هذا التقرير التركيبي يتوقف عند مناظرة وملتقى نظمته العديد من الهيئات والتي يدخل في صلب اهتمامها الجانب التنموي والثقافي والدراسات والبحث، في محاولة لمقاربة وضعية المراكز الصاعدة اليوم على ضوء التوزيع الجهوي الجديد، ولتعزيز سياسة ثقافة القرب، ومشاركة الفاعل المحلي في إنتاج وتدبير السياسات العمومية.

المراكز الصاعدة: المكانة المجالية ورهانات الاندماج في ظل الجهوية المتقدمة

حافظ الشرك ومحمد كمال المريني

I. تقديم الموضوع: السياقات والإشكالية.

طرح موضوع: المراكز الصاعدة المكانة المجالية ورهانات الاندماج في ظل الجهوية المتقدمة على طاولة المناقشة ضمن أشغال الملتقى الوطني الأول الذي نظمه منتدى إقليم صفرو للتنمية والتضامن وشبكة تنمية القراءة بصفرو والمركز الوطني للدراسات والأبحاث الجغرافية والتنمية يوم السبت 5 ماي 2018 بقاعة الندوات ببلدية مدينة صفرو تحت شعار المراكز الصاعدة أقطاب للتنمية المحلية.

ويهدف هذا الموضوع، من خلال ورقته التقديمية، إلى مقاربة إشكالية تهيئة التراب الوطني من خلال التركيز على الأهمية المجالية والوظيفية للمراكز الصاعدة في هيكلة التراب الوطني وفي تحقيق التنمية على النمط الترابي. إذ أن المركز الصاعدة بحكم توزيعها المجالي وتعددها واستفادتها من بعض التجهيزات والبنيات التحتية، مقارنة مع العالم القروي المجاور، يمكنها أن تضطلع بوظائف تقديم الخدمات

الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإدارية لساكنتها وللمجالات القروية المحيطة بها، مما قد يعزز من أداء سياسة القرب واللامركزية، ويرفع من حظوظ التوزيع العادل للبنيات التحتية والتجهيزات والموارد والسكان على مجموع التراب، والتخفيف من نزيف الهجرة القروية المتسارعة نحو المدن الكبرى والمتوسطة. لكن بالمقابل، وبالرغم من الرهانات التي تطرحها المراكز الصاعدة على مستوى التنمية، خاصة مع ارتفاع صبيب الديمقراطية المحلية والتشاركية، يظل واقعها تحت ضغط إكراهات نقص التجهيزات الجماعية ومختلف البنيات التحتية وضعف إمكانيات الإبداع في تثمين مواردها الترابية وتطوير بنياتها الاقتصادية لخلق فرص الشغل وتحسين مستوى عيش سكانها والرفع من قدرتها لتأطير المحيط القروي المجاور واستيعاب الهجرة القروية المحتملة.

وأمام واقع المراكز الصاعدة التي تطرح تناقضات تتراوح بين الأدوار الايجابية التي تقوم بها، أو من المحتمل أن تقوم بها إزاء نفسها وللعالم القروي والمدن المتوسطة والكبرى، بما يجعلها إحدى مرتكزات إعداد التراب ورافعة للتنمية، وبين العجز الذي لا يزال يطرحها بعضها على مستوى التمكن من البنيات التحتية الأساسية والرؤية الإستراتيجية للتنمية على المستوى المحلي. كان لابد لهذا الملتقى أن يطرح تساؤولات تروم تشخيص التوزيع الجغرافي لهذه المراكز على التراب الوطني وأشكال اشتغالها لإبراز مواطن قوتها و مكامن خللها، لاسيما ما يتعلق بقدرات الفاعلين المحليين في إنتاج سياسات عمومية قادرة على أن تجعل من المراكز الصاعدة مجالات ترابية وظيفية، في ظل دستور يعطي إمكانيات واسعة في ممارسة الديمقراطية المحلية والتشاركية، وجهوية متقدمة تسعى إلى إرساء منظومة ترابية متوازنة.

ومما لاشك فيه أن تنظيم هذا اللقاء العلمي الأكاديمي لتدارس موضوع المراكز الصاعدة: المكانة المجالية ورهانات الاندماج في ظل الجهوية المتقدمة، قد تحكمت فيه عدة سياقات موضوعية يمكن تجميعها في النقط التالية:

1. شروط العولمة وخيار الانفتاح: لما أصبحت ظاهرة العولمة واقعا مفروضا بتداعياته الايجابية والسلبية، اختار المغرب أن ينخرط فيه بقوة، لكن اعتمادا على إستراتيجية مبنية على خلاصات الحوار الوطني لإعداد التراب الوطني التي عكستها وثيقة الميثاق الوطني لإعداد التراب والذي ينطلق من التشخيص الترابي للمجال المغربي ويرتكز على مبادئ تدعيم الوحدة الترابية وتأهيل العنصر البشري وتحقيق النجاعة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي والتضامن الترابي والديمقراطية التشاركية بهدف الرفع من الأداء الاقتصادي وضمان تنافسيته، وتدبير الموارد الترابية وخاصة التراث والتوزيع الفعال للمهام بين المستويات التراتبية الحضرية، وذلك وفق مقاربة تنموية شمولية تستند على وثائق مرجعية لإعداد التراب وعلى جهوية قوامها التوازن وإعادة تحديد أدوار الفاعلين على أساس التعاقد والشراكة والتمكين من الموارد المالية.

وإذا كان توجه الدولة نحو الاشتغال على الأوراش الكبرى لتأهيل التراب للانخراط في العولمة، فإنها قد خولت للفاعلين المحليين صلاحيات واسعة لتطوير المجالات الترابية التي تنتمي إليها حسب خصوصياتها المحلية، وجعل هذه الأخيرة مدخلا للاندراج الايجابي في مسلسل العولمة.

وتشكل المراكز الصاعدة واحدة من المجالات الترابية التي تجابه تداعيات العولمة، حيث أرغم أغلبها على الانخراط في مسلسل العولمة بالقوة قبل أن تتملك قدرات التأهيل لربح رهان هذا الانخراط بالفعل. وفي ظل الطفرة الايجابية التي عرفتها القوانين الوطنية في تمكين الفاعلين المحليين من أدوات ومنهجيات وموارد مالية كفيلة بالتدبير التشاركي في إنتاج وتصريف السياسات المحلية، فإن السؤال يظل مطروحا حول العوائق التي تعوزهم في تنسيق جهودهم للنهوض بوضعية هذه المراكز.

2. تعدد الفاعلين والاتجاه نحو التدبير التشاركي: تؤشر النصوص القانونية والتقطيع الترابي الجديد إلى أن الدولة المغربية ماضية في إرساء المقاربة التشاركية على مستوى تدبير الشأن المحلي، باعتبارها آلية من الآليات التدبيرية التي ستساهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. إذ يمكن لهذه العلاقة المبنية على المواكبة والتعاقد والتواصل والتوافق بين الدولة وباقي الفاعلين المحليين في تدبير الشأن العام المحلي، وعلى تطبيق القوانين الأساسية لحسن التدبير من تقوية قدرات الإبداع في التدبير وتحقيق الحكامة الترابية.

وفي هذا السياق، ومن منطلق إستراتيجية تطوير هذه المراكز في تحقيق تنمية ترابية منسجمة، يمكن للجماعات الترابية التي تتوفر على هذه المراكز داخل حدود ترابها، ولمختلف الفاعلين والفرقاء للبحث عن توليفة توافقية لتطوير هذه المراكز للقيام بوظائفها.