يبني القاص المغربي نصه القصيرة على فكرة الملح بكل مدلولاتها الفكرية مستندا إلى تقنيتين الحلم والتاريخ ليمزج بينهما في نص ينساب بلغة سلسلة يصور السارد في الحلم وهو يرى شخصيات تاريخية لها علاقة بالملح والسياسة، ليربط رؤيا الحلم بالواقع عن يقظته فيجد المحرض على الحلم يحتل شاشة حاسوبه.

حلم مملح

عبد الجليل لعـمـيري

 

كنت اصعد الدرجات العشر مغمض العينيين مقيد القدمين واليدين: واحد، اثنان،...تسعة، عشرة .

التنفس منتظم. يفتح باب ،افتح عيني لاجد نفسي داخل ثلاجة...الجو منعش.انغام شعبية تتعالى ...انه صوت الرويشة ووتاره العملاق يسيل انغاما..

الضوء يعم المكان ،صورة كبيرة معلقة على جدار الثلاجة العملاقة: رجل اصلع نحيف اميل الى السمرة يجلس القرفصاء ويضع يديه على ركبتيه ومن شفتيه تطل ابتسامة دافئة..انه غاندي...هي نفس الصورة التي رأيتها في الكتاب المدرسي ذات فصل...واسفل الصورة كتب بخط مفحم :

(لم يكن عبثاً أن المهاتما غاندي اختار الملح ليكون مدخلاً إلى استقلال الهند عن بريطانيا).

وعلى الجانب الأخر ثبتت صورة لجورج واشنطن وهو يقف قرب حصانه الأبيض مرتديا لباسه العسكري الأنيق. يقال أيضا انه طالب بريطانيا بالحصول على حق الأمريكيين في الملح وخاض ضدهم حربا شعبية.

الجو داخل الثلاجة منعش روائح الخضر والتفاح منتشرة...أمد يدي الى تفاحة خضراء.. يقال انه افضل من الاحمر(هذا قد يعجب الراجويين). زاوية بها بقدونس طري تغري بالنوم.استلقيت وتمددت وتسلق نظري المحيط متوقفا عند الصورتين ،غمغمت (عجيب ان يجتمع زعيمان على أهمية الملح ضد بريطانيا).وغفوت.

رايت نفسي في سوق تفسير الاحلام: غمغمت (علي ان اتخير حلما مناسبا لعله يفك كربي). وتجولت في السوق لتستوقفني خيمة سوداء عظيمة مفتوحة على ساحة السوق، كانت مثل رواق عرضت داخله انواع من الملح :الابيض، الاسود، الداكن، الاحمر، المائل الى الصفرة.... ولافتات كبيرة الحجم كتبت عليها بعض العبارات :

(مملح السمك أخبار سارة).(الملح زهد في الدنيا وخير ونعمة).( من أكل الخبز بالملح فقد اقتنع من الدنيا بشيء يسير).( الملح هو في المنام مال بلا تعب).( إذا حلمت أنك ملحت اللحم فهذا ينبئ بأنك ستنوء بثقل الديون والرهانات).( من رأى: أن ملح الناس قد فسد، فإن الطاعون يحل بذلك المكان، أو يحل فيه ظلم أو قحط).

وانا انسحب من الخيمة انزعجت لمنظر دود أسود يتسلل من أسفل اكوام الملح....فخرجت كالهارب..

أفقت منزعجا لم أجد أثرا للثلاجة ولا للبقدونس الناعم ولا لأكوام الملح الفاسد ...وجدت حاسوبي قربي تصدح منه موسيقى شعبية، وشاشته تحتلها صورة المهاتما غاندي مقرفصا وهو يخيط الملابس. لعل رتق جراح الملابس ينسي جراح النفس.