شاركت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية والفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، في المنتدى الوطني للمسرح الذي نظمته وزارة الثقافة والاتصال، - قطاع الثقافة - بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لليوم الوطني للمسرح يوم الاثنين 14 ماي 2018، يحذوهما في ذلك حرصهما على التعامل الإيجابي مع كل المبادرات التي تحمل تعبيرا عن عناية فعلية بشأن الممارسة المسرحية المغربية وسبل تطويرها.
ولقد حرصت الهيئتان خلال كل مراحل الإعداد لهذا المحفل، على الإسهام الإيجابي في مضامينه ومخرجاته، من خلال التقدم بأوراق عمل وتوصيات متكاملة مستمدة من تحليل معمق تم تطوير التفكير فيه وبلورته على مدى عدة سنوات، وصياغته في خطط عمل وبرامج متماسكة، مستمدة من الإرث الذي راكمته الهيئتان، من خلال ندوات، ومناظرات وأيام دراسية متعددة، والتي تمخضت عنها العديد من المكتسبات الأساسية التي ساهمت في بناء المشهد المسرحي المغربي، مع التذكير أن المنظمتين سبق أن تقدمتا بالمقترحات وبشكل رسمي وفي عدة محطات، لعل آخرها الاستقبالان اللذان خص بهما السيد وزير الثقافة والاتصال الهيئتين في بداية توليه لمهام تدبير القطاع. وحرصت النقابة والفيدرالية في هذا السياق على التأكيد أن انعقاد هذا المنتدى ينبغي أن يحمل إضافة نوعية سواء بشأن أجوبة الوزارة على مقترحات الهيئتين، أو تقديم الوزارة نفسها لتصور يمكن للهيئتين أن تنكبا على دراسة عناصره ومكوناته وإغنائها، وعدم الاكتفاء بتحويل المنتدى إلى مجرد تجمع مسرحي وحدث إعلامي بلا وقع حقيقي بشكل يضع الجسم المسرحي في مواجهة ذاته، خارج المشاركة الفعلية لرجالات السياسة والاقتصاد والصناعة، خاصة وأن المنتدى تبنى كشعار له، "الصناعة المسرحية: الواقع والآفاق".
من هذا المنطلق، تفاعلت الهيئتان بشكل إيجابي مع مبادرة الوزارة، جاعلتين منها محكا لاختبار مدى استعدادها للتقدم خطوات إلى الأمام في بلورة سياسة ثقافية ناجعة تحافظ على المكتسبات وتعزز فرص توسيعها وتفتح آفاقا جديدة، وتقف في وجه كل تراجع محتمل. غير أن مجريات المنتدى، من الناحية الشكلية، ومن ناحية ما تم تداوله أثناءه من معطيات ومعلومات، جعل الهيئتين مدعوتين إلى التعبير عن قلقهما من مآل المسار التشاوري الذي تنخرط فيه الهيئتان منذ عدة سنوات بصبر وثقة وحسن نية.
فمن الناحية الشكلية، قلصت هندسة المنتدى المتمثلة في عدم حضور أي قطاع حكومي أو ترابي أو خاص خارج وزارة الثقافة والاتصال، وعدم استمرار السيد الوزير أو على الأقل الكتابة العامة لأي من قطاعي الوزارة، للمواكبة والمشاركة في الأشغال والمناقشات، مما جعل الحوار أحادي الجانب، بشكل أوحى للمشاركين أنهم أمام محفل من المحافل المعهودة منذ عدة سنوات لتدبيج التوصيات وتجديد تدبيجها بدون أفق واضح لتفعيلها.
