تقرير أفريقي
إفريقيا والهوية الثقافية
انعقدت أيام 12 ـ 13 ـ 14 فبراير 2009 الندوة الدولية آداب وثقافات إفريقيا الخصوصيات المشتركة، وذلك في سياق ما تحققه الثقافة الإفريقية في محيطها الجغرافي والتاريخي والحضاري من علاقات مائزة في خريطة الثقافات الإنسانية باعتبار مساراتها وتشكلات الأشكال التعبيرية عبر مراحل كان الإرث الشفوي باذخا ومهيمنا من خلال ما يحفل به من أساطير وخرافات وأعراف ومعتقدات وحكايات يومية لونت هذه الثقافة بشخصيات محلية استطاعت أن تجد لنفسها مكانا مشرقا في الآداب الإنسانية. وقد أكدت كلمات افتتاح هذه الندوة، بقاعة الندوات ـ كلية الآداب بنمسيك، والتي ألقاها كل من عميد كلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء والسيد مدير معهد الدراسات الإفريقية والسيدة رئيسة الجمعية المغربية للتنسيق بين الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة، على أهمية مطارحة أسئلة الثقافة الإفريقية في أرض المغرب برؤى جديدة يساهم فيها باحثون ومبدعون من تخصصات معرفية متنوعة. علاقات شمال جنوب بإفريقيا: مقاربات عامة ترأست هذه الجلسة فتيحة بناني، الورقة الأولى قدمها جان لو آمسيل (باريس) بعنوان المثاقفة الفرنكوفونية، بيّن فيها أنه لا يوجد اختلاف بين شمال إفريقيا وجنوبها، خاصة بين منطقة المغرب العربي وجنوب الصحراء، إلا أن انعدام الاختلاف لا ينفي وجود قطيعة فيما بينهما في المجالات الأدبية والثقافية والفنية. فيما عالجت سميرة دويدر (كلية الآداب بن امسيك الدار البيضاء) في ورقتها المعنونة بـ: الآداب الإفريقية والمساهمة في حوار شمال جنوب فكرة أن المجتمعات الإفريقية تتقاسم آداب وثقافات تبرز تشابهات كبيرة لكن في الآن ذاته هناك اختلافات، ويتغير ذلك بحسب المواقع الجغرافية والظروف الاقتصادية والسياسة والاجتماعية. وتتحقق التشابهات من خلال عدة ثيمات مثل صورة الأب، صورة المرأة والتصورات الدينية، وتتجلى التمايزات في النبرة المستعملة من أجل التغيير، ففي شمال الصحراء هناك نبرة عنيفة، أما في جنوب الصحراء فالكتاب يلجأون إلى السخرية والفكاهة. وانتهت إلى أن التقريب بين هذه الآداب يتطلب تأسيس حوار بين شمال الصحراء وجنوبها. المداخلة الثالثة كانت للباحث كانيني عالم اليمجورودو (جامعة لومي الطوغو): بعنوان خريطة المتخيل الصحراوي والشمال الإفريقي: من أجل مقاربة شاملة للآداب الفرانكفونية بإفريقيا ،وقد أ وضح في البداية أن الحقل الأدبي الإفريقي يتميز بخصوصيات، سواء في شمال القارة أو في جنوب الصحراء. وأن أي مقاربة داخل الأدب الإفريقي والمغاربي ستكون لها أهميتها الهيرمينوطيقية تسمح بأن تكون مقدمات لتلقي الآداب المغاربية والإفريقية. وأشار إلى بعض الأبحاث التي تمت في هذا المجال منها كتاب ا سميرة دويدر الرواية المغاربية ورواية جنوب الصحراء المكتوبة باللغة الفرنسية وكتاب شارل بون وكسافيي غارنيي الأدب الفرانكوفوني. كما سعى الباحث بعد ذلك إلى إبراز الأسس النظرية لهذه المقاربات مع الدعوة إلى تجاوزها وذلك بخطوة منهجية تحاول تطوير الأفكار والنتائج التي وصلتنا من تلك الأبحاث. وانتهى إلى التأكيد على وجود إشكاليات منها كيف نبرز نقط التقاطع بين المبدعين الفرانكفونيين... وأكد أنها