كتاب نقدي جديد للناقد عبد اللطيف محفوظ: وظيفة الوصف في الرواية

بعد أن صدرت بداية يناير الطبعة العربية لكتاب الناقد المغربي عبد اللطيف محفوظ (وظيفة الوصف في الرواية) عن الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت ومنشورات الاختلاف بالجزائر، صدرت بتزامن مع المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء الطبعة المغربية عن منشورات سرود التابعة لمختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك الدار البيضاء. وتعتبر هذه الطبعة الثالثة وفق ترتيبها الزمني. وقد كتب الناقد شعيب حليفي للطبعتين العربية والمغربية مقدمة ركز فيها على أهمية الكتاب في سياق تطور النقد المغربي وسياق تطور تفكير الناقد بالعمل النقدي. من أهم ما جاء فيها: (يخوض النقد المغربي مغامرات شتى لفائدة التعبير الإنساني، بمختلف ألوانه، بحثا عن ملء مساحات الصمت والإخفاء المدثرة بالمجازات و التقنيات الفنية المتعددة.. وذلك في سبيل صوغ أدوات نقدية، تكرس وضعا اعتباريا مميزا، وتمتلك سلطة ثقافية، تؤهلها للدخول مع كل العلامات الإبداعية، على تنوعها، في تفاعل خلاق ومنتج،عبر عدد من الاستراتيجيات.. بغية الوصول إلى تحقيق نماذج خلاقة تكتسب الكثير من سمات الأصالة التي تعني القدرة على الصمود في الزمن. وقد تأتى ذلك لبعض التجارب، بفضل تمثلها الجيد للتصورات والنظريات الأساسية ذات الخلفيات الفلسفية الواضحة، وأيضا بفضل إيلائها الأهمية القصوى للنصوص الإبداعية التي اختارت مقاربتها..

ضمن هذا الاختيار، عرف النقد المغربي اعتمال حركات شتى ودينامية في بناء وتطور خطابه، ساهمت فيها عوامل متحركة ولا محدودة، منها حركات التثاقف والإبداع، إلى جانب دور المؤسسات العلمية والثقافية في انطلاق النقد، والذي ظل مرتبطا بالأفق الحداثي لرسم أثر واضح في الحركة الثقافية بعامة. الشيء الذي مكنه من الانفلات من التبعية والانغلاق، ومن التعالي عن الشرح، و من الاستقلال بخصوصياته.

ويحفل النقد الأدبي بالمغرب بإيماضات تحبل بوعي نقدي، ممتلئ بجينات استمرارية خطابه ورؤيته. وهو الأمر الذي نلمحه في تآليف نقدية تأسيسية مرت عليها عقود زمنية وما زالت فاعلة، ملهمة وقادرة على إثراء القراءة والنصوص والأسئلة.. مع اليبوري وبرادة وكليطو ومفتاح وغيرهم.

ولعل الكتاب الذي أصدره عبد اللطيف محفوظ قبل حوالي عقدين تحت عنوان (وظيفة الوصف في الرواية)، يدخل في هذا الإطار، ويعبر بإلحاح، أثناء قراءته في طبعته هذه ـ التي فضل الكاتب الاحتفاظ بها كما صدرت في الأولى ـ عن ملمحين أساسيين:

الأول: راهنية الرؤية النقدية التي صدر عنها، سواء على مستوى صوغ الجمل النقدية، المنمذجة لنوع مخصوص من الحجاج المتمثل في التدرج المنطقى، خاصة في بناء التصورات النظرية التي احتفل بها الكتاب. أو على مستوى موضوع الكتاب، الذي تمثل في الانشغال بالحفر في جزئية دينامية هي (الوظيفة)، الفاعلة في مكون (الوصف)، الذي تكمن أهميته في كونه حاضرا بالضرورة في كل أشكال التعبير الممكنة، سواء كانت تخييلية أو تجريدية أو تواصلية عادية... أو على مستوى بناء التحليل، الذي يصدر عن رؤية علمية رصينة ومتحررة من الصرامة الجافة، ورافضة للتعميمات والتقييمات الجزافية التي يغري بها، عادة، مجال السرد.

ثانيا: يستدعي هذا الكتاب الربط بين ما تضمنه من أفكار ومناقشات وأشكال بناء التصورات ،وما سيقدمه عبد اللطيف محفوظ لاحقا في التسعينيات من القرن الماضي من دراسات وبحوث ضمن الحلقات العلمية لمختبر السرديات، أو في مؤتمرات وندوات داخل المغرب وخارجه، وما سنقرأه له في المجلات والمواقع و في مؤلفيه الأخيرين (آليات إنتاج الخطاب الروائي، نحو تصور سيميائي). و (المعنى وفرضيات الإنتاج) حيث يؤكد الربط أهمية كتاب (وظيفة الوصف في الرواية) في تفسير خلفية توجهاته النقدية الحالية، وتسليط الكثير من الضوء على ما يبدو غامضا من أعماله. وخصوصا على ما اشتغل عليه الناقد لاحقا، سيما في مجال التحليل السيميائي. الشيء الذي يؤكد أنه ينطلق دائما من فهم متقدم ويشغل أدوات تنتمي إلى صياغاته الحاملة باستمرار لإرهاصات أخرى قادمة).