من عشرة طيور، شرع كل طائر في نزع ريشه ليكشف عن أن كل واحد من الطيور هو عبارة عن فتاة فاتنة الجمال. نزلت الفتيات إلى البحيرة ليستحممن، ثم عدن إلى ريشهن الذي تركنه على الشاطئ، فلبسنه وطرن إلا واحدة، سرق حسن ريشها، فبقيت وحيدة، فاصطفاها حسن لنفسه وتزوجها وأنجب منها أطفالا. وبعد أن اطمأن حسن البصري بأن الزوجة نسيت قضية الريش وأنها لن تفكر في الرحيل عنه، سافر وتركها في عهدة أمه. إلا أن الجارية ظلت تبحث عن ريشها في غفلة عن أم حسن، إلى أن عثرت عليه في غياب زوجها ودون أن تحس أمه بالأمر، فلبسته وطارت صحبة أولادها إلى جزر الواق واق التي جاءت منها. وعاش حسن الولهان ما بقي من حياته في بحث دائم عن الحسناء المفقودة.
الحكاية كما يظهر من أحداثها وشخصياتها تبرز توق المرأة إلى الحرية. فعلى الرغم من أن حسن البصري كان من الموسرين، وفر للزوجة كل أسباب الراحة التي يوفرها فضاء "الحريم" عادة، إلا أنها فضلت أن تنطلق إلى عالمها، عالم الحرية الذي لا تحده حدود. من هذه الحكاية إذن تنطلق فاطمة المرنيسي لتجعل من "ألف ليلة وليلة" أرضية لإثارة قضية تحرر المرأة مقارنة بين تمثل "شهرزاد" في الشرق وبين تمثلها في "الغرب". وسواء تعلق الأمر بالشرق أو الغرب فإن "شهرزاد" تستعمل في الكتاب للدلالة على مفهوم المرأة بتداعياته الثقافية والفكرية وبحمولته الاجتماعية والنفسية.
قبل الانتقال إلى رسم ملامح "شهرزاد" كما ترسمها أدبيات الشرق وكما ينظر إليها الغرب، تقف فاطمة المرنيسي عند مفهوم "الحريم" محللة ومقارنة. فهي تتعجب حين يبتسم الغربيون كلما نطقت لفظة "الحريم"، لتكتشف في ما بعد أن الكلمة عندهم ذات حمولة جنسية إباحية، في حين أن "الحريم" في الشرق، ولدى المغاربة خاصة، يحيل على العائلة رغم أن إيحاءه ليس سارا لأنه مشتق من الحرام.[xviii] ولذلك فإنه يتموضع "في الحدود الخطيرة حيث يتواجه القانون والرغبة الإنسانية"[xix] والذي يمثل هذه الخطورة هو فرار الفتاة من حريم حسن البصري رغم الاحتياطات الكثيرة التي اتخذها من أجل ثنيها عن التفكير في الهرب. ومن ثم ظل مفهوم "الحريم" في الشرق مقرونا لدى الرجل بالخوف من المرأة. وهي فكرة حللتها فاطمة المرنيسي في عدد من أعمالها الأخرى ولا سيما في "الحريم السياسي" حيث تبين أن أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الرجل يستعبد المرأة يكمن في الخوف منها.[xx]
من هنا تنطلق فاطمة المرنيسي لتقيم مقارنة بين "حريم" الشرق و"حريم" الغرب، لتصل إلى نتيجة مفادها أن المفهوم قد تبلور في الشرق كي يضمر خوفا وحذرا من المرأة. في حين أن "حريم" الغرب ينطوي على دلالة طافحة بالإغراء والإباحية. وقد توصلت إلى هذه النتيجة من روح الترجمات التي أنجزها غربيون لكتاب "ألف ليلة وليلة" ومن الصور العارية التي صاحبت تلك الترجمات. وإذا كان مفهوم "الحريم" كما أعادت فاطمة المرنيسي تأصيله في الثقافة العربية يختزل وضعية التمييز التي تعانيها المرأة في الشرق وفي الغرب معا، فإن الكاتبة كانت ترمي من خلال ذلك إلى ممارسة نقد يتسم ببعدين: بعد ينتقد وضعية المرأة في الشرق وبعد يدين الوضعية نفسها في الغرب.
إن هذا يفصح عن منظور فاطمة المرنيسي إلى مشكلة المرأة، بوصفها مشكلة تند عن الخصوصية الضيقة التي تحصرها فيما يسمى "البلدان النامية"، لتعمم على جميع المجتمعات أكانت آخذة بالحداثة، أو غارقة في السلفية التراثية. ولعل في هذا كله إشارة إلى أن الكاتبة وهي تقيم مقارنة بين الشرق والغرب من خلال مفهوم "الحريم"، لا تسلم بأن وضعية المرأة في أوربا وأمريكا بخير رغم الصورة البراقة التي تحاول وسائل الإعلام أن تسوقها بها. كما أنها توجه نقدا لاذعا إلى البلدان العربية الإسلامية التي راكمت تاريخا طويلا من التمييز ضد المرأة.
إن كتاب "شهرزاد ترحل إلى الغرب" يحمل في طياته موقفا نقديا من الغرب ومن التراث معا. وهذا يعني أن فاطمة المرنيسي وهي تنظر إلى التراث وإلى الغرب بعين فاحصة، إنما تحاول أن تصوغ تصورا للعلاقة بينهما ترتكز على فهم كل واحد منهما للأخر. وهو ما يبرز البعد الإنساني في فكر فاطمة المرنيسي. وهي إذ تعير اهتماما كبيرا لعملية الفهم تلك فإنها تهدف إلى بناء جسور بين الشرق والغرب، لا تنهض على القوة والغلبة بل على التفاهم الذي يبني الحضارة الإنسانية.