تستدعي تضافر جهود الباحثين لإبرازها. أما المداخلة الأخيرة فقد كانت لمحمد التعمرتي (كلية الآداب الرباط) بعنوان الزنوجة: الذات والآخر: شرعنة الذات. وقد عالج الباحث مفهوم الزنوجة موضوعيا وذاتيا، ثم عرض لعدد من النصوص لسنغور وايمي سيسير ممع نماذج شعرية في الموضوع. الشفاهية والكتابة ترأس هذه الجلسة جامع بيضا، الورقة الأولى قدمها ألان سيساو (روائي من بوركينافاسو) بعنوان: الأدب البوركينابي بين الشفوية والمكتوب. وأكد في البداية أن الآداب البوركينابية تميزت بالطابع الشفاهي، وان المجتمعات الإفريقية ساهمت بصفة عامة والمجتمع البروركينابي بصفة خاصة بتطوير ثقافة شفاهية قائمة على مبادئ فلسفية وثقافية وأخلاقية لهذه الثقافة مع الاستعمار ودخول المدرسة لهذه المجتمعات البوركينابية جعلت الكتابة في خدمة الشفاهية وثقافتها من أجل أن تكون دقيقة. وتبعا لذلك فإن غنى الإنتاج الأدبي البوركينابي أصبح تراثا مهما في خدمة المكتوب. وقد استعملت الثقافة الشفاهية في مجال الإبداع الأدبي التخييلي. وأكد الباحث أنه يمكن تقديم أمثلة تبين أن الآداب الإفريقية عامة والبوركينابية بشكل خاص هي في وضعية ما بين الشفاهي والمكتوب، وسواء أبدع الكتاب بلغاتهم الأصلية أو بلغات أوربية فإن الشفاهية منحت أعمالهم خصوصية وتميزا. الورقة الثانية كانت لعبد الله حموتي (جامعة وجدة) بعنوان الاتجاهات الجديدة للرواية الإفريقية المكتوبة باللغة الفرنسية: الشفاهي والمكتوب، أية علاقة؟ وجاءت ورقته على شكل دراسة مقارنة بين النصوص السردية للكتاب الأفارقة الزنوج خصوصا في مجال الرواية وبين آخر الانتاجات السردية باللغة الفرنسية. وذلك على مستوى التيمات والإجراءات السردية، مع الاهتمام، ليس فقط بالانتقال من الشفاهي إلى المكتوب، وإنما أيضا الاستعمال الجديد للشفاهية من اجل تطوير وتجديد التخييل وإبداع أشكال سردية جديدة وأساليب روائية جديدة. كما شملت المقارنة أيضا أعمال الكاتب الواحد. تلاه بعد ذلك الحسين عماري (بني ملال) بورقة بعنوان الثقافة الشفاهية مصدرا لتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء أكد في بدايتها على المكانة الرفيعة والاهتمام المتزايد اللذين أصبح يحظى بهما النص الشفوي ضمن مصادر تاريخ إفريقيا لما يتيحه للباحث من إمكانات تجعل منه نصا لا يقل مكانة وقيمة عن باقي النصوص الأخرى، غير أن استغلاله يطرح إشكالات منهجية وموضوعية تحتم على الباحث اتخاذ مجموعة من التدابير الكفيلة بمساعدته على تجاوز تلك الإكراهات، وتعزيز مادته المصدرية المروية بالمادي منها والمكتوب، وكذا بنتائج بعض الأعمال والدراسات التاريخية التي تتوفر فيها شروط الكتابة التاريخية المعاصرة. المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها إبراهيم الحجري (الجديدة) بعنوان الحضور الأسطوري في الرواية الإفريقية رواية "الطفل ـ الملك" نموذجا. وقد ركز على حضور الخطاب الديني والأسطوري في الرواية الإفريقية، مما يجعلها نصا ثقافيا بامتياز، وتكون بذلك نموذجا لتواصل الحضارات بثقل تاريخها وامتداد فكرها وهجرة محكياتها. وقد وجد الباحث في رواية الطفل الملك للروائي السنغالي سليمان جيوغو ديوب خير معبر عن هذا النموذج الذي انسجمت فيه الخطابات ومن بينها