قامت حكومة الكيان الصهيوني الذي يحتل أرض فلسطين ويستعمرها منذ ما يزيد عن 70 عاماً بالتقاط قرار ترامب الأحمق؛ الذي ينصّ على نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس عاصمة فلسطين الأبدية؛ ويعتبر القرار الترامبي الأحمق أن القدس عاصمة للكيان الصهيوني؛ هذا الكيان الذي يعتبر الولاية الــ (51) للولايات المتحدة الأميركية سياســـياً. وقامت هذه الحكومة العسكرية الاستعمارية الاستيطانية ومنذ لحظة صدور هذا القرار غير المسؤول؛ وبشكل حثيث على تحويله إلى ربح صافٍ لصالح المشروع الصهيوني بشكل عام. واستغلاله كفرصة لاستكمال عملية التطهير الحضاري لمدينة القدس الفلسطينية على طريق تهويدها بشكل خاص.
على ضوء ذلك فإن هزيمة القرار الأميركي وإسقاطه تستدعي مواجهته في الميدان الذي من المفترض أن يتجسّد فيه ومنعه من إنتاج وتكريس مفاعليه في مدينة القدس بالتحديد. ومن أجل وصول هذه الحكومة العسكرية الاستعمارية إلى هذه الغاية تحرّكت وبشكل سريع على مستويين هما: أولاً: على المستوى السياسي. حيث بدأت تتحرّك على عديد الدول من أجل إقناعها بالالتحاق بالخطوة الأميركية، ونقل سفاراتها إلى مدينة القدس. والترويج إلى أن القرار بمضامينه يؤسّس لمرحلة جديدة تفتح على إرساء السلام في المنطقة. وثانياً: على المستوى العملي؛ وذلك باتخاذ الإجراءات والقرارات التنفيذية على قاعدة أن القدس وبموجب القرار الأميركي باتت "عاصمة للكيان الصهيوني". ومن حقّها (أي من حق هذا الكيان الاستيطاني الاستعماري) أن تصوغها بالشكل الذي تريد. وعليه صادقت هذه الحكومة على بناء 14 ألف وحدة استيطانية بعد يوم واحد من صدور القرار. ومن المتوقّع أن تمضي حثيثاً في هذا الاتجاه مُستهدفة القدس أرضاً وإنساناً وثقافة لإنجاز ما يمكن إنجازه على طريق تهويد المدينة.
على ضوء ذلك فإن هزيمة القرار الأميركي وإسقاطه، تستدعي مواجهته في الميدان الذي من المفترض أن يتجسّد فيه. ومنعه من إنتاج وتكريس مفاعليه في مدينة القدس بالتحديد. الأمر الذي يجعل من تعزيز صمود أهلها من أجل منع حكومة هذا الكيان الغاصب من الاستفادة المباشرة من القرار مهمة عاجلة وملحّة. ومن أجل توفير الأسس اللازمة لهذا الصمود لا بدّ من برنامج مقاومة شاملة يسمح لجميع القوى الحيّة على كافة المستويات العربية والإسلامية والإقليمية والدولية المساندة، بالمساهمة المُمكنة في توفير الدعم للاشتباك الفاعِل مع مشروع التطهير الحضاري الصهيوني في مدينة القدس الفلسطينية. والذي بات أكثر ديناميكية بعد صدور القرار الأميركي. ونطرح هنا بعض المهام المُقترحة:-
1 ــــ المستوى الفكري والسياسي: اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية بالمعنيين السياسي والأخلاقي. بما يترتّب عليه من وعي التهديد الذي يمثّله الكيان الصهيوني والقرار الأميركي الأحمق، كتهديد مركزي للوجود الإنساني بكافة تجلّياته. وإن نضال الشعب الفلسطيني يمثّل الحلقة المركزية في سلسلة المعارك الأخلاقية الكبرى في التاريخ المعاصر. والسعي لبلورة أشكال تنظيمية موحدة يلتقي عندها وفيها الديني والقومي والوطني والإنساني. وتتجاوز كل الأشكال والصيغ المذهبية والطائفية. وتتصدى لكل السياسات التي تساعد وتغطي على عملية التطهير الحضاري لمدينة القدس الفلسطينية. ومنها القرار الأميركي بكافة مضامينة. وسياسة التنازل والتطبيع بشكل عام والتطبيع الديني، والذي تستفيد منه حكومة الكيان الصهيوني في إضفاء موافقة إسلامية ومسيحية على سياستها.
2 ـــ المستوى الاقتصادي: ويتعلّق بتقديم الدعم المباشر لكل أهالي ومواطني مدينة القدس الفلسطينيين؛ من أجل تعزيز صمودهم وقدرتهم على المواجهة. وذلك عن طريق إنشاء صندوق شعبي لدعم مدينة القدس. يتم تمويله بشكل أولي عن طريق اقتطاع جزء من أموال الزكاة باسم زكاة القدس. وعن طريق الوقف والتبرّعات الشعبية. وعن طريق إيجاد الوسائل لترويج منتجات أهلنا في مدينة القدس في مختلف البلدان بإقامة المعارض والأسواق السنوية.
3 ــ المستوى الثقافي والاجتماعي والتربوي: أن تقوم المؤسّسات العربية ـــ الوزارات وغيرها ـــ بشكل منفرد أو بالاشتراك بدعم أحدى المؤسّسات المقدسية في مجال اختصاصها. سواء على مدى زمني متواصل أو مقطوع. كأن تقوم وزارات التربية والثقافة والصحّة بدعم مشروع ثقافي وتعليمي وصحّي. وهو أمر قابل للتطبيق على المؤسّسات النقابية وغيرها. إضافة إلى إدراج القضية الفلسطينية في المناهج الدراسية مع التركيز على فلسطينية وعروبة مدينة القدس.
