رشاد يؤكّد: لا غلبة للكتاب الإلكترونيّ على الورقيّ فكلاهما يكمل الآخر، وفكرة المنافسة هي مجرّد ذريعة!
بحضورٍ ثقافيّ غنيّ ومبهر، لا تزال هيئة البحرين للثّقافة والآثار تواصلُ برنامجها وفعاليّاتها ضمن معرض البحرين الدّوليّ للكتاب، الذي ينطلق هذا العام بنسخته الثّامنة عشر برعايةٍ كريمةٍ وساميةٍ من حضرة صاحب السّموّ الملكيّ الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقّر. وفي لقاءٍ مع الأستاذ محمّد رشاد، رئيس اتّحاد النّاشرين العرب، ورئيس مجلسيّ إدارة الدّار المصريّة اللّبنانيّة ومكتبة الدّار العربيّة بجمهوريّة مصر العربيّة، أكّد سعادته واعتزازه بهذا المعرض الذي يُقام كلّ عامين، مبيّنًا أن الإقبال الشّبابيّ على المعرض أمرٌ لافتٌ للغايةِ.
وفي سؤاله عن المنافسة ما بين الكتاب الورقيّ والكتاب الإلكترونيّ في الوطن العربيّ، أشار الأستاذ محمّد رشاد في حديثه أنّ ذلك لا يمثّل قضيّة حقيقيّة، قائلاً: (أنّنا في العالم العربيّ نثير قضايا من لا شيء، ونتصوّر أنّها قضايا العالم كلّه، مثل فكرة صدام الحضارات أو صراعها، إذ تناولها عددٌ محدودٌ جدًّا من كُتّاب العالم، لكنّ مجموعات أوسع من كُتّاب وصحفيّي العالم العربيّ تناولوا هذا الموضوع)، مردفًا: (الأمر نفسه ينطبق على فكرتيّ النّشر الإلكترونيّ والنّشر الورقيّ، وما يُثار من أسئلة: أيّهما سيقضي على الآخر وأيّهما سيستمرّ؟ الحقيقة ببساطة والأساسيّة التي يجب الالتفات إليها هي نشر المحتوى بأيّة وسيلة كانت. فالنّشر ليس فكرة حديثة). حول ذلك أوضح أنّ النّشر قد بدأ منذ عصورٍ قديمةٍ مع فعل التّدوين والرّسم على جدران المعابد، وتطوّر باستخدام الجلود لذات الغاية، تلاها استخدام قدامى المصريّين لأوراق البردي واستخدام الآشوريّين لألواح الطّين في العراق، وذلك قبل أن تتبلور آليّات النّشر لاحقًا مع اختراع غوتنبرغ لآلة الطّباعة التي تطوّرت معها وسيلة الكتابة، تبعها استحداث طرائق متنوّعة للتّعبير كما في المايكروفيلم وغيرها، وصولاً إلى النّشر الإلكترونيّ من خلال شبكة الإنترنت والوسائط المتعدّدة. وعن تفسير إثارة هذه المنافسة كقضيّة جدليّة، أكّد الأستاذ رشاد: (ما يُثار من قضايا حول ذلك في الوطن العربيّ هو محاولة لإيجاد مبرّر للعزوف عن القراءة وعدم اهتمام العوائل والمدارس ووسائل الإعلام بتنمية عادات القراءة لدى المواطن العربيّ. ذريعتنا اليوم صرنا ننسبها لتراجع الكتاب الورقيّ مقابل سيادة وهيمنة الكتاب الإلكترونيّ الذي يتّخذ شكله وسائط عديدة).
