الباحث المغربي شعيب حليفي في كتاب جديد: مرايا التأويل

تفكير في كيفيات تجاور الضوء والعتمة

صدر عن دار الثقافة 2009 كتاب نقدي جديد لشعيب حليفي بعنوان: (مرايا التأويل، تفكير في كيفيات تجاور الضوء والعتمة) وهو من ثلاثة فصول: الفصل الأول بعنوان صور التاريخ في النسيان، فيما الفصل الثاني جاء بعنوان: سيرورة التخييل.الفصل الثالث حول سماد الحكاية.

ومما جاء في مقدمة هذا الكتاب:.. تصبح الرواية، في هذا السياق العنيف والمُعَبر، مرآة صوفية للمعرفة الإنسانية والإضاءة والتفكيك والمتعة، من خلال إمكاناتها التخييلية واللغوية من جهة، وقدرتها من جهة أخرى، في الانفتاح على سجلات وعلامات وحقول من أجل تشكيل الرومانيسك، من الذات والمجتمع والتاريخ عبر توظيف بنيات وأساليب ولغات من خطابات وأشكال أخرى. إن الرواية، وهي نص لغوي تخييلي مركب بمرجعيات وتيارات، لا يمكن أن تحيا وتتطور وتستمر دون مد جسورها عموديا وأفقيا، في علاقات مفتوحة وأحيانا سوريالية، مع كل شيء لغوي ورمزي، لذلك فإن النص الروائي يرتبط على الأقل بمجموعة عناصر تعمل على تشكيل متخيله والتنويع عليه. فالآخر والذات والتاريخ والمجتمع واللغة... عناصر يتحكم فيها الاصطدام وبناء الصورة والمثاقفة ومساءلة الذات والأنساق التاريخية والمعطيات والتبدلات الحاصلة في القيم والسلوكات والعلاقات والرؤى داخل المجتمع، وما رافق كل ذلك من تطويع للغة ودلالاتها. وتؤسس الرواية، في هذا الإطار للأفق المغاير، وهي أثرغميس من الهدم والبناءات المتراكبة هندسيا بلعبة لا يعرف أسرارها سوى الروائي الذي يقدم تأويلاته وتفسيراته حول جزء من هذه العملية حينما يوحي بمرجعياته أو يوهم ببعض عناصرها للمتلقي، ما دام كل قول وتعبير أو كل نص عموما هو نتيجة امتصاص وتحويل لنص أو نصوص أخرى. وتكشف الرواية العربية، مع كل نص جديد، عن الدينامية والتجديد، والتنوعات الجذرية لبنيات السرد، لأن الرواية بدورها، جنس تعبيري، يبحث عن أفق مختلف ينزع نحو خلخلة المكرس والمعطى والرسمي والمألوف، وكل ذلك لا يتأتى إلا بالمزيد من البحث والمغامرة ونزع القدسية عن تاريخ نفقت بداخله وترسبت كل التصدعات والهزائم والأكاذيب.

إن الرواية بمعنى ما، هي بحث عن فهم (كلي) وسعي إلى التعبير عن شتات الواقع وتشظيه، تتخذ كل أشكال الروح في تبدل حالاتها، طموحا منها إلى الملحمية لاكتساب هوية كونية، عابرة للقارات والأفكار والأجناس. من تم فإن ارتباطها ـ وهي جنس تخيلي بامتياز ـ بتنويع أشكالها والتجريب المستمر، وبحميمية الذاتي والمجتمعي والتاريخي، منحها (حقا مقدسا) في توسيع حقول استثمارها، وصولا إلى دفع التخييل إلى التخفي في القول، والتعبير عن هوية الدلالات المفقودة بصيغ جديدة، وهي (لا تحقق وجودها إلا عندما تصبح تلك المرآة التي تندس في تضاعيف النفس ملتقطة دبدباتها الكامنة)(1)، وفي تفاصيل المرئي الجزئي والكلي، وفي اللامرئي والمحتمل والغيبي والنسبي والمطلق والواقعي...