4 ــ على المستوى المؤسّساتي: إقامة علاقات توأمة بين المؤسّسات المقدسية بشكل عام ومنظمات المجتمع المدني بشكل خاص والمؤسّسات العربية والدولية النظيرة. على قاعدة دعم المؤسّسات المقدسية والدفاع عنها في مختلف المحافل في حال تعرّضها للمُداهمة والإغلاق من قِبَل الاحتلال.
5 ـــ المستوى القانوني: العمل على توفير الدعم القانوني لجميع أهلنا في القدس بالتنسيق مع منظمات حقوقية دولية مُناصِرة. والاستفادة من القرارات الدولية التي تعتبر جميع الأعمال التي قامت بها حكومة الاحتلال الصهيونية لفرض قوانينها وتشريعاتها وإدارتها على المدينة المقدّسة هي أعمال غير قانونية. خاصة قرارات مجلس الأمن الدولي عام 1971م / 1980 والجمعية العامة للأمم المتحدة 2006 . واللجنة الرُباعية في 19 آذار /مارس 2010. وكذلك التركيز على أن القرار الأميركي يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية الخاصة بمدينة القدس. وتحديداً قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة واليونسكو.
6 ـــ المستوى الإعلامي: توحيد استخدام المُصطلحات الإعلامية ومُصطلحات الأماكن. تمويل حملات إعلامية لشرح المخاطر المُحدقة بمدينة القدس. إنتاج برامج وأفلام تسجيلية تتناول التعريف بالقضية الفلسطينية بشكل عام وبمدينة القدس بشكل خاص.
7 ــ على مستوى الأدوات: تشكيل اللجنة الشعبية العربية لحماية مدينة القدس الفلسطينية. ووضع الأسس لبنائها على أسس سليمة وكصيغة بديلة للجنة القائمة بطابعها الرسمي العاجز والتي لم تقدّم شيئاً للقدس. ويمكن البدء بتشكيل اللجان الشعبية القُطرية لتندمج في نهاية المطاف كلجنة عربية يمكن أن تندمج بدورها مع لجان في بلدان إسلامية وغير إسلامية ، لتتشكّل كصِيَغ اقليمية ودولية.
8 – القيام بالعمل التوثيقي في تأريخ الخرائط المختصة بالقضية الفلسطينية عامة وبمدينة القدس على وجه الخصوص؛ والذي يمثل محورا هاما في إطار "حرب المعلومات" الدائرة حول هذه القضية، ولا سيما المتعلقة بسعي الاحتلال الصهيوني لطمس وتهويد كل ما له صلة بفلسطين وشعبها، سواء أكان ذلك مرتبطا بالمكان أو الإنسان.
فالمشروع الاستعماري الاحتلالي يعمل ومنذ استعماره للأرض الفلسطينية والهيمنة على مقدراتها؛ يعمل على إنكار وطمس فلسطينية وعروبة مدينة القدس معتمدا في ذلك على المكر والدهاء، ومستعينا بأدوات متعددة في الشكل والصورة والطريقة، منها: الأداة التوراتية والوعد فيها، والتاريخية المزورة، وكذلك الأدوات السياسية والاقتصادية المؤدلجة صهيونيا.
وعلينا أن نعترف أنه وفي الوقت الذي كان فيه المشروع الصهيوني يسير قُدما في أدواته المتعددة بهدف تجسيده في الأرض الفلسطينية، كان الدور العربي والاسلامي الرسميين غائبا بالكامل عن تلك الأدوات. للأسف كان بعيداً عن معركة البحث العلمي التنقيبي بهدف تثبيت وتأكيد الرواية الفلسطينية وحق الفلسطيني في أرضه ووطنه. وخاصة الغياب العملي عن مدينة القدس، قلب الجغرافيا في فلسطين، ولم يتم تتبع هذه المدينة الكبيرة من العهد الكنعاني إلى العهد الراهن عبر الخرائط والملاحق المبرهنة على أحقية الشعب الفلسطيني بهذه الأرض....(!!؟).
هذا الاستهتار العربي والاسلامي جعل الوضع المأساوي الذي آلت إليه مدينة القدس نتيجة الهجمة الصهيونية المسعورة والمتسارعة في تغيير معالم القدس العربية استيطانًا في القلب وفي المحيط منها، وتهويدًا وأسرلة، وتفريقا للسكان الفلسطينيين الأصليين حتى كاد الوجه الفلسطيني للمدينة يضيع بعد التشويه؛ مما أعطى لهذا الأحمق ترامب ومن سبقوه من زعامات الارهاب الأميركيين الذين تعاقبوا على قيادة ما يسمى بــ "البيت الأبيض"؛ وهو الأجدر أن يسمى بالبيت الأسود الذي يحرك يد الارهاب والاستعمار والنهب والقتل والتدمير في دول العالم التي تطولها السياسة الأميركية – الصهيونية – الارهابية.
فالمطلوب اليوم أهمية مزيدٍ من تطوير الجهد البحثي والتوثيقي حول أرض فلسطين التاريخية ومدينة القدس الكبرى، لما لذلك من أثر هام في تفنيد الروايات الصهيونية المزعومة، وصولاً إلى إضعافها واندثارها.