الخطاب الأسطوري الذي يكون المادة الأساسية التي يمتح الروائي منها سيولته الموضوعية. الآداب والثقافة الإفريقية مقاربات نقدية ترأس هذه الجلسة محمد المصطفي، وكأن أول متدخل هو حفيظ لزرك (أسفي): شعرية التجارة في "بيت في الدنيا وبيت في الحنين" لإبراهيم الكوني. عمل فيها على تبيان كيف تصير التجارة الصحراوية قصيدة وشعرا داخل هذه الرواية. وذلك باعتبارها عبورا في الزمان والمكان يعيشه الشاعر الذي يحن إلى بيت في الدنيا لا مثيل له في الصحراء ولتحقيق ذلك عليه التحايل على الحنين ذاته وأيضا التخلي عن الحياة نفسها. كما بين أن التجارة هي التي تكتب القصيدة وليس الشاعر باعتباره عبورا متواصلا هي من منحته بيت حنينه. كما أكد الباحث أنه استعان بالنصوص الروائية الأخرى للكاتب لإضاءة الرواية وكيف تكتب التجارة القصيدة والشاعر. وحول الزنوجية في رواية "الطفل الأسود" للروائي كمارا لاي تدخلت فتيحة بناني (كلية الآداب بن امسيك الدار البيضاء) منطلقة من تلقي هذه الرواية والأحكام القاسية التي وجهت لها، مبينة أنها سيرة ذاتية يحكي فيها الكاتب السارد والشخصية الرئيسية السنوات الأولى من حياته، كما حاولت استخراج المكونات الجمالية والتيماتيكية للرواية التي تجعلها عملا روائيا في خدمة الزنوجة على عكس ما ذهب إليه من انتقد هذه الرواية. الورقة الثالثة قدمها بوشعيب الساوري (الدار البيضاء) في موضوع: الحكاية الإفريقية وتأسيس الكتابة الروائية في رواية "كثبان النمل" أبرز فيها كيف تحاول الرواية تأسيس روائيتها على حوار تفاعلي مع الحكاية الشعبية المحلية، وذلك انطلاقا من خلفية نظرية تستضمرها، وهي أن الكتابة الروائية الإفريقية لكي تتميز عن نظيرتها الغربية عليها الانطلاق من الحكاية التي تُعد ديوان الإنسان الإفريقي، وبالتالي أي محاولة لكتابة الرواية تقتضي النهل من معين الحكاية، وذلك في إطار توجه إبداعي هو أدب ما بعد الكولونيالية. كما بين كيف تؤسس الحكاية روائية كثبان النمل في السافانا من خلال عدة سمات وهي: التعميم والتنكير، البعد التعليمي والقيمي والفكري، بُعدها الساخر، والانتقال من الواقعي إلى الفوق طبيعي. وكان آخر متدخل هو أحمد سعود (كلية الآداب عين الشق ـ الدار البيضاء) بورقة عنونها بـ سلطة الأمثال الشعبية الإفريقية قدم فيها دراسة مقارنة بين الأمثال المغربية ونظيرتها الأفريقية متوقفا عند القواسم المشتركة، ومبرزا في البداية المقاربات النظرية لمعالجة الأمثال الشعبية وإشكالاتها الإبستمولوجية وأهمها صعوبة إيجاد تعريف للمثل، ومؤكدا على ضرورة إدراج البعد التداولي لمعالجة الأمثال. جماليات افريقية ترأست هذه الجلسة ،بمدينة الرباط بمعهد الدراسات الإفريقية، سناء غواتي، والتي افتتحها يوسف وهبون (القنيطرة) بورقة في موضوع: ثقب أسود، جمالية الخراب في تشكيل بنبين وتنصيبات حجوب.