ومن ناحية المعطيات والمعلومات التي تم تداولها خلال المنتدى ولم تجد من يقدم جواب الوزارة عنها، فإن الهيئتين لا يسعهما إلا أن تسجلا التخبط في تعامل القطاع الحكومي المكلف بالثقافة والاتصال، مع ما سبق أن تحقق لفائدة شغيلة قطاع الفنون الدرامية ولفائدة المهن الدرامية، ومعالم التراجع الواضح عن الوفاء بما سبق التعهد به من التزامات مع المهنيين، ولا سيما في البيانين المشتركين بين الوزارة وكل من النقابة والفيدرالية. يتعلق الأمر هنا بالتعثر الملحوظ في تنفيذ أجندة الموسم المسرحي وبرنامج دعم المسرح، برسم الموسم الحالي. كما يتعلق بإفراغ بعض مكونات هذا البرنامج من مدلولها ومحتواها، والتصرف في مضامين دفتر التحملات مع التخلي عن بعض المكتسبات دون أي استشارة للهيئات والتنظيمات المهنية.
لابد أن نسجل أيضا أن المنتدى انعقد والموسم المسرحي يعرف ارتباكا فظيعا إذ أن فصوله لم تنطلق لحد الساعة، والذي لاشك أنه سيحمل خللا إن على مستوى الإنتاج أو تسويق وترويج العروض المسرحية، وفي هذا الصدد تسجل الهيئتان بقلق شديد بداية التراجعات الخطيرة في حماية مكتسبات نضالات الفنانين وترافعاتهم لفائدة الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية، والمتمثلة في العديد من الخطوات الإجرائية المجحفة أهمها مراجعة لائحة الدعامات المستهدفة بقانون النسخة الخاصة وأثمنتها، وحذف بعض الدعامات في تناغم مع ضغوط لوبيات المناوئين لحماية حقوق المبدعين وفناني الأداء بما يلحق ضررا كبيرا بهذه الحقوق؛ وكما تمثلت أيضا في التراجع عن مضامين الكتاب الأبيض حول السينما، بسحب تمثيلية الفنانين والتقنيين من مكونات المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي في القراءة الأولى لمشروع تعديل القانون المنظم للمركز السينمائي المغربي بعد أن تقدمت بها الأغلبية البرلمانية وبعض فرق المعارضة وعارضتها الوزارة ! وقد تمت هذه التراجعات بتغييب كامل لمنهجية التشاور مع المهنيين، وفي غياب أي تقويم موضوعي لوقعها ومدى نجاعتها؛ مما يكشف عن خلل كبير في إعمال منطوق قانون الفنان الذي ينص بكل وضوح على ضرورة وإلزامية التشاور مع المهنيين في كل ما يتعلق بالقطاع.
إن النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية والفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، إذ تسجلان مكامن الخلل المشار إليها، والتراجعات التي طبعت الساحة المسرحية خلال هذه السنة، فإنهما يعبران عن استمرارهما في التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة وتلحان على الإسراع بتشكيل هيأة مشتركة بين الوزارة وبينهما من أجل تتبع مخرجات المنتدى وتدعوان إلى الإعلان عنه كمحطة سنوية للتقويم والتتبع، مع تدقيق هندسته ليصبح محفلا سنويا لبناء الشراكات وتقويم السياسات العمومية المرتبطة بالقطاع المسرحي على الصعيدين المركزي والجهوي تفعيلا لمضامين المخطط الملكي للنهوض بالقطاع المسرحي كما رسمته الرسالة الملكية الموجهة إلى المسرحيين المغاربة سنة 1992 وتنزيلا لمقتضيات الدستور المغربي 2011.
وتحيي الهيأتان في الختام كافة المسرحيين المغاربة بمناسبة عيدهم الوطني في ذكراه الفضية، وتحيي انخراطهم الفعال وغيرتهم وإصرارهم على مواصلة النضال من أجل ممارسة مسرحية جديرة بروح الإبداع المغربية وبانتظارات المغاربة وتطلعاتهم الجمالية والفكرية. كما تحييان جيل الرواد على مواصلتهم الصمود والإيمان بمستقبل المسرح المغربي كما عبر عنه حضورهم طيلة أشغال المنتدى، وتوجهان تحية خاصة لأطر وزارة الثقافة الذين سهروا بجد والتزام على إنجاح المنتدى في كل مراحل الإعداد والتنفيذ.