يتناول الكاتب المصري في قصته الحوارية المكثفة ثيمة تاكد تكون مهملة في خضم الصراعات التي عصفت بالبلدان العربية والتي أثارت نزاعات دينية وطائفية دموية بين آبناء الشعب الواحد. هنا في هذه القصة ومن خلال حدث يومي عابر يلقي الضوء على عمق العلاقة الإنسانية بين المواطنين من خلال حرارة اللقاء وتذكر تلك الطفولة الوادعة والجيرة والمحبة القديمة الجديدة بالرغم من أختلاف الديانة.

أهو أنت؟

رضـا صالـح

 

أبونا دانيال يهديك السلام

قال له بتعجب :

من أبونا دانيال ؟

يقول انه يعرفك

سلم لى عليه؛ وقل له أريد أن أراه ..

حاضر..

يتسلم الرداء الأسود من الحاج غريب ، وقد تم ما طلب عمله ، ويعلق الحاج غريب لحظة الحساب قائلا :

وخصم 50% من أجل أبونا دانيال !!

---***---

فى يوم من الأيام رفع الحاج غريب قدمه من على ماكينة الخياطة ، ونظر ناحية القادم من باب المحل وخلع نظارته الطبية العتيقة من على عينيه , حدق قليلا فى الداخل عليه... هذا القس المتشح بالسواد ؛ وقد تدلت لحيته الغزيرة السوداء ولاح منها لون الشعر الأسود مختلطا بلون فضى ؛ صاعدا من فوديه الى قمة رأسه, وقد لاحت على وجهه الأبيض ابتسامة واسعة..

أهو أنت !!!

أخذه بحضنه ، امتزج الاثنان لحظة من الزمن، وكل منهما يربت على كتف الآخر وعلى ظهره ،لا يصدق نفسه أنه رأى زميل الطفولة ،فى القلب مرآة تشع ضوءا مبهرا ينتعش بالذكريات ، كان كل منهما يستأذن أستاذه فى الخروج من الفصل بحجة الذهاب إلى دورة المياه لكى يتقابلا فى فناء المدرسة ، ويمارسان هوايتهما فى أى لعبة بسيطة يتفتق عنها وحى اللحظة .

يا بن الهرمة ...

قالها الحاج غريب بعد أن التقط أنفاسه وهو يحدق فى صديق طفولته متبسما ,أجابه الأب دانيال بنفس اللهجة دون رتوش :

ألم يصل ا ليك السلام يا بنى آدم ؟

نعم وصل ؛ ولكن من دانيال وليس من جرجس , ولم أكن أعرف إن سيادتك غيرت اسمك يابن العفريتة !!

ابتسم الأب فى حنو ، وقال :

غيروا اسمى لزوم الرتبة .

أخذ مكانه على الكرسى فى مواجهة الحاج غريب الذى عاد ليمسك بقطعة الصوف فى يده ليدخلها تحت إبرة ماكينة الخياطة فى مهارة ويسر، ونظر إلى الأب قائلا :

ماذا تشرب ؟

شاى

طلب من مساعده أن يحضر الشاى من المقهى المجاور ، استمر شريط الذكريات يتقافز على ذاكرتيهما ،قال الحاج غريب :

أتذكر أمى عندما كانت ترسل معى طبق الخضار إلى أمك ؟؟ كنا ننتهز الفرصة ونلعب فوق سطح بيتكم ؛ أما زال موجودا ذلك البيت الخشبى القديم ؟

لا فقد أزيل بعد العدوان .

وأين تسكن الآن ؟

فى شارع صدقى .

أبوك عايش ؟

لا... توفى منذ عامين .

الله يرحمه , كانت تجارته محط أنظار أهل الحى ، كان رجلا طيبا , كل الناس تناديه" ياعم بشوت ...ياعم بشوت " ولم يكن يرفض طلبا لأحد..

كان يبعث معى علب السمن والدقيق, وكنت أذهب إليكم بها فى المواسم والأعياد .

كنا نطلبها منه ، كانت أمى توصيه ألا ينسى هذا كل عام .

يعنى كلامى مضبوط ؟

ابتسم الحاج غريب ونظر إلى ضيفه قائلا :

مضبوط يا بن الهرمة

مازال لسانك زلقا

الشاى محتاج سكر ؟

لأ... مضبوط ياسى غريب !!

أتدرى سبب زيارتى ؟

أكيد وحشتك !!هل عندك سبب آخر ؟

نعم ..جئت أعزمك على فرح بنتى ؛ نصف أكليل سيكون يوم الأحد القادم بالكنيسة ...

ألف مبروك يا سيدى ؛ سأكون أول الحاضرين !!

استمر الحوار دافئا ، بين لحظة وأخرى يرشف أبونا دانيال الشاى بصوت مسموع ؛ أردف الحاج غريب :

مازلت احبك من أيام مدرسة النهضة،لأنك مازلت كما أنت ..قلبك بفتة بيضاء

أين ذهبت هذه الأيام ؟

أنت الذى تقول لى أين ذهبت ؟...ما الذى جرى لك ؟ أنت بقيت قسيس يا ولد !!

---***---

يضحك أبونا من قلبه ويتصافح الاثنان على أمل اللقاء