صدر عن دار العماد للنشر والتوزيع ومركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية في مصر ديوان "استعارات جسدية" للشاعر الفلسطيني نمر سعدي، ويأتي الديوان بعد مسيرة شعرية حافلة، قدم خلالها سعدي ما يربو على عشرة دواوين عبر مدار زمني يقترب من عقدين ونيف، الغلاف من تصميم الشاعر الإعلامي المصري أشرف عزمي.
ويحتوي الديوان على سبعة أبواب شعرية، بدءاً بقصيدة نثرية طويله بعنوان (ثعلب ينام في حدائق السرياليين) "وثعلب" الشاعر الفلسطيني، بورتريه مصغر لأحوال الشاعر وهو أيضا حفر في دواخل الكتابة الشعرية عنده واقتراب من أسئلته ورؤاه، ليغدو "الثعلب" حالات ومواقف وأيضا حديث عن مرجعيات وتصور للكتابة وللعالم وعبرها يتحول النص الشعري الى بطاقة مصغرة للشاعر نفسه. وانتهاءً بمطولة من شعر التفعيلة بعنوان (استعارات جسدية) وفيها يقدم الشاعر سيرة الحب والجسد ضمن وشائج وصور تجسد استعارات هذا الحضور حيث تمتزج سيرة الجسد بالحب وهي تشكل في تخوم اللغة قدرة القصيدة على إعادة تجسير الهوة بين "أنا" الشاعر وتلك الصور التي طالما أعادت أحد أهم التيمات الأثيرية للشعر، ويواصل الشاعر نشر استعاراته الجسدية الشعرية، والتي يخصصها لسفر إبداعي في عوالم المرأة واستعارات حضورها، سواء في بعدها الميتولوجي أو اللساني أو في تلك الدلالات الثاوية بين ثنايا الكتابة وبعدها الصوفي، هي استعارات تنفتح على صدى الصور وعلى غنى اللغة الشعرية وهي تحاول كتابة بعضا من تفاصيل هذا الحضور ضمن قصائد خصصت موضوعها للاحتفاء بالمرأة، وفي باب (مجازات وردة الحيرة) نفس شعري تفعيلي، تدويري عذب وأنيق، وبحث مضني على ألق العبارة التي تلامس قلق الذات وحيرتها من هذا العدم الذي يحيط بها من كل النواحي، قصائد مجازات، هي أقرب لورود من مشتل حيرة الشاعر وقلقه وأيضا محاولة للاقتراب أكثر من راهن الشعر الفلسطيني اليوم لدى جيل جديد اختار أن يعبر عن أسئلته الخاصة من خلال قصيدة مختلفة هي أقرب لليوميات الشعرية، يوميات وتفاصيل يراها الشاعر بعين شعرية نافذة الى دواخل وتفاصيل الأشياء ومجازاتها، ومعه نقترب من أحد أقرب موضوعات الشعر أثيرية، إذ مع هذا اليومي وتفاصيل تنكشف الذات عبرها وتكتب دواخلها، يظهر صوت الشاعر متحللا كي يشكل بلغة شعرية سير الأمكنة وقلق الذات وانعراجات الأزمنة، وبعض من فوضى الحياة، التي يسعى الشاعر الى أعادة ترتيبها، وفي باب (اشتهاءات قلب فاشل) يعود الشاعر الى الأثر كي يرصد بعض شجنه وولعه وتفاصيله، ليشكل منه لحظته الآنية المثخنة بجراحه ويصبغ عليها الكثير من أحاسيسه وولعه، تفاصيل تعيد لأثر المرأة وحضورها المجازي في حلول شعري مع صوت الذات التي تكتب وتخط اشتهاءاتها ولو من لحظة وجع الانكسار كي تعيد استشراف بعضا من أمل، وفي باب آخر من أبواب الديوان حمل عنوان (العصافير رزق المحب) يكتب الشاعر متحررا من الأغلال والقيود، تاركا للغته الشعرية رحابة المعنى وتوليد الدلالات، كما الطيور المغردة التي تحلق بعيدا في سماء بدون حدود، تنبهنا عصافير الشاعر ورؤاه الى هذا المدى المفتوح على أقاصي رحبة، حيث صوت الشاعر وهو يقدم توصيفا بليغا للشعر وعوالمه، فاتحا لنفسه شرفات لا محدودة معرفا قلقه وشجونه اتجاه عالم متغير.
وسيعرض الديوان فى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2018،أماكن التوزيع بالمعرض "دار العين للنشر-مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية-دار سما للنشر والتوزيع -بورصة الكتب للنشر والتوزيع-دار حرف للنشر والتوزيع-دار النابغة للنشر والتوزيع-دار الجندي للنشر والتوزيع" وأماكن التوزيع خارج المعرض "مكتبات ومضة في أسيوط والوادي الجديد-مكتبات كريم بوك استور في فرعيها في دمنهور-مكتبات مجراية في-ملوي المنيا-مكتبات مكتبتي في طنطا سوهاج"، ومن أجواء الديوان نقتطف هذه القصيدة:
كم مرَّةً ستحبُّ، أو كم مرَّةً ستعانقُ الصُبَّارِ في أرضٍ تحبُّكَ أنتَ لا ظلَّ السحابةِ؟ قلبُكَ المنسيُّ قنديلٌ يضيءُ الدربَ في ليلِ الدموعِ، وأنتَ توقدُ للبرابرةِ الذينَ تناثروا، وتدلُّ كلبهمُ على قمَرٍ، وآخرَهم على أثرِ الربابةِ، أو على مطرِ الصدى، كم مرَّةً ستحبُّ أو كم مرَّةً ستموتُ؟ عاصفةُ القرنفلِ خلفَ ظهركَ والقطارُ الساحليُّ يفوتُ، في وقتِ الظهيرةِ كنتَ في حيفا وكانَ أمامَكَ البحرُ الخريفيُّ المغطَّى بالغيومِ وبالتنهُّدِ، وهو يرمي ثوبَهُ الأبديَّ قربَ الشمسِ، هل أطلقتَ نورسةً من الأضلاعِ، ثمَّ نسيتَ بابَ العمرِ مفتوحاً على الـتأويلِ؟ كم من مرَّةٍ سترى بخاطفِ نظرةٍ صُوَرَ الطفولةِ، وهيَ تنأى في مدى عينيكَ مثلَ البارقِ القمريِّ، أو تلويحةِ الأشجارِ فوقَ الضفَّتينِ وأنتَ ترمقها على عجَلٍ، وتوغلُ في السرابيِّ المواربِ، لم تكنْ أعمى لتذكرَ أو لتنسى، لم تكن أعمى ولكن كنتَ وحدكَ كالغريبِ، وكنتَ وحدكَ كانسحابِ يديكَ من جسَدِ الحبيبِ، وكنتَ وحدكَ... في الخريفِ يصيرُ لونُ البحرِ أجملَ، واستداراتُ النجومِ تصيرُ أجملَ، والمسافةُ بينَ ساعاتِ الظهيرةِ والمساءِ تصيرُ أجملُ، فوقَ هذا الكرملِ السحريِّ كنتَ فقدتَ أُمَّكَ، وانكسرتَ على الفراشةِ، واشتعلتْ بدمعةٍ حجريَّةٍ، كم مرَّةً ستقولُ: هاويتي القصيدةُ والحنينُ إلى السرابِ رعافُ روحي؟