وقد انطلق الباحث في البداية من صورة استعارية وهي أنه في البلدان الشمالية والجنوبية للقارة أصبحت حياة الشباب الإفريقي بمثابة مستشفى كبير تتملك كل مريض فيه الرغبة في تغيير السرير. ثم أكد أن الهجرة السرية التي تنتهي في الغالب بالموت نحو أوربا سمحت بتوليد كثير من الأعمال الأدبية وسمحت أيضا بإنتاج أشكال إبداعية جديدة. ومن بين الفنانين الذين كرسوا اهتمامهم لهذه المأساة القارية ماحي بنبين الذي ركب لوحات تجسد خطوات هذه الهجرة، واحمد حجوب الذي وظف إجراءات لعبية لمعالجة موضوع كبير بتوجيه تنصيبات صار فيها القارب يرمز إلى الهزيمة والفشل. تلاه عبد القهَّار الحَجّاري (الناظور) بمداخلة تحت عنوان المقام الخماسي في الموسيقى الإفريقية وهي دراسة تمس أحد السلالم الموسيقية التي تعتبر عند علماء الموسيقى مرحلة متقدمة في بناء السلم الموسيقي المكتمل المتكون من سبعة أصوات نغمية وجواب القرار، وهو ذو فرادة نغمية تطبع موسيقى كثير من الشعوب في آسيا وإفريقيا وكذلك في جنوب المغرب. حاول الباحث في ورقته تقديم لمحة تاريخية عن هذا السلم بغية التوقف عند ملامح أصوله. وذلك من خلال الاشتغال على نماذج من جنوب المغرب وكذلك في بعض البلدان جنوب الصحراء. كل ذلك بهدف إبراز ثراء الموسيقى الإفريقية المرتكزة على هذا السلم وكيف استطاعت أن تحظى بإشعاع عالمي. وبعد ذلك قدم رشيد بنلباح (جامعة القنيطرة) مداخلة بعنوان معجم صغير لإفريقيا، أكد فيها أنه يحاول من خلاله جعل إفريقيا تقول ذاتها، من خلال نظرة الإنسان، رؤية العالم، كلام، حركة جسدية، صوت، علاقات بين الأشياء، كلها تقول إفريقيا بطريقتها الخاصة. وتلتها مداخلة فاطمة بوزنيخ (جامعة محمد الخامس الرباط) التي أكدت أنها ستتبع مقاربة مقارنة تدرس من خلالها وضع وقضية المرأة عبر الأعمال التخييلية الرجالية والنسائية للكتاب الأفارقة، في شمال وفي جنوب القارة. وأن الغاية الأساسية المنشودة هي تمحيص توزيع نوع الأدوار المنوطة بالشخصيات النسائية. وأيضا تقييم معالجة الكتاب لهذه القضية عبر استحضار نقط التشابه والاختلاف بين كتاب شمال القارة وجنوبها. وكانت الورقة الأخيرة لبنعودة لبداي (جامعة اونج فرنسا) في موضوع: مسألة اللغات: البوليفونية في الآداب الإفريقية. أبرز الباحث أن مداخلته تندرج في موضوع اللغات ورهاناته في الآداب الإفريقية، ينطلق فيها من سؤال الإرث اللغوي الكولونيالي في إفريقيا وتبعاته وتأثيراته في التجليات الأدبية اليوم. مركزا في مداخلته على كتاب أفارقة من شمالها ومن جنوبها ممن كتبوا باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتوقف في البداية عند دوافع اختيار اللغة لدى هؤلاء الكتاب، وبعدها آثار ذلك الاختيار على جمالية الأدب نفسه. وذلك من خلال عدة أعمال ل نكوكي واتينكو، اوكوت بتيك، شينوا أشيبي، رشيد بوجدرة، كاتب ياسين. وذلك انطلاقا من خلفية منهجية تستند إلى النقد ما بعد الكولونيالي وأدوات نقدية من الأدب المقارن. واختتمت هذه الندوة التي نظمها مختبر السرديات وشعبة اللغة الفرنسية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيمك/ جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء بتنسيق وتعاون مع الجمعية المغربية للتنسيق بين الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة ومعهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس ـ السويسي الرباط .أشغالها بالمعهد الفرنسي ـ الرباط، قاعة فليب جيرار، بمائدة مستديرة حول ثقافات وآداب افريقيا: أي مستقبل؟ أدار أشغالها عبد الله علوي المدغري بمشاركة عدد من الباحثين والمختصين. بعد ذلك كان الختم مع الحكي بتأطير حليمة حمدان.
انعقدت أيام 12 ـ 13 ـ 14 فبراير 2009 الندوة الدولية آداب وثقافات إفريقيا الخصوصيات المشتركة، وذلك في سياق ما تحققه الثقافة الإفريقية في محيطها الجغرافي والتاريخي والحضاري من علاقات مائزة في خريطة الثقافات الإنسانية باعتبار مساراتها وتشكلات الأشكال التعبيرية عبر مراحل كان الإرث الشفوي باذخا ومهيمنا من خلال ما يحفل به من أساطير وخرافات وأعراف ومعتقدات وحكايات يومية لونت هذه الثقافة بشخصيات محلية استطاعت أن تجد لنفسها مكانا مشرقا في الآداب الإنسانية. وقد أكدت كلمات افتتاح هذه الندوة، بقاعة الندوات ـ كلية الآداب بنمسيك، والتي ألقاها كل من عميد كلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء والسيد مدير معهد الدراسات الإفريقية والسيدة رئيسة الجمعية المغربية للتنسيق بين الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة، على أهمية مطارحة أسئلة الثقافة الإفريقية في أرض المغرب برؤى جديدة يساهم فيها باحثون ومبدعون من تخصصات معرفية متنوعة.
علاقات شمال جنوب بإفريقيا: مقاربات عامة ترأست هذه الجلسة فتيحة بناني، الورقة الأولى قدمها جان لو آمسيل (باريس) بعنوان المثاقفة الفرنكوفونية، بيّن فيها أنه لا يوجد اختلاف بين شمال إفريقيا وجنوبها، خاصة بين منطقة المغرب العربي وجنوب الصحراء، إلا أن انعدام الاختلاف لا ينفي وجود قطيعة فيما بينهما في المجالات الأدبية والثقافية والفنية. فيما عالجت سميرة دويدر (كلية الآداب بن امسيك الدار البيضاء) في ورقتها المعنونة بـ: الآداب الإفريقية والمساهمة في حوار شمال جنوب فكرة أن المجتمعات الإفريقية تتقاسم آداب وثقافات تبرز تشابهات كبيرة لكن في الآن ذاته هناك اختلافات، ويتغير ذلك بحسب المواقع الجغرافية والظروف الاقتصادية والسياسة والاجتماعية. وتتحقق التشابهات من خلال عدة ثيمات مثل صورة الأب، صورة المرأة والتصورات الدينية، وتتجلى التمايزات في النبرة المستعملة من أجل التغيير، ففي شمال الصحراء هناك نبرة عنيفة، أما في جنوب الصحراء فالكتاب يلجأون إلى السخرية والفكاهة. وانتهت إلى أن التقريب بين هذه الآداب يتطلب تأسيس حوار بين شمال الصحراء وجنوبها.
المداخلة الثالثة كانت للباحث كانيني عالم اليمجورودو (جامعة لومي الطوغو): بعنوان خريطة المتخيل الصحراوي والشمال الإفريقي: من أجل مقاربة شاملة للآداب الفرانكفونية بإفريقيا ،وقد أ وضح في البداية أن الحقل الأدبي الإفريقي يتميز بخصوصيات، سواء في شمال القارة أو في جنوب الصحراء. وأن أي مقاربة داخل الأدب الإفريقي والمغاربي ستكون لها أهميتها الهيرمينوطيقية تسمح بأن تكون مقدمات لتلقي الآداب المغاربية والإفريقية. وأشار إلى بعض الأبحاث التي تمت في هذا المجال منها كتاب ا سميرة دويدر الرواية المغاربية ورواية جنوب الصحراء المكتوبة باللغة الفرنسية وكتاب شارل بون وكسافيي غارنيي الأدب الفرانكوفوني. كما سعى الباحث بعد ذلك إلى إبراز الأسس النظرية لهذه المقاربات مع الدعوة إلى تجاوزها وذلك بخطوة منهجية تحاول تطوير الأفكار والنتائج التي وصلتنا من تلك الأبحاث. وانتهى إلى التأكيد على وجود إشكاليات منها كيف نبرز نقط التقاطع بين المبدعين الفرانكفونيين... وأكد أنها تستدعي تضافر جهود الباحثين لإبرازها.
أما المداخلة الأخيرة فقد كانت لمحمد التعمرتي (كلية الآداب الرباط) بعنوان الزنوجة: الذات والآخر: شرعنة الذات. وقد عالج الباحث مفهوم الزنوجة موضوعيا وذاتيا، ثم عرض لعدد من النصوص لسنغور وايمي سيسير ممع نماذج شعرية في الموضوع.
الشفاهية والكتابة ترأس هذه الجلسة جامع بيضا، الورقة الأولى قدمها ألان سيساو (روائي من بوركينافاسو) بعنوان: الأدب البوركينابي بين الشفوية والمكتوب. وأكد في البداية أن الآداب البوركينابية تميزت بالطابع الشفاهي، وان المجتمعات الإفريقية ساهمت بصفة عامة والمجتمع البروركينابي بصفة خاصة بتطوير ثقافة شفاهية قائمة على مبادئ فلسفية وثقافية وأخلاقية لهذه الثقافة مع الاستعمار ودخول المدرسة لهذه المجتمعات البوركينابية جعلت الكتابة في خدمة الشفاهية وثقافتها من أجل أن تكون دقيقة. وتبعا لذلك فإن غنى الإنتاج الأدبي البوركينابي أصبح تراثا مهما في خدمة المكتوب. وقد استعملت الثقافة الشفاهية في مجال الإبداع الأدبي التخييلي. وأكد الباحث أنه يمكن تقديم أمثلة تبين أن الآداب الإفريقية عامة والبوركينابية بشكل خاص هي في وضعية ما بين الشفاهي والمكتوب، وسواء أبدع الكتاب بلغاتهم الأصلية أو بلغات أوربية فإن الشفاهية منحت أعمالهم خصوصية وتميزا.
الورقة الثانية كانت لعبد الله حموتي (جامعة وجدة) بعنوان الاتجاهات الجديدة للرواية الإفريقية المكتوبة باللغة الفرنسية: الشفاهي والمكتوب، أية علاقة؟ وجاءت ورقته على شكل دراسة مقارنة بين النصوص السردية للكتاب الأفارقة الزنوج خصوصا في مجال الرواية وبين آخر الانتاجات السردية باللغة الفرنسية. وذلك على مستوى التيمات والإجراءات السردية، مع الاهتمام، ليس فقط بالانتقال من الشفاهي إلى المكتوب، وإنما أيضا الاستعمال الجديد للشفاهية من اجل تطوير وتجديد التخييل وإبداع أشكال سردية جديدة وأساليب روائية جديدة. كما شملت المقارنة أيضا أعمال الكاتب الواحد.
تلاه بعد ذلك الحسين عماري (بني ملال) بورقة بعنوان الثقافة الشفاهية مصدرا لتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء أكد في بدايتها على المكانة الرفيعة والاهتمام المتزايد اللذين أصبح يحظى بهما النص الشفوي ضمن مصادر تاريخ إفريقيا لما يتيحه للباحث من إمكانات تجعل منه نصا لا يقل مكانة وقيمة عن باقي النصوص الأخرى، غير أن استغلاله يطرح إشكالات منهجية وموضوعية تحتم على الباحث اتخاذ مجموعة من التدابير الكفيلة بمساعدته على تجاوز تلك الإكراهات، وتعزيز مادته المصدرية المروية بالمادي منها والمكتوب، وكذا بنتائج بعض الأعمال والدراسات التاريخية التي تتوفر فيها شروط الكتابة التاريخية المعاصرة.
المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها إبراهيم الحجري (الجديدة) بعنوان الحضور الأسطوري في الرواية الإفريقية رواية "الطفل ـ الملك" نموذجا. وقد ركز على حضور الخطاب الديني والأسطوري في الرواية الإفريقية، مما يجعلها نصا ثقافيا بامتياز، وتكون بذلك نموذجا لتواصل الحضارات بثقل تاريخها وامتداد فكرها وهجرة محكياتها. وقد وجد الباحث في رواية الطفل الملك للروائي السنغالي سليمان جيوغو ديوب خير معبر عن هذا النموذج الذي انسجمت فيه الخطابات ومن بينها الخطاب الأسطوري الذي يكون المادة الأساسية التي يمتح الروائي منها سيولته الموضوعية.
الآداب والثقافة الإفريقية مقاربات نقدية ترأس هذه الجلسة محمد المصطفي، وكأن أول متدخل هو حفيظ لزرك (أسفي): شعرية التجارة في "بيت في الدنيا وبيت في الحنين" لإبراهيم الكوني. عمل فيها على تبيان كيف تصير التجارة الصحراوية قصيدة وشعرا داخل هذه الرواية. وذلك باعتبارها عبورا في الزمان والمكان يعيشه الشاعر الذي يحن إلى بيت في الدنيا لا مثيل له في الصحراء ولتحقيق ذلك عليه التحايل على الحنين ذاته وأيضا التخلي عن الحياة نفسها. كما بين أن التجارة هي التي تكتب القصيدة وليس الشاعر باعتباره عبورا متواصلا هي من منحته بيت حنينه. كما أكد الباحث أنه استعان بالنصوص الروائية الأخرى للكاتب لإضاءة الرواية وكيف تكتب التجارة القصيدة والشاعر.
وحول الزنوجية في رواية "الطفل الأسود" للروائي كمارا لاي تدخلت فتيحة بناني (كلية الآداب بن امسيك الدار البيضاء) منطلقة من تلقي هذه الرواية والأحكام القاسية التي وجهت لها، مبينة أنها سيرة ذاتية يحكي فيها الكاتب السارد والشخصية الرئيسية السنوات الأولى من حياته، كما حاولت استخراج المكونات الجمالية والتيماتيكية للرواية التي تجعلها عملا روائيا في خدمة الزنوجة على عكس ما ذهب إليه من انتقد هذه الرواية.
الورقة الثالثة قدمها بوشعيب الساوري (الدار البيضاء) في موضوع: الحكاية الإفريقية وتأسيس الكتابة الروائية في رواية "كثبان النمل" أبرز فيها كيف تحاول الرواية تأسيس روائيتها على حوار تفاعلي مع الحكاية الشعبية المحلية، وذلك انطلاقا من خلفية نظرية تستضمرها، وهي أن الكتابة الروائية الإفريقية لكي تتميز عن نظيرتها الغربية عليها الانطلاق من الحكاية التي تُعد ديوان الإنسان الإفريقي، وبالتالي أي محاولة لكتابة الرواية تقتضي النهل من معين الحكاية، وذلك في إطار توجه إبداعي هو أدب ما بعد الكولونيالية. كما بين كيف تؤسس الحكاية روائية كثبان النمل في السافانا من خلال عدة سمات وهي: التعميم والتنكير، البعد التعليمي والقيمي والفكري، بُعدها الساخر، والانتقال من الواقعي إلى الفوق طبيعي.
وكان آخر متدخل هو أحمد سعود (كلية الآداب عين الشق ـ الدار البيضاء) بورقة عنونها بـ سلطة الأمثال الشعبية الإفريقية قدم فيها دراسة مقارنة بين الأمثال المغربية ونظيرتها الأفريقية متوقفا عند القواسم المشتركة، ومبرزا في البداية المقاربات النظرية لمعالجة الأمثال الشعبية وإشكالاتها الإبستمولوجية وأهمها صعوبة إيجاد تعريف للمثل، ومؤكدا على ضرورة إدراج البعد التداولي لمعالجة الأمثال.
جماليات افريقية ترأست هذه الجلسة ،بمدينة الرباط بمعهد الدراسات الإفريقية، سناء غواتي، والتي افتتحها يوسف وهبون (القنيطرة) بورقة في موضوع: ثقب أسود، جمالية الخراب في تشكيل بنبين وتنصيبات حجوب.وقد انطلق الباحث في البداية من صورة استعارية وهي أنه في البلدان الشمالية والجنوبية للقارة أصبحت حياة الشباب الإفريقي بمثابة مستشفى كبير تتملك كل مريض فيه الرغبة في تغيير السرير. ثم أكد أن الهجرة السرية التي تنتهي في الغالب بالموت نحو أوربا سمحت بتوليد كثير من الأعمال الأدبية وسمحت أيضا بإنتاج أشكال إبداعية جديدة. ومن بين الفنانين الذين كرسوا اهتمامهم لهذه المأساة القارية ماحي بنبين الذي ركب لوحات تجسد خطوات هذه الهجرة، واحمد حجوب الذي وظف إجراءات لعبية لمعالجة موضوع كبير بتوجيه تنصيبات صار فيها القارب يرمز إلى الهزيمة والفشل.
تلاه عبد القهَّار الحَجّاري (الناظور) بمداخلة تحت عنوان المقام الخماسي في الموسيقى الإفريقية وهي دراسة تمس أحد السلالم الموسيقية التي تعتبر عند علماء الموسيقى مرحلة متقدمة في بناء السلم الموسيقي المكتمل المتكون من سبعة أصوات نغمية وجواب القرار، وهو ذو فرادة نغمية تطبع موسيقى كثير من الشعوب في آسيا وإفريقيا وكذلك في جنوب المغرب. حاول الباحث في ورقته تقديم لمحة تاريخية عن هذا السلم بغية التوقف عند ملامح أصوله. وذلك من خلال الاشتغال على نماذج من جنوب المغرب وكذلك في بعض البلدان جنوب الصحراء. كل ذلك بهدف إبراز ثراء الموسيقى الإفريقية المرتكزة على هذا السلم وكيف استطاعت أن تحظى بإشعاع عالمي.
وبعد ذلك قدم رشيد بنلباح (جامعة القنيطرة) مداخلة بعنوان معجم صغير لإفريقيا، أكد فيها أنه يحاول من خلاله جعل إفريقيا تقول ذاتها، من خلال نظرة الإنسان، رؤية العالم، كلام، حركة جسدية، صوت، علاقات بين الأشياء، كلها تقول إفريقيا بطريقتها الخاصة.
وتلتها مداخلة فاطمة بوزنيخ (جامعة محمد الخامس الرباط) التي أكدت أنها ستتبع مقاربة مقارنة تدرس من خلالها وضع وقضية المرأة عبر الأعمال التخييلية الرجالية والنسائية للكتاب الأفارقة، في شمال وفي جنوب القارة. وأن الغاية الأساسية المنشودة هي تمحيص توزيع نوع الأدوار المنوطة بالشخصيات النسائية. وأيضا تقييم معالجة الكتاب لهذه القضية عبر استحضار نقط التشابه والاختلاف بين كتاب شمال القارة وجنوبها.
وكانت الورقة الأخيرة لبنعودة لبداي (جامعة اونج فرنسا) في موضوع: مسألة اللغات: البوليفونية في الآداب الإفريقية. أبرز الباحث أن مداخلته تندرج في موضوع اللغات ورهاناته في الآداب الإفريقية، ينطلق فيها من سؤال الإرث اللغوي الكولونيالي في إفريقيا وتبعاته وتأثيراته في التجليات الأدبية اليوم. مركزا في مداخلته على كتاب أفارقة من شمالها ومن جنوبها ممن كتبوا باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتوقف في البداية عند دوافع اختيار اللغة لدى هؤلاء الكتاب، وبعدها آثار ذلك الاختيار على جمالية الأدب نفسه. وذلك من خلال عدة أعمال ل نكوكي واتينكو، اوكوت بتيك، شينوا أشيبي، رشيد بوجدرة، كاتب ياسين. وذلك انطلاقا من خلفية منهجية تستند إلى النقد ما بعد الكولونيالي وأدوات نقدية من الأدب المقارن.
واختتمت هذه الندوة التي نظمها مختبر السرديات وشعبة اللغة الفرنسية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيمك/ جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء بتنسيق وتعاون مع الجمعية المغربية للتنسيق بين الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة ومعهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس ـ السويسي الرباط .أشغالها بالمعهد الفرنسي ـ الرباط، قاعة فليب جيرار، بمائدة مستديرة حول ثقافات وآداب افريقيا: أي مستقبل؟ أدار أشغالها عبد الله علوي المدغري بمشاركة عدد من الباحثين والمختصين. بعد ذلك كان الختم مع الحكي بتأطير حليمة حمدان.