تَطرحُ العلاقة المُفترَضة بين الشعر والتربيّة احتمالاتٍ تأويليّة عديدة، وتنطوي، في الآن ذاته، على أفق مفتوح انفتاحَ مفهوم التربية ذاته. إنّه أفقٌ مُشرَعٌ لا على تقديم مُقترَحات بشأن تَخصيب هذه العلاقة وحسب، بل على تأمين تحقّقها المُجتمعيّ، بصِيَغ مُبتكَرَة، في مُختلف الفضاءات المُنشغلة بسُؤال الإبداع وبسُبُل امتداداته التثقيفيّة والتربويّة. امتداداتٌ تَنْبَني على وَعْي مَكين بالإمكانات التي يُتيحُها الشعرُ في بناءِ شخصيّة الفرد، وتحصينِه ثقافيّاً، وتأهيلِه لاستيعاب حَيَويّة الخيال في تصوّر الحياة.
إنّ تعدّدَ الجهات المسؤولة عن سُؤال التربيّة في المُجتمع يَجعلُ مهمّة التفكير في علاقة الشعر بالتربيّة ذات وُجوه عديدة. تشتركُ هذه الجهاتُ جميعُها في البَحث عن الصيَغ المُمكنة لإدماج الشعر في الحياة اليوميّة للفرد، غير أنّها تختلفُ في ابتكار هذه الصيَغ، وفي أجْرَأتها، وفي رَسْمِ مَساراتها. ذلك أنّ أجرأة إدماج الشعر في الحياة مُهمّة فكريّة شديدة التعقيد، لِمَا تتطلّبُه من ابتكار، ومن تأمينِ التأثير الفعّال والبعيدِ المدى. كما أنّ تدريس الشعر، بوَصفه شكلاً من أشكال هذا الإدماج بالنسبة إلى المؤسسة التعليميّة، أمرٌ إشكاليّ لا يَقبلُ خطابَ التعميم ولا يستقيمُ لاستسهاله.
في هذا السياق، تُعدُّ المدرسة من الفضاءات المُنشغلة بسُؤال العلاقة بين الشعر والتربيّة. وهو انشغالٌ قائمٌ على أطوار عديدة، لأنّهُ يَطولُ كلَّ سنوات التحصيل. كما أنّه مُسيَّجٌ بخلفيّة معرفيّة وتربويّة وديدكتيكيّة، إذ يَطرحُ علاقة المدرسة بالمعرفة الشعريّة، وبمُتطلّبات تدريس هذه المعرفة. وإلى جانب ذلك، يسمحُ هذا الانشغال بطَرْح أسئلةً ترتبطُ بحَيويّة الشعر في ثقافة المتعلّم، وبما يُمكنُ أن يَضطلع به الشعر في المُجتمع، وترتبطُ أيضاً بكلِّ القضايا المُترتّبة على تجسير المَسافة بين الشعر والتربية.
إن التصوّر، الذي منه ينطلقُ بيت الشعر في المغرب في بلورة تأمّل معرفيّ بشأن علاقة الشعر بالتربية، لا ينحصرُ في علاقة الشعر بالمدرسة، بل يتجاوزُ ذلك إلى كلّ الامتدادات الممكنة للشعر في حياة الإنسان، وفي الفضاءات العمومية، وفي مقتضيات العيش المشترَك. لذلك حرَص بيت الشعر في المغرب على إشراك شُعراء مغاربة في تأمّل هذه العلاقة. إشراكٌ يَتغيّا الإنصاتَ لمقترحات الشاعر بشأن الامتداد المحتمَل لقصائده لدى الناشئة ولدى مختلف شرائح المجتمع.
ومن ثم، فإنّ اختيارَ بيت الشعر في المغرب لندوة "الشعر والتربيّة" يرومُ بلورة أسئلة معرفيّة بشأن هذه العلاقة، وبشأن وُجُوهها في كلّ المؤسّسات الثقافيّة والتربويّة المعنيّة بها، بصورة عامّة، وفي المؤسَّسة التعليميّة بصورة خاصّة.
يُمكنُ الإلماح إلى بعض الأسئلة المؤطِّرَة للندوة على النحو التالي: ما هو الدور التربويّ الذي يُمكنُ أن يَضطلع به الشعر؟ كيف يُمكنُ تفعيل هذا الدور وتأمين امتداداته؟ ما هي المُقاوَمة التي يُتيحها الشعرُ في زمن انهيار القيَم؟ كيف يتسنّى ترسيخُ التربيّة على الخيال؟ ما هي الإشكالات النظريّة والديدكتيكيّة التي يُثيرُها العُبور من قراءة الشعر إلى إقرائه؟ هل تُجسِّدُ الكُتُب المدرسيّة، انطلاقاً من الخلفيّة النظريّة المُؤطّرة لها، انفتاحاً معرفيّاً على راهن الشعريّات العالميّة؟ ما حُدود الوعي بحَيويّة هذا الانفتاح في قراءة الشعر وإقرائه؟ أيُتيحُ الشعرُ تدريسَه بوَصفه مُنطوياً على قَيَم إنسانية أم بوَصفه قيمةً في ذاته؟ ما هي القضايا التي يَطرحُها تدريسُ الشعر في مُختلف الأسلاك التعليميّة؟ ما هي مُواصفات المُدرِّس الذي يُمكنُ أن يَضطلع بتدريس الشعر؟ كيف نُقرئُ الشعر؟ ما وَضعيّة الشعريّ في تدريس الشعر؟ كيف يتصوّر الشاعر المغربيّ قراءة الأطفال و الشباب لنُصوصه؟ ما مقترحاته بشأن إقراء نُصوصه؟
في ضَوء هذه الأسئلة وغيرها، تقومُ ندوة "الشعر والتربية" على أربعة محاور.
- المحور الأول: شعراء مغاربة يتحدثون عن تجربتهم في تدريس الشعر (شهادات). بمشاركة: ثريا إقبال، أحمد بلحاج أيت وارهام، محمد بوجبيري، ياسين عدنان، صلاح لبريني.
إدارة الجلسة: عبد السلام الموساوي.
- المحور الثاني: وظيفة الشعر التربويّة؛ بمشاركة: محمد بودويك، أحمد العمراوي، حسن مخافي، عبد العزيز لحويدق، محمد أيت حنا.
إدارة الجلسة: خالد الريسوني.
- المحور الثالث: من قراءة الشعر إلى إقرائه: قضايا النقل الديدكتيكي؛ بمشاركة: علي أيت أوشان، حسن المودن، محمد أيت لعميم، إبراهيم أولحيان، أحمد حميد.
إدارة الجلسة: خالد بلقاسم.
- المحور الرابع: تدريس الشعر والتفكير في منهجيات جديدة؛ بمشاركة: بنعيسى بوحمالة، رشيد المومني، نبيل منصر، يوسف ناوري، رشيد أوحتي.
إدارة الجلسة: كمال التومي.
تشهد الدورة الأكاديمية في اختتامها أمسية شعرية وفنية كبرى، يُحييها الشعراء: ثريا إقبال، أحمد بلحاج أيت وارهام؛ عبد السلام الموساوي، ياسين عدنان؛ صلاح لبريني.
إدارة الأمسية: محمد بودويك.