1 تراجع على سبيل المثال لا الحصر مواقف "الهيئات" الدينية بالمغرب في كل مناسبة يدور فيها الحديث عن ضرورة رفع التامييز الذي تعانيه المرأة المغربية وبالخصوص البيان الذي أصدرته رابطة علماء المغرب يوم 27 مايو 1999 والبيان الذي أصدره خريجو دار الحديث الحسنية بتاريخ 20 يونيو 1999 وبيان الهيئة لعدول المغرب الصادر يوم 22 يوليوز 1999، وكلها بيانات تنطلق من مرجعية دينية. يراجع أيضا مقال محمد يتيم الذي يحمل عنوان "مقارنة بين خطة إدماج المرأة في التنمية ومقاربة النوع الاجتماعي في التنمية" المنضور في جريدة التجديد يوم 30 يناير 2006، حيث يرى أن إنصاف المرأة وتكريمها لا يمكن أن يتم إلا "من داخل المرجعية الإسلامية".[i]
2 "خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" هو الاسم الذي أطلق على المشروع الذي أعلن عنه عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول المغربي يوم 19 مارس 1999 والذي أعده كاتب الدولة في الرعاية الاجتماعية والأسرو والطفولة آنذاك سعيد السعدي بتنسيق مع النسيج الجمعوي الذي يهتم بقضايا المرأة.
3 مدونة الأسرة هو الاسم الجديد لما كان يسمى بمدونة الأحوال الشخصية وقد تم إقرار المدونة بعد ردود الفعل التي خلفتها الخطة المذكورة، وهي نص ينطق بنزعة توفيقية بين محاولة الاستجابة لروح المرحلة والإخلاص لروح النصوص الدينية كما يفهمها العلماء المغاربة.
4 كان لمن يسمون "العلماء" دور كبير في تكييف "المدونة" مع متطلبات العصر، بشكل يحافظ على قدسية النص الديني ضمن فهم محافظ يجعل منه نص ثابتا في منطوقه وفهمه. وقد لعب هؤلاء "العلماء" دورا كبيرا في توجيه المدونة إلى ما هي عليه الآن.
5 نستعمل صفة "تراثي" هنا بالمعنى الذي يحيل على النص الديني وعلى تمثله في الواقع المعيش. وهذا يميز "التراثي" عن الإسلامي لأن الواقع التاريخي فرض قراءة النصوص الدينية بشكل يجعلها تستجيب لشرظها التاريخي وهذا ما أدى إلى اختلاف في وجهة النظر إلى المرأة حتى في إطار المرجعية الدينية نفسها.
6 كل خطاب ينطلق من "قناعة" راسخة ترقى إلى مستوى "الحقيقة" هو بالضرورة خطاب إيديولوجي. وبذلك يمكن أن ندخل في إطار الخطاب الأيديولوجي كل الخطابات التي تنطلق من تصور مسبق للواقع وتحشذ كل إمكاناتها لفرض ذلك التصور. من هنا يمكن أن نفهم من "الأيديولوجي" كل النصوص التي تعمل على "تفسير" الدين، لأن مهمتها تتجلى في سعيها إلى ملاءمة الدين مع الواقع وفق تصور محدد مسبقا.
فاطمة المرنيسي: ما وراء الحجاب، الجنس كهندسة اجتماعية. ترجمة: فاطمة الزهراء أزريول. المركز الثقافي العربي. الطبعة الرابعة. الدار البيضاء 2005.[vii]
فاطمة المرنيسي: الحريم السياسي، النبي والنساء. ترجمة: عبد الهادي عباس. دار الحصاد للنشر والتوزيع. دمشق (دون تاريخ ولا رقم الطبعة.)[viii]
9 فاطمة المرنيسي : نساء على أجنحة الحلم. ترجمة: فاطمة الزهراء أزريول. المركز الثقافي العربي. الطبعة العربية الأةلى. الدار البيضاء 2000.
فاطمة المرنيسي: شهرزاد ترحل إلى الغرب. ترجمة فاطمة الزهراء أزريول. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء 2010.[x]
فاطمة المرنيسي: هل أنتم محصنون ضد الحريم. ترجمة: نهلة بيضون. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء 2009. [xi]
فاطمة المرنيسي: الحريم السياسي (مرجع سابق) ص 11.[xii]
الإضارة هنا إلى كتاب بو علي ياسين: الثالوث المحرم، دراسات في الدين والجنس والصراع الطبقي. دار الطليعة. الطبعة الثانية. بيروت 1978. [xiii]
فاطمة المرنيسي: شهرزاد ترحل إلى الغرب.مرجع سابق.[xiv]
غاطمة المرنيسي: شهرزاد ترحل إلى الغربـ (مرجع سابق ) ص 28.[xv]
فاطمة المرنيسي: هل أنتم محصنون ضد الحريم. (مرجع سابق) ص 53[xvi]
فاطمة المرنيس: شهرزاد ترحل إلى الغرب. (مرجع سابق) ص 9.[xvii]
ابن منظور: لسان العرب. دار صادر. الطبعة الثانية. بيروت 2003. مادة: حرم.[xviii]
فاطمة المرنيسي. شهرزاد ترحل إلى الغرب. (مرجع سابق) ص 73[xix]
فاطمة المرنيسي. المرجع نفسه. ص 27 وما بعدها. [xx]