تجربة مسرحية مغربية يخوضها شاعر واعلامي مع فرقة مسرحية لعرض يخوض في أسئلة الهوية، وفق إعداد دراماتورجي أعاد صياغة الأسئلة الدرامية بشكل يتوافق مع أفق العرض. في هذه الورقة المقاربة يقربنا الناقد المغربي من أهم الإشكالات التي عالجتها المسرحية راصدا حركة الممثلين والسينوغرافيا وأسئلة العرض الجمالية في محاولة للوصول الى رؤية المخرج الدراماتورجية.

«رماد .. يقين» قفز عن الحواجز وبحث عن الهوية

يحيى عمـران

 

انعطافة حاسمة في تجربة الممارسة المسرحية الوطنية اليوم من خلال نماذج فريدة أعادت إشكال الطرح المسرحي من جديد وألهبت الساحة النقدية المسرحية الوطنية.

مسرحية رماد.. يقين ذلك النموذج المبتغى الذي جسد قاعدة الاختراق، خرق افق انتظار المتلقي بتعبير صاحب جمالية التلقي ياوس وإيزر.

أوجه التميز ومعالم الفرادة في هذا العمل المسرحي الذي قدم بدار الشباب الشهيد بلقصيص يوم الخميس ٢٤ ابريل ٢٠١٨ من لدن فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب، والذي يندرج ضمن جولة فنية وطنية ستجوب بها الفرقة مواقع مختلفة بالمملكة بشراكة مع المديرية الاقليمية لوزارة الشباب والطفولة، كونه اولا مقتبس عن أطروحة وجودية وفلسفية لديوان الشاعر محمد بلمو، باعتباره عمل تجريدي يريد ان يجد له مرفئ واقعي في الحياة اليومية للفرد متى واينما كان.

البناء الدرامي المميز مرتبط بأربع شخصيات تختلف على مستوى الجنس ،والمستوى الفكري والوضع الاعتباري، والمصير الفردي، يعيشون الازمة الفردية بمظاهرها وابعادها النفسية والاجتماعية والثقافية.

وبناء عليه يسعى هذا اللفيف من الشخصيات نحو البحث عن الخلاص الجماعي الذي تحول الى بحث فردي ضيق ، ليعود بعد فشل ذريع الى سعي جماعي.

يستغرق مسار حياة العرض لدى شخوص المسرحية ثلات مراحل جوهرية وفاصلة:

مرحلة الثبات والاستقرار في موقعها الاصلي/ عالم اليومي المقيت المبتذل/ والبحث عن الحل الجماعي الذي لم يتات لهم ، وهي محطة لجلد الذات فقط.

مرحلة الرحيل والانقسام للبحث عن الحل والخلاص الفردي بعد استنفاذ مقومات الحياة البسيطة وشروط العيش المريح. مع اقتطاع الفلاش بلاك التي تتضمن جوهر العمل.

مرحلة ثالتة: اعادة الالتقاء الجماعي مرة اخرى/ باعتبارها مرحلة اليأس بعد التعب والجهد والفشل المريع في توحيد المصير المشترك.

على مستوى الشكل تحضر الصورة، سينما مسرح ، وفق التطور الاني للفعل المسرحي ، وتكسير القواعد الكلاسيكية ، إذ يتم اللعب على مستوى فضاءات متعددة: المسرح ،والشارع ،والمقهى.

وداخل القاعة المسرحية يتم تكسير القواعد الكلاسيكية في اللعب، يتم الانطلاق من موقع الجمهور، اما الجمهور فيشاهد العرض من أعلى خشبة العرض، ليتم تبادل الادوار بعد ذلك في لوحة فنية متناسقة ومنسجمة تحضر فيها اللغة العربية الفصيحة في أجمل وأنقى مظاهرها، وحواراتها الراقية ،ومونولوجها الثائر الهائج الباحث عن ضوء للنفق المسدود.

على مستوى سينوغرافية العرض، يتم التركيز على البلاستيك، باعتباره مادة خالدة لايتم تحلله الا بعد عشرات السنين، وهي رمزية لها ارتباط كبير بالقيم الانتكاسية وإعادة أنتاجها واستمرارها وامتدادتها داخل الحياة الانسانية. أضافة الى التركيز على المربعات والمساحات الصغرى باعتبارها مساحات ضيقة للتفكير، وإطارات مغلقة بالوان مختلفة، اختلاف مصائر الشخصيات وووجهاتها الموبوءة، تسجن أفق التحرر وعنفوان الحياة في مستواها البسيط.

أما على صعيد الاكسسوار، فقد اختارت هذه الشخصيات ان تضع قبعات على رؤوسها، باعتبارها طبقات عاملة، لتنفجر الاسئلة من حولها: هل هذه هي الوظائف التي ناضلوا من اجل تحقيقها؟ هل هي وظائف تعبر عن وعيهم ومستواهم التعليمي والاجتماعي؟ ورمزية الوظائف المتعبة ، ورمزية العكازة الموظفة داخل العرض، وكاني بهم ينتزعون الكلمة من شخصيات لا صوت لها لتعبر عن هواجسها ومطالبها.

اسئلة عميقة تطرح خلال العرض: لماذا انا هنا الان؟ ولماذا انا بهذا الشكل وكيف السبيل للعودة الى نقطة الانطلاق؟ هل الخلاص في الماضي والماضوي والتاريخ والتراث؟ ام الخلاص في التقدم الى الامام والبحث عن الحداثة وتجاوز القطيعة التاريخية؟؟ هل ماكنت عليه على بساطته كان يمثلني خير تمثيل ؟ ام ان نمط تفكيري الذي تغير بين الامس واليوم هو سبب تعاستي وضياعي بين زمنيين وجيلين وتوجهين فكريين؟ ما العمل وما السبيل؟ وما الذات وما الحقيقة ؟ وهل انا هو انا ؟؟

من هنا تاتي رماد اليقين القصيدة البؤرة داخل الديوان لتؤطر هذه الاشكالات وتفتح الافاق امام المتلقي لينفث الروح في ذاته المستكينة/ استكانة الذات العربية المنهزمة، ويفجر شلالات الشك في حياض اليقين، و"قداسة" المسلمات التي اضحت عبر تشخيص الفرقة عبر مختلف مراحلها ومقاطعها مجرد شكوك تهز النفس البشرية من الداخل نحو سؤال الماهية واشكال الوجود والغاية والمنتهى.

جدير بالذكر ان" رماد.. يقين" مسرحية ودراماتورجيا للفنان طارق بورحيم، مقتبسة عن ديوان رماد اليقين، ومن تشخيص احمد البرارحي وشيماء عكور، علي بومهدي، بدر التايكة، وحمزة بومهراز.