خلال حديثه، أشار رئيس اتّحاد النّاشرين العرب إلى أنّ هذا الجدل قائمٌ في أوطاننا فحسب، حيث كشفت الإحصائيّات الصّادرة مؤخّرًا عن اتّحاد النّاشرين الدّوليّ عن تراجع نسبة الإقبال على الإلكترونيّ في أميركا وأوروبا خلال السّنتين الأخيريّتين، إذ تراجعت النّسبة في أميركا من 36% إلى 22%، فيما تراجع في انجلترا من 24% إلى 16%. وأوضح: (ما يميّز القراءة في الغرب أنّها عادة أصيلة، ويتمّ الاهتمام بتنميتها منذ الصّغر لدى الأفراد، لذا فمثل هذا الأسلوب يجب أن يكون مسؤوليّة الأسرة العربيّة). واقترحَ لمواجهة ذلك العزوف من الأسرة العربيّة عن القراءة إيجاد مشروعات قوميّة في كلّ وطن عربيّ، قائلاً: لا بدّ أن تعي الحكومات العربيّة أنّ أساس أيّة تنمية اقتصاديّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة هي في الأصل تنمية ثقافيّة، لذا لا بدّ أن تنفق الحكومات على الثّقافة والتّعليم بشكلٍ كبير إذا ما كنّا نريد أن نتقدّم إلى الأمام)، مؤكّدًا: (الإنفاق لأجلِ الثّقافة مهمّ جدًّا والعائد كبيرٌ جدًّا الوطن والمواطن). وقد أشارَ في اللّقاء إلى ضرورة وجود دعوة من خلال تلك المشروعات القوميّة للقراءة، والاهتمام بتنميتها كعادة منذ الصّغر، مبيّنًا أنّ ذلك الاهتمام يجب أن يشمل الأسرة والمدارس أيضًا، خصوصًا أنّ أوّل مكتبة يصادفها الطّفل هي حياته هي المكتبة المدرسيّة. ودعا في حديثه إلى ضرورة التفاف جميع الجهات المعنيّة لتعميق الصّلة بعوالم القراءة والكتب، بما في ذلك وزارات الثّقافة ووزارات الإعلام ووزارات الشّباب، مضيفًا: (لا بدّ أن تتوسّع الحكومات العربيّة في إنشاء المكتبات العامّة المجّانيّة، بحيث يتمكّن المواطنون من ذوي المحدود من الإقبال على القراءة، ولا يجدون ذرائع بعدم تمكّنهم من اقتناء الكتب).
وحول جدليّة المنافسة ما بين الكتابين الورقيّ والإلكترونيّ اعترفَ رشاد أنّه لا غلبة لكتابٍ على آخر، حيث علينا اليوم أن نوجدَ حالةً من التّوازن، خصوصًا وأنّ للنّشر الإلكترونيّ موضوعاته الخاصّة كما في القواميس مثلاً والموادّ العلميّة والتّطبيقيّة التي تتضمّن جانبًا تفاعليًّا، فيما يمكن الاستناد على الكتاب الورقيّ لنشر الأدب والفكر. وعلّق: (ببساطة كلٌّ له مجاله، ولا يمكن الاستغناء عنهما، وقد صمد الكتاب الورقيّ منذ العام 1440م وسوف يستمرّ في ذلك. إذًا الاثنان لا يلغيان بعضهما، بل على العكس، كلاهما يكمل الآخر).
أمّا عن وضع القراءة عمومًا، فقد أعربَ الأستاذ محمّد رشاد عن أسفه لما يحدث في منطقة الخليج العربيّ، إذ يُمنَح الحقّ لأصحاب بعض المدوّنات الإلكترونيّة والمشاهير للتّواجد ككُتّاب ومبدعين، الأمر الذي تسبّب في إصدار عددٍ كبيرٍ من الكتب التي هي دون المستوى، مطلقًا عليها تسمية (الظّاهرة). كما أكّد في كلامه الحاجة اليوم لتنمية الوعي بأهميّة القراءة، مبيّنًا أنّ من اعتاد على قراءة الكتب ورقيًّا منذ الصّغر لن يترك عادته هذه، بل سيقوم بإدماج الكتاب الإلكترونيّ في تحصيله المعرفيّ.
في ختام اللّقاء أكّد الأستاذ رشاد اعتزازه بما يحدثُ في معرض البحرين الدّوليّ للكتاب، موجّهًا شكره لهيئة البحرين للثّقافة والآثار ممثّلةً في رئيستها معالي الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة وجميع القائمين على المعرض الذين اعتنوا بكلّ تفاصيل التّنظيم. وعن موقع المعرض، أشار في حديثه: (ما يميّز النّسخة الثّامنة عشر من المعرض أنّها تُقام بالقرب من منطقة أثريّة تصلُ ما بين الماضي والحاضر، وما يُثير الإعجاب أيضًا أنّ معظم روّاد هذا المعرض هم من فئة الشّباب، وهذا ما يدلّ على استمراريّة إقبال هذه الفئة على الكتاب الورقيّ). وأضاف: (هذا ليس غريبًا على مملكة البحرين، فهي بلدُ حضارةٍ عريقة، وشعبها واعٍ ومثقّف، والذي أسهمت القيادة الرّشيدة بكلّ تأكيد في تعميق ثقافته وحبّه للاطّلاع على منجزات الآخر).