تعتبر الدراسات الثقافية مجالا من مجالات المعرفة، تهتم بدراسة الظواهر الثقافية في الكون والمجتمع، فقد أدخله البريطانيون سنة 1964، إلى الحقل الأكاديمي واهتم به الأساتذة الجامعيون، وأجمعوا أن النقد الثقافي ليس منهجا من بين المناهج النقدية، أو منهجا مستقلا بذاته، ولكنه فرع متخصص في نوع معين من الدراسات من بين فروع المعرفة ومجالاتها التي تدرس كل ما تنتجه الثقافة من نصوص ومعطيات؛ سواء كانت مادية، أم فكرية. ويقصد بالنص كل ممارسة حصلت، أو يمكن أن تحصل؛ سواء أكانت قوة، أم فعلا حسيا، أم معنويا واضحا أو غامضا، ظاهرا أو مضمرا، يمكن أن يصبح سيرورة دلالية تنتج معنى في ذاتها، أو في علاقاتها بعناصر أخرى متعددة ومترابطة.
ارتبطاً بموضوع الدراسات الثقافية هذا، فإنّ فريق البحث في "الدراسات السردية والثقافية" بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، التابعة لجامعة مولاي إسماعيل، نظم ندوة علمية دولية في موضوع: "الدراسات الثقافية وتحول النظرية". ندوة تميّزت بمشاركة مجموعة من الأساتذة الباحثين والمتخصصين، في مجالي النقد الأدبي والدراسات الثقافية، من الجامعات المغربية، ومن جامعات عربية؛ كمصر وتونس. وقد توزعت أشغال الندوة، بعد الجلسة الافتتاحية، على ثلاث جلسات علمية، ثم جلسة ختامية.
ترأس الجلسة الافتتاحية عضو فريق البحث في الدراسات السردية والثقافية الأستاذ الباحث الدكتور عبد الرحمن التمارة. وهي جلسة افتُتِحت بكلمة السيد عميد الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية الدكتور لحو مجيدي، الذي رحب بضيوف الكلية من داخل المغرب وخارجه، كما هنأ المشرفين على الندوة على اختيار موضوع "الدراسات الثقافية وتحول النظرية"، الذي يكتسي أهمية بالغة، وله راهنيته في الدراسات النقدية والثقافية. أما كلمة نائب رئيس مجلس جهة درعة تافيلالت السيد عبد الله صغيري، فانصبت على التنويه بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها فريق البحث في الدراسات السردية والثقافية، والهيئة المشرفة عليه. كما أشار إلى استعداد مجلس الجهة لتشجيع البحث العلمي ودعم الأنشطة العلمية والثقافية بالكلية، والعمل على عقد اتفاقيات التعاون بين مجلس الجهة ومختبرات البحث بالكلية. وفي كلمة رئيس شعبة اللغة العربية، بالكلية المتعددة التخصصات الدكتور أحمد البايبي، رحب بدوره بجميع المشاركين في أشغال الندوة، كما شكر جميع أعضاء فريق البحث على مجهوداتهم في سبيل المضي بالبحث العلمي إلى الأمام. أما كلمة باسم المشاركين في أشغال الندوة فقد قدمها الدكتور العياشي أدراوي، من جامعة محمد الأول بوجدة؛ حيث توجه من خلالها بالشكر إلى رئاسة الجامعة وعمادة الكلية على دعمهم المستمر للأنشطة العلمية، وعلى حفاوة الاستقبال. بينما كلمة اللجنة التنظيمية فقدمها الدكتور محمد بوعزة، رئيس فريق البحث، عبر من خلالها على سعادة اللجنة المنظمة أساتذة وطلبة باستقبال المشاركين في الندوة التي لم يدخروا جهدا لتنظيمها والعمل على إنجاحها، مؤكدا على الدور البارز لمحيط الكلية في هذا الإنجاز العلمي الهام، مجددا الترحيب بالحاضرين أساتذة وطلبة.
إن الجلسة العلمية الأولى ترأسها الدكتور عبد الله بريمي. وقد تحدث د. محمد بوعزة (الكلية المتعددة التخصصات الرشيدية) في مداخلة بعنوان "تحرير النظرية في الدراسات الثقافية". ركز فيها على إشكالات النظرية، منطلقا بذلك من سؤال هام وهو: هل كل ما يكتب في الدراسات الثقافية يعتبر ثقافة؟ مجيبا قدر الإمكان على هذه الإشكالية في مداخلته.
وكانت المداخلة الثانية د. ادراوي العياشي (المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير ENCG، جامعة محمد الأول، وجدة)، موسومة بـ: "الدراسات الثقافية الأساس التأويلي والبعد الاختلافي". تطرق لثلاث أمور [لم أجد الأمر الثالث] أساسية يمكن عدها مدخلا نظريا لتشكل الدراسات الثقافية؛ أولا: التحول الذي عرفه مفهوم الثقافة مع العديد من الباحثين في الفلسفة أو علم الاجتماع..، وكيف فقد النص مركزيته بعد الاهتمام بالشأن الثقافي. ثانيا: ناقش الدراسات الثقافية في علاقتها بالفلسفات التأويلية كما جاء مع امبرتو ايكو، وما يؤكد ذلك أن الدراسات الثقافية أصبحت تحلل جميع الظواهر الثقافية في شتى تمظهراتها، فلم يعد هناك فرق بين ثقافة رسمية في مقابل ثقافة هامشية، ولم تعد هناك قيم مطلقة عند النقد الثقافي بل الكل نسبي.
وقدمت د. أريج البدراوي زهران (جامعة الفيوم/ مصر) المداخلة الثالثة الموسومة بـ" بحث مرجعي في علم الاجتماع الثقافي". تناولت الأسس المرجعية الثقافية التي قعدت لعلم الاجتماع، مع مورغان وكارل ماركس وألتوسير وانطونيو غرامتشي.. إلخ. لهذا، بينت أن التطور العلمي على كافة المستويات ساهم بشكل كبير وواضح في إرساء دعائم علم الاجتماع الثقافي، فالمهتمون بالدراسات الثقافية لا يمكنهم أن يقفزوا على ما أنتجه الفلاسفة عبر التاريخ فيما يخص الثقافة واستبدالاتها.
المداخلة الرابعة: Brahim LAROUZ (FPE Errachidia ) : Du psychologique à la théorie argumentative de langage.
المداخلة الخامسة: Monir Bourray (FPE Errachidia) Les couleurs en Arabe dialectal marocain entre acceptions linguistiques et représentations socio-culturelles.
تحدث الأستاذ منير بوراي عن دلالة الألوان من داخل الثقافة الشعبية المغربية، منطلقا من منظور لساني وسوسيو ثقافي ولعل هذا يحيلنا على ما أتى به بيير زيما بخصوص التحليل اللساني، عندما كثرت الانتقادات الموجهة للبنيوية.
استأنفت اشغال الندوة مساءً بجلسة علمية ثانية في موضوع: نقد الخطاب في الدراسات الثقافية. ترأست هذه الجلسة الدكتورة أريج البدراوي زهران (جامعة الفيوم، مصر). وتوزعت أعمال هذه الجلسة على خمس مداخلات: المداخلة الأولى: د. رشيد ابن السيد (جامعة ابن طفيل، القنيطرة) موسومة بـ " نقد الخطاب الديني". تحدث المتدخل عن الكيفية التي تجاوز بها الأروبيون سلطة الكنيسة في مرحلة العصور والوسطى، على اعتبار أن السلطة الدينية كانت تشكل عائقا أمام تجاوز الخطاب المثالي، وتحد من التطور العلمي للعبور نحو الحداثة بكل تجلياتها. إضافة لذلك وضح الدكتور المتدخل استغلال رجال الكنيسة السلطة الدينية، وبيع صكوك الغفران للشعب، مقابل الانعتاق من العذاب. المداخلة الثانية: لد. عبد الرحمن التمارة (الكلية المتعددة التخصصات، الرشيدية) بعنوان " الفن في خطاب النقد الثقافي "عن الأسلوب المتأخر" لإدوارد سعيد. ركز في مداخلته على مفهوم التأخر وعلاقته بالفن المقترن بالفترة المتأخرة من حياة الأدباء والفنانين الذين تحدث عنهم وعن أعمالهم ادوارد سعيد، تلك الفترة التي يسميها بفترة تحلل الجسد واعتلال الصحة، أو حلول عوامل أخرى تحمل إمكانية النهاية قبل الأوان حتى لمن لم يتقادم به العمر.
المداخلة الثالثة: قدمها د. بريمي المهدي (الكلية المتعددة التخصصات الرشيدية) بعنوان: "العتبات في النص الروائي العربي قراءة ثقافية". ناقش الدكتور بريمي المهدي أهمية العتبات النصية في دراسة الرواية العربية؛ انطلاقا من الغلاف، والعنوان، والصورة الموجودة على غلاف الرواية. إن هذه العتبات هي إشارة ثقافية تقدم معرفة أولية للقارئ بمعرفة النص الذي بين يديه، وهو ما قدمه المتدخل بخصوص إحدى روايات حنا مينة. أما المداخلة الرابعة: فألقاها د. مصطفى الغرافي (المدرسة العليا للأساتذة بمكناس). وهي مداخلة موسومة بـ "البلاغة العربية والهوية الثقافية"، تحدث فيها عن الإرهاصات الأولى للبلاغة العربية، منطلقا من الإشكالات التي واجهتها البلاغة العربية؛ سواء كانت على مستوى التنظير، أم على مستوى التلقي. وأبرز، كذلك، الدور الفعال الذي تقوم به البلاغة العربية لإظهار وكشف الهوية الثقافية العربية.
وقدم د. رشيد أو ديجى (الكلية المتعددة التخصصات، الرشيدية) المداخلة الخامسة الموسوم بـ " ادوارد سعيد وتأويل النصوص الأدبية". تطرق المتدخل لاستثمار إدوارد سعيد للدراسات الثقافية، وأهدافها في تأويل النصوص الأدبية، وكشف مضمراتها وخطاباتها الخفية، رافدا بذلك تلك النظريات التقليدية في فهم الأدب، ولعل كتابه الهام "الاستشراق" أو "الثقافة والإمبريالية" تعد مدخلا أساسيا للتأويل في إطار الدراسات الثقافية.
استأنفت أشغال الندوة العلمية الدولية لليوم الثاني صباحاً بالجلسة العلمية الثالثة، التي ترأسها الدكتور العياشي أدراوي، الذي جدد الترحيب بالحضور والمشاركين، وذكر بأهداف الندوة. وشهدت هذه الجلسة سبع مداخلات توزعت كالآتي:
المداخلة الأولى: د. عبد الله بريمي (الكلية المتعددة التخصصات، الرشيدية)، وهي بعنوان "السميائيات الثقافية وتفكيك الأنساق". ركز د. بريمي في مداخلته على السميائيات الثقافية عند السميائي الروسي يوري لوتمان، بالإضافة إلى تأكيده أن السميائيات الثقافية تهتم بخصوصيات كل ثقافة مستقلة داخل نظام سيميائي كوني، وكذا بالعوالم والأقطاب الثقافية الصغرى والكبرى ضمن ثنائية المركز والهامش، والاهتمام بالحوار في علاقته بالصراع الثقافي. ومن ثم، تقدم لنا سميائيات الثقافة المبادئ النظرية والأدوات المنهجية لمقاربة الظواهر والأنظمة الثقافية. كما تطرق د. بريمي أيضا إلى مفهوم الحد في السميائيات، منطقا بذلك من سؤال جوهري هو: هل الحد ينتمي إلى الكون السميائي؟
المداخلة الثانية: د. عبد الله صغيري (الكلية المتعددة التخصصات، الرشيدية)، وهي بعنوان "الأنساق الثقافية في شعر الخنساء". تناول فيها د. صغيري حياة الخنساء في مرحلتين: مرحلة ما قبل الإسلام، ومرحلة ما بعد الإسلام، ولكل مرحلة حدث مهم في حياة الخنساء. كما تحدث عن العاطفة في شعر الخنساء؛ حيث إننا نجد عاطفة صادقة مزيجاً من الحزن الذي وصل إلى حد النواح، والمفاخرة، والتعداد لمناقب الفقيد، وذكر محاسنه، فمزجت في شعرها بين عاطفتين؛ عاطفة الحزن، وعاطفة الحب.
المداخلة الثالثة: د. أحمد الجرطي (الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالرباط/المغرب)، وهي بعنوان "النقد الروائي العربي المعاصر والدراسات الثقافية رهانات التلقي وإشكالياتها". تطرق في مداخلته إلى الدراسات الثقافية باعتبارها حقلا معرفيا ظهر في بريطانيا سنة 1964، ثم عرج نحو الحيث عن روافد الدراسات الثقافية؛ الأول، مراجعة الماركسية الجديدة مع إلتوسير وأنطوني غرامشي. والثاني، يتمثل فيما أتى به ميشيل فوكو حول مفهوم الخطاب. والثالث، خطاب ما بعد الحداثة الذي يتجلى في التفكيكة مع جاك ديريدا.
المداخلة الرابعة: د. ضحى عدوني (جامعة سوسة، تونس)، وهي بعنوان "الثقافة الشعبية في الدراسات الثقافية". حاولت د. ضحى من خلال مداخلتها الانطلاق من إشكالية أساسية هي مدى حضور الثقافية الشعبية العربية في الدراسات الثقافية؟ المداخلة الخامسة: د. حكيم عبد الله (الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين درعة تافيلالت/المغرب)، وهي بعنوان: "الأنساق الثقافية في مسرحية "رجل اسمه الحلاج" للمسكيني الصغير". تناول فيها د. حكيم الدلالات الثقافية لشخصيات المسرحية، على اعتبار أن المسكيني الصغير حاول استخدام شخصيات تراثية، فقسمها إلى قسمين: شخصيات صوفية، وشخصيات سياسية. هذه الشخصيات في نظر د. حكيم استخدمت في المسرحية كرمز ثقافي.
المداخلة السادسة: د. محمد العنوز (الكلية المتعددة التخصصات، الرشيدية)، وهي بعنوان "النص الرقمي في الثقافة الشعبية". حاول د. العنوز في مداخلته تحديد أهم المفاهيم المرتبطة بالنص الرقمي، كما أشار أيضا إلى أن الاهتمام بالثقافة الرقمية أصبح يتزايد علما وأدبا وفنا ..؛ حيث ترسخ مفهوم هذه الثقافة الجديدة في السنوات الأخيرة، مع تزايد عدد المهتمين بها من الباحثين والأدباء والنقاد والفنانين، كلا بحسب تخصصه واهتماماته الثقافية.
المداخلة الأخيرة: د. جواد رشدي (الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية)، وهي بعنوان »L’évolution des positionnement intellectuelle de la critique culturelle Gayatri Chakravorty Spivak et Arjun Appadurai « .
وقد تميزت مناقشة ما جاء في المداخلات جميعها بتفاعل الحضور مع مواد هذه الجلسة العلمية تفاعلا قويا؛ حيث فتح المجال مجددا لمناقشة ما قيل من كلام حول الدراسات الثقافية، وتحول النظرية عامة والدراسات الثقافية، الهوية والنسق على وجه التحديد، فانصبت المداخلات على عدة قضايا همت مواضيع المتدخلين.
بعد انتهاء أشغال الندوة انعقدت الجلسة الختامية برئاسة الدكتور جواد رشدي، وتدخل فيها منسق الندوة الدكتور محمد بوعزة، رئيس فريق البحث في "الدراسات السردية والثقافية" الذي جدد الشكر لرئاسة الجامعة وعمادتها، وجميع الأساتذة والطلبة المشاركين والحاضرين، ونوه بجهود اللجنة المنظمة، وبالمؤسسات المساهمة في هذا النشاط العلمي. وأعقبت كلمته كلمة الدكتور عبد الرحمن التمارة الذي شكر جميع المساهمين في إنجاح فعاليات هذه الندوة العلمية الدولية، إعدادا وتنظيما ودعما ومشاركة وحضورا وإشرافا. وخص بالذكر الأساتذة المشاركين في الندوة من خارج الوطن. وأنهى كلمته بالحديث عن أهمية موضوع الندوة الذي لا يزال في حاجة ماسة إلى الدراسة والتحليل، وفتح آفاق البحث والشراكة بين المؤسسات العلمية داخل المغرب وخارجه. قبل أن يسدر الستار على فعاليات الندوة بتوزيع شواهد المشاركة على المشاركين في أشغال الندوة أساتذة